لم يكنْ لدى رايان ديفيلت أيّ شيءٍ يسير على ما يرام مؤخرًا.
“أنا مضطرٌ للتّعايش في مكانٍ مليء بالغبار كهذا…؟!”
في البداية، لم يكنْ راضيًا أبدًا عن تعيينه كمسؤول الشؤون الإدارية في فرقة الفرسان الحمر.
كانَ الفرسان الحمر يتملّقونَ إليه بكلّ جهدهم، لكن النّظر إلى أوجه النّبلاء الأعلى منه في قسمِ الشّؤون الإدارية كانَ أمرًا شاقًا.
لكن، كما أنّ الغبار يبقى غبارًا مهما جمعته، فإنّ تحقيق الإنجازات في مكانٍ متربٍ كهذا لن يبدو سوى أمرٍ تافهٍ في عيون الأشخاص الأعلى منه.
كانَ لا يزال مقتنعًا بأنّه يجب أن يبقى في قسم الشّؤون الإدارية.
لذلك، كانَ يلتقي دوريًا بأشخاص من القسم ليؤكّد على ذلك، بل ولم يكتفِ بذلك.
“ماذا؟ خرجت إلى الخارج؟”
في الوقتِ المناسب، كأنّها تطلب قطع رأسها بنفسها، حاولَ رايان الإمساك بروديلا سيفريك التي هربت من تحتَ سيف موديلاك.
بالطّبع، كان آيفرت رويدن يرافقها، لكن ذلكَ الرّجل لم يكنْ من النّوع الذي يستطيعُ حماية أحدٍ أثناء القتال.
كيفَ يمكن لرجلٍ لا يستطيع التحكّم بقوّته و يكسر كلّ شيءٍ أن يحمي امرأةً قد تموت بمجردِّ خدشها؟
لذلك، خطّط لشنّ هجوم.
لكن…
“لقد، لقد… اختفت!”
قال أتباع الفيكونت لينفيك الحمقى إنّهم لم يتمكّنوا حتّى من إيجاد أيّ أثرٍ لها.
حسنًا، قد يكونُ مِن المعقول أنّهم لم يهاجموا لأنّ عددهم كان قليلًا أثناءَ قيامهم بمهامّ دعم المدنيين أو ما شابه.
“خائفون…؟!”
اختفت فجأةً في منتصف المهمّة؟ يا لها من دعابةٍ مضحكة!
على الأرجح، خافوا من قوّة آيفرت رويدن الوحشيّة!
على الأقل، كانَ يمكنهم تعطيلُ دعمهم للمدنيين أو أيّ شيء!
“ألم ترَ فرقة الفرسان الزرق كثيرًا مؤخرًا؟ لقد زاروا منزلنا هذه المرّة…”
في تلكَ اللحظة، وخزت أذنيه أصوات المدنيين الذين كانوا يتحدّثون على الطاولة المجاورة.
عبسَ للحظةٍ عند سماع الحديث عن فرقة الفرسان الزرق، لكن…
“ماذا؟ هل منزلكَ بخير؟”
ضحكَ رايان تقريبًا عندما سمع هذا السّؤال الذي بدا وكأنّه يجب طرحه إذا زارت فرقة الفرسان الزرق منزل أحدهم.
نعم، هذا هو!
هؤلاء الأوغاد يحلمون بأنْ يصبحوا وزراء!
لكن الإجابة التي تلت جعلت وجهه يتجهّم بما فيه الكفاية.
“لم يعودوا يكسرون شيئًا مؤخرًا. سمعتُ أنّ مسؤول الشؤون الإدارية الجديد يسيطرُ عليهم بشدّة.”
“حقًا؟”
بدأ رايان يعتصر قبضته بقوّة وهو يسمعُ همهمات المدنيين.
مسؤول الشّؤون الإدارية، تلكَ المسؤولة اللعين!
في طريق العودة من عائلة الفيكونت لينفيك، كان الخدم الذين رافقوا رايان من عائلة ديفيلت يبدون محرجين. لقد أحضروه إلى مطعمٍ راقٍ نسبيًا في هذه المدينة الصغيرة لمرافقته، لكن…
كانَ يبدو على وشكِ الانفجار.
وفجأةً…
“ما اسم تلكَ المسؤولة؟ تلكَ الآنسة من عائلة سيفريك…”
“أتعرفها أيضًا؟”
عندما بدأ صوت المدنيين على طاولةٍ أخرى يتردّد، حتّى أنّهم جلسوا معًا ليثرثروا، بدأ جسد رايان يرتجف.
“منذ وصولها، بدا الأمر و كأنّها تُظهر ما يعنيه أن تكونَ فارسًا حقيقيًا.”
“صحيح. في الحقيقة، كنتُ أظنّ أنّ فرقة الفرسان الزّرق كانت مجرّد أشخاصٍ مخيفين…”
“أمّا فرقة الفرسان الحمر، فلا داعي للحديثِ عنها.”
