“أنا، عندما أنام، أتقلّبُ إلى الجانب الأيسر، أتعلم؟”
كان ذلكَ شيئًا يعرفهُ آيفرت بالفعل.
المشكلة هي أنّ الجانب الأيسر بالنّسبة لها كان، بسببِ اتجاه الأصفاد، الجانب الذي سيكونُ فيه هو حتماً.
“و ماذا في ذلك؟”
ومع ذلك، تمكّنَ آيفرت من الرّدّ بـهدوء.
كانَ يعلمُ أنها تثقُ به تمامًا، خاصّةً عندما تُظهر نقاط ضعفها بثقة.
بمعنى آخر، كانَ لديها إيمانٌ راسخٌ بأنه “لن يفعل شيئًا لها بالتأكيد”، و هو إيمانٌ يكاد يُفقده عقله.
لم يستطعْ أنْ يخونَ هذه الثّقة.
كان بإمكانهِ تحمّل ذلكَ حتّى الآن.
لكن…
“عادةً ، أنامُ و أنا أعانقُ دمية هناك. إذا لم تكن موجودة، أعانق درابزين السّرير، هكذا تمَّ إخباري.”
عادات نومها.
نظرَ آيفرت إلى روديلا وهي تقولُ ذلك، وشعرَ وكأن عقله توقّفَ عن التّفكير للحظة.
هل هي تقصدُ دميةَ الدّب تلكَ التي رأيتها آخر مرّة؟
لن يكونَ هناكَ مكانٌ لوضعها هنا.
بما أنهما مكبّلان بالأصفادِ و يجبُ أن يناما متلاصقين، إذا وضعا شيئًا بينهما، فقد يَضغط على ذراع أحدهما…
“هل أنا، اللّيلة، سأكونُ بديل الدّمية أو الدرابزين؟”
أومأتْ روديلا برأسها.
“على الأرجح؟ لذا فقط لا تتفاجأ.”
التفاجؤ ليسَ المشكلة…
على نفسِ السّرير، لا يُفترض بي أن أتفاعل، أليس كذلك؟ لا، حتّى قبلَ ذلك حتّى، لا يُفترضُ بي أن أحدّق فيكِ، أليس كذلك؟
…كيف؟
كانتْ لحظة اختبارٍ لآيفرت.
* * *
مِنَ المفترضِ أن تكونَ الثقة بشخصٍ ما شعورًا رائعًا.
لكن آيفرت لم يكن يريدُ هذا النّوع من الثقة.
“لن تفعلَ شيئًا، أليس كذلك؟”
لم يجدْ ما يقوله لها و هيَ تقولُ ذلكَ بثقةٍ بينما كانت تستلقي على السّرير.
صحيح، لا يمكنني فعلُ شيء.
بالطّبع. لكن…
“…..”
المشكلةُ هي أنّ هذا يكاد يجعلني أُجنّ.
سمعَ صوت أنفاسها الهادئة من الجانب.
“إذن، سأنام…”
بدت روديلا مرتاحةً جدًا و هي تقول ذلك.
“بما أنني بجانبكَ، يمكنني النّوم مع إطفاء الضوء.”
عادةً ما كانتْ تخاف مِن الظلام، خاصّةً في الأماكن الغريبة، لذا ربّما نامت مع الضوء مضاءً خلال الأيام الأولى في فرقة الفرسان الزّرق.
لكن اليوم، بدت مطمئنة، حتّى في ظلامِ هذه الغرفة الغريبة، كانَ وجهها مشرقًا.
كما لو كانتْ تعلمُ أنّ لا شيء سيَحدث.
و…
غطّتْ روديلا في النّوم في غضونِ دقائق.
كانَ يعلمُ أنّـها تنام بسرعة.
لكن أنتِ…
تدفّقت عشرات الأفكارِ في ذهنه، و كادت أن تُفجّر رأسه.
في اللّحظة التي كُبّل فيها بالأصفاد، ظنَّ آيفرت أنه ربّما ارتكبَ خطأً ما.
لكن أثناءَ طريق العودة، وهو “مُلتصق” بها دون قصد، فكّر فجأة:
…ربما هذا ليسَ سيئًا؟
لا يهمّ أيّ إزعاجٍ قد يترتّبُ على ذلك. إذا كنتِ غير مرتاحة، يمكنني التكيّف و التّناسق معكِ.
حتى لو كانَ عليّ تحمّل كلّ الإزعاج، فإن قدرتي على البقاء بجانبكِ 24 ساعة…
وجود عذرٍ طبيعي لذلكَ جعلَ الأمر جيدًا.
كان يعلمُ كيف سيبدو تعبيرها لو قالَ ذلكَ بصوتٍ عالٍ، لذا لم ينطق به.
“…جيّد؟”
أمسكَ جبهته، و هو لا يزال مشوّشًا من أفكاره السّابقة.
جيد، لكن المشكلة هي أنه يكاد يجعلني أُجنّ.
النوم؟ لم يكن هناكَ مجال لذلك.
المشكلة هي أنّـه حتّى خلالَ ذلك…
―همهمة…
كانَ صوتُ أنفاسها الهادئة يتردّدُ بوضوح.
كانت روديلا غارقةً في نومٍ عميق أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى.
ثم…
“ممم…”
أخيرًا، كما لو أنها اعتبرته شبيهًا بالدّمية، اقتربت منه بهدوء و عانقت ذراعه.
اقتربَ صوتُ أنفاسها.
…كيف يمكنكِ النّومُ بهدوءٍ بجانبي هكذا؟
“…..”
بالطبع، كانَ آيفرت يعرفُ الإجابة.
لأنّ الطريقة التي ننظر بها لبعضنا مختلفة.
