وهكذا، بدأت المنافسة على الإنجازات بين فرقتي الفرسان.  

 

لكن لاتيني كان واثقًا.  

 

حانَ الوقت لإظهارِ نتائج التّدريب الخاصّ للسيّدة سيفريك!  

 

سيُسحق أنف فرقة الفرسان الحمر!  

 

بل سيُمحى أنفهم حتى يتنفّسون من أفواههم فقط!  

 

ابتسم لاتيني داخليًا لهذه النكتة التي تشبه أسلوب الرّجال الكبار، وغادرَ القصر الإمبراطوريّ بوجهٍ راضٍ.  

 

* * *  

 

لم يتوجّه لاتيني مباشرةً إلى مقرّ فرقة الفرسان الزّرق، بل سلكَ طريقًا متعرّجًا إلى الفرعِ الغربي.  

 

هناك، كانَ السّحرة يدرسون شيئًا منذ أن فشلت فرقة الفرسان الحمر في القبض على “صاحب الوجوه الألف” ثلاث مرّات، وكادت فرقة الفرسان الزّرق أن تمسكُ به مرةً واحدة.  

 

“قائد الفرقة! لقد وصلتَ! تحيّة!”  

 

نهضَ السّحرة دفعةً واحدةً و قدّموا التّحية عند رؤيته.  

 

لوّحَ لاتيني بيده.  

 

“لا داعي للصّياح بقوّة، فهذا يُضعفكم فقط. احتفظوا بذلكَ لساحة المعركة وركّزوا الآن على أبحاثكم.”  

 

ألقى نظرةً سريعةً على طاولة السّحرة.  

 

بالطّبع، بما أنّه فارسٌ خالص، لم يكن لديه المعرفة لفهم الأوراق و الرّسومات المعقّدة الموضوعة عليها.  

 

“كيف تسير الأمور؟”  

 

عندما سأل، أظهر السّحرة تعبيرًا واثقًا.  

 

“جئتَ في الوقت المناسب. الحالة الحالية هي…”  

 

تقدّمَ أكبر السّحرة سنًا وبدأ يشرح بمصطلحاتٍ سحريّة.  

 

بالطبع، ارتدّت كلماته عن أذني لاتيني.  

 

لكن أذنيه وعقله الفعّالين التقطا الخلاصة فقط.  

 

“…لذلك، سينتهي العمل اللّيلة!”  

 

“ممتاز جدًّا. واصلوا العمل بِجدّ.”  

 

ثم استدار.  

 

من خبرته، كانَ يعلم أنّ التدخّل في عمل السّحرة المركّزيين لن يؤدّي إلى شيءٍ جيّد.  

 

بعد فترةٍ قصيرة، وصلته أخبارٌ بصورتين.  

 

الأولى، كما هو متوقّع، كانت عن اكتمال “ذلك الشيء”. و الثّانية كانت…  

 

رؤية “صاحب الوجوه الألف”!  

 

“كلّ شيءٍ يسير بسلاسة!”  

 

هل بدأ الحظّ أخيرًا يبتسم له في منتصف العمر؟!  

 

صاحَ لاتيني بحماسٍ واستدعى الشّخصيات الرئيسيّة في الفرقة.  

 

تجمّع القائد لاتيني، ونائبه آيفرت، ومسؤولة الشؤون الإدارية روديلا، وبعضُ الفرسان المخضرمين الذين يقودون الفرق.  

 

“حسنًا، لقد ظهرتْ أنباء عن رؤية ‘صاحب الوجوه الألف’.”  

 

قال لاتيني بصوتٍ قويّ وهو يحملُ صندوقًا.  

 

“صاحب الوجوه الألف؟”  

 

“هل سنقبضُ عليه الآن بغضّ النظر عن تقسيمات المناطق؟”  

 

ردّ الفرسان على الفور.  

 

بما أنّهم يعرفون أمرَ الإمبراطور الذي نقله لاتيني، كانوا متحمّسين بالفعل.  

