كان الجزء الداخلي لقسم الشؤون العامة، حيث تعمل روديلا، منطقة محظورة تمامًا على الغرباء.
ما لم تسمح رئيسة الوزراء أميريس، لا يمكن لأحد الدخول إلا بأمر إمبراطوري… لكن،
أحيانًا، هناك استثناءات.
― طق طق.
استمرّت يد تدقّ النافذة، كأنّها تحثّها على الإسراع بينما هي واقفة ساكنة.
اقتربت روديلا بسرعة من آيفرت، الذي كان يلوّح بسلّة في يـده.
بالأحرى، كان متشبّثًا بالنافذة.
توقّفت منذُ سنوات عن التساؤل كيف يتمكّن من التشبّث بثبات رغمَ كونه في الطابق الثالث.
“مرحبًا.”
و رحّبت به روديلا بدلًا من ذلك.
قبل سنوات، كانت ستقول شيئًا مثل: “لماذا أتيتَ مجدّدًا؟ إذا اكتُشِف أنّك هنا…” لكنها في داخلها، كانت سعيدة.
ابتسمت روديلا بخفّة.
بالطبع، كانت قلقة من قدومه.
لن تمنعه أميريس من الدخول لو رأته، لكن الحقيقة تبقى أنه قد تسلّل إلى هنا دونَ إذن.
لكن أكثر من إظهارها للقلق، كانت تظهر ترحيبا بقدومه إليها.
كان ترحيبًا لم تستطع التعبير عنه منذُ زمن بعيد.
عندما اندفعت نحوه، بدا آيفرت متفاجئًا قليلًا.
“لا تعليقات؟”
“حسنًا…”
‘يبدو أنّكَ تتذكّر أيضًا كيف كنّا في الماضي.’
ابتعدت روديلا عن النافذة، و وجهها محمرّ.
بينما كان يهبط بصمت على الأرض، قالت:
“…في الحقيقة، كنتُ أنتظرك.”
‘اليوم، و حتّى منذُ زمن بعيد، كنتُ دائمًا أنتظر قدومكَ.’
فهم آيفرت المعنى المخفي في كلماتها و ضحك بنبرةٍ منخفضة.
“..حتّى عندما كنتُ آتي في الماضي؟”
“نعم.”
كان الأمر محرجًا، لكن روديلا أجابت بصدق.
وضع آيفرت السلّة على مكتبها و شبك ذراعيه.
“و كنتِ تنتقدينني بتلك الطّريقة…؟”
كانت زاوية فمه مرفوعة بشكلٍ غريب.
‘…هل هو متضايق حقًا من هذا؟’
“في ذلكَ الوقت،”
خفق قلبها بقوّة . لم تكن متأكّدة إن كان ذلك خوفًا من أن يُساء فهمها أم لأنّه أمامها.
“في ذلكَ الوقت، لم أكن أعرف أنّني أحبّـكَ.”
قالت روديلا ذلك و أدارت نظرها بسرعة إلى السلّة.
‘لا أملك الشجاعة لمواجهة وجهه بعد قول هذا―’
“كرّريهـا.”
لم يهتمّ آيفرت بقلّـة شجاعتها، و اقترب بوجهه من وجهها.
“ماذا؟”
“ما قلتِـه للتو؟”
“في ذلك الوقت…”
‘لم أكن أعرف أنّني أحبّـك.’
شعرت بدماء تتدفّق إلى وجهها عندما حاولت تكرارها.
“لقد سمعتَ ذلك بالفعل.”
“لا، لم أسمعـه.”
‘بل سمعتَ!’
هزّت روديلا رأسها بسرعة و أشارت إلى السلّة.
“ما هذا؟”
كانت تغيير الموضوع بشكلٍ واضح، لكن آيفرت تبـعَ رغبتها أخيرًا.
“ما الذي قد يكون؟ شيء كنتِ تنتظرينه منذُ سنوات.”
“طعام؟”
لمعت عينا روديلا. لقد كانت جائعة حقًّا.
ضيّق آيفرت عينيه.
“هل كنتِ تنتظرين الطعام طوال تلك السنوات… و ليس أنا؟”
“لا ، ليس كذلك.”
‘كنتُ أنتظركَ حقا.’
كان تلكَ زلّة لسان منها .
و بينما كانت روديلا تتلعثم محاولة إصلاح كلامهت، نظر آيفرت إلى تعبيراتها و ضحك.
“إذن أخبريني…هل كنتِ تنتظرينني أنا الذي أحمل الطعام؟ أم كنتِ تنتظرين الطعام نفسه؟”
كان واضحًا أنه يمزح.
لكن روديلا التي شعرت بحرارة تتسلّل إلى وجهها، لم تستطع إلا الرد بنبرةٍ مرتبكة:
“بالطبع أنتَ! أنتَ… و معكَ الطعام!”
ارتفع صوتها أكثر مما توقعت.
رفعت روديلا يدها بسرعة لتغطي فمها، فارتفع ضحك آيفرت الخافت.
“حسنًا، سأحضر الكثير منه في المستقبل. يبدو أنّكِ لن ترحّبي بي بدون الطّعام . في النهاية ، أنا و صندوق الطعام نتشارك نفس الشعور―”
“توقّف.”
كان قد أدمـن على المزاح.