أنا، منذُ وقتٍ طويل، منذ أيّام الأكاديمية، منذُ اليوم الذي أمسكتِ فيه يدي.
تذكّر آيفرت طفولته.
“لا تقترب. أنا…”
في طفولته، نشأَ و هو يعتقدُ أنّ وجوده كارثة.
كل شيءٍ يلمسه يتحطّم، لذا كانَ حتّى خدم العائلة يخافون من الاقترابِ منه.
في البداية، كان ذلكَ يُغضبه، لكنه لاحقًا ألقى باللّوم على نفسهِ لعدمِ قدرته على التّحكم بقوّته.
كان الآخرون ينجحون، لكنه هو مَن يفشل.
قيل إنه وُلد بقوةٍ فطرية. قيل إن طاقته المنتشرة في جسده كانت مفرطة.
كما قيل له بأنّ الطاقة النقية التي يحتاج الفرسان سنواتٍ من التدريب لامتلاكها، كان يمتلكها منذ الولادة.
موهبة، هاه.
لكن تلكَ الموهبة سلبَتهُ كلّ مَـنْ حوله.
في اليومِ الذي التحقَ فيه بالأكاديمية، كان خائفًا بالفعل.
“ذلكَ الفتى من عائلة رويدن…”
“يا إلهي، لو فقطْ لم يتسبّب في مشاكل.”
انتشرت الإشاعات عن التحاقهِ بالأكاديمية، و سمعها جيدًا بفضلِ قدراته البدنية النّاتجة عن تلكَ “الموهبة” المذهلة.
كانتْ المشكلة أنّهُ يسمع حتّى أصغر الهمسات.
مُعذّبًا بموهبةٍ غير مرغوبة، تخلّى أخيرًا عن فكرة عيش حياةٍ طبيعيّة في الأكاديمية.
“لكن يجب أن تقابلَ النّاس.”
قالتْ والدته أنّـه لا يمكن أن يبقى محبوسًا في العائلة إلى الأبد، فأرسلتهُ إلى الأكاديمية.
لكنها ربّما لم تكن تعلمُ أنه تخلّى بالفعل عن فكرة بناء علاقاتٍ مع النّاس.
في اليوم الأوّل من الدروس، قرّر ذلكَ بهدوء.
“هاه، هاه….!”
جلست فتاةٌ، ممثلة الطلاب الجدد، التي كادت أن تتأخر، بجانبه.
بسببِ ذلكَ، انتشرت إشاعات سخيفة عن محاولتها التقرّب من عائلة الدّوقية.
لكنها، رغمَ غضبها، لم تتركْ جانبه، بل علّمته كيفية التّحكم بقوّته.
“سأحضرُ شيئًا أقوى من هذا. انتظر.”
من مقبض السّيف المعدنيّ الذي لا ينبغي ثنيه، إلى الخشب الصّلب، ثم الخشب النّاعم، والقماش، كانت تجلبُ أشياء تقلّ قوتها تدريجيًا من مكانٍ ما.
“هل واجهتِ مشكلة مماثلة؟”
سألها ذات مرّة لأنها كانتْ تُعلّمه بمهارة. فضحكت روديلا الصغيرة و لوّحتْ بيدها.
“لا، ليسَ لديّ موهبة مثلكَ. لكنني أفكّر من وجهة نظركَ. العالم بالنسبة لكَ يبدو كالبودينغ، أليس كذلك؟”
“إذن، سأعلّمكَ كيفية التّعامل مع البودينغ.”
لم يستطع آيفرت إزاحة عينيه عنها وهي تقول ذلك.
ثم، في اليوم الذي حطّمَ فيه مقبض سيف أثناء اختبار المبارزة عن طريقِ الخطأ وتمّ استبعاده…
“هيا، دعنا ننسى اليوم و نذهب للّعب!”
أمسكتْ يده، التي لا تستطيع التّحكم بالقوة، وأخذته إلى السّوق الليلي بالقربِ من الأكاديمية.
“يدكِ، ستُكسر يدكِ!”
حتى عندما صرخَ مذعورًا، قالت:
“لن تنكسر. أنا أثقُ بكَ. هيّا!”
كانت ْروديلا تثق به أكثرَ مما يثقُ هو بنفسه.
منذُ ذلك اليوم، لم يستطع أن يتوقّف عن النّظر إليها.
لم يستطع ألا يحبّها.
“…..”
منذ ذلكَ اليوم وحتى الآن، بدأ كلّ شيء في حياته يدور حولها.
حتى رفضه لـ”طريقة” عائلة رويدن، التي جعلته يُلقّب بمتمرّد رويدن، و تولّيه منصب دوق رويدن وسيطرته عليها…
وانضمامه إلى فرقة الفرسان الزّرق، وجعلها “أفضل و أسوأ مكانٍ عمل” لروديلا…
كلّ ذلكَ كانَ من أجلها.
لأنه إذا استخدمَ نفوذ عائلته بجانبها، لن تتمكّن من تحقيق “النّجاح بنفسها” الذي كانت تريده.
كانَ آيفرت على استعدادٍ لإخفاء كلّ نفوذه وطباعه الحقيقية.
منتظرًا أن تنظرَ إليه.
لكن…
“ها.”
أطلقَ زفرةً قصيرة، صوتًا صغيرًا كأنه يتردّد في حلقه.
خوفًا مِن أن يوقظها الصّوت، غطّى عينيه.
لكن صوتَ قلبه النّابضِ بجنون بدا و كأنه يهزّ المكان، فكتمَ أنفاسه.
حتّى مع ذلك، لم يستطع كبتَ مشاعره أو صوتها.
بل بدا الصّوت أعمق، و في النّهاية…
قضَى اللّيلَ مستيقظًا.
التعليقات لهذا الفصل " 28"