“ماذا؟”
بعد أن أثارته الشتائم المكتوبة في الرسالة، يطلبون منه الآن معاقبتهم؟
استمر لاتيني في قراءة الرسالة وهو يرتجف.
“…..؟”
لكن تعبيره بدأ يتحول إلى حيرة تدريجيًا.
ما الذي كُتب ليجعله هكذا؟
التقت عينا روديلا و ايفرت.
هل هناكَ شيء آخر غير الشتائم مكتوب في الرسالة؟
لكن، بشكلٍ مفاجئ، ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي لاتيني بحلول الوقت الذي انتهى فيه من قراءة الرسالة.
أصبح المحتوى أكثر إثارة للفضول.
بدأ لاتيني يتلو محتوى الرسالة:
“صحيح أنهم قلبوا حقل بيروبا وهم مخمورون، لكن بفضلِ ذلك… وجدوا ينبوع طاقة سحرية في الأسفل؟”
“ماذا؟”
ينبوع طاقةٍ سحريّة.
ينبوع يتشكل عندما تتدفّق الطاقة السحرية للأرض مع تدفق المياه، وهو أساس صناعة الجرعات.
بالطبع، كان أغلى بكثير من بيروبا، وعادةً ما يكون مدفونًا عميقًا في الأرض، مما يجعل العثور عليه صعبًا…
لكنه ظهر؟
“‘تساءلتُ لماذا كانت بيروبا تنمو بهذا الحجم، والآن أعرف السّبب. لقد رأى الفرسان المستقبل بلا شك…’”
ضحك لاتيني بحيرةٍ وسأل:
“هل هناكَ من عرف بوجود ينبوع الطاقة السحرية وحفر الأرض؟”
نظرَ إلى الفرسان كما لو كان يطلب منهم رفع أيديهم، فبدأوا يتجنبون عينيه.
بالطبع، لم يكن أحد يعلم.
“‘أنا ممتنٌّ لعملكم الجاد تحتَ الشمس الحارقة، لكنني لم أتوقع أن يتلقوا تدريبًا صارمًا… أتمنى ألا يُعاقب الفرسان أكثر.’”
واصل لاتيني قراءة الرسالة:
“‘سأنشر بالتأكيد أن فيلق الفرسان الزرق قد تغير. لقد كنتُ راضيًا جدًا هذه المرة! فيلق الفرسان الزرق هو الأفضل! أقدّم تحيتي!’”
طوى لاتيني الرسالة بعناية.
―هوو…
هبّت نسمة باردة أمام مقر فيلق الفرسان الزرق.
“…هل أعطيتموهم تدريبًا هناك أيضًا؟”
ردّت روديلا على الفور:
“بما أن صاحبَ المزرعة عرف بشأنِ شربهم، اعتقدت أن عدم معاقبتهم سيسبّب مشاكل لاحقًا.”
بمعنى آخر، هل عاقبتِهم أولاً قبل أن يشتكوا؟
ضحكَ لاتيني بصوتٍ أعلى.
“هكذا إذن.”
دعم المواطنين من فيلق الفرسان الزرق؟ الولاء؟
خلع لاتيني قبعته و كأنه يسحبها للأمام، ثم مرّر يده على جبهته.
“هاه.”
في تلكَ اللّحظة التي كتم فيها الجميع أنفاسهم تحتَ نظرة قائد الفيلق النارية، و بينما كانت روديلا تستعد عقليًا لمواجهة غضبه…
―بوم!
داس لاتيني الأرض بقدمه.
“عمل رائع، الجميع!”
ماذا؟ قبل أن تتمكن روديلا من السؤال، صرخ لاتيني بوجهٍ سعيد:
“اليوم سنشرب! و القائد هو مَـنْ سيدفع!”
“ووووو!”
هل هذا صحيح؟ هل يكفي أن تكون النتيجة جيدة؟
أليس الشّرب مشكلة؟
هي التي لم تتأقلم بعد مع أجواء فيلق الفرسان الزرق وقفت مكانهت ، ربّتَ إيبرت على كتفها.
“إذا جاءت المزيد من طلبات دعم المواطنين، فقط قومي بالأمر بشكلٍ جيّد.”
