أشارَ لاتيني بيدٍ مرتجفة إلى الاثنين بالتّناوب.
“طوالَ هذا الوقت الطّويل، و لا مرّة واحدة؟ أعني، أنتما تعرفان بعضكما منذُ الطفولة… لا، ليس بالضّرورة أن يعني ذلكَ النوم معًا، لا.”
بدى لاتيني في حالةِ ذعر شديد، ثم قالَ فجأة:
“أقصد، النّوم العادي، ليسَ ذلكَ النّوع الآخر.”
لاتيني مرتبك.
روديلا محمرّة الوجه.
و فيليكس مصمِّمٌ على فـكّ الأصفاد السّحرية مهما كلّفَ الأمر.
من بين كل هؤلاء، كانَ آيفرت الوحيد الذي يبدو (على ما يرام؟).
“لم أقلْ شيئًا، سيّدي القائد.”
عندَ هذا الردٌّ الوقح، احمرَّ وجه لاتيني أيضًا.
كانَ… للأسف، شخصًا قضى أوجّ شبابه في ساحات الحربِ دونَ أن يمسكَ يد امرأة بمعنى رومانسي.
بالأحرى، كانَ يمسكُ الأيدي فقط أثناءَ مرافقة السّيدات.
لذلك، كانَ لديه مناعة تامّـة ضدّ هذه الأمور، فـلوّحَ بيدهِ بسرعة.
“على أيّ حال، هذا سرٌ لفترة. لا، حتّى داخلَ فرقة الفرسان الزّرق، إنه سرّ. اكتموا أفواهكم بشكلٍ خاصّ!”
أمسكَ قبضته بقوّة.
“لا يجبُ أن يعلمَ الفرسان الحمر بهذا أبدًا!”
إذا انتشرَ الخبر، سيكونُ عارًا كبيرًا!
اتّفقَ الجميع في الغرفةِ على هذا.
لا يجبُ أن يعلمَ الفرسان الحمر أبدًا!
نُقلت القصة فقطْ إلى الفرسان المخضرمين الذين يتبعون لاتيني ولهم خبرةٌ طويلة في الفرقة، لأن السرّ يصعبُ الحفاظُ عليه كلما زادَ عدد من يعرفونه.
وكانت ردود فعل الفرسان الذين سمعوا القصة متشابهة.
“إذن، كانا يرفضان الانفصال إلى هذا الحدّ؟!”
“لا، كانَ خطأً.”
عندما كانا يقولان ذلك، كان الردّ دائمًا:
“ماذا؟ هل يعرفُ الفرسان الحمر أيضًا؟”
…كانَ الجميع يفكّر بنفسِ الطريقة، مما جعلَ تنسيق القصة سهلاً.
من الآن فصاعدًا، سيكونان معًا دائمًا، و لا وجود لأصفادٍ على معصميهما! هكذا سيبدو الأمر!
لحسنِ الحظ، لم تظهر هذه الأصفاد المحسّنة إلا عندما يبتعدان و تُشدّ السلسلة.
لذا، لم يكنْ هناكَ خطر الكشف عنها فورًا.
بالطّبع، إذا كانَ هناك فارسٌ بحسٍّ قويّ، مثل لاتيني، فقد يلاحظ إذا راقبهما بعناية.
لو لم يكن منشغلاً باستقبالهما بحماس، لربّما لاحظَ غرابة ما يحدثُ معهما بسرعة.
“ماذا لو لاحظَ أحدٌ من الفرسان الحمر؟”
بدّد لاتيني شكوكَ أحد الفرسان.
“لو كان لديهم مثلُ هذه المهارة، لما كانوا يعيشون على تلميعِ أحذية الآخرين في فرقة الفرسان الحمر.”
بمعنى آخر، فرقة الفرسان الحمر، التي تتفوّق في العلاقات أكثرَ من التدريب، ليسَ لديها أحدٌ بهذا المستوى.
“حسنًا!”
اطمأن الجميع و انسحبوا.
حتّى مع إخبار الأشخاص الذين لا بدّ أن يلتقوا بروديلا و آيفرت باستمرار و يلاحظوا حالتهما، بدا لاتيني كما لو أنّه خاض حربًا.
