عندما مرّرَ يده في شعره الأشقر اللامع كالشمس، ظهرت عينان زرقاوان صافيتان تحت جفنيه المنعشة.
خطّ فكّهِ الحادّ وأنفه البارز جعلاها تتساءل عمّا إذا كانَ هذا الرّجل هو ذلكَ الفتى البريء الذي قابلته في طفولتها، فقدْ كانَ ينضح بالرجولة.
لكن، مهما كان، شخصية آيفرت لم تتغير.
“جئتِ مبكرّة، روديلا؟”
أومأتْ روديلا برأسها ردًّا على كلام آيفرت.
“هذا أساسي.”
ابتسمت روديلا دون وعي و شابكت ذراعها بذراع آيفرت بشكلٍ طبيعيّ.
بعد رؤية وجوه بغيضة في قسمِ الشؤون العامة، كانَ من الطبيعيّ أن يتحسّن مزاجها برؤية صديقها المقرّب.
“إذن، نائب القائد، يتتواصل الوزيرة الأولى معكَ لاحقاً―”
خلفهما، خرجتْ امرأة ذات شعرٍ فضيّ من باب غرفة الوزيرة الأولى و هرعتْ لتصفع ظهرَ روديلا.
―صفعة!
“آه!”
حاولتْ روديلا تدليكَ ظهرها من الألم الحاد ونظرتْ إليها بحدّة.
“آه، لماذا؟”
“ألم أقل لكِ أن تتوقّفي عن التّشابك بالأذرع في العلن!”
كانت سيسيليا إلبامونت، عضوة في قسم الشؤون العامة و زميلة تخرج معهما من الأكاديمية، تهمس وهي تحاول تهدئتهما.
ابنة عائلة إلبامونت، المشهورة بتجارتها أكثر من لقبها كابنة كونت.
“لكن، إنه مجرّد ترحيب! كيفَ يمكنُ للمرء أن يقدّمَ تحيّة بالكلام فقط دون إظهار عاطفة؟”
لوّحت سيسيليا بيدها ردًّا على كلام روديلا.
“حتّى لو! مع رجل! و في العلن! لا يُفترض أن تلتصقي به هكذا!”
منْ يسمعكِ سيظنّ أننا ارتكبنا شيئاً مخجلاً!
كانتْ سيسيليا محافظةً للغاية.
ألا يتشابكُ الجميع بالأذرع هذه الأيام؟ إنه حتى شائع في احتفالات القصر!
لكن روديلا، التي كانتْ تشد شفتيها، ابتعدت قليلاً عن آيفرت. وفي تلك اللحظة، شعرت بروح المزاح تتسلّل إليها.
“إذن، هل يمكنني معانقتكِ؟”
‘هناك وجه آخر مرحّب به!’
تركتْ روديلا آيفرت و هرعتْ لتعانقَ سيسيليا.
“آه!”
حاولت سيسيليا التّملص وهي تتلوّى، لكنها لم تستطع دفعها بقسوة، فقدْ كانت دائمًا ضعيفة أمامَ مثلِ هذا التّواصل الجسدي.
“متى أتيتِ؟ ألم يكنْ مِن المفترض أن تعودي بعد غد من المهمة؟”
سألت روديلا بنبرة متحمّسة.
“انتهت المهمة أبكرَ مما توقّعت.”
توقفت سيسيليا عن محاولة التّحرر من عناقها وأجابت.
“لكن، حتّى لو كنتما ستتزوجان، أمام الناس…”
لوّحت روديلا بيدها ردًّا على كلامِ سيسيليا.
“يجب أن نظهَر كشخصينِ سيتزوجان، لذا علينا أن نبدو هكذا أكثر.”
همستْ روديلا بهدوء شديد.
سيسيليا، التي تعرفُ بخطوبتهما التعاقدية بعد رؤيتهما لفترة طويلة، وضعتْ يدها على جبهتها.
“هذا صحيح، لكن…”
عندما ألقت سيسيليا نظرةً خاطفة، رأت آيفرت يبتسم بتكلّف.
كتاجرة، كانت متأكدة أن آيفرت يردد نشيد الإمبراطوريّة في ذهنه.
“و أيضًا، نحنُ أصدقاء، فما المشكلة؟”
أشارت سيسيليا إلى آيفرت ردًّا على كلامها البريء.
“لكنّه رجل، رجل!”
نظرتْ روديلا إلى سيسيليا بذهول.
“لا تقولي إنكِ ترينَ آيفرت لويدن كرجل؟”
فزعت سيسيليا.
“ماذا!؟”
‘هل جننتِ؟ ألن يكون ذلكَ محرجًا جدًا إن رأيتُ خطيبكِ كرجل؟’
نظرتْ روديلا إلى آيفرت ردًّا على كلامها.
“و أنتَ بالتّأكيد لا ترآني كامرأة، أليس كذلك؟”
‘سأصدق أنّ الشّمس ستشرق من الغرب غدًا قبل أن أصدّق ذلك. كم مرّةً لعبنا و نمنا و سبحنا معًا منذ الطفولة؟’
بينما كانتْ روديلا تنظر إلى آيفرت بوجه واثق، فتحَ فمه ببطء.
“…أراكِ روديلا سيفريك.”
استدارتْ روديلا إلى سيسيليا كأنها تقول ‘ألم أقل لكِ؟’
“أرأيتِ؟”
ما الذي أراه؟
كانت سيسيليا تعتقدُ أنّه من المدهش أن آيفرت لم يستسلم منذ زمن و يذهب إلى المعبد.
