التقى نظرَ روديلا و آيفرت وهما يتفحّصان المشهد بعناية.  

 

“دعم المواطنين؟ يبدو أننا لنْ نحصلَ عليه بعد الآن.”  

 

أصدر آيفرت حكمًا واقعيًا.  

 

أمسكت روديلا رأسها المصاب بالدوار للحظة.  

 

“لا، انتظر.”  

 

يجب أن يكونَ هناكَ حل!  

 

لقد واجهت مثل هذه المواقف غير المتوقعة مرّاتٍ لا تحصى في إدارة الشؤون العامة.  

 

في ذلكَ الوقت، حتى زملاؤها في الإدارة كانوا ينتمون إلى كارتلات النبلاء و يستبعدونها، فلم يكونوا إلى جانبها.  

 

لكن الفيلق مختلف!  

 

الوضع هنا أكثر ملاءمة بكثير. فكري، روديلا… آه!  

 

في هذه الحالة…  

 

“سنذهب بخطة ‘الفرسان المساكين’!”  

 

“ماذا؟”  

 

رفعَ آيفرت حاجبيه عند خطتها، ثم ضحكَ فجأة.  

كانت فكرةً نابضة بالحياة، تناسب روديلا تمامًا.  

 

و كانت أيضًا خطة مثالية لفيلق الفرسان الزرق.  

 

“يجب أن تؤدي دوركَ جيدًا في هذا. مفهوم؟”  

 

لكن هل يمكنه فعلُ ذلك؟ لا ينبغي أن يكون الأمر محرجًا.  

 

نظرت إليه بنظرة متسائلة، فأومأ آيفرت برأسه.

  

“بالطبع.”  

 

لقد تظاهرتُ بحبّكِ كصديقٍ فقط لأكثر من عشر سنوات أمامكِ. هل تعتقدينَ أنني لا أستطيع فعل هذا؟  

 

هكذا كان يفكّر.  

 

＊ ＊ ＊

 

“اجلسوا وقولوا ‘انتبهوا’، وانهضوا وقولوا ‘استعدوا’ عشر مرات.”  

 

عند كلمات آيفرت الباردة، اصطف فرسان فيلق الزرق في صفوف منظمة و جلسوا على الأرض.  

 

“انتبهوا!”  

 

ثم نهضوا وهم يصرخون:  

 

“استعدوا!”  

 

كانت الأجواء قاتمة، و وجوههم متصلبة.  

لكن بعض الفرسان كانوا لا يزالون يتعثرون بسبب تأثير الخمر.  

 

“اثنان تعثرا، لذا أَضيفوا عشرين مرّةً أخرى. ابدأوا من جديد.”  

 

رفع آيفرت صوته.  

 

“عند الجلوس: انتبهوا! عند النهوض: استعدوا!” 

 

“انتبهوا!”  

 

“استعدوا!”  

 

تردّدت صيحات غريبة في المزرعة.  

 

خرجَ توماس، صاحب المزرعة، مصدومًا من الضجيج.  

 

“ما، ما هذا؟”  

 

كانت كومة بيروبا مكدسة بشكلٍ جيد بجانبه.  

 

بما أن الأرض المحفورة كانت في حالة فوضى، لم يتمكنوا من التدرب هناك، فخرجوا إلى مكان مفتوح.  

 

لذلك، لم يرَ توماس بعد الفوضى .  

 

تولّت روديلا شرح الوضع له.  

 

“كنا نصحح حالة الفرسان الذين خرجوا لدعم المواطنين لأن عزيمتهم كانت متراخية.”  

 

تحدثت روديلا بصرامة متعمدة، وهي تطلق نظرة حادّةً على الفرسان الذين يتلقون التدريب.  

 

ثم انحنت قليلاً لتوماس.  

 

“إذا كانت هناكَ أي أضرار في بيروبا، سيعوض الفيلق عنها.”  

 

كانت الخطة تُدعى “إذا كنتَ ستُضرب، فلتُضرب أولاً!”  

 

بالإضافة إلى ذلك، الاعتراف بالخطأ أولاً.  

 

من خلالَ تقييمها السريع، أدركت روديلا أن توماس بعيد عن أن يكون شخصًا يبحث عن المشاكل.  

 

على عكس النبلاء الذين يحضرون شكاوى ليست من اختصاص إدارة الشؤون العامة و يطالبون بحلها، كان توماس مختلفًا.  

