كان من الرائع أن تعود روديلا إلى قسم الشؤون العامة لتستعد لتكون رئيسة الوزراء القادمة.
لقد مهّٕد لها الطريق لتحقيق حلمها.
لكن هذا يعني أيضًا أن روديلا، التي كانت تعمل في مقر فرقة الفرسان الزّرق، ستكون بعيدة جسديًا عن آيفرت إلى حدٍّ ما.
لم يكن هذا الأمر ليروق لآيفرت بالتأكيد.
عندما حرّك آيفرت حاجبيه قليلاً، قال الإمبراطور، كأنّـه قرأ أفكاره:
“بالطبع، يمكنكِ الاستمرار في الإهتمام بمهام الفرسان الزّرق أيضًا. إذا كنـتِ قلقـة.”
أضاف الإمبراطور بابتسامة لطيفة:
“لكنني لا أريد أن أرهق رئيسة الوزراء القادمة.”
كان كلامه منطقيًا، لذا استرخى آيفرت سريعًا.
‘صحيح، يمكنني زيارتها كثيرًا.’
‘الآن، روديلا اصبحت ترحّب بذهابي إليها بسعادة.’
تقاطعت أنظارهما.
ابتسم كل من آيفرت و روديلا بسعادة في نفس الوقت.
* * *
استعادت الإمبراطورية استقرارها بسرعة.
تـم تحديد موعد إعدام الدوق بينريكس و أتباعه من فصيل النبلاء.
و أُقيم حفل عيد ميلاد روديلا الخامس والعشرين متأخرًا.
“سأنهي العمل هنا و أذهب للراحة اليوم. إذا كان هناك شيء عاجل، راسلوا قصر رويدن.”
عالجت روديلا عملها أسرع من المعتاد، و كانت في حالة معنوية رائعة.
كان الحفل مخصصًا لها و لأصدقائها فقط، مما جعله يبدو كعيد ميلاد حقيقي لها.
“روديلا.”
عندما خرجت من مبنى قسم الشؤون العامة بعد انتهاء العمل، رأت عربة عائلة رويدن.
آيفرت الذي كان ينتظر بجانبها، اقترب منها بسرعة.
“هل انتظرتَ طويلاً؟”
سألت روديلا بهدوء، فأجاب آيفرت دونَ النّظر إلى ساعته:
“ليس كثيرًا.”
كان السائق دينيت، الذي يعلم بأن آيفرت انتظر ساعة و نصف، يتحكّم بتعابيره ببراعة.
“لو كنتُ أعلم أنّكَ تنتظر، لكنتُ سأخرج مبكرًا. لا، لقد خرجت مبكرًا قدر الإمكان، لكن العمل كثير…”
“قلتُ لكِ إنني لم أنتظر كثيرًا.”
لم تكن روديلا تعلم.
كانت عربة رويدن متوقفة في زاوية مخفية لا تُرى من نافذة قسم الشؤون العامة، و كان آيفرت قد طلب من الأشخاص الذي يدخلون إلى المبنى عدم إخبارها بقدومه.
كان ذلكَ من حرصه على عدم إزعاجها.
“هيا، لنذهب.”
بينما كان آيفرت يستعد لمرافقتها بحذر،
“انتظرا، سأذهب معكما!”
سمعا صوتًا مستعجلاً.
كانت صديقتهما سيسيليا التي تهرول من اتجاه قسم آخر في القصر.
“سيسيل؟”
رحّبت بها روديلا، بينما ضيّق آيفرت عينيه.
تقاطعت أنظارهما مع سيسيليا التي سعلت بخفة.
“لنذهب معًا. إذا انتظرت عربتي البطيئة، سأتأخر كثيرًا.”
كانت مدعوة إلى حفل عيد ميلاد روديلا بالطبع، فلم يكن هناك سبب للرفض.
لكن آيفرت رفع حاجبيه باستياء.
‘كنتُ أريد أن أكون معها لوحدنا.’
لم تكن سيسيليا جاهلة لأفكاره، لكنها ابتسمت بهدوء.
“لديّ شيء أقوله لكما.”
“شيء تقوليه؟”
رمشت روديلا، فأشارت سيسيليا:
“هيا، لننطلق بسرعة. سأتحدّث في العربة.”
كان الحفل في قصر رويدن، و تأخّرهم قد يجعل السّيدة رويدن و غيرها من البالغين ينتظرون.
“حسنًا.”
صعدت روديلا إلى العربة بمرافقة آيفرت أولاً، ثم جلس آيفرت بجانبها، و سيسيليا مقابلهما.
― دووم!
أغلق باب العربة، و طرق آيفرت على الجدار كإشارة للانطلاق.
بعد لحظات، بدأت العربة تتحرّك ببطء.
“ما الذي تريدين قوله؟ هل هو أمر عاجل؟”
سألت روديلا.
كانت الأمور العاجلة منتشرة في كل مكان.
بالنّسبة لسيسيليا، كانت مشغولة بالاستيلاء على الطرق التجارية التي كان يسيطر عليها فصيل النبلاء، و بما أن حجم فرقة الفرسان الزّرق تضاعف، كان عليها التفاوض على شروط التجارة بشكلٍ منفصل.
