استمتع آيفرت و روديلا بالإجازة و كأنّها حلم.
في الصباح، عندما فتحا أعينهما تحت أشعة الشمس، كان وجه كل واحد منهما يقابل وجه الآخر.
تناولا الطعام معًا، استمعا إلى الموسيقى، و مع حلول الليل مجدّدًا، قضيا وقتًا خاصًا بينهما.
كانت الأيام الماضية الصاخبة دائمًا تبدو و كأنّها كذبة، مع مثل هذه اللحظات الهادئة المليئة بالسلام.
بينما كانا غارقين في السعادة النادرة، وصلت سلّة زهور.
[تهانينا على تحقيق أمنية الدّوق الطويلة.]
لم يُكتب اسم المرسل، لكن روديلا عرفت المرسل من خط اليد، و آيفرت استنتجه من السياق.
“كيف علمت رئيسة الوزراء بهذا؟”
أمالت روديلا رأسها.
كانا أقرب من أيّ وقت مضى.
على عكسِ روديلا المحتارة، كان لدى آيفرت فكرة.
كانت رئيسة الوزراء على الأرجح قد لاحظت حالة آيفرت العاطفيّة منذُ وقت مبكر، و كانت تعرف الطبيعة الدقيقة لعلاقتهما.
في هذا الوضع، ما الذي كان يمكن أن يفعله اثنان بمفردهما في قصر مخصّص للعروسين بعد انتهاء الخطوبة التعاقديّة؟
لو كانت النتيجة سيئة، لكان الأمر قد أصبح صاخبًا بالفعل، لكن النتيجة الجيّدة جعلت كلّ شيء هادئًا.
بينما كان آيفرت معجبًا بحدس رئيسة الوزراء، تمتمت روديلا و هي تعبث بالزهور:
“أتمنّى لو أنّ السير لاتيني يدرك مشاعرها.”
كانت نبرتها مليئة بالشفقة.
‘أليس هو نفسه لم يحقّق حبّـه إلا مؤخرا؟’
توقّفت روديلا فجأة.
“أثناء التمرّد، قام السير لاتيني بحماية رئيسة الوزراء، أليس كذلك؟ ربّما كان هناك تقدّم بينهما؟”
نظر آيفرت إليها، ثمّ إلى سلّة الزهور، ثمّ إلى السقف.
“…كنتُ أظنّ أنّني كنتُ أعبّر لكِ بشكلٍ مباشر.”
كان يعني: ‘لماذا لم تلاحظي مشاعري من قبل؟’
“…..”
لم تجـد روديلا ما تقوله، فأدارت نظرها بهدوء و سرعان ما سمعت ضحكة آيفرت.
“كنـتِ دائمًا بطيئة فيما يتعلّق بأموركِ الخاصة.”
“حقًا؟”
التفتت إليه متفاجئة، لكن وجه آيفرت لم يكن حزينا.
“ربّما هذا جيّد.”
“ماذا؟”
رمشت روديلا بدهشة من كلامه غير المتوقّع.
“في الأكاديميّة، كنتِ مشهورة جدًا.”
‘ما هذا الكلام؟’
عبست روديلا.
“هل تقصد عروض الخطوبة تلك؟ كانت كلّها بدوافع خفيّة.”
لم تكن شعبيّتها جيّدة أبدًا.
لكن آيفرت بدا يتحدّث عن شيء مختلف.
“ليس هذا، بل الرجال الذين كانوا مهتمّين بكِ حقًا.”
‘رجال؟ و أكثر من واحد؟’
حاولت روديلا تذكّر أيّام الأكاديميّة.
في الفصول، كان أبناء النبلاء يتهامسون عنها، و في الأوقات الأخرى، كانت دائمًا مع آيفرت…
“…لم يكن هناك أحد من هؤلاء.”
“المشكلة لم تكن في مَـنْ لم يأتِ، بل في مَـنْ لم يكن يستطيع القدوم أصلا.”
‘ماذا؟’
استغرقت روديلا ثوانٍ لفهم كلامه.
