في تلكَ الليلة، تحدّث كل من روديلا و آيفرت كثيرًا.
لكن السؤال الذي شغل روديلا أكثر من أيّ شيء آخر كان:
“… منذُ متى، و لماذا؟”
‘لماذا أحببتني؟’
لكن آيفرت ، بعد تفكير عميق، هـزّ رأسه.
“لا أعرف.”
“لا يمكن أن يكون حبًّا من النظرة الأولى، أليس كذلك؟”
ردّ آيفرت بجديّة على كلامها:
“كنتُ أظنّ ذلك أيضًا، لكن عندما أفكّر الآن، كنـتِ تبدين جميلة منذُ البداية.”
احمرّ وجه روديلا فجأة بسببِ كلماته المباشرة.
“أنـتَ… كيف تقول مثل هذه الكلمات…”
بينما كانت تتلعثم،
“كيف أقول مثل هذه الكلمات بسهولة؟”
أكمل آيفرت جملتها بنفسه.
“يمكنني قول أشياء أكثر من هذا.”
ثمّ حدّق فيها مباشرةً دون أن يبعد نظره و قال:
“كم أنـتِ جميلة، و كيف ، و ماذا أريد أن أفعل―”
“كفى، كفى!”
‘هل أصبح يقول أيّ شيء بعد تلك القبلة؟’
‘لا، لقد قبّلني من قبل، لكن… آه…’
تذكّرت فجأة أنفاسه الساخنة، فتحوّل وجهها إلى اللون الأحمر مرّةً أخرى.
أخيرًا، غطًّت وجهها بكلتا يديها.
ضحكَ آيفرت و سأل:
“و ماذا عنـكِ؟”
“ماذا؟”
رفعت روديلا يديها قليلًا لتنظر إليه، فوجدته يميل برأسه و هو يسأل:
“قلتِ إنّـكِ لا تعرفين منذُ متى وقعتِ في حبي.”
كان وجهها لا يزال محمرًا، فبدأت تهوّي وجهها بيدها بقوّة.
‘منذ متى بدأت أحبّـه؟’
غرقت روديلا في التفكير.
‘لو كنتُ أكرهه، لما تعاملتُ معـه أصلًا.’
لكن متى بدأت أنظر إليه بطريقةٍ مختلفة؟
لم تستطع روديلا معرفة ذلك حقًا.
‘في لحظة ما، بدأ قلبي يرتجف كلّما كان يظهر أمامي.’
‘لم أكن أعرف ما هذا الشعور في البداية…’
“آه.”
تذكّرت روديلا شيئًا.
“متى؟”
كان ما تذكّرته كان شيئًا محرجًا للغاية لقوله. نظرت إلى السقف للحظة.
“روديلا؟”
اقترب صوت آيفرت أكثر و عندما استدارت إليه، قبّـل جبهتها.
شعرت بشعور مختلف عن السابق يجتاح جسدها، غريب لكن مثير.
“هل ستخبرينني إذا فعلتُ هذا؟”
“آه؟”
“أردتُ أن أفعل هذا كلّ يوم.”
قبّلها آيفرت مرّةً أخرى.
شعرت روديلا و كأنّ وجهها سينفجر.
‘كنتُ سأخبركَ حتّى لو لم تفعل!’
ابتعدت قليلًا وقالت:
“في الحقيقة، عندما كنتُ في المستشفى، رأيتُ حلمًا.”
“أيّ حلم؟”
‘حلم سخيف.’
نظرت إليه و قالت:
في ذلك الحلم، كانت عادت من الجولة الخارجيّة، و كان آيفرت ينتظرها مع امرأة بجانبه.
ثم مـدّ إليها دعوة زفاف…
“مَـنْ كانت تلكَ المرأة؟”
سأل آيفرت بسرعة البرق.
‘إذن هذا ما يهمّـكَ أنـتَ أيضًا؟’
“أنا أيضًا كنت أتساءل عن ذلك. لذا…!”
أمسكت روديلا قبضتها دون وعي.
“بدأت أهتمّ بالأشخاص الذين من حولكَ…!”
كانت كلماتها مليئة بالغضب، و شعرت بحرارة ترتفع مجدّدًا.
‘حقًا، وجهي سينفجر!’
بدأ آيفرت يهوّي لها بيـده.
‘هذا أكثر إحراجًا!’
أمسكت يـده و سحبتها للأسفل.
“لهذا بدوتِ منزعجة آنذاك.”
بـدا آيفرت و كأنّه فهم أخيرًا سبب تصرفاتها في ذلك الوقت.
“…كنتَ تعلم؟”
عندما سألت بهدوء، أجاب آيفرت بلا مبالاة:
“قلتُ لكِ، أنا أعرف كلّ شيء عنـكِ.”
‘…ها هو يقولها مجدّدًا.’
لكن الآن، كان وقع هذه الكلمات مختلفًا.
“…على أيّ حال، بعد ذلك الحلم الغريب.”
أكّـدت روديلا على كلمة “غريب” و تابعت:
“عندما كنتُ أتحدّث إلى سيسيليا، أدركتُ لأوّل مرّة.”
أدركتُ أنّ ذلكَ الحلم كان مزعجًا.
أنّ مجرّد تخيّل شخص آخر بجانبكَ جعلني أشعر بالضيق.
“… أدركتُ مشاعري حينها….،لكن ربّما قبل ذلك…”
‘ربّما كنتُ أحبّـه من قبل’
لم تستطع قول ذلك من شدّة شعورها بالإحراج، لكن آيفرت بـدا و كأنه فـهم.
“…ثمّ أصبحتَ إلى جانب الإمبراطور.”
رفعَ آيفرت حاجبيه قليلًا عند هذا الكلام.
“لم أكـن واقفًا إلى جانب الإمبراطور، بل إلى جانبـكِ أنـتٌ.”
“ماذا؟”
كان هذا منظورًا لم تفكّر فيه.
” قمـتُ باتّباعكِ أنـتِ لأنّكِ تخدمين الإمبراطور، لم أكن أبدًا في صفّ الإمبراطور.”
مـدّ يـده.
“كان ذلك للتبسيط فقط.”
‘هل يجوز أن يقول سيّد عائلة رويدن الذي أصبح ركيزة الإمبراطوريّة مثل هذه الكلمات الجريئة؟’
“…وماذا لو فقدت صوابي و فكّرتُ بفعل شيءٍ آخر ضـدّ الإمبراطور؟”
“عندها ستنقسم الإمبراطوريّة إلى قسمين―”
― باك!
ضربت روديلا ظهره بقوّة.
“عليكَ أن تكون حذرًا في كلامكَ!”
“لا يوجد أحد هنا لينشر الكلام أصلا.”
لكن آيفرت بـدا صادقًا.
لوّحت روديلا بيدها و قالت:
“على أيّ حال، لهذا السبب لم أكن أرغب في الحقيقة…”
نظرت إليه بهدوء و تابعت:
” ..أن أذهب في الجولة الخارجية. أردتُ البقاء بجانبكَ. شعرتُ أنّكَ قرّرتَ أن تساعد الإمبراطور من أجلي رغمَ أنّكَ لم تكن تريد ذلك. لذا قرّرتُ الذهاب.”
‘لم أرد الذّهاب و الإبتعاد عنه حقًا.’
كانت هذه الكلمات التي خرجت منها أخيرًا، صادقة.
“