كانت روديلا تراقبُ الموقف من النّافذة، وعندما رأت صاحب الوجوه الألف يقفز نحوَ المبنى الذي كانت فيه، أمسكت بعنق فيليكس و دفعته للأسفل.
“اخفضْ رأسك!”
―بوم!
وفي الوقتِ نفسهِ تقريبًا، دوّت أصوات تحطّم متتالية من الطّابق العلوي.
“انزلوا جميعًا!”
صرخت روديلا للجميع.
لحسنِ الحظ، كان فيليكس، السّاحر ذو غريزة البقاء الممتازة، يهرع بالفعلِ نحوَ المخرج.
لم يكن الأمر يتعلّق بكونِ المبنى باهظ الثمن أم لا.
كان عليهم أوّلاً إجلاء موظفي الحراسة المكتبيين داخلَ المبنى.
“آه!”
بينما كانَ النّاس يصرخون ويهرعون للخروج، نزلت روديلا السّلالم قافزةً درجتين أو ثلاث بسرعةٍ كبيرة، كادت أن تنزلق على درابزين السّلالم.
على الرّغمِ من أنّها تعملُ في قسمِ الشّؤون الإدارية وتتعاملُ مع الأوراق، إلّا أنّ قدراتها البدنية، التي كانت من بين الأفضل في الأكاديمية، لم تختفِ.
لكن في تلكَ اللّحظة…
―بوم!
اخترقَ السقف بجانبها مباشرة، و قفز صاحب الوجوه الألف إلى الأسفل.
“…..”
كادت أنْ تتجمّد، لكن روديلا واصلت القفز إلى الأسفلِ مستغلّة زخمها.
خلفها، كانت يدٌ مشحونة بالقوّة السحريّة تمتدّ نحوها ببطء و ثقة.
على الرّغمِ من أنّها كانَت ترتدي زيًّا شعبيًا، إلّا أنّ حركاتها كانت تكشف عن تدريبها.
كانت هي، بلا شكّ، الخطيبة المذكورة في الشّائعات.
أطلقَ صاحب الوجوه الألف ضحكةً مليئة بالنشوة.
―تاك!
وفي التوقيت المناسب، قفزت روديلا إلى الأسفل كما لو كانت ترمي بنفسها.
―هوو!
شعرتْ بوضوح بتمزّق جزءٍ من ملابسها بقوّة السحر.
وعندما التفتت…
“آيفرت!”
كانَ صديق طفولتها ذو الوجه المرعب يهمّ بضرب عنقِ صاحب الوجوه الألف بسيفه.
تقاطعت عيناه المتوحّشتان مع عينيها للحظة.
* * *
إذا ضربَ آيفرت بسيفهِ الآن، فلن يتحطّم صاحب الوجوه الألف و المبنى فقط، بل ستُجرَف روديلا أيضًا بريح السّيف.
أدركَ ذلك فـغيّرَ مسار سيفه غريزيًا.
―شااك!
لم يكن بإمكانِ أحدٍ غيره، بقوّته، تغيير مسار سيفٍ يهبط بتلكَ السّرعة.
“هه!”
في اللّحظة التّالية، حاولَ صاحب الوجوه الألف، بسخرية، استغلال الثغرة و الهرب، لكن آيفرت لوّح بسيفه مرّةً أخرى.
بينما كانتْ يده تضغط لا إراديًا بقوّة أكبر…
رأى وجه روديلا.
وتذكّر كلامها في العربة.
“إذا لم يكن ذلكَ ممكنًا، سأعلمكَ طريقة للتحكّم بالقوّة.”
بوجهٍ واثقٍ تمامًا، قالت:
“تعاملْ معه بنفسِ الرقّة التي تعاملني بها.”
عندما سمعَ ذلكَ لأوّل مرّة، بدا له كلامًا سخيفًا.
لو فعلَ ذلك، لما استطاعَ أرجحة سيفه أو تحريك يدهِ على الإطلاق.