أدركت روديلا حينها:
القائد… لم يكن لديه أي توقعات حقًا…؟
هل يعتقد أن عدم تدمير شيء هو بالفعل إنجاز…؟
بينما كانت الأجواء تتحول إلى حفلة، أعلن لاتيني:
“لكن!”
توقفت صيحات الفرح فجأة.
قطع صوته البارد الصمت:
“مَن يثمل، سأكسره إلى نصفين.”
“نعم، سيدي!”
مَـنْ المجنون الذي سيثملُ مرّةً أخرى؟
صرخ الفرسان بحماس وهم يتعانقون.
* * *
شارك الجميع في هذه الحفلة غير الرسمية، باستثناء الفرسان المكلفين بالحراسة أو المقرر تكليفهم.
على الرّغمِ من الأجواء المفعمة بالحيوية، لم يثمل أحد.
لم يكن لاتيني قائدًا متسلطًا، لكن الجميع كان يعلم أنه لا يرحم عندما يغضب.
“لأجل مسؤولة الشؤون العامة الجديدة!”
“لأجلها!”
كانت الأجواء مشتعلة.
كانت روديلا، بصفتها المسؤولة الجديدة، نصف بطلة هذه الأجواء.
“هل تودين كأسًا؟”
اقتربَ أحد الفرسان وسأل.
لكن روديلا هزّت رأسها قليلاً.
“لن أشرب.”
مال رأس آيفرت بدهشة.
كان غريبًا، لأّن روديلا لم تكن تكره الكحول عادةً.
“حسنًا!”
أومأ الفارس الذي عرض عليها أنْ تشربَ برأسه مطيعًا ومرّرَ الزجاجة إلى آيفرت.
“هل تشرب، سيدي نائب القائد؟”
هزَّ آيفرت رأسه.
إذا لم تشرب روديلا، فلم يكن يرغب في الشرب أيضًا.
بينما كان يفعل ذلك، أصبح الفرسان صاخبين.
“اشرب كأسًا واحدًا على الأقل!”
“يا لكَ من غبي! تعالَ و كلْ بيضة مسلوقة!”
ضحكَ الفارس بإحراج، تحية، ثم ركض إلى زملائه.
“هذه الأخيرة!”
“اشربها بحرص!”
في تلكَ اللحظة، جاءَ أصغر الفرسان حاملاً صندوق خمر.
شككت روديلا في عينيها عندما رأت حجمه.
لحظة، كم صندوق كحول هنا؟
“انتظر. أين مخزن الحكول؟”
“آه، هل ستختارين بنفسك؟ ربما لم يتبق سوى النبيذ الفاخر الذي يشربه القائد.”
ردَّ.الفارس الصغير.
في تلكَ الأثناء، كان لاتيني، الذي كان يتلقى كؤوسًا متتالية من الفرسان الذين يقولون إن الأبطال لا يسكرون، يتحدث:
“دعوها تشرب. إذا لم تشرب مسؤولتنا، سينزعج نائب القائد.”
“وو!”
التقت عينا روديلا و آيفرت وسط هتافات الإعجاب.
هل ستغضب؟
لا؟
حتى نظراتهما المذهولة بدت كزوجين محبين في عيون الآخرين.
“المخزن هناك! هل أرافقكِ؟”
سأل الفارس الصغير، لكن آيفرت هز رأسه.
“لا، أنا سأرافقها.”
“آه، حسنًا.”
تراجع الفارس الصّغير بسرعة، بعد أن كاد يصبح الفارس الثاني عديم الحس الذي يتدخل بين الزوجين.
“هيا.”
تبعتْ روديلا آيفرت إلى المخزن .
“لكن لماذا المخزن؟”
سألَ آيفرت وهو ينظر إليها.
قد لا يعرف الآخرون، لكنه شعرَ أنه يعرف.
كان تعبير روديلا يظهر شيئًا من الاستياء.
“ها نحن ذا.”
لم يكن المخزن بعيدًا، فوصلا بسرعة.
بينما كانت روديلا تنظر إلى المخزن الكبير المتصل بالطابق السفلي، سألت:
“كم يكون ممتلئًا عادةً؟”
“ممتلئ تقريبًا.”
