في اللّحظة التي كاد وجه لاتيني يظلمُ من سماع تقرير روديلا التّفصيلي عن “كيف انتهى بهما الأمر مكبّلين بالأصفاد”، أخرجت روديلا الأرقام.
“هذه معجزة! معجزة!”
صرخَ لاتيني وهو يقفز فرحًا.
“مقارنة بالرّبع السابق، انخفضت الأضرار بنسبةِ تقارب 40%! عدد الأشياء المحطّمة ككلّ قد قلّ!”
بلغت النسبة خُمسين! ابتسم لاتيني بعرض وجهه.
نظر آيفرت إلى الأوراقِ بتفاجئٍ طفيف.
لم يكن يتوقّع أن تنخفضَ بهذا القدر.
بالطبع، مقارنة بالفرسانِ الحمر الذين يضحّون بالأشخاص بدلاً من الممتلكات أو المباني، كانت تكاليف الأضرار أكبرَ بطبيعةِ الحال.
لكن مقارنةً بالسابق، كانت النّتيجة مذهلة حقًا.
“سيكون هناكَ تقريرٌ دوريّ من قسمِ الشّؤون الإدارية قريبًا.”
قال لاتيني ذلكَ وهو يمسحُ شفتيه، متذكّرًا فجأةً شيئًا مهمًا.
يُعقد التّقرير الدوري الذي يرعاه قسم الشؤون الإدارية، والذي يتمّ فيه تقرير الوضع المالي والأداء لكلّ فرقة فرسان، مرّةً كلَّ ستة أشهر.
كانَ تقرير النّصف الأول من العام على الأبواب، لكن المشكلة أنّ روديلا انضمّت في نهاية النصف الأول تقريبًا.
بالطبع، لم يكن هناكَ ما يمكن فعله حيال تعويضات الأضرار الهائلة التي تراكمت في بداية ومنتصف النّصف الأول.
“ومع ذلك، هذا الرّبع وحده بلغ 85% من الربع السابق! هل تصدّقون ذلك؟ أنت، نائب القائد، هل تصدّق؟”
صرخَ لاتيني دونَ إخفاء حماسته.
“هل يمكننا إنهاء التّقرير الدوري بنجاح؟ هاه؟”
نظر لاتيني إلى روديلا بعيونٍ متلألئة.
“…سأحاول.”
أومأت روديلا برأسها بعد صمتٍ قصير، و وجهها مكتئب قليلاً، كما لو أن شيئًا ما يزعجها.
نظر إليها آيفرت.
“لا تهتمّي بالأصفاد. سأتكيّف مع حركاتكِ.”
إذا قلتَ ذلك، فلن تكونَ هناك مشكلة، لكن…
تنهّدت روديلا.
لكن يجب أن أنجح!
استعادتْ قوّتها و قالت:
“سأنجح بطريقةٍ أو بأخرى!”
لهذا السّبب أتيتُ إلى هنا!
أومأ لاتيني برأسه.
“كما تعلمين، حتى لو لم تكن أميريس تحبّ فرسان الحمر كثيرًا، فهي صارمةٌ في فصلِ العمل عن أمورها الشّخصية، لذا لن تعطينا معاملةً خاصّة.”
أومأت روديلا برأسها.
“أعلم أيّ نوعٍ مِن الأشخاص هي”
الوزيرة أميريس.
كانَ معروفًا أنها، على الرّغمِ من صداقتها الشخصية مع لاتيني أثناءَ الحرب، نادرًا ما تلتقي به الآن.
“ليسَ مِـنَ المناسب أن يلتقي الأشخاص الذين يعملونَ في شؤون الدولة بشكلٍ شخصي.”
كانت تقول ذلك.
بالطّبع، تسبّب ذلكَ بسعال محرج من أشخاص فصيل النبلاء.
سأتحدّث بثقةٍ عن إنجازاتي مثلها.