لكن الآن، وهي أمامه فعلاً، لم يخطر ببالهِ سوى كلامها.
…كما أعاملكِ؟
مع هذه الفكرة، تلاشت قوّته بسرعة، لكن القوّة التي لم يتمكّن من سحبها اتّجهت نحو ذراع صاحب الوجوه الألف.
―شاك!
قطعَ ذراع صاحب الوجوه الألف بدقّة و ألقى آيفرت سيفه.
لم يكن لديه وقتٌ لانتظار حتى يسحب كلّ القوّة من السيف.
“أغغ!”
لكن صاحب الوجوه الألف، كما لو كان يعلمُ غريزيًا أنّه يجب أن يمسكَ بروديلا لينجو، مدّ يده الأخرى نحوها، رغم فقدانه لذراعه.
كانتْ يده المتبقيّة مشحونة بالقوّة السحريّة بشكلٍ خطير.
شعر آيفرت وكأنّ تفكيره توقّف و هو يحاولُ وضع الأصفاد على معصم الرجل.
“…..”
كانَ يخطّطُ لـدفعِ صاحب الوجوه الألف بيده اليسرى و وضع الأصفاد بيده اليمنى، لكن الرّجل اقتربَ من روديلا أسرع ممّا توقّع، مما أفسد خطّته.
―بوم!
ركلَ آيفرت صاحب الوجوه الألف، مما جعله يبتعد عنها بصعوبة، ثم رمى الأصفاد نحو معصمه قبل أن يستقرّ الغبار.
كانَ ينوي وضعها مباشرة.
لكن…
“…..”
لفَّ صاحب الوجوه الألف معصمه و تفادى الأصفاد.
سُمع صوت اصطدام الأصفاد، كما لو أنّها ارتطمت بالجدار بعيدًا.
لكن دونَ أن يجد وقتًا للنّظر، مدّ صاحب الوجوه الألف يده نحوَ روديلا مرّةً أخرى.
يا له من عنيد!
ألقى آيفرت نفسه بينهما، مانعًا الهجوم.
―فش!
طاقة الفرسان، التي تدور حول جسده، صدّت صاحب الوجوه الألف بعنف.
في اللّحظة التالية، صفعَ آيفرت رأس الرجل بيده.
“أغغخ!”
نجحَ آيفرت، بطريقةٍ ما، في التحكّم بقوّته بحيث بقيَ صاحب الوجوه الألف على شكلٍ بشريّ، ربّما لأنّه لم يرد أن يُظهر لروديلا جثّةً بلا رأس.
خاصةً مع الدّم، بالتّأكيد.
عندما رأى وجه روديلا الشّاحب، بدا اختياره صائبًا.
كانتْ تخافُ من الدّم.
“هوو.”
تنفّسَ آيفرت أخيرًا.
بعد لحظات، مدّ يده ليضعَ الأصفاد المتبقيّة على الأرض على الرّجل.
―كليك!
“…..”
اقتربت الأصفاد المفتوحة من معصمه كما لو كانت تملكُ إرادةً خاصة.
وقبل أن يتمكّن من التّفادي، أغلقت مثل المحار، وانتهى بها المطاف على معصمه هو بدلاً من الرجل.
في الوقت ذاته، بدأ وميضٌ أزرق ينتشر من الأصفاد إلى السلسلة.
رفعَ آيفرت حاجبيه ونظرَ إلى الأصفاد على معصمه.
“آيفرت…”
سمعَ صوت روديلا من الخلف.
بدا صوتها مشوبًا بالذعر قليلاً، فـردَّ آيفرت بهدوء:
“يمكن خلعها بقطع المعصم. لا بأس.”
كانَ وضع الأصفاد على معصمه مفاجئًا، لكن القبض على صاحب الوجوه الألف كانَ كافيًا.
على أيّ حال، كان احتمال بقاء مجرمٍ مثله على قيد الحياة بعد القبض عليه يقترب من الصفر.
