نجحت روديلا هذه المرة في إسكات سيسيليا.
“ماذا؟”
رفع آيفرت حاجبيه، لكن روديلا هزّت رأسها بقوة.
“لا، لا يمكنكِ.”
“همم.”
شبكت سيسيليا ذراعيها، ثم ابتسمت لكليهما.
“التاجر لا يقدّم معروفًا دونَ مقابل.”
فهمت روديلا مغزى كلامها و اقترحت بسرعة:
“سأبذل قصارى جهدي ضمن صلاحياتي لتوسيع التجارة مع قافلتكِ.”
‘هل من المقبول إجراء مثل هذه الصفقات؟ لكن ما دمنا لا نعدّل الأسعار، فلا بأس، أليس كذلك؟’
‘أي شيء أفضل من أن تقول سيسيليا تلك الكلمات أمام آيفرت!’
“ما الذي كنتِ ستقولينه؟”
سأل آيفرت بفضول، فقالت سيسيليا:
“أنـتَ أيضًا مدين لي. لو لم أقدم المساعدة، لكانت لا تزال تتخبّط في حيرة حتى الآن.”
كان هذا صحيحًا.
أومأ آيفرت قليلاً.
“سأردّ الجميل بالتأكيد.”
تحوّل هذا المشهد إلى نوع من المعاملات المظلمة للسوق.
“إذن، منذ متى بدأتما المواعدة رسميًا؟”
سألت سيسيليا بهدوء.
احمرّ وجه روديلا فجأة.
تذكّرت كلماته: ‘منذُ متى وقعت في حبّـكِ؟’
‘لكن الإجابة التي تريدها سيسيليا ليست عن متى أحببنا بعضنا، أليس كذلك؟’
استعادت روديلا رباطة جأشها وقالت:
“خلال الإجازة.”
“خلال الإجازة. آه، كما توقّعت! كيف حدث ذلك؟”
قصص الحب دائمًا هي الأكثر إثارة!
تألقت عينا سيسيليا، ففتحت روديلا فمها أخيرًا:
“في الواقع، مررتُ ببعض المعاناة أثناء ذلك…”
كان آيفرت يعتقد أن روديلا تراه مجرّد صديق، فلم يجرؤ على الاقتراب.
أما روديلا، فقد حاولت إبعاده حتى بعد إدراك مشاعرها خوفًا من أن تتسبّب في ضرر له.
روت روديلا لها ما حدثَ.
بما أن خطوبتهما التعاقدية كانت سرًا بالنّسبة للآخرين، كان هذا حديثًا لا يمكن إجراؤه إلا داخل العربة.
و كانت خلاصة سيسيليا بعد سماع القصة:
“الخلاصة هي أنه كان هناك نقص في التواصل منذُ البداية، أليس كذلك؟ كنتُ أموت من الإحباط و أنا أراقبكما! و ماذا؟ لم تكونا تبدوان أصدقاء حتّى!”
فتحت سيسيليا النافذة بقوة من شدة الإحباط.
كان الطقس باردًا بشكلٍ خاص، لكن يبدو أنها لم تستطع تحمّل الإحباط دون فتح النافذة.
لم تجـد روديلا و آيفرت، اللذان نادرًا ما يعجزان عن الرد، ما يقولانه، فنظرا إلى بعضهما و ضحكا.
* * *
حضر حفل عيد ميلاد روديلا سيسيليا، و السّيدة رويدن، و الكونت و الكونتيسة سيفريك، وكذلك لاتيني و أميريس.
كان العدد قليلاً، لكن وزن الألقاب و السلطة للحاضرين جعل الحفل لا يُضاهى.
و بما أن الحاضرين لا يحبون التفاخر السلطة، لم يظهر ذلك.
“هل جاء ثلاثتكم معًا؟”
“نعم، قفزتُ إلى العربة حتى لا أتأخر. آسفة لإزعاج الثنائي.”
انحنت سيسيليا، فضحك الكبار.
“بين الأصدقاء، هناك دائمًا قصص خاصة.”
رفع لاتيني كتفيه.
“يبدو أنكما قضيتما وقتًا ممتعًا…”
ابتسمت السّيدة رويدن.
كان وجه روديلا محمرًا، و ابتسامة آيفرت كانت لا تزال مرتسمة على وجهه.