لتحقيقِ ذلك…
“لقد أعددتُ البيانات بالفعل. بما أنّنا بحاجةٍ إلى شيءٍ مختلف عن الفرسان الحمر…”
مدّت روديلا يدها و بدأت تشرح عناصر جديدة لم تكن موجودة في نموذج التّقرير الدوري القديم.
كانت عناصر تهدفُ إلى إظهار أن صورة وتوجه الفرسان الحمر و الفرسان الزّرق مختلفان تمامًا.
استمعَ لاتيني إلى المحتوى وقال:
“بالفعل، بالفعل، هذه مسؤولة شؤوننا الإدارية.”
صفّق واقفًا.
نظرَ آيفرت إليها بوجهٍ متعجّب.
“متى أعددتِ هذا؟”
كيف لم ألاحظ و نحنُ متّصلان؟
ضحكت روديلا بخفة.
“عندما كنتَ نائمًا.”
“نائمًا؟”
على السّرير؟
نمتُ بعدكِ، بل لم أستطع النّوم، فمتى بالضّبط؟
تذكّر الفجر مجدّدًا و أصبح آيفرت مشوشًا، بينما بدا لاتيني مذهولًا.
“أنتما، حتَّـى و أنتما مكبّلان و تتحرّكان معًا، لا تعرفان ماذا يفعلُ الآخر؟”
سواء سمعَ ذلكَ أم لا، خرجت كلمات آيفرت في نفس الوقت تقريبًا مع كلمات لاتيني:
“ربما لأنني كنتُ مشغولًا بالنّظرِ إلى وجهكِ.”
في أجواءٍ ورديّة مفاجئة، بدأ لاتيني يفرك ذراعيه بيديه.
و أمامهما…
“بدوتَ متعبًا ذلكَ اليوم. كنت سأطلبُ منكَ العمل على الأوراق معي، لكنكَ كنتَ نائمًا.”
…هل ستفعلان هذا أمامي؟ أعطيا إشارة أوّلاً!
ومع ذلك، نجحتْ روديلا في التّمثيل ببراعة.
لم تنسَ أن تبتسمَ بلطف.
ألم تتمكّن بفضلِ هذا التّمثيل من الحفاظِ خطوبتهما؟
“أنهيتُ الأوراق بسرعةٍ لأنظر إلى وجهكَ.”
لم يتحمّل لاتيني الاستماع أكثرَ وقال:
“…افعلا ذلكَ خارجًا.”
كان هناكَ شيءٌ من الحزنِ في مظهر لاتيني.
وهكذا، اقتربَ موعد التّقرير الدّوريّ بسرعة.
* * *
كانت حرب الوحوش التي اجتاحت القارّة طويلة و شاقّة.
خلالها، صمدت إمبراطورية هارنيس في مركز القارة، وساهمت بشكلٍ كبير في القضاء على العديدِ من الوحوش.
بينما تفكّكت بعضُ الممالك بسببِ الوحوش، أو اندمجت، أو تم تنصيب ملوك جدد، بقيت الإمبراطورية صلبة.
كان ذلكَ يعني أن عددًا كبيرًا من القوات استُخدم لتحقيق استقرار الإمبراطورية.
لذلك، بحلولِ نهاية حرب الوحوش، كان عدد الفرسان في الإمبراطورية أكثرَ من ضعف ما كان عليه قبل الحرب.
كانَ ذلكَ للقوات المقاتلة فقط، وإذا أضفتَ فرق البحث عن الوحوش، و فرق الإمدادات، وشعب الإمبراطورية الذين يعتمدون عليهم في معيشتهم، كانَ العدد هائلاً.
بالطبع، لم يكن بالإمكان تقليل هذا العدد، ولم يكن الإمبراطور ينوي ذلك.
لماذا سيُقلّلُ مِن قواته؟
بدلاً من ذلك، أدارَ الفرسان مباشرةً من خلال قسم الشؤون الإدارية الذي تديره وزيرته المخلصة.
دعمَ الفرسان بأموالِ العائلة الإمبراطورية لتحسين حياتهم، مقابلَ جعلهم قوّةً تابعةً له تمامًا.