تحدثّت روديلا أمامه لمواساته:
“لكن الأضرار انخفضتْ بالتّأكيد.”
حتّى في مبنى الحراسة الباهظ ذاك، كان الطابقان الأوّل و الثّاني سليمين.
انخفضت الأضرار كثيرًا.
ردَّ لاتيني بوجهٍ حزين:
“قلت إنني أتوقّع الكثير، لكن لم أقصد التضحية بجسديكما…”
كانَ وجهه، الذي يبكي و يضحك، غريبًا بعضَ الشيء.
وهكذا بدأت الحياة (الغير مريحة؟) المشتركة للاثنين.
* * *
كانت روديلا تابعةً لقسمِ الشؤون الإدارية.
هذا يعني أنَّ عليها أحيانًا الذّهاب إلى القسم لتقديمِ التقارير.
في الأوقاتِ المزدحمة، كان يمكنها تقديم تقارير مكتوبة، لكن لم تكن هذه نيّتها في الأصل.
لكن هذه المرة، لم يكنْ هناكَ خيار آخر.
لعدمِ الكشف عن الأمر، كانَ من الأفضل تقليل الظهور في الأماكن العامّة حتى يعتادا على الوضع.
―كلينك!
كانَ ذلكَ لأن الاثنين كانا يتعثّران باستمرار عندما لا يتناسقان، حتّى عندَ الدوران حولَ عمود.
بما أن معصميهما متّصلان، كانَ من الطبيعي أن يتوقّفا عندما يواجهان شيئًا كبيرًا مثل عمود.
“لنستدر إلى اليسار من الآن فصاعدًا.”
لذا، قرّرا وضعَ اتّفاق.
بينما كانا يضعان هذه الاتّفاقات الصّغيرة، ظهر لهما مساعدٌ غير رسميّ.
بما أن مسؤول الشؤون الإدارية لا يُعيّن له مساعد من الفرقة عادةً، تم تخصيصُ شخصٍ إضافيّ لمساعدة آيفرت و روديلا مؤقتًا.
و لأنّ الاثنين لا يستطيعان التحرّكَ معًا دائمًا، كان هناك حاجةٌ لشخصٍ ينقل الأوراق أو الرسائل.
كانَ يجبُ أن يكون هذا الشّخص كفؤًا، سريع البديهة، نشيطًا، ومتمرّسًا في الأعمال الورقية.
بعد تفكيرٍ عميق، أرسلَ لاتيني الفارس المخضرم لورنتز، الذي رأوه في قضية بيروبا سابقًا.
“مرحبًا، نحن نلتقي مجددًا!”
بدتْ انطباعات هذا الفارس، الذي يبدو كما لو أنّه جاءَ من منظمةٍ عسكريةٍ أكثرَ حرية من فرقةِ الفرسان، وكأنّه تعاملَ مع الأوراق من قبل.
“من الآن فصاعدًا، سأخدمكما من الأعمال الورقية إلى المهامّ الصغيرة!”
لوّحتْ روديلا بيدها لهذا الفارس المفعم بالحيوية.
“لا حاجة لكلِّ هذا.”
لكن بمجرّدِ أن رأى آيفرت وجه لورنتز، قال:
“استدعِ شخصًا آخر.”
رفضٌ مباشر؟
هل كانَ هناكَ سببٌ لذلك؟ نظرت روديلا إليه.
“أوامر القائد.”
أمسكَ آيفرت جبهته.
“حسنًا.”
بدا غير مطيع، لكنه كانَ يطيعُ أوامر الرّؤساء بشكلٍ مذهل.
نظرت روديلا إليه، وهي ترى جانبًا جديدًا منه، وسألت:
“لماذا؟”
خرجَ صوتها بهمس، لكن آيفرت لم يخفض صوته.
“لورنتز يعرفُ أشياءً لا يجبُ أن تعرفيها.”
“ماذا؟”
ما هذا الكلام؟
لو سمعه شخصٌ آخر، لكان بدا كـ”يعرف الكثير…” بتعبيرٍ شرير.