“يبدو أنكم تحدّثتم عن شيء ممتع حقًا. ما هو؟”
حركت أميريس كأسها و سألت بهدوء.
“أ-آه، لا شيء مهم. لا داعي لأن يقلق خمستكم…”
لوّحت روديلا بيدها.
من أجل إخبارهم عن المحادثة التي دارت في العربة، كان عليها أن تعترف أمامهم : ‘في الواقع، لم نكن نتواعد حتى وقت قريب!’، و هو أمر مستحيل.
“هممم.”
بدت أميريس فضولية، لكنها لم تجد الفرصة للسؤال أكثر.
وقفت الكونتيسة سيفريك وقالت:
“ابنتي!”
و احتضنتها بقوة، و بجانبها كان الكونت سيفريك.
“سمعتُ أنـكِ أُصبتِ، أين الإصابة؟”
“لقد شُفيت تمامًا.”
أخبرتهم إن الندوب لن تبقى، بفضل الأطباء و الأدوات السحرية.
أدارت روديلا ذراعيها بحيوية.
“لكنكِ أُصبتِ، أليس كذلك؟”
ضيّق الكونت سيفريك عينيه.
“لقد حدث انفجار سفينة، فكيف لن تُصابي؟ يا إلهي، ابنتي…”
بينما كانت الكونتيسة قلقة، قبض الكونت قبضته.
“لو أمسكتُ بدوق بينريكس ذلك!”
كان يبدو و كأنه سيلوّح بالسيف لو كان في مكان مفتوح.
لوّحت روديلا بيدها لتهدئة غضبه.
“على أي حال، سيُعدم قريبًا.”
كان موعد إعدام الدّوق بينريكس قريبًا.
أعلن الإمبراطور أن الإعدام سيكون بداية لتغيير الإمبراطورية.
و كأنّه كان يعرف بالضبط ما يكرهه بينريكس، حتى لو لم يكن من دمـه.
“سيُعرض مشهد الإعدام لشعب الإمبراطورية ، أليس كذلك؟”
“سيُربط في الساحة لثلاثة أيام.”
سيصبح عرضًا للشعب الذي كان يكرهه و يحتقره، و سيُعدم بأكثر الطرق إذلالاً.
ثم أعلن الإمبراطور أن الجوائز ستكون سخية مثل العقوبات.
طبعًا، كانت عائلتا رويدن و سيفريك هما الأكثر استحقاقًا للجوائز.
“بالمناسبة، سألني الإمبراطور إن كنتُ أرغب في امتلاك أرض بالقرب من العاصمة.”
تحدثت الكونتيسة بجانب الكونت الذي حاول تهدئة نفسه ، فرمشت روديلا.
“بالقرب من العاصمة؟”
كانت تعلم أن والدتها تكره التجمعات الاجتماعية.
‘هل ستنتقل إلى هنا؟’
لكن الكونت هـزّ رأسه، كما توقّعت:
“شكرناه على العرض، لكننا طلبنا البقاء في إقليم سيفريك.”
“يبدو أن الإمبراطور أحبّ ذلك.”
قال آيفرت.
ضحكت أميريس، و أمال لاتيني رأسه متسائلاً، بينما أومأ الكونت:
“قال إنه سيقدّم مكافأة كبيرة مع لقب ماركيز، و طلب منا ألا نرفض، فلم نستطع الرفض.”
مـدّ يـده و تابع:
“و قال إننا إذا أردنا القدوم إلى العاصمة، يمكننا إخباره بذلك في أي وقت.”
ضحكت روديلا:
“أعرف والديّ جيدًا، لن يأتيا أبدًا.”
أومأت الكونتيسة على كلامها:
“بالطبع فأنا أكره الضوضاء. لو كان والدكِ من العاصمة، لما تزوّجته أبدًا.”
تفاجأ الكونت، و كأنه يسمع هذا لأول مرة:
“ماذا؟”
“إقليم سيفريك هادئ و جميل. لقد قبلت عرض زواجكَ بسبب وجود التل أمام القصر.”
أشار الكونت إلى نفسه بدهشة:
“ليس بسببي؟”
“ربّما قليلاً؟”
قالت ذلك و كأنه شيء بسيط، لكنها فتحت ذراعيها مشكّلة دائرة كبيرة.
