ردّتْ روديلا وهي تلوّح بيدها:  

 

“لا يمكن أن يكونَ الأمر كذلك.”  

 

بينما لم ينفِ آيفرت، الشّخص المعني، قالَ الكونت سيفريك:  

 

“كان آيفرت سيفعلها جيّدًا بمفرده. ربما تسارعت الأمور قليلاً فقط.”  

 

ردت والدة روديلا:  

 

“كنت قلقة أن ابنتنا ستعاني من ضغوط النبلاء في الأكاديمية، لكن عائلة رويدن دعمتها بقوة.”  

 

قال دوق رويدن السابق، والد آيفرت، الذي توفيَ أثناء مواجهته لوحده لوحشٍ اقتحم القصر الإمبراطوري خلال الحرب قبل أكثر من عشر سنوات:  

 

“كل ذلكَ تمَّ باسمه. لم أفعل شيئًا.”  

 

بعد جنازة أقيمت دون استعادة جثته لأسباب غامضة، كان آيفرت، الوريث الوحيد للعائلة، لا يزال طفلاً.  

 

لذلك، كان على السيدة رويدن أن تقاتل معارك بلا سلاح في المجتمع الراقي لحماية العائلة حتى يبلغ آيفرت سن الرشد.  

 

لم يكن هناكَ أحد في هذا المكان لا يعرف جهودها وتأثيرها.  

 

“هل نرفع كأسًا لدوق رويدن السابق؟”  

 

ابتسمت السّيدة رويدن مجددًا بعد توقّف قصير في الجو، رافعة كأسها.  

 

“لأجل دوق رويدن السابق و العروسين المستقبليين!”  

 

“لأجلهم!”  

 

بين الناس الذين رفعوا كؤوسهم بحماس، كان آيفرت و روديلا، اللذان اعتادا على التمثيل.  

 

لكن كانَ هناك من يهز تمثيلهما المستمر منذ سنوات.  

 

“ها… الآن ليسَ لديّ أيّ ندم. إذا تزوجَ الاثنان و شكّلا أسرة رائعة…”  

 

كانت السيدة رويدن.  

 

مع ارتفاع تأثير الخمر، احمرّ وجهها بسرعة وبدأ جسدها يتمايل.  

 

“أمي، لقد شربتِ كثيرًا.” 

 

ساندتها روديلا.  

 

“انظري، إنها تسمّيني أمي!”  

 

ابتسمتْ السيدة رويدن بسعادة و هي مخمورة.  

 

“يجب أن تعتني بصحتكِ حتى زواج الأولاد.”  

 

عاتبتها الكونتيسة سيفريك بقلق.  

 

كانت السيدة رويدن ضعيفةَ الجسم أصلاً، وبعد وفاة زوجها، أصبحت أكثر مرضًا.  

 

من الواضح أن معركتها الطويلة لحماية آيفرت الصغير كانت مرهقة لها.  

 

“يجب أن أفعل، يجب أن أفعل…”  

 

هدأت السيدة رويدن قليلاً، لكنها بدت وكأنها تخاف من فكرةٍ مخيفة فجأةً وهي تنظر إلى الاثنين.  

 

“لن تتشاجرا و تنفصلا، أليس كذلك؟”  

 

“مستحيل.”  

 

“لا يمكن أن يحدثَ ذلك.”  

 

جاء ردُّ الاثنين بشكل طبيعي.  

 

لكن روديلا شعرت و كأنها أصيبت بمطرقة في رأسها.  

 

أدركت فجأة أن هناكَ جدارًا ضخمًا يقف أمام حريتها التي تبقّت لها أقل من عام.  

 

كيف سأشرح للأم عندما ننهي الخطوبة لاحقًا؟  

هل أقولُ إنها كانت خطوبة تعاقدية؟ أم أننا تشاجرنا وقررنا السير في طرق منفصلة؟  

 

في كلا الحالتين، سيكون ذلكَ صدمةً كبيرة للسيدة رويدن الضعيفة و المريضة.  