حتى ذلكَ الحين، يمكنهُ القول إنّه يرتدي الأصفاد لمراقبة المجرم، وعندما يموت الرجل أو يُحكم عليه، يمكنه قطع معصمه لخلعها.
لذا، حاولَ التحرّك للقبض على صاحب الوجوه الألف.
لكن في اللّحظة التالية…
―كليك!
عادت يده اليمنى، التي كانت تتحرّك نحو صاحب الوجوه الألف بعيدًا عن روديلا، إلى الخلف فجأة.
“…..”
ما هذا؟
رفعَ حاجبيه و التفتَ إلى الخلف.
وتقاطعت عيناه مع روديلا، التي كانت تبتسم بلطف.
“معصم مَـن؟”
رفعت معصمها، حيث كانت الأصفاد ذاتها مكبّلة عليه.
ومضَت السّلسلة الزرقاء المتصلة، و برقَ معصمها.
“ها؟”
توقّفَ جسد آيفرت فجأةً.
* * *
“ما… ما هذا؟”
كانَ فيليكس في حالةِ ذعر.
جاء لأنّ الأصفاد وُضعت، لكن صاحب الوجوه الألف كان ملقًى على الأرض، و مَـنْ يرتدي الأصفاد هما نائب القائد و مسؤولة الشؤون الإدارية.
أجابَ آيفرت بوجهٍ بارد:
“مددتُ يدي لأضعَ الأصفاد على الرّجل، فأُغلقت من تلقاء نفسها.”
لوّحَ بيده كما لو كان يعرضها.
“لكن لماذا ترتديها مسؤولة الشؤون الإدارية أيضًا؟”
“هل طريقة وضع الأصفاد مختلفة عن الأصفاد العاديّة؟”
هزّ فيليكس رأسه.
“لا؟ فقط ضَعْها بالقربِ من المعصم و ستُغلق الأصفاد.”
ما هذه الأصفاد؟ ليست مغناطيسًا لتُغلق من تلقاء نفسها عند اقترابها من معصم شخصٍ ما!
توقّفت روديلا لـلحظة.
يبدو أنّه لم يرَ أصفادًا من قبل.
كم عدد الأشخاص الذين جرّبوا ارتداء الأصفاد؟
و بهذه الطريقة؟!
لكنه لم يكن يعلم حتّى عند صنعها؟!
في هذه الأثناء، أمسكَ آيفرت جبهته و صرَّ على أسنانه.
“إذن، ماذا يحدث إذا مددتُ يدي لالتقاط الأصفاد من على الأرض؟”
أخيرًا، شحبَ وجه فيليكس.
“لا، لا يعقل…”
بعد أن استنتج كيف وُضعت الأصفاد، سألته روديلا:
“يمكنكَ فتحها، أليس كذلك؟”
نظرَ فيليكس إلى وجه صاحب الوجوه الألف، الذي بدا كما لو أنّه تعرّضَ للضرب بدافع الغضب، وقال بهدوء:
“…ممكن، لكن يجبُ إجراء المزيد من الأبحاث في الفرع.”
“يمكنكَ فتحها، أليس كذلك؟”
سأل آيفرت مرّةً أخرى، بنبرةٍ مختلفة عن روديلا.
تقاطعت عينا آيفرت، التي تحمل نظرةً آمرةً كفارس، مع عيني فيليكس المتوسّلتين.
لكن، ألم تطلبوا أصفادًا لا يمكن فتحها أبدًا؟! قلتم إنّ الأمر عاجل!
قلتم إنّ القبض على صاحب الوجوه الألف هو الأولويّة، و يمكن صنع المفتاح لاحقًا!
بالطبع، كان هناكَ خطأ في طريقةِ استخدام الأصفاد، لكن ألم يكن الهدفُ صنع أصفادٍ لا يستطيع هو فتحها؟!
“افعلها.”
“افعلها. بأسرعِ ما يمكن.”
عند كلام رئيسيه، أصبحَ وجه فيليكس شاحبًا تمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 25"