 

وعلاوةً على ذلك، على الرّغمِ من استقباله لفيلق الفرسان الزرق بنظرةِ عدم ثقة، تأثّر بأدائهم و قدّم الطعام طواعية، مما يظهر طيبة قلبه.  

 

هل يمكن لشخصٍ مثله أن يوبخ مَـنْ يعترف بخطئه أولاً؟  

 

“أضرار في بيروبا…!”  

 

لكن الأمور قد تختلف إذا تضرر المنتج.  

 

لحسن الحظ، كانت روديلا قد تأكدت بالفعل من أن بيروبا لم تتضرر.  

 

“لحسن الحظ، لا يبدو أن هناك أضرار…!”  

 

كما توقعت، تنهّدَ توماس بارتياح.  

 

“ومع ذلك، إذا ظهرت أي مشكلة لاحقًا، من فضلك أخبرنا.”  

 

قالت روديلا بتعبيرٍ آسف جدًا.  

 

“انتبهوا! استعدوا!”  

 

كان الفرسان لا يزالون يتلقون التدريب في الخلف.  

 

“خرجتم لدعم المواطنين وأنتم مخمورون؟ هل ستصطادون الوحوش وأنتم مخمورون أيضًا؟”  

 

كان آيفرت يؤدي دور الرئيس الغاضب ببراعة أمامهم.  

 

أم أنه ليس تمثيلًا؟ هل هو غاضب حقًا؟  

 

شعرتْ روديلا بالحيرة.  

 

“سنصلح حالتهم العقلية.”  

 

أعادت الاعتذار لتوماس.  

 

لوّحَ توماس بيده.  

 

“أنا مَنْ قدم الخمر. يبدو أنني قدمت الكثير، ههه. لا بأس! لا بأس!”  

 

“لا، سنتأكد من أنهم سيتعلمون درسًا.”  

 

لكن روديلا ردّت ببرود على تأكيدات توماس بأن الأمر لا بأس به.  

 

لأن…  

 

“هذا…” 

 

تحولت نظرة توماس أخيرًا إلى الحقل عبر الفرسان.  

حتى من بعيد، كان الحقل الموحل والفوضوي واضحًا لعينيه.  

 

“……”  

 

بالطبع، تغيّرَ تعبير توماس بشكلٍ مذهل.  

 

فكرت روديلا:  

 

لقد اعتذرنا و عرضنا التعويض، لذا قد لا ينقطع دعم المواطنين في المستقبل.  

 

لكن يبدو أن الفرسان لن ينجوا.  

 

يجب أن أبلغ المقر فور عودتنا قبل أن يتصل صاحب المزرعة بالسيد لاتيني غاضبًا.  

 

لا خيار آخر.  

 

إذا كنتَ ستُضرب مرتين، فمن الأفضل أن تُضرب بسرعة مرتين! مَن قال لكم أن تشربوا حتى الثمالة، يا صانعي المشاكل؟  

 

يبدو أن هدفها في تحسين فيلق الفرسان الزرق سيكون أصعب بكثير مما توقعت.  

 

＊ ＊ ＊

 

عاد فيلق الفرسان الزرق بفخر بعد دعم المواطنين لأوّل مرّة منذ حوالي ثلاث سنوات.  

 

كان القائد هو نائب القائد آيفرت رويدن، وكانت موهبة إدارة الشؤون العامة، روديلا سيفريك، معه.  

 

لنجعل هذا الدعم يغير نظرة الناس إلى فيلق الفرسان الزرق!  

 

رحب لاتيني بالفيلق العائد بهذه الآمال.  

 

“عمل رائع، الجميع.”  

 

بينما كان يتحدث بفرح، ردت روديلا بوجهٍ جادّ

 

“لدي شيء لأبلغ عنه.”  

 

“ماذا؟”  

 

شعر! لاتيني بشيءٍ غير عادي وتوقف.  

 

كلمة واحدة من آيفرت بجانبِ روديلا فجرت كل شيء:  

 

“لقد فشلنا.”  

 

ماذا؟ ماذا؟  

 

في أذني لاتيني المذهول، سمع صوت حوافر خيل تهرع من بعيد.  

 

كان هناك واحد فقط، وصوت الدروع يشير إلى أنه فارس.  

 

نظر فوجد فارسًا من فرع فيلق الفرسان الزرق الغربي، الذي ذهبوا إليه لدعم المواطنين، يقترب بسرعة.  