“بالمناسبة، ما الذي جاء بكَ إلى قسم الشؤون العامة بنفسكَ من فرقة الفرسان الزرق؟”
تجهّم وجه روديلا، الذي كانَ مشرقًا برؤية أصدقائها، للحظة.
أجاب آيفرت بهدوء.
“جئتُ لأمر ما.”
أمر؟ ألمْ تختلق الأمر بنفسك؟
شعرتْ روديلا بشيءٍ غريب.
ضيّقت عينيها و سألتْ كأنّها استنتجت شيئًا.
“الموظف من قسم الشؤون العامة الذي أُرسل في المهمة، هل هو بخير؟”
“إنّه حيّ.”
جاءَ الرد بنبرةٍ ناعمة على الفور.
رفعت روديلا حاجبيها.
بمعنَى آخر، هو فقط لم يمتْ؟
“لكنّهُ أُصيب قليلاً.”
“قليلاً؟ بل لدرجةِ أنّه لن يستطيعَ القدوم للعمل!”
كمَا توقّعت!
كانَ هذا بالتّأكيد الخبر السابع هذا العام عن إصابة موظّف من قسم الشؤون العامّة أُرسلَ إلى فرقة الفرسان الزرق.
كانَ السّبب وراءَ تكرار الإصابات واضحًا.
شدّت روديلا قبضتها علَى ذراعه.
“ألم أقل لكَ أنْ تتحكّم بقوّتك!”
على الرّغمِ من شعوره بقبضتها القويّة، لم يقاوم آيفرت.
كانَ يعلمُ أنّه إنْ حاولَ التّخلصَ منها بقوّته، قد يؤذي روديلا.
كانَ يعلمُ أنَّ قوّته غير طبيعيّة.
‘إذا كنتَ تعلم، فتحكّم بقوتك!’
‘لأنك لا تفعل ذلك، ينتهي الأمر بإصابة كلّ موظف من قسم الشؤون العامة يعملُ معك!’
―قبضة!
أمسكتْ روديلا يده كأنّها ستسحقها.
“كيفَ يمكنُ لفارسٍ أنْ يؤذي الناس هكذا؟”
كانت تهمس بنبرة لوم، لكن بصوت منخفض لا يسمعه سوى آيفرت و سيسيليا.
شعرَ آيفرت بدغدغة في أذنه، فتنفّس بسرعة وقال:
“من أذوا الناس هم المجرمون الخطرون.”
تسرّبَ صوت خافت من بين شفتيه، التي تبدو كأنها تبتسم بفضل شعره الأشقر اللامع.
“ما حطّمته كانَ المجرمين و المباني.”
“و موظّف قسم الشؤون العامة؟”
“تورّطَ بالصّدفة.”
‘لم يتورط بالصدفة، بل ذهبَ ليمنعكم من تدمير الممتلكات فتورّط بالأمر، أليس كذلك؟’
“ألم تستطع تحطيم المجرمين فقط و إنقاذَ المبنى و الموظّف؟”
“قلتُ لكِ أنّه حيّ.”
“آه، هذا الرجل!”
يا له من وغد!
آيفرت لويدن.
رئيس عائلة دوقيّة لويدن العريقة في سن صغيرة، و نائب قائد فرقة الفرسان الزرق، إحدى الفرقتين اللتين تقسمان الإمبراطورية.
كانَ هذا الرّجل الوسيم ذو المستقبل الواعد يعاني من مشكلةٍ واحدة.
منذ الطّفولة، كانَ يمتلك قوّة خارقة لا يستطيع التحكم بها، مما جعلَ حياتهُ اليوميّة صعبة.
لم يصبحْ قادرًا على عيش حياة طبيعيّة إلا بعد لقائه بروديلا في الأكاديميّة.
من المؤكّد أنّ رئيسه ، قائد فرقة الفرسان الزرق، يعاني الآن من صداع بسبب فواتير العلاج و تعويضات الأضرار التي سيطالب بها قسم الشؤون العامة.
“لقد حاولتُ التّحكم بقوّتي، لكن…”
تجاهلَ كلامه وخرجت كلماته بوقاحة.
“لكن؟”
ردّت بسؤال، فأجاب آيفرت بهدوء.
“المبنى بدا كأنه بناء رديء. اطلبي من الشركة المنفذة مراجعة ذلك.”
“هل هذا منطقيّ؟”
‘إنها شركة تتولى البناء حتى في القصر!’
―بام!
في النهاية، صفعتْ روديلا ظهره.
* * *
في تلك اللّيلة.
“السيدة سيفريك ، ألم تعلمي أنّ نموذج الوثائق تغيّر؟ لماذا قمتِ بالأمر هكذا؟”
كانتْ روديلا تستمع كالعادة، إلى توبيخ رئيسها رايان، الذي يبدو كأنّه يريد ابتلاعها.
بالطبع، كانَ توبيخًا لا أساس له.
‘لأن الوزيرة الأولى طلبت تقديمه بالنموذج القديم، أيها الأحمق!’
لوْ قالت ذلك، لكانَ الأمر مريحًا في تلك اللّحظة، لكن من الواضح أن رايان سيغضب أكثر و يجد ذريعة أخرى ليزعجها.
ابتلعت روديلا تنهيدةً و ابتسمت بلطف.
‘أعرف جيّدًا كيف أسكتُ هذا الرجل.’
“لهذا، أعددتُ نموذجًا خاصًا لكَ، سيدي. النموذج الذي ستراه الوزيرة الأولى يختلف عن النموذج الذي تستخدمه أنت.”
‘لقد فعلتُ ما أمرتني به، لكن الرئيس الأعلى يريد شيئًا آخر، لذا أعددتُ كليهما!’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"