كانت هذه مسائل لم تتمكّن فرقة الفرسان الزّرق من معالجتها بسببِ الأولويات الأخرى، لكنها كانت عاجلة بالنّسبة لسيسيليا.
‘هل تريد مناقشة هذا الأمر؟’
“إذا كان الأمر يتعلّق بالتجارة…”
بدأت روديلا في الكلام، لكن سيسيليا لوّحت بيدها.
“هل تعتقدين أنني مثلكِ، أتحدّث عن العمل فقط؟ سأتحدّث عن شيء أكثر متعة. لكن…”
أخفضت صوتها فجأة.
“فكّرتُ أنكما ستشعران بالإحراج إذا تحدّثت أمام الجميع.”
“نشعر بالإحراج؟”
رمشت روديلا و نظرت إلى آيفرت الذي هزّ كتفيه.
قالت سيسيليا:
“حسنًا، دعينا نضع كل شيء جانبًا و نتحدّث عن هذا أولاً.”
سعلت لتصفي صوتها ثم تحدثت:
“مبارك!”
“آه، عيد ميلادي؟”
خدشت روديلا خدها.
“شكرًا… لكن، هل هذا ما تريدين قوله؟”
كان سؤالها على وشكِ أن يبدو غير مهذّب، لكن سيسيليا قالت:
“بالطبع أنا أهنئكِ على عيد ميلادكِ، لكن سأحتفل بذلك في الحفل. أما الآن، أنتما الاثنان بدأتما علاقة حقيقية، أليس كذلك؟”
لمعت عيناها فاحمرّ وجه روديلا فجأة.
“هل يبدو ذلكَ واضحًا؟”
“هل يبدو فقط؟”
كانت سيسيليا تعلم أن خطوبتهما كانت تعاقدية، و كانت روديلا تنوي إخبارها يومًا ما.
لكنها لم تتوقّع أن تلاحظ سيسيليا و تتحدّث عن هذا أولاً.
بينما كانت روديلا على وشكِ قول شيء، أشارت سيسيليا إلى آيبرت:
“كنتُ أعلم أنّه معجب بكِ منذُ أيام الأكاديمية.”
“ماذااا؟”
فتحت روديلا فمها مذهولة.
كادت تقفز من مقعدها، لكن يد آيفرت اللطيفة أعادتها إلى مكانها.
“لماذا لم تخبريني بذلك من قبل؟”
‘لو أخبرتِني، لما عانيتُ كل هذا الوقت!’
بينما كانت روديلا على وشكِ الانفجار، تحدّث آيفرت بهدوء:
“لو فعلت، ألم تكوني ستهربين؟”
ساد الصمت في العربة للحظة.
‘صحيح، ربّما كنتُ سأفعل.’
‘في ذلك الوقت، كنتُ قد سئمت من عروض الزواج السياسي.’
“لكن لو كنتَ أنتَ…”
‘ألم يكن ذلك ليكون مقبولًا؟’
تردّدت روديلا فضحكت سيسيليا و هي تنظر إليهما:
“و مع ذلك، تمكّنتما من إخفاء ذلك عن عائلاتكما بطريقةٍ ما.”
أشارت إلى آيفرت:
“كيف تحمّل ما يقرب العشر سنوات من الحب الغير متبادل؟ ظننتُ أنّه سيصبح كاهنا بدلاً من فارس.”
لم تجد روديلا ما تقوله، فنظرت إلى السقف.
‘كيف يقود دينيت العربة بهذا الثبات دون اهتزاز؟’
“كنتُ أموت من الإحباط، لكنني أبقيت فمي مغلقًا.”
ردّ آيفرت الذي كان نادرًا ما يردّ:
“شكرًا لكِ.”
لكن سيسيليا لم تنهي كلامها بعد:
“لا، الشيء الذي يجب أن تشكرني عليه مختلف.”
عدّلت جلستها و أضافت:
“بما أن روديلا لم تكـن تدرك مشاعرها، فقد ساعدتُ قليلاً.”
“أنـتِ…!”
‘ستتحدّثين عن تلك الاستشارة، أليس كذلك؟’
حاولت روديلا إسكات سيسيليا، لكن…
― كلاك!
اهتزّت العربة، التي كانت هادئة حتى الآن، فكادت روديلا تفقد توازنها.
‘يا لتوقيتكَ يا دينيت، أنتَ حقًّا خادم آيفرت المخلص!’
أمسك آيفرت بروديلا و سأل بفضول:
“كيف ساعدتِ؟”
“أخبرت روديلا بطريقةٍ غير مباشرة أنّكَ تريد علاقة مختلفة معها.”
مدّت سيسيليا يدها:
“منذ وقت ما، ألم تشعر أنّها تغيّرت قليلاً؟”
أشارت إلى روديلا، التي لوّحت بيدها:
“لا، لم أفعل!”
‘لم أكن واضحة إلى هذا الحد… أليس كذلك؟’
“بالتأكيد كانت كذلك.”
‘هل كنتُ واضحة حقا؟؟’
“و الأمر الثاني، هل تعرف ماذا قالت لي عندما طلبت رأيي؟”
بينما كانت روديلا تتلقّى الضربات اللفظية، استمرت كلمات سيسيليا:
التعليقات لهذا الفصل " 138"