تسبّب ذكاء الكونتيسة في ضحك الجميع، بما في ذلكَ الكونت.
“بالمناسبة، متى ستتزوّجان؟”
استغل لاتيني الجو و سأل.
“صحيح، لقد تأخّرتما كثيرًا.”
أضافت أميريس التي كانت تعرف الظروف، لكنها تظاهرت بغير ذلك.
“الآن عليكما تحديد موعد حقيقي. أنا أذبل من الانتظار.”
مع كلام السّيدة رويدن، لم يكن هناك مفر من الإجابة.
نظرا إلى بعضهما.
لو كانا كما المعتاد، لكانا قد أدّيا تمثيلًا مثاليًا، لكن الآن لم يكن الأمر كذلك.
لم يناقشا الأمر فعلاً، فكانا في مأزق الآن.
‘ماذا نقول؟’
لم يكن بإمكانهما قول الحقيقة بأنهما لم يفكرا في الأمر، فأجاب آيفرت أخيرًا:
“عندما نكون مستعدين.”
“دائمًا هذا الجواب.”
عبست السّيدة رويدن.
لوّحت روديلا بيدها مرتبكة:
“هذه المرة جديّة.”
ساد صمت لثوانٍ بعد كلامها.
‘…آه، لقد أخطأت.’
أصبح ذهن روديلا فارغًا.
“هذه المرة؟ إذن، ألم يكن الأمر جديًا من قبل؟ هل هناك مشكلة؟”
لم يكن شحوب وجه السّيدة رويدن وهمًا.
“لا، لا، مستحيل!”
هزّت روديلا رأسها بسرعة.
“نحن نحبّ بعضنا! نحبّ بعضنا جدًا، و لن ننفصل، و نتطلّع للزواج، فقط ننتظر تحديد الموعد!”
‘أرجوكِ، لا تصابي بالإغماء!’
بينما كانت روديلا تطلق كلماتها، اقترب آيفرت من السيدة رويدن و ساعدها بسرعة.
“حقًا؟”
سألت السّيدة رويدن بصوتٍ مرتجف.
تأكّد آيفرت من سلامتها و ابتسم.
كان واضحًا أن كلمات روديلا أسعدته كثيرًا.
أومأت روديلا و وجهها محمرّ:
“ن-نعم.”
‘ليست كذبة… بل الحقيقة.’
همس لاتيني لأميريس و هو ينظر إليهما:
“ألم تقولي إنهما لا يتواعدان؟ كنتُ أعلم أن هذا سيحدث. لقد خدعتِني مجدّدًا.”
ابتسمت أميريس:
“إذن… أنتَ سعيد بأن الأمور سارت بشكلٍ جيّد معهما، أليس كذلك؟”
“من المستحيل أن أكون غير سعيد بهذا.”
رفعَ لاتيني كتفيه.
“إنها لحظات جميلة.”
“آه ، من أصدقـاء إلى أحبّـاء…”
‘يا لها من رومانسية.’ أومأ برأسه.
حدّقت أميريس فيه للحظات و قالت بلا مبالاة:
“صحيح، أنا أشعر بالغيرة.”
توقّف لاتيني، الذي كان يُعتبر صديق أميريس الوحيد تقريبًا في هذا الموقف و التفت إليها:
“ماذا؟”
كان يعلم جيدًا أن لديها عددًا قليلًا من الأصدقاء.
‘مَـنْ قد يكون الرجل الذي يمكن أن تكون أميريس معجبة به؟’
كرّرت أميريس و هي تنظر إليه مباشرة:
“قلتُ إنني أشعر بالغيرة.”
رمش لاتيني عدّة مرات.
“…ماذا؟”
‘لماذا تنظرين إليّ هكذا؟’
‘و هل لدى أميريس صديق رجل غيري بالأصل؟’
بينما كان يصل إلى استنتاج متأخر، همست أميريس في أذنه:
“لماذا؟ ألا تحبّنـي؟”
تردّد صدى كلماتها في ذهنه عدة مرات، ثم…
― طق.
أسقط لاتيني الشوكة التي كان يمسكها.
التعليقات لهذا الفصل " 139"