وكجزءٍ من هذه العمليّة، كان هناكَ وقت “التقرير الدوري” الذي يرعاه قسمُ الشّؤون الإدارية.
كان مكانًا يتلقّون فيه تقارير من مسؤولي الشؤون الإدارية الموجودين في الفرسان الحمر و الفرسان الزّرق حول كيفيّة عمل الفرقة وما هي إنجازاتها.
“هوو.”
بالنّسبة لروديلا، التي كانتْ من قسم الشؤون الإدارية و تعرف جيّدًا كيفية عملها، لم يكن هذا الحدث يستدعي التوتر.
رأتْ بالفعل عدّةَ مرّات مسؤولين يقولونَ أشياء متناقضة.
“يجب على مسؤول شؤون الفرسان الحمر أن يتتبّع الماليات بمزيدٍ من التفصيل.”
كانت تعلم أن الوزيرة أو الإمبراطور كانا يقدّمان مثل هذه الملاحظات.
بمعنى آخر، لم يكنْ مكانًا حادًّا جدًا.
لكن روديلا، التي تسعى دائمًا للكمال، كانت تنوي الاستعداد جيدًا.
لن يتمكّنَ أحدٌ من إيجادِ ثغرة في عملها!
لذلك، سهرت ليالي تحفظ تقريرها عن ظهر قلب.
لم تكتفِ بذلك، بل أعدّت أسئلة متوقّعة قد تُطرح في الموقع.
حتى أثناءَ التّنقل، كانت تستغل أي وقتِ فراغ، عدا أوقات تدريب الفرسان.
وحتى الآن، قبلَ النّوم.
لذا، لاحظت شيئًا لم ترَه من قبل.
“لمَ لم تنم بعد؟”
كان آيفرت، الذي بدا متعبًا مؤخرًا، لا يزال مستيقظًا حتى وقتٍ متأخّرٍ من الليل.
هل كانَ يسهر هكذا دائمًا؟ لا، ليسَ كذلك.
حتى لو كان في بيئةٍ غريبة، ألم يكن من المفترض أن يتأقلمَ بحلولِ الآن؟
حتى هي، التي تنامُ معه، كانت بخير منذُ أيّام، لكنه لا يزال يقلق مِن أن يؤذيها؟
بجانبها، وهي تخدش خدها، كان آيفرت مستلقيًا، يغطي عينيه نصفيًا بظهرِ يده على جبهته.
“سأنام.”
لم يكن هناكَ أثرٌ للنّوم في صوته.
مالت روديلا برأسها وأومأت على أيّ حال.
“تصبح على خير.”
ثم بدأتْ تحفظُ ما كانتْ تحفظه مجدّدًا.
هذا الرّبع يحتاجُ إلى تقريرٍ مفصّل شهريًا، لذا من يناير…
“…..”
حاولتْ التّركيز، لكنها ألقتْ نظرةً خاطفة على آيفرت.
نظرت أيضًا إلى مكانِ الأصفاد، التي كانت الآن شفافة، على معصمها.
لم تتخيّل أبدًا أن ينتهي بهما الأمر متّصلين هكذا دونَ قصد.
ربّـما لو كانَ شخصين آخرين، سواء بالأصفاد أم لا، و ناموا معًا قبل الزواج، لانتشرت الإشاعات بسرعة.
“حقًا؟”
“يا إلهي!”
بالتأكيد، ستكونُ الأوساط الاجتماعية صاخبة.
لكن لو كانَ الأمر يتعلّق بآيفرت رويدن و روديلا سيفريك…
“حسنًا، هذان الاثنان قد يفعلانِ ذلك.”
“لا أعتقد أنّها المرّة الأولى لهما على أيّ حال، أليس كذلك؟”
…بل سيتفاجأ النّاس إذا عرفوا أنها المرة الأولى، كما فعل السّيد لاتيني.
نومنا معًا ليس شيئًا مفاجئًا للناس.
لكن…
“…..”
لمَ يَبدو هذا غريبًا فجأةً؟
التعليقات لهذا الفصل " 30"