“لا حاجة لـ…”
عندَ هذه النّقطة، انفجرَ رايان ديفيلت أخيرًا.
“ماذا عن الفرسان الحمر؟!”
هل يقولون إنّني أقود جماعةً أقلّ شأنًا من روديلا سيفريك؟!
“آه!”
عندما نهضَ فجأةً و انكشف رداؤه، ظهرَ وجه نبيلٍ واضحٍ للجميع، فانتشر الذّعر بين المدنيين المحيطين.
هربَ المدنيون تاركين طعامهم، لكن مطاردتهم لم تكن تبدو لائقة، فتنفّس رايان بحنق.
يا لهم من جرذان!
“مَـنْ الذي اقترحَ القدومَ إلى هذا المطعم الرّديء؟ مَـنْ؟ إلى مطعمٍ يرتاده هؤلاء الفئران! كيف تجرّؤون على إحضاري إلى هنا؟!”
―طرااخ!
في النّهاية، قلبَ الطاولة بغضبٍٍ عارم.
بينما كان يغلي من الغضب، كانتْ آراء النّاس تتغيّر تدريجيًا.
ربّما، ربّما تظهر في هذه الإمبراطوريّة فرقة فرسانٍ تُظهر الفروسيّة الحقيقيّة.
* * *
بعد أيّامٍ قليلة، في قاعة العرش الفخمة بالقصر الإمبراطوري.
بينما كانت الأعمدة العالية تُظهر هيبة العرش و تدعم السقف، كان قائدا فرقتي الفرسان راكعين على ركبةٍ واحدة، مطأطئين رأسيهما على السّجادة الحمراء التي تقطع قاعة العرش الذهبيّة.
كان الإمبراطور، الذي استدعى قائدي الفرسان الحمر و الزرق اليوم، في مزاجٍ متقلّب بعضَ الشيء.
“منذ شهرين تقريبًا، ظهرَ ‘صاحب الوجوه الألف’ في منطقة نفوذ الفرسان الحمر، أليس كذلك؟”
“نعم… نعم، صحيح.”
كانَ قائد الفرسان الحمر، إدريك سنيد، يتصبّبُ عرقًا باردًا.
صاحب الوجوه الألف.
القاتل الشّهير الذي حصلَ على هذا اللّقب بسببِ قدرته على تغيير مظهره بالسّحر بشكلٍ لا يمكن تمييزه، كان يُثير الفوضى في قلوب الناس في الإمبراطوريّة مؤخرًا.
عندما كانَ النّاس يواجهون الوحوش، كانوا يتحدّون بقلبٍ واحد، لكن بمجرّد أن تحسّن الوضع، بدأوا يتصرّفون وفقَ رغباتهم دونَ تردّد.
من بين هؤلاء، كانَ هناكَ مَنْ لا يستطيعون كبح عدوانيّتهم التي نشأت أثناء الحرب، فيؤذون الناس، و آخرون يستخدمونَ القوّة التي اكتسبوها في الحرب للسّيطرة على الآخرين.
وصاحب الوجوه الألف كان ينتمي إلى كلا النّوعين.
“ومعَ ذلك، لم تتمكّنوا من القبض عليه بعد. أعلم أنّه تسلّل إلى منطقة نفوذ الفرسان الزرق عدّة مرات.”
عندَ هذا التأكيد، أطرقَ لاتيني رأسه.
“أعتذر، جلالتك.”
في الحقيقة، لم يمكث صاحب الوجوه الألف في منطقة الفرسان الزرق سوى نصف يومٍ في كلّ مرّة، لكن لاتيني لم يدّعِ تعرّضه للظّلم.
فشلُ القبض عليه هو فشلٌ بكلّ معنى الكلمة.
“لقد مرّ أسبوعان منذ أن أثارَ صاحب الوجوه الألف الفوضى. كان يُحدث اضطرابًا كلّ ثلاثة أيّام، يبدو أنّه يجمع قواه الآن. أنا قلقٌ جدًّا.”
لم يكن واضحًا إنْ كان قلقًا حقًّا، لكن مزاجه كان مضطربًا بالتأكيد، فقال الإمبراطور:
“في هذه القضيّة، تجاهلوا تقسيمات المناطق و اقبضوا عليه. أتوقّع أخبارًا جيّدة بحلول نهاية هذا الشهر. أثق أنّكما تفهمان مغزى استدعائي لكما شخصيًا.”
بمعنى آخر، إذا لم تقبضوا عليه بسرعة، فلن أترككما.
بينما كان القائدان يطرقان رأسيهما، سأل الإمبراطور:
“هل وضعتما خطّةً محكمةً للقبض عليه؟”
في الحقيقة، بما أنّه يعبث في منطقة الفرسان الحمر، كانَ السؤال موجّهًا لقائد الفرسان الحمر.
“بالطبع، نحن نعيد تسليح أرواح الفرسان و نُدرّبهم!”
التعليقات لهذا الفصل " 21"