عادةً، كانت فرقة الفرسان الزّرق تقدّم تقريرها أوّلًا، لكن في هذه المرّة، تقدّمت فرقة الفرسان الحمر مرّة أخرى، بما أنّ المرّة السابقة كانت استثناءً.
و مع ذلك، لم تكن روديلا تملك أيّ اعتراض.
فالجميع كانوا ينتظرون دور فرقة الفرسان الحمر، لذلك لم يكن أحدٌ ليصغي لتقريرها لو تقدّمت أوّلًا.
وبينما كانت رودِيلا تهزّ رأسها، انحنى رايان للإمبراطور.
“أحيّي جلالتكَ.”
أشار الإمبراطور بيده ردًّا على التحية المهذّبة.
كان ذلك يعني أن يبدأ بالتقرير.
“مرحبًا، أنا رايان ديفيلت، مسؤول الشؤون العامة في فرقة الفرسان الحمر. أعلم أنّ هذا المكان مخصّص أساسًا لرفع التقارير الماليّة، لكن…”
نظر حوله بحذر و تابـع.
“اليوم، أودّ أولًا شرح أمرٍ آخر. هل هذا مقبول؟”
أومأ الإمبراطور لكلامه.
أضافت رئيسة الوزراء أميريس مؤكّدة:
“بما أنّ التقرير الدوريّ هو لإطلاع جلالتكَ على ما إذا كان نظام الفرسان يعمل بشكلٍ صحيح، فطالما أنّ الموضوع لا يخرج عن ذلك كثيرًا، فلن يُزعجكَ.”
“أتوقع ذلك.”
تبع صوت الإمبراطور كلامها.
من الخارج، كان صوته يبدو هادئًا، لكنّ رودِيلا شعرت بالبرودة داخله.
و مع ذلك، بـدا أنّ رايان لم يلاحظ ذلك، و تنهد قليلًا براحة.
“أولًا، أفهم أنّ قائد فرقة الفرسان الحمر، إدريك سنيد، ارتكب خطأً فادحًا خلال حادثةٍ مؤسفة—لا، غير متوقّعة.”
الشخص الأكثر خوفًا هو الذي يتحدّث طويلًا.
وسط الصمت، واصل رايان حديثه.
و بعد خطبة مطوّلة عن قلّة احترام إدريك سنيد للإمبراطور و سوء سلوكه المعتاد، قال:
“…مثل هذا الخائن يجب أن يُعاقَب بشدّة!”
ثمّ بدأ الجزء الأهم من حديثه.
“مع أنّ ذلكَ الرجل تجرّأ على قيادة الفرسان الحمر كلّهم نحو القصر الإمبراطوري، فقد اعترضتُ على ذلك.”
حقًّا؟ هل فعلَ ذلك؟ لنسمع أيّ هراء سيقوله الآن.
اعتدلت رودِيلا في جلستها عند كلامه، بينما كان آيفرت يُحصي زخارف السقف.
“لقد قدّمت الوثائق المتعلّقة بذلك… هل اطلعتَ عليها؟”
سأل رايان بحذر.
“لقد اطّلعتُ عليها بنفسي.”
قال الإمبراطور بصوت منخفض.
عند هذا الصوت، ابتلع رايان ريقه و تابع:
“ش-شكرًا لكَ. كما هو مكتوب هناك، لم آتِ إلى القصر الإمبراطوري، و…”
لاتيني، الذي كان يشاهد رايان الثرثار، تمتم و كأنّه يتقيّأ الكلمات:
“لم يأتِ لأنّه كان خائفًا أن يُطعَن.”
كان صوته بالكاد مسموعًا لرودِيلا و آيفرت فقط.
وافقت روديلا بشدّة على كلامه، و أصغت إلى مغالطات رايان رافعةً حاجبًا.
“…و كدليل على ذلك، بعض الفرسان الحمر الذين يتبعونني لم يتجرؤوا على ارتكاب أيّ فعل غير محترم في القصر الإمبراطوري.”
و كانت مغالطته كالآتي:
بعد استدعاء فرسان الحمر و الفرسان الزّرق بأمرٍ من العائلة الإمبراطوريّة، حاول قائد الفرسان الحمر استغلال الفرصة للقيام بخيانة.
لكنّ رايان—المليء بالولاء للإمبراطور—عارض الأمر مخاطرًا بحياته، و بعض الفرسان الذين يتبعونه رفضوا الخيانة.
و بينما كان يثرثر، رفع لاتيني يده.
و عندما أشار الإمبراطور له بالكلام، طرح سؤالًا مهمًا:
“إذًا، تقول إنّكَ لستَ مرتبطًا بهذا التمرّد؟”
“ن-نعم.”
هـزّ رايان رأسه بحماس.
لكنّ كلامه كان يملؤه الكثير من الثغرات.
“خلال التمرّد، تظاهر الفرسان الحمر بأنّهم جاؤوا لحماية جلالته و احتلّوا القصر الإمبراطوري.”
مَـنْ تحدّث هذه المرّة كان آيفرت.
“لو كنتَ تعلم بخطّة فرسان الحمر حينها، لما سمحتَ لهم بدخول القصر إطلاقًا. لماذا لم تُبلِغ القصر الإمبراطوري بخطّة قائد الفرسان؟”
ارتجف رايان عند كلامه.