“ماذا الذي فعلتَـه؟”
‘قال إنّه أحبّني منذُ زمن بعيد…’
لكن آيفرت ضحك فقط دونَ أن يجيب.
* * *
انتهت الإجازة السعيدة.
عاد الاثنان أخيرًا إلى فرقة الفرسان الزّرق.
“ألا يبدوان أقرب من ذي قبل؟”
“الآن، عندما يكونان معًا، يبدو دخول الغرفة معهما نوعًا من التطفّل، أليس كذلك؟”
لاحظ فرسان الزّرق التغيّر في أجوائهما.
على الرّغمِ من سماعهم أنّ الأصفاد قد فُكّـت، إلّا أنّهما كانا ملتصقين دائمًا كأنّهما مقيّدان بحبل شفّاف.
‘كيف يمكن لثنائي قديم أن يبدوا حديثي العهد هكذا؟’
في هذه الأثناء، عادت روديلا إلى غرفتها وسط النظرات المحتارة.
“هذه كارثة…”
تمتمت و هي تنظر بدهشة إلى الأوراق المكدّسة التي ملأت الغرفة.
عندما ترى مشهدًا حزينا، قد تدمع عينيكَ، لكن عندما ترى وضعًا كارثيّا تمامًا، قد تضحك.
كانت كميّة العمل المتراكمة أمام ناظريها تجعلها تريد الضحك.
تساءلت لماذا وافقت رئيسة الوزراء و لاتيني على إجازتهما.
في البداية كانت محتارة، لكنها الآن، أصبحت متأكّدة.
“هل كانا يقولان لي أن أذهب في إجازة قبل أن أمـوت؟”
‘لم يكن هناك أيّ كذب في كلامهما بإنّه لن يكون هناك وقت للمرح بعد الآن.’
“أحضرنا فقط الأمور الأساسيّة.”
انحنى موظّف قسم الشؤون العامّة بوجه شاحب و هو يسلّم الأوراق.
فحصت روديلا الأوراق بيـد مرتجفة، و اتسعت عيناها.
“ما هذا؟ هل هذه الأعمال متأخّرة بشهر؟”
أمسكت روديلا برقبتها.
‘كنتُ أعرف أنّه كان يجب أن أرفض عندما طلبت مني رئيسة الوزراء المساعدة.’
كانت الأوراق، التي لم تتجاوز مواعيدها النهائيّة فحسب، بل و تأخّرت أيضًا، مكدّسة بكثافة.
لكن التفكير في الأمر جعله يبدو منطقيًا.
كان معظم قسم الشؤون العامّة من أنصار الدّوق بينريكس، فتـمّ القبض عليهم، و مع التطهير الكبير لفصيل النبلاء، كان القسم مشلولًا تقريبًا.
تـمّ ملء الفراغ بمواهب اختارتها أميريس، لكن كان هناك حدود لما يستطيع الموظّفون الجدد معالجته.
و كانت هذه هي النتيجة.
في وسط قسم شؤون عامّة لم يتمّ تسليمه بشكلٍ صحيح، مع موظّفين جدد، و رئيسة وزراء ليست لديها وقت لتدريبهم، و أعمال تتراكم…
كانت روديلا، القادرة على التدريب و معالجة الأعمال، هي الشخص الوحيد المناسب لذلك .
“يبدو أنّني سأذهب إلى قسم الشؤون العامّة لفترة.”
قرّرت روديلا العمل في قسم الشؤون العامّة بدلًا من فرقة فرسان الزّرق.
“يبدو أنّـكِ… مشغولة جدًا.”
نظر آيفرت إلى كومة الأوراق أمامها و فهـم على الفور.
على الرّغمِ من انشغاله بعمله، رافقها إلى مبنى قسم الشؤون العامّة.
“مرحبًا، السّيدة سيفريك!”
كانت الأجواء في القسم مختلفة بشكلٍ ملحوظ.
كان الذين يرحّبون بها بصدق هم زملاؤها الجدد تقريبًا.
كانوا، بمودّة تشبه رابطة المحاربين، يحملون هالات سوداء تحت أعينهم.