 

إنّها منافسةٌ مباشرة مع فرقة الفرسان الحمر!  

 

ضيّق آيفرت عينيه أيضًا.  

 

“صحيح. ولحسنِ الحظّ، لدينا…”  

 

ابتسم لاتيني ووضع الصّندوق على الطاولة.  

 

تجمّعت كلّ الأنظار على الصندوق.  

 

“‘الأصفاد السّحريّة المُحسّنة’ التي طلبتها من الفرع قد اكتملت أيضًا.”  

 

“ياااه!”  

 

هلّل الفرسان. ثم سألوا:  

 

“ما هذا؟”  

 

بما أنّ معظمهم لا يعرفون سوى السّيف، فلم يكن لديهم أيّ فكرةٌ عن ماهية شيءٍ يحمل كلمة “سحري”.  

 

أجابَ آيفرت ببساطة:  

 

“أصفادٌ تجعل تدفّق القوّة السحريّة يتغيّر باستمرار، بحيث لا يمكن فتحها إلّا بمفتاحٍ خاصّ، كالخزنة، ولا يستطيع فتحها سوى صانعها.”  

 

كانتْ هذه نسخةً محسنة من الأصفاد السحريّة العاديّة التي تمكّن صاحب الوجوه الألف من فتحها بسهولة.  

 

نظرت روديلا إلى آيفرت بنظرةٍ سريعة.  

 

هو يشرح جيّدًا، أليس كذلك؟  

 

“أخيرًا!”  

 

لكن الفرسان، بغضّ النّظر عن التفاصيل، كانوا مندهشينَ من إمكانيّة القبض على صاحب الوجوه الألف أخيرًا.  

 

هذا المجرم الخطير، الذي أثارَ ضجة حتى في القصر الإمبراطوري، كانَ يعبث في أنحاء الإمبراطوريّة دون تمييزٍ بين النبلاء و المدنيين.  

 

قتلَ العشرات، و أصابَ عددًا لا يُحصى، وكان دافعه بسيطًا و قاسيًا بشكلٍ لا يُصدّق:  

 

المتعة.  

 

بما أنّ دوافعه كانت كذلك، لم يكن بالإمكان توقّع هدفهِ أو مكان جريمته التالية، مما جعلَ الناس يرتجفون من الخوف.  

 

كان الإمبراطور، بالطبع، متعطّشًا للقبضِ عليه.  

 

وبالتّـالي، كانَ على فرقة الفرسان الزّرق القبض عليه وحبسه مهما كلّفَ الأمر.  

 

بالطبع، كانت حماية الأبرياء هي الهدف الأسمى، لكن…  

 

فوقَ كلّ شيء:  

 

“إذا قبضنا على هذا الرجل، يمكننا سحق غرور فرقة الفرسان الحمر…!”  

 

يجب أن نقبض عليه نحن! لا يمكن أن نفوّته!  

 

إذا قبضت فرقة الفرسان الحمر على صاحب الوجوه الألف، فإنّ هؤلاء المتعجرفين سيصبحون أكثر غطرسة!  

 

اشتعلت أعين الجميع بحماسٍ.  

 

“تمّ رصده في مدينة لايت القريبة، وبما أنّه بشري…”  

 

في تلكَ اللحظة، فتح لاتيني خريطةً وأشارَ إلى نقطةٍ بعينها.  

 

ثم رسمَ دائرةً كبيرة بإصبعه.  

 

“لا بدّ أن يتناول الطعام وينام ضمن هذا النطاق. وهذا سيستغرق نصفَ يومٍ على الأقل.”  

 

أخيرًا، رفعَ قبضته بحماسٍ وصاح بثقة:  

 

“إذن، فرسان الإمبراطوريّة الزّرق الأفخم سيستهدفون ذلك! سنقترب منه بسرعةٍ خلال نصف يوم، بينما يأكلُ و يستريح!”  

 

“ياااه!”  