فالصمت عن الخطّة رغمَ علمه بها لا يختلف عن كونه شريكًا فيها، أليس كذلك؟
“أ-أرسلتُ أحدهم.”
قال رايان سريعًا.
“لكنّ الفارس الذي أرسلته اختفى…”
كان رايان يتلعثم في كلامه بلا قدرة على الإكمال.
كان واضحًا أنّه لم يتوقّع حدوث جلسة استجواب كهذه.
فحتى الآن، كان معظم موظّفي الإدارة و الأقسام من الفئة الأرستقراطيّة، لذا لم يتخيّل يومًا أن يُوجَّه إليه جوّ بهذه الحدّة.
“هذا وحده لا يثبت براءتك.”
قال الإمبراطور بحدّة.
تابع آيفرت بسؤال آخر:
“كان بإمكانكَ أيضًا القدوم بنفسكَ إلى القصر الإمبراطوري و إبلاغهم بالخطّة. لماذا لم تفعل ذلك؟”
كان رايان ديفيلت شخصية محوريّة في الفئة الأرستقراطيّة، وكان يُدفَع به لمنصب رئيس الوزراء التالي.
و مهما كانت الفوضى في القصر، طالما أنّ مثيري التمرّد من جانبه، لم يكن عليه أن يخشى التعرّض للهجوم منهم، أليس كذلك؟
كان آيفرت يشير إلى هذه الحقيقة مباشرةً.
كان سؤالًا حادًّا، لكن لسببٍ ما، انتصب رايان كأنّه كان ينتظر هذا السؤال.
ثمّ أخرج رزمة الوثائق التي كان يتشبّث بها طوال الوقت.
“ل-لأنّ هذا…! الدّوق بنريكس هدّدني… هذا عقدٌ يقول إني سأموت إن لم أوافق على الخطّة…!”
من الخارج، يبدو أنّه وافق على الخطة مُجبرًا و بشكلٍ سلبي.
لكن روديلا كانت تعرف ما فعله رايان.
“جلالتكَ.”
تدخلت روديلا هذه المرّة.
“تكلّمي.”
منحها الإمبراطور الإذن، فنهضت روديلا واقفةً.
“أودّ استدعاء مَن يمكنه أن يشهد بأنّ كلامه كاذب، و استجوابه. هل تمنحني الإذن؟”
عند كلام ردوديلا، تبادل الحضور نظراتهم.
ما نوع الشاهد الحاسم الذي تملكه؟
“مسموح.”
و ما إن خرج كلام الإمبراطور، حتى نظرت روديلا إلى كبير الخدم.
“إنّهم ينتظرون خلف الباب خارج هذه القاعة.”
“سأُحضرهم.”
خرج كبير الخدم بصوت منخفض، متّجهًا نحو الباب.
و في هذه الأثناء، سألت روديلا رايان:
“ما علاقتك بمارفين تيلكوت، الذي حضر بصفته قائدًا مؤقّتًا لفرقة الفرسان الزّرق؟”
“ه-هو شخصٌ تحدّثتُ معه بضع مرّات فقط.”
هذا غير ممكن.
ضيّقت روديلا عينيها.
كان مارفين تيلكوت هو مَـنْ تعمّد تشتيت فرقة الفرسان الزّرق في اللّحظة المثاليّة، و أرسلها مع آيفرت إلى ميناء بوميرس.
و رايان ديفيلت هو مَـنْ نسّق حادثة الرهائن في السفينة هناك بأمرٍ من الدّوق بينريكس.
كان هذا ما توصّلت إليه بعد جمع معلوماتها مع استخبارات رويدن.
رايان ظنّ أنّه أخفى الكثير، لكنّه لم يُخفِ شيئًا في الحقيقة.
و قبل كلّ شيء، لم يستطع إخفاء الأمر الأكثر أهميّة.
“حسنًا. إذًا، هل تعرف نادي كيليا الاجتماعي؟”
عند كلامها، تجمّدت ملامح رايان.
“إنّها مجموعة تقع ضمن نطاق الفرسان الحمر. ألا تعرفها؟”
عندما سألت روديلا مجددًا، فتمتم رايان:
“أ-أعلم أنّ حادثًا مؤسفًا وقع هناك… أودّ تقديم تعازيّ.”
عندها حدث الأمر.
“جلالتكَ، لقد أحضرتُ الشهود.”
قال كبير الخدم.
“أدخلهم.”
أجاب الإمبراطور دونَ أن يلتفت.
و ما إن صدر الأمر—
—طنين.
انفتحت الأبواب الضخمة بصوت ثقيل.
“إنّهم نبلاء نادي كيليا الاجتماعي.”
دخل القاعة أولئك الذين حاول رايان ديفيلت للتوّ تقديم التعازي فيهم.
كانوا أحياءً يُرزقون.
“….؟؟”
حدّق رايان ديفيلت مذهولًا، و قد افترض بالطبع أنهم ماتوا جميعًا ولم تتبق منهم أي جثث سليمة بعد الانفجار.
تحوّل لون وجهه إلى الأبيض تمامًا.
‘ما الأمر؟ هل فوجئتَ برؤية أشباح؟’
ارتفعت زاوية شفتي روديلا بابتسامة ساخرة.
التعليقات لهذا الفصل " 136"