 

“…ما هذا؟”  

 

كيف يمكن أن يفشلوا لدرجة أن يصل رسول عاجل؟  

 

“هذه رسالة من صاحب المزرعة الذي كلفناه بدعم المواطنين!”  

 

أغلقت روديلا عينيها.  

 

آه، لقد جاءَ ما كنتُ أخشاه.  

 

كنت أريد أن أصل بسرعة وأواجه الأمر أولاً لأنني توقعت رسولًا عاجلاً كهذا!  

 

يبدو أن الرسول كان أسرع من تحرك المجموعة.  

 

لقد انتهى الأمر!  

 

“أحضرها.”  

 

بينما كانت روديلا تمسك رأسها، أخذ لاتيني الرسالة.  

 

＊ ＊ ＊

 

حيثما يتجمع الناس، دائمًا ما يكون هناكَ شخصٌ غريب أو اثنان.  

 

لكن الفيلق مكانٌ خاص حيث تزداد نسبة هؤلاء الأشخاص.  

 

والسّبب أنه، باستثناء كبار الضباط الذين يذهبون ويعودون، يعيش الفرسان في الثكنات أو المهاجع ويقومون بالحراسة باستمرار، فإذا لم يحدث شيء أثناء الحراسة…  

 

في الأساس، خارج أوقات التدريب، يصبحون أشخاصًا يعانون من الملل.  

 

كانوا دائمًا متعطشين لـ”أحداث مثيرة”.  

 

ونتيجةً لذلك، غالبًا ما يرتكبون أفعالًا غريبة.  

 

بالطبع، كان من بين ذلك شغفهم بالخمر.  

 

بعد انتهاء حرب الوحوش التي اجتاحت القارة، كان الفيلق موجودًا للتعامل مع البقايا.  

 

بالإضافة إلى التّعاون مع فرق البحث التابعة للعائلة الإمبراطورية للقبض على المجرمين الذين يظهرون بين الحين و الآخر، لم يكن لديهم ما يفعلونه إذا لم تحدث أي أحداث، مما جعلهم كالمتعطلين المحصورين.  

 

بالطبع، كانَ الخمر ممنوعًا إلا في المناسبات الخاصة.  

 

لكنهم…  

 

“…خرجوا لدعم المواطنين، وشربوا الخمر؟”  

 

خرجَ صوت ثقيل من فم لاتيني وهو يقرأ الرسالة ببطء.  

 

“…..”  

 

نظر آيفرت إلى الفرسان الصامتين.  

 

حتى في نظره، لم يكن هذا تصرفًا عقلانيًا، لذا كان مستعدًا لتطبيق العقوبة بنفسه إذا أُمر بذلك.  

 

بعقلانية، بما أنه كان المسؤول الأعلى في الموقع، كان من الطبيعي أن يُعاقب هو أيضًا.  

 

لحسن الحظ، كانت مسؤولة الشؤون العامة بعيدة عن خط القيادة المباشر، لذا لن تتضرر.  

 

بل إنه كانَ مستعدًا للشهادة بجهودها في السيطرة على الموقف.  

 

لا يمكن أن أكون عائقًا أمام حلمها بأن تصبح وزيرة، أليس كذلك؟  

 

“اقتلعوا بيروبا كالمجانين؟”  

 

من ناحيةٍ أخرى، أطلق لاتيني ضحكةً مذهولة.  

 

“في حياتي، رأيت العديد من الأشخاص المذهلين، لكن أن يكونوا تحت قيادتي… هاه!”  

 

كان يرتجف وهو يمسكُ الرسالة، وتحول وجهه إلى اللون الأحمر و الأزرق قبل أن ينتهي من قراءتها.  

 

“هل أنتم عاقلون―!”  

 

كاد صراخه المشحون بطاقته الدّاخلية أن ينفجر.  

 

في تلكَ اللّحظة، قال الفارس الذي جاءَ بالرسالة:

  

“سيدي القائد! صاحب المزرعة طلب منكم الاعتناء بهم جيدًا!”  

 

“الاعتناء؟ بماذا؟ أبالضرب؟”  

 

حتى اللّحم يصبح طريًا عندما يُضرب، أليس كذلك؟  

 

ابتسم لاتيني بلطف، لكن الفارس لوّح بيده بسرعة.  

 

“لا، لا! من فضلك، اقرأ الرسالة حتى النهاية!”