‘هل كان دائمًا يمزح بهذا الشكل؟’
‘…كان يفعل ذلك، لكن الآن يبدو أكثر ارتياحا في مزاحه.’
رفعت روديلا حاجبيها.
بدلًا من تهدئتها، فتح آيفرت القماش بهدوء.
كانت السلّة تحتوي على أداة سحريّة للحفاظ على الحرارة، و كانت شطيرة اللحم بداخلها لا تزال دافئة.
“واو.”
‘غضبي اختفى تمامًا.’
‘هل كنتُ حقًا أنتظر الطعام و ليس آيفرت؟’
بينما كانت تفكّر في شيءٍ كان سيجعل آيفرت يرفع حاجبيه، وضع شطيرة في فمهـا.
“لم تتناولي العشاء، أليس كذلك؟”
كان وجهه يقول إنّـه يعرف ذلك.
مضغت روديلا قضمة كبيرة وقالت وهي تمسك الشطيرة:
“كيف عرفتَ؟”
‘هل هي قدرات رويدن الاستخباراتيّة؟’
لكن آيفرت أجاب كأنّه أمر بديهي:
“عندما تعملين، لا تنامين و لا تأكلين لأنّكِ تعتقدين أنّ ذلك يشتّت تركيزك.”
“…هذا صحيح.”
‘تـمّ كشف أمري.’
قضمت روديلا قضمة أخرى.
على الرّغمِ من علمها أنّ الأكل بكثرة يشتّت التركيز، لم تستطع التوقّف.
ضحكَ آيفرت.
“لنتناول الطعام أولًا، ثم نرتّب المكان، وبعدها نخلد إلى النوم.”
“ممم.”
كانت تعرف أنّه سيغريها بهذا.
كما كان يفعل قبل سنوات.
“بدلًا من العمل ساعات إضافيّة و أنتِ متعبة، أليس من الأفضل أن تستيقظي مبكرًا غدًا و تعملي بحالة جيّدة؟”
كانت تعرف أنّ هذا النوع من الإغراء سيأتي.
لكن لأنّه كان منطقيًا في النهاية.
أثناء مضغها ، أنهت روديلا الشطيرة بالفعل.
“النوم بعد الأكل مباشرة سيجعلني أنتفخ.”
أخرج آيفرت كوب حليب دافئ من زاوية السلّة، مخفيًا تحت القماش.
“إذا قلتِ إنّكِ ستنامين، سأعطيكِ إيّاه.”
‘حليب مع الشطيرة؟’
بعد تفكير، اختارت روديلا:
“…أعطني إياه”
اختارت الحليب و النوم.
بينما كان آيفرت يضحك، سألت بهدوء:
“هل أنـتَ مَـنْ أعـدّ هذا؟”
‘كانت قد سمعت منه في الماضي أنّ خادمه الخاص دينيت هو مَـنْ كان يعاني من هذا.’
لكن هذه المرّة، أومأ آيفرت برأسه.
“نعم.”
توقّفت روديلا ثمّ سألت بحذر:
“لم تلمس الحطب بيديكَ العاريتين مجدّدًا، أليس كذلك؟”
أجاب آيفرت بوجه هادئ:
“لم أحترق.”
‘… هذا يعني أنّكَ لمستَـه؟’
“أخبرتكَ ألا تلمسه لأنّه خطير!”
ضربت روديلا ظهره بقوّة.
‘مهما كنتَ قويًا، إنّك تستخدم جسدك بلا مبالاة!’
و هكذا مرّت أيّامهما الهادئة، و اقترب موعد التقرير الدوري.
كانت روديلا مستعدّة بالفعل لهذه المعركة غير المعلنة.
* * *
كان التقرير الدوري هذه المرّة مميّزًا.
أوّلًا، غاب النبلاء من فصيل النبلاء الذين كانوا يشغلون معظم المقاعد في قسم الشؤون العامّة.
و كما هو متوقّع، شغل الموظّفون الجدد، الذين كان هذا تقريرهم الأوّل، تلك المقاعد.
و مع ذلك، لم تكن هناك مقاعد شاغرة. بل كان يجب إحضار كراسي إضافيّة.
لأنّ النبلاء من أقسام أخرى، الذين لم يكونوا مهتمّين بالتقارير الدوريّة عادةً، و حتّى النبلاء المحايدون المشهورون، تجمّعوا.
“الآن، سيكون هناك تقرير من فرقة الفرسان الحمر.”
لهذا السّبب بالضبط.
“مسؤول الشؤون العامة رايان ديفيلت، تقدّم.”
تحدّث رئيس الخدم بنبرة صارمة و باردة، مختلفة عن التقارير السابقة.
كانت النبرة باردة أكثر ممّا يقتضيه الوضع أمام الإمبراطور.
كان ذلكَ طبيعيًا.
“أخيرًا، سنراه.”
“ما الذي سيقوله، يا تُرى…؟”
لأنّ الجميع في هذا المكان كانوا يشكّكون في رايان ديفيلت.
كيف يمكن لشخصٍ كان أحد أعمدة فصيل النبلاء أن يبقى دون أن يُقبض عليه؟
“حسنًا.”
صعد رايان ديفيلت إلى المنصّة، ممسكًا بحزمة من الأوراق بذراع مرتجفة بعناية.
التعليقات لهذا الفصل " 135"