 

التقت عينا روديلا المتزعزعة بعيني آيفرت الثابتتين.  

 

سألته بعينيها بحرارة:  

 

ألا تقلقُ على والدتكَ، أيها الوغد؟  

 

لكن إيفرت، على الرّغمِ من أنه بدا وكأنه يقرأ أفكارها، لم تتزعزع عيناه.  

 

“لا تقلقي، أمي.”  

 

لأنّه لم تكن لديه نيّة لتركها، سواء مـرَّ عام أم لا.  

 

“ها، طالما أنكما معًا، ليس لدي أي قلق…”  

 

تمايلت السيدة رويدن، فقامت روديلا من مقعدها.  

 

لكن آيفرت كان أسرع، فساند والدته التي كادت أن تسقط جانبًا وقال:  

 

“أمي، سأرافقكِ إلى غرفة نومك.”  

 

“هل أذهب معك؟”  

 

عندما حاولت روديلا التحرك، لوّحت السيدة رويدن بيدها.  

 

“لا يمكنني أن أظهرَ هكذا أمام صغيرتي.”  

 

ابتسمت بخجل و وجنتاها محمرّتان ولوّحت بيدها.  

 

“أنتِ جميلة فقط.”  

 

بينما ردّت روديلا والكونتيسة سيفريك، قاد آيفرت السيدة رويدن.  

 

“سأعود بعد قليل.”  

 

غادرت السيدة رويدن و آيفرت، تاركين وراءهم أصوات الخدم الذين كانوا يحافظون على إشغال الضيوف بالمحادثة.  

 

فجأةً، أصبحت خطوات السيدة رويدن، التي كانت تتمايل، ثابتة. 

 

فتحت فمها وقالت:  

 

“مؤخرًا، كثرت اتصالاتكَ مع رويدن.”  

 

رد آيفرت بهدوء:  

 

“لأنني ربّ الأسرة.”  

 

لم يكن سؤالًا يتطلب إجابة واضحة.  

 

كما هو متوقع، ظهرت ابتسامة غريبة على شفتي السيدة رويدن.  

 

كان هناكَ شيءٌ غريب في سؤالها.  

 

لماذا ذكرت أن آيفرت يبحث عن رويدن، و هو ربّ الأسرة؟  

 

والأغرب، لماذا أشارت إلى “رويدن” وكأنها منظمة منفصلة و ليست عائلتهم؟  

 

لكن آيفرت لم يبدُ مستغربًا من ذلك.  

 

“قلتَ أنكَ لا تريد أن تكون رب الأسرة.”  

 

ضحكت السيدة رويدن.  

 

“ذلكَ أمر قديم.”  

 

ابتسمَ آيفرت بعينين ضيقتين.  

 

“الوقاحة هي جوهر رويدن.”  

 

نظرة السّيدة رويدن إلى ابنها لم تكن بغيضة.  

 

“إذن، هل أنتَ من غيّرَ مسؤول الشؤون العامة في فيلق الفرسان الأحمر؟”  

 

وضعَ شخصًا كان عدوًا لها في مواجهة مباشرة معها.  

أليس هذا وكأنه يقول: “سأمهد لكِ الطريق، فاسحقيه كما تشائين”؟  

 

لم ينفِ آيفرت.  

 

“هكذا حدث الامراض.”  

 

لا ، بل هو جعلَ ذلك يحدث. ضحكت السيدة رويدن.  

 

“من سيصدق أنكَ كنتَ تكره ‘طريقة رويدن’؟”  

 

إنه أكثر الأعمال التي تحمل طابع رويدن.  

 

ابتسمت السّيدة رويدن.  

 

كان رويدن يُطلقون على أنفسهم أحيانًا اسم الحبر الأسود.  

 

أشخاص يختلطون بمياه الإمبراطورية و يلوّنون محيطهم بلونهم، متخصصون في حرب المعلومات والعمليات السرية.  

 

أولئكَ المنتمون إلى رويدن كانوا يتبعون منزل رويدن الرئيسي، لكن لكلّ منهم آراؤه المتنوعة.  