لكن ترحيبهم لم يدم طويلًا، إذ اندفعوا نحوها.
“هذه جاءت من قسم الماليّة، قالوا إنّهم استفسروا عنها قبل شهر، لكن بما أنّها تتعلّق بالدوق بينريكس…”
“كانت هناك عائلة مدينة لقسم الشؤون العامّة سابقًا، لكن هذه العائلة الآن…”
لم يكن لديهم وقت حتّى للتحدّث إلى رئيسة الوزراء ، فاندفعوا جميعًا نحو روديلا.
“مهلًا، واحدًا واحدًا، لا، ضعوا الأمور الصعبة هنا! هذه يمكنكم معالجتها!”
اضطرّت روديلا إلى توزيع المهام الروتينيّة البسيطة عليهم، و تولّت المهام المعقّدة بنفسها.
بعد ثماني ساعات بالضبط من بدء العمل،
“هاه…”
نظرت روديلا بدهشة إلى السماء المألوفة خارج النافذة.
قبل أيّام، لا، قبل يومين فقط، كانت تنظر إلى سماء الليل المتلألئة مع آيفرت بسعادة.
“إذا توقّفتِ عن فعل ذلك لمرّة، فلن ترغبي في فعله مرّةً أخرى.”
كان آيفرت قد قال ذلك ذات مرّة.
“…صحيح.”
في الماضي، كانت مسؤوليّتها تجعلها تعمل دونَ أن تنظر حتّى إلى النافذة.
التعب؟ الحالة؟ اشياء كهذه لم تكن عاجلة!
‘إذا توقّفت، سيجـد النبلاء نقطة ضعفي ليهاجموني!’
لكن هذه الأفكار بـدت بعيدة، كأنّها حدثت في ذهنها منذُ زمن بعيد.
“ربّما لأنّه لم يعـد هناك نبلاء ليستغلّوا نقاط ضعفي.”
في الماضي، كان قسم الشؤون العامّة مليئًا بالأشخاص الذين كانوا يحاولون إسقاطها، لكن الآن كان مختلفًا.
“السّيدة سيفريك!”
“فقط انظري إلى هذا، من فضلك!”
خلال هذا الوضع ، لن يعمل القسم بدونها، فلم يكن هناك قلق من الطرد.
لكن بدلًا من الفرح،
لأوّل مرّة منذُ سنوات، أو ربّما منذ تخرّجها من الأكاديميّة، تمتمت:
“لا أريد القيام بهذا.”
بالأحرى، أرادت فعل شيء أكثر متعة.
ليس شيئًا يتعلق بالنبلاء و أملاكهم، بل…
على سبيل المثال، النظر إلى السماء مع أحد آخر.
تذكّرت وجه شخصٍ ما فجأة، فابتسمت روديلا بخفّـة.
“لماذا تتسلّق النافذة بينما يوجد باب؟”
“لأنّ الدخول إلى هنا دونَ إذن غير قانوني.”
“…ألا يعني ذلكَ أنّ عليكَ الخروج؟ ماذا لو تـمّ الإمساك بـكَ؟”
“هذا هو الجزء المثير في الأمر.”
“هل أنتَ مجنون؟”
كان من الغريب أنّه لم يُقبض على آيفرت أبدًا و هو يتسلّل إلى قسم الشؤون العامّة.
الآن، عند التفكير في الأمر، ربّما كان ذلك بفضل قدرات رويدن الاستخباراتيّة الغامضة…
وجدت روديلا أنّ الضحك وسط التعب أمـرٌ عجيب.
و بينما كانت تتذكّر أحد أيام الماضي حيث كان آيفرت يأتي عبر النافذة،
― طق طق.
سمعت طرقًا.
اتسعت عينا روديلا، ثمّ ابتسمت ابتسامة مشرقة.
على عكس التمتمة الممزوجة بالإنزعاج و الفرح في الماضي،
كانت هذه ابتسامة نقية و صادقة تمامًا.
التعليقات لهذا الفصل " 134"