لأننا نشتري بكمّياتٍ كبيرة.
أجابَ آيفرت على الفور.
ردّت روديلا على الفور:
“المال الذي يملأ هذا المخزن بالشراب… كان لدى فيلق الفرسان الزرق؟”
وهل أبلغتم عن ذلكَ لإدارة الشؤون العامة دون أن يتم اكتشافه في التدقيق؟
رفعت روديلا حاجبيها.
يا إلهي.
فكر آيفرت:
في هذه اللحظات، تبدين مخيفة بطريقة جذابة.
* * *
يُمنح كل فيلق ميزانية لتغطية تكاليف تشغيله.
تأتي هذه الأموال مباشرة من العائلة الإمبراطورية، وتُدار من قبل إدارة الشؤون العامة.
بما أنها أموال عسكرية، يشرف عليها مسؤولو الشؤون العامة للتأكد من عدم إنفاقها بشكلٍ غير صحيح، ومعظمها مخصص لأغراض محددة.
بالطبع، كانَ معروفًا أن أماكن مثل فيلق الفرسان الزرق، التي تُنفق معظم أموالها على تعويض الأضرار المادية، تقوم بتعديل الإنفاق قليلاً…
لكن بالطبع…
“لن يكونَ هناكَ مال لشراء النبيذ؟”
ضيّقتْ روديلا عينيها.
في تلكَ اللّحظة…
―سوو.
غطّى آيفرت عينيها بيده.
“لا تحاولي معرفة المزيد.”
كانَ صديقها يطالبها صراحةً بتجاهل الفساد.
ظهرتْ ابتسامةٌ مشرقة على وجه روديلا.
“اسمع.”
من الواضح أن هذا مشبوه!
لكن…
“كيف لم يكتشف مسؤولو الشؤون العامة السابقون هذا المخزن الضخم؟”
لم يكن من الممكن أن يفوت مسؤولو الشؤون العامة الذين سبقوها هذا المخزن الكبير.
عندما هدأت نبرة روديلا، أزال آيفرت يده أخيرًا.
ثم أجاب بوقاحة و هو ينظر إليها بنظرة مائلة:
“بطريقة غريبة، كانوا يفقدون وعيهم كلما اقتربوا من هنا.”
كنتَ تُفقدهم وعيهم!
فتحت روديلا فمها بدهشة.
“…إذا كنتَ تُفقدهم وعيهم، لماذا أخبرتني؟”
هل تنوي إفقادي الوعي الآن؟
نظرت إليه بشكّ وهي تتفحص يديه، فضحك آيفرت ضحكة خافتة و رفعَ يديه.
ثم قال ببساطة:
“لأنكِ أنتِ.”
رفعت روديلا حاجبًا.
“أنتَ تعلم أنني من إدارة الشؤون العامة، أليس كذلك؟”
كونها تابعة لإدارة الشؤون العامة، وليس فيلق الفرسان الزرق، يعني أن عليها الإبلاغ إذا استخدم الفيلق الأموال بشكل غير صحيح.
لكن آيفرت ظل هادئًا.
“قبل ذلك، أنا أثق أن السّيدة روديلا سيفريك هي خطيبتي المحبوبة.”
بمعنى آخر…
“…تحاول جعلي شريكة لكَ في الجريمة؟”
شعرت روديلا بالدوار.
حسنًا، بما أنها تحتاج إلى تحسينِ أداء فيلق الفرسان الزرق، فإن كشف عيوبهم لن يفيدها.
حتّى لو كانَ هذا يحدث قبل قدومها، فإن الأشخاص الذين يحبّون إلصاق التهم سيحاولون تحميلها المسؤولية.
شعرت بالغضبِ يغلي بداخلها، فحاولت روديلا استفزازه:
“حتى لو كنتُ خطيبتك…”
إنها خطوبة تعاقدية! أقلً من عام و تنتهي!
“مصدر هذه الأموال لاحقًا― آه؟”
توقفت كلمات روديلا الناقدة.
أمسكَ آيفرت كتفيها وأدارها بعيدًا عن مخزن الخمر.
“لنشرب هذا.”
و أخرجَ زجاجة نبيذ صغيرة من مكان ما.
التعليقات لهذا الفصل " 19"