 

لم يكن هناك من يكشف عن نواياه الحقيقية بسهولة، لذا كان آيفرت الصغير يكرههم لكونهم كئيبين.  

في الأكاديمية، كان يُعرف بـ”متمرّد رويدن” لصدقه وحذره.  

 

لكن عندما تخرّجَ من الأكاديمية، عندما فجّر أولئك الذين استهدفوا عربة روديلا كانت تقلها، قال:  

 

“أمي، سأصبحُ رويدن.”  

 

ومنذ ذلكَ الحين، أصبح أكثرَ شخصٍ يحمل طابع رويدن.  

 

لكن طريقة تعامله مع رايان ديفيلت هذه المرة كانت فريدة.  

 

كان أسلوب آيفرت هو إبعاد المزعجين عن رقعة الشطرنج لمنعهم من التدخل في اللعبة، لكنه هذه المرة وضع رايان ديفيلت في وسط الرقعة.  

 

السّبب بسيط.  

إذا أبعده عن الرقعة، ستلاحظ روديلا.  

 

ولأنه لا يوجد شيءٌ لا تستطيع روديلا التغلب عليه، حتى شيء كهذا.  

 

“الحوادث تحدث بالصدفة، لكن تحويل الصدفة إلى ضرورة هو رويدن.”  

 

لذلك، عندما أصبحت روديلا، التي يريدونها كوزيرة، مسؤولة الشؤون العامة في فيلق الفرسان الزرق، تسببوا في “حادث عرضي” جعل رايان ديفيلت يُوضع في منصب مشابه.  

 

ونتيجة لذلك، سيواجه رايان ديفيلت و روديلا وجهًا لوجه في التقارير الدورية.  

 

لكن على عكسِ الماضي، لن تواجه روديلا رايان، المدعوم من إدارة الشؤون العامة و كارتلات النبلاء، بمفردها.  

 

مدعومة بفيلق الفرسان الزرق و بأمان مضمون، ستتمكن من إظهار مهاراتها بشكلٍ عادل أمام الإمبراطور.  

 

وستنتصر بسهولة.  

 

“سأظل أراقب.”  

 

“نعم.”  

 

توقفَّ الاثنان، اللذان بديا كأي أم وابنها، أمام غرفة نوم السيدة رويدن.  

 

بينما كانت تدخل، ابتسمت وقالت:  

 

“بالمناسبة، عمّكَ كان متحمسًا لرؤية روديلا، وقد يأتي إلى القصر بحجة الصدفة.”  

 

إذا قال إنه سيمرُّ لتحية العائلة في طريقه، فسيكون ذلك مبررًا كافيًا لزيارة غير مدعوة.  

 

عندها سيرى روديلا.  

 

لكن روديلا ستتفاجأ بظهور شخصٍ غير متوقع.  

 

وآيفرت، طالما هو موجود، لم يكن لديه نية لتعريضها لموقفٍ غير متوقع.  

 

“لن يأتي قبل الغد.”  

 

كانَ صوته حاسمًا، وكأنه يرى المستقبل.  

 

من الواضح أنه تواصل بـ”طريقة رويدن”. 

 

على الأرجح لم تكن طريقة لطيفة.  

 

“حقًا؟”  

 

ضحكت السّيدة رويدن.  

 

كنتَ تقول إنكَ لا تريد أن تكونَ مثل والدك.  

 

قلتَ إنكَ لا تريدُ تقديم ولاء لا يُعترف به أو تكريم مشرف في الخفاء.  

 

لكن، مثلَ والدكَ الذي ماتَ من أجل البلاد و العائلة، تريد أنتَ أيضًا البقاء إلى جانبِ روديلا حتى لو كان ذلكَ يعني إخفاء إنجازاتكَ.  

 

أنتَ تشبه والدكَ أكثر من أيّ شخصٍ آخر.  

 

و مع معرفتها أنه سيكره سماع ذلك، اكتفتْ بالضّحك فقط.