لكن الفاعل كانَ غريبًا.
لستُ أنا مَنْ يعرف الكثير، بل هو مَن يعرف أشياء لا يجب أن أعرفها؟
بمعنى آخر…
“مستودع النبيذ أم سرٌّ آخر؟”
ردَّ لورنتز بثقة:
“الكثير! أرجو الاعتناء بي!”
لا تقلْ ذلكَ بثقة!
في النّهاية، أمسكتْ روديلا جبهتها أيضًا.
* * *
بدأت المشاكل الصغيرة و الكبيرة الناتجة عن الأصفاد من تغييرِ الملابس و الاستحمام.
لحسنِ الحظ، كانت سلسلة الأصفاد مصنوعة من القوّة السحرية، ولم تُفعّل إلّا عند الشدّ.
لذا، كانَ تغيير الملابس ممكنًا و هما قريبان جدًا…
لكن المشكلة كانت أنّ السّلسلة ليست طويلة جدًا.
لذا قبلَ الاستحمام مباشرةً:
“لنكن إنسانيّين و لا ننظر لبعضنا أبدًا.”
كانَ عليهما الاتّفاق مع بعضهما بإرادةٍ صلبة.
لكن المشكلة الحقيقيّة اقتربت بعد الانتهاء من الاستحمام.
“لكن، كيف سننام حقًا؟”
تمكّنا من تغيير الملابس بطريقةٍ ما. لكن النّوم؟
كانت غرف آيفرت و روديلا متجاورتين.
لكن المعصم لا يمكنه اختراق الجدران، لذا يجبُ أن يناما في فضاءٍ متّصل.
بينما كانت روديلا تفكّر، قال آيفرت بهدوء:
“لنكسر الجدار بين الغرفتين.”
“…..”
كان يقصدُ هدم الجدار بين غرفتيهما لتصبحا غرفةً واحدة (؟).
لو كانت غير متيقظة، لربّـما بدا ذلكَ منطقيًا، لكن للأسف، كانت روديلا واعيةً تمامًا.
“وهل سيحلّ ذلكَ المشكلة؟ هل سننام جالسين خلف الجدار؟”
أم لا؟ إذا نقلنا السرير إلى هناكَ و نمنا رافعين يدًا واحدة، ربما…
ربما… ستُصاب أجسادنا بالتشنّج!
استعادت روديلا رباطة جأشها و لوّحتُ بيدها.
“حسنًا، لا شيء كبيرٌ في الأمر. لننم معًا فقط.”
“ماذا؟”
هذه المرّة، فتحَ آيفرت عينيه بدهشة.
أشارتْ روديلا إلى غرفتها بلامبالاة.
“إذا كانت غرفتكَ غير مريحة، هل تريد النوم في غرفتي؟”
توقّفَ آيفرت.
“إذا لم ترغبْ في ذلك، يمكننا الذّهاب إلى غرفتك. آه، سرير غرفتي صغير، أليس كذلك؟”
فتحتْ روديلا بابَ غرفته بعنف.
“عذرًا.”
كانتْ ستعتذر كثيرًا في المستقبل، لكنها قالتها على أيّ حال.
تبعها آيفرت بوجهٍ متردّد، رافعًا ذراعه المكبّلة في وضعيةٍ غريبة لعدمِ إزعاجها.
“إذا احتجتَ للاستيقاظ ليلاً، أيقظني. لكن كلانا لا يستيقظ بسهولةٍ أثناء النّوم، لذا لا ينبغي أن يكون هناكَ إزعاج.”
لوّحتْ روديلا بيدها.
لن يفعلَ شيئًا لي و نحنُ مخطوبان، لذا لا يمكن أن تنتشرَ إشاعات غريبة.
عندَ التّفكير في الأمر، لم يكنْ هناكَ ما يستحقّ القلق.
التفتت روديلا إليه.
“لكن هناكَ شيءٌ واحد يجب أن تتفهّمه.”
“ما هو؟”
بينما كانَ آيفرت يسلّحُ نفسهُ بالصّبر، سقطت كلماتها عليه فجأةً.
التعليقات لهذا الفصل " 27"