 

هلّل الفرسان وردّدوا كلامه بحماس.  

 

شعرتْ روديلا بالذهول.  

 

نصف يوم إلى هناك؟  

 

ألا يأكلُ الفرسان ولا يستريحون؟ أليسوا بشرًا؟  

 

بالطّبع، لم يكن الوقت مناسبًا للمناقشة، فبقيت صامتة.  

 

لكن في تلكَ اللحظة، التفت لاتيني إليها وقال:  

 

“أعلّق آمالاً كبيرة عليكِ. تفهمين ما أعنيه، أليس كذلك؟”  

 

“…تقصد تقليل التّدمير، أليس كذلك؟”  

 

استعادت روديلا رباطةَ جأشها وردّت.  

 

أومأ لاتيني بهدوءٍ بين الفرسان الذين لا يزالون يهلّلون.  

 

“أنقذي محفظتي من فضلك. لقد وصلتُ إلى الحدّ.”  

 

“…..”  

 

لم يطلب أحدٌ منه استخدام محفظته الخاصة لتغطية أضرار الفرقة، لكن في النهاية، كان لاتيني هو من تكبّدَ النفقات لتغطيةِ أخطاء فرسانه.  

 

صحيح، مهما قيل، فهو يهتمّ بفرقة الفرسان الزّرق.  

 

ابتسمت روديلا.  

 

عندما كانت طفلة، زارَ أحد قادة المرتزقة المشهورين إقليم سيفريك.  

 

لم تعرف هويّته إلّا لاحقًا، لذا كانت ذكراه باهتة، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا:  

 

كانَ يهتمّ بمرتزقته كما لو كانوا حياته.  

 

مثل ذلكَ الوقت، لا يزال شخصًا رائعًا.  

 

“حسنًا.”  

 

ضحكت روديلا. ثم نظرت إلى آيفرت.  

 

لو أنّكَ تتصرّف جيّدًا، ستنخفضُ نسبة التّدمير كثيرًا. أنتَ تفهم، أليس كذلك؟  

 

همست بشفتيها، فهزّ آيفرت كتفيه.  

 

“إذن، اسم العمليّة هو…”  

 

لمعت عينا لاتيني.  

 

“‘القتال’!”  

 

“….؟”  

 

فتحت روديلا فمها مذهولةً من اسم العمليّة السّخيف,.  

 

تلاشى شعور التأثّر الذي كانَ لديها حتّى تلكَ اللحظة…  

 

قال آيفرت بهدوء، كما لو كان يعلم أنّها ستتساءل:  

 

“إذا كانَ اسم العمليّة يكشف عن محتواها، فستكون تلكَ مشكلة.”  

 

نظرت روديلا إليه.  

 

حتى آيفرت، وهو يتحدّث، بدا غير راضٍ عن اسم العمليّة.  

 

“…أنتَ أيضًا تتقن الحياة الاجتماعيّة.”  

 

“…..”  

 

لم يستطع آيفرت الاعتراف بأنّه شعر بالحرج من الظهور بمظهرٍ تافهٍ أمامها، فاكتفى بهزّ رأسه.  

 

كانَ الانطلاق مقرّرًا في عصرِ اليوم التالي.  

 

“القتال”، بداية عمليّة خاصّة تشارك فيها نخبة مختارة بعناية من لاتيني و آيفرت مباشرةً من المقرّ.  

 

* * *  

 

وفقًا للخطّة، كان للعربات المتوجّهة إلى الموقع شيءٌ مشترك.  

 

كانت عرباتٍ قديمةً و متهالكة، لا يمكن تخيّل أنّها تابعةٌ لفرقة فرسان.  

 

لكن داخلها، كانَ هناكَ فرسانٌ بارزون و ساحرٌ لتعقّب القوّة السّحريّة لصاحب الوجوه الألف.  

 

―طرق!  

 

ومن بين تلكَ العربات العديدة، كانتْ هناكَ عربةٌ تحملُ روديلا و آيفرت.