“ماذا؟”
عبثت روديلا بجيبها دونَ وعي.
ما هذا؟ أين ذهب؟
اختفت الزّجاجة الصغيرة التي وضعتها في جيبها خلسةً وسط فوضى الناس.
كانت، بالطّبع، نفس الزجاجة التي يحملها آيفرت.
“ما هذا؟ كنتَ تعلمُ أنّني أخذتُ النبيذ؟”
أومأ آيفرت برأسه.
“أعرفُ كلَّ ما تفعلينه.”
توقفت روديلا وهي تنظر إليه بينما يبتسم بثقة و يواجه عينيها.
ثم سألتْ بحذر:
“…هل أنتَ ثمل؟”
“…..”
يبدو عاطفيًا بشكلٍ غريب اليوم.
* * *
صعد الاثنان بشكلٍ طبيعيّ إلى الطّابق الرابع في المقر، حيثُ تقعُ غرفهما.
فتحَ آيفرت باب غرفته و دخل، وتبعته روديلا دون تردّد.
على أيّ حال، لم يكن في غرفتها سوى أغراض العمل، ولا حتى كؤوس للمشاركة في الشرب.
―طق.
وضعَ آيفرت الزجاجة على طاولةٍ صغيرة وأحضر كأسين.
ثم سألَ بهدوء:
“لماذا لمْ تشربي هناك؟”
بما أنها أخذتْ زجاجة، فلا بدّ أنها لم تكن في يوم لا تشتهي فيه الخمر.
“الشّرب أمامَ النّاس يجعلني أشعرُ ببعضِ الإحراج.”
مال رأس آيفرت عند ردِّ روديلا.
“وأنا؟”
أشارَ إلى نفسه.
ألستُ إنسانًا؟
ضحكتْ روديلا على إشارته الواضحة.
“أنتَ استثناء. أنتَ تعرف ذلك. أنا أثملُ بسهولة.”
لكن شعور الثّمالة ليسَ سيئًا، لذا أحبه.
هزت روديلا الكأس المملوء بالنبيذ و هي تتحدّثُ إليه.
“لا أحبّ أن أظهر ثملةً أمام الآخرين.”
لا أريد أنْ أظهر بمظهرٍ ضعيفٍ أمام أشخاص لا يفكرون إلا في مهاجمتي.
تمتمت روديلا بهدوء و أفرغت الكأس دفعة واحدة.
“آه…”
مع رائحته الطيبة، جعلها النّبيذ تشعرُ بدفءٍ داخلي…
لا، صعد تأثير النبيذ بسرعة!
فتحت فمها، و أغمضت عينيها عدّةَ مرات، ثم سألت:
“لماذا هذا قويٌّ جدًا؟!”
“في الفيلق، لا نتعامل مع النبيذ الضعيف. إذا كان ضعيفًا، فسيشربون الماء بدلاً منه.”
شعرتْ روديلا بالدّوار عندَ ردّ آيفرت.
كانَ يجب أن تخبرني قبل أن أشربه دفعةً واحدة!
أمامها، أفرغَ آيفرت كأسًا صغيرًا دون أي تردّد.
ثم نظرَ إليها وقال فجأةً
“أنتِ تعلمين أنكِ الآن شريكة في الجريمة، أليس كذلك؟”
“لماذا؟”
لماذا أنا؟ أنا لستُ كذلك! شعرت روديلا وكأن تأثير النّبيذ توقّفَ فجأةً.
عند سؤالها المذهول، هز آيفرت الزجاجة.
“لقد شربتِ. و هذا نبيذٌ من مصدر ماليّ غير واضح.”
“…آه.”
هل خططتَ لذلك؟ لا، أنا مَـن أحضرت النبيذ، لا…!
اندفع! تأثير النبيذ الذي كبحته إلى رأسها في لحظة.
* * *
وقبلَ أنْ تمرَّ ثلاثون دقيقة…
“حتى لو كان الأمر كذلك، أليس جعلي شريكة في الجريمة مبالغة؟”
سحبتْ روديلا خديه.
“لقد ثملتِ. توقّفي عن الشرب.”
هل تعلمينَ أنّ لمستكِ هذه تجعلني في خطر؟
بينما كان آيفرت يحاول التّحدث دون تلعثم، فكر في نفسه.
―طق!
فجأة، أمسكتْ روديلا خديه بكلتا يديها وأدارته نحوها.
“…..!”
عيناها الضبابيتان بتأثير الّثمالة.
لكن عينيها كانتا تعكسان آيفرت وحده فقط.
كما كانَ يريد دائمًا.
في ثوانٍ قليلة من تبادل النظرات، دارت أفكار عديدة في ذهن آيفرت.
ثمَّ، في لحظة…
“أنا! استيقظت تمامًا من تأثير النبيذ!”
حقًا!
ضحكت روديلا بصوت عالٍ و وجه أحمر متوهج.
―بوم!
ثم سقطتْ فجأة.
مباشرة ًفي أحضان آيفرت.
“……”
كعادته، استقبلها آيفرت وهي تسقط، مستعيدًا كلماتها السابقة:
“لا أحب أن أظهر ثملةً أمام الآخرين.”
قالتْ إنني الاستثناء.
كلماتٌ لطيفة بشكلٍ قاسٍ.
بينما تعترفين أنّني مميّز بالنسبة لكِ، لماذا لا تمنحينني أيّفرصة؟
لماذا يجبُ أن أظلّ مجرّد صديق؟
أخيرًا، احتللتُ مكانًا بجانبكِ و أنا أنتظر فرصتي، لكن إلى متى يمكنني الصبر―
بينما أنفاسكِ الهادئة في أحضاني مثيرة لهذه الدرجة؟
“…سأجنّ.”
حقًا، كانَ الأمر يفقده عقله.
* * *
بعد تنظيف مكانِ الشرب، حملَ آيفرت روديلا وفتح باب غرفتها المجاورة.
“آه…”
لم تستيقظ روديلا حتى تلكَ اللحظة.
ما التعبير الذي ستظهرينه لو فتحتِ عينيكِ الآن؟
“متى وصلتُ إلى هنا في الليل؟”
كانت روديلا، عندما تثمل كثيرًا، تفتح عينيها بدهشة وتسأل، غير قادرة على تذكر الليلة السابقة.
“أنا مَن قام بحملكِ.”
عندما يقول ذلك، كانت روديلا تضحك.
“أنت؟ حملتني؟”
كان لاعتقادها أن ذلكَ مستحيل أساس منطقي.
كان آيفرت دائمًا حذرًا للغاية في التعامل معها، خوفًا من أن يؤذيها إذا لم يتحكّم في قوته.
كانت تعتقد أنه، بما أنه يتجنب لمسها حتى عندما تمازحه، لا يمكن أن يحملها طواعية.
لكن، روديلا…
“لا يمكنني أن أدعَ شخصًا آخر يحملكِ.”
كان آيفرت في حالةِ توتّرٍ تام.
لم يرد أن يؤذي صديقته، التي هي كقطعة زجاج ثمينة بالنسبة له، أو بالأحرى، أكثر من ذلك.
―سوييش.
وضعَ روديلا بحرص على السّرير وعدّل ملابسها.
“آه…”
كانت روديلا تتحسس ياقة ملابسها و كأنها تشعر بالضيق، ثم انقلبت على جانبها.
ثم مدت يدها، و كأنها تبحثُ عن شيء، وأمسكت بدمية دبّ موضوعة بجانبها.
احتضنت الدمية و رفعت ساقيها، في نوم عميق.
لو أنّها قامت بفكِّ ملابسها، لكانت نائمة براحة أكبر.
“…..”
فكّرَ آيفرت في فكّ ملابسها، لكنه مسحَ وجهه.
أنا أتحملّ هذا من أجلكِ، لا، من أجلي، روديلا.
أخرج نفسًا و استدار.
―……
على الرّغمِ من علمه أنها لن تستيقظ من صوت إغلاق الباب، لم يستطع إلا أن يكون حذرًا.
بشكلٍ طبيعي، أصبح آيفرت حساسًا للأصوات المحيطة و توجّه إلى غرفته.
قبل إغلاق الباب، طرق بخفة.
لم يكن ينادي أحدًا داخل الغرفة، بل كانت إشارة لشخص قريب.
“دينيت.”
“نعم.”
خرجَ شخص من الظلال عند كلمته.
لم يتفاجأ آيفرت برؤيته.
“يبدو أن لديك شيئًا لتخبرني به.”
دينيت.
يُخصص لكلّ من يحمل دم عائلة رويدن خادم خاص مدرّبٌ بشكلٍ خاص، وكان دينيت هو الخادم الخاص الذي رافق آيفرت منذ كان في الثامنة.
بما أن مكان عمل آيفرت هو الفيلق، حيث يتجمع الأشخاص الحساسون للأصوات، كان دينيت يتجنب التجوال حول المكان ما لم يكن لديه مهمة.
كان ذلك أيضًا بسببِ أوامر آيفرت عندما كان صغيرًا، حيث كان يكره عائلته و طلب من خادمه الخاص ألا يبقى بجانبه.
“أثناء دعم المواطنين، اقتربَ أشخاص مشبوهون من المزرعة.”
ضحكَ آيفرت ضحكة ساخرة، وارتفعت زاوية فمه بسخرية.
كما توقعت.
“وماذا؟”
“عندما صعدتما إلى الجبل، بدا أنهم يبحثون عنكما ثم اختفوا. لا يبدو أنهم أشخاص يمتلكون معلومات سريعة.”
ولا توجد معلومات تسرّبت من الداخل.
أومأ آيفرت برأسه.
لو كانوا أشخاصًا يمتلكون معلومات سريعة، لكانوا هاجموا الاثنين عندما انفصلا عن بقية الفرسان لاصطياد الوحوش.
من المؤكّد أنهم لم يتحركوا لأنهم لم يعرفوا إلى أين ذهبا.
سخرَ آيفرت منهم مرة أخرى وأشار بيده.
“اكتشف من أين جاؤوا. إذا كان الأمر مزعجًا، تحقق مما كان يفعله الفيكونت لينفيك في ذلك الوقت.”
كانت عائلة لينفيك الفيكونتية إحدى عائلات النبلاء المتعصبين القريبة من المزرعة.
كانوا مؤخرًا متعطّشين لتحقيق إنجاز ما.
على الأرجح، الجناة هناك.
فسر دينيت الأمر بذكاء.
“سأحقق في عائلة لينفيك أولاً، وإذا لم أجد دلائل، سأوسع نطاق البحث.”
أومأ آيفرت برأسه قليلاً، فاختفى دينيت بصمت.
عندها، حلّ الصّمت التام في غرفته.
التعليقات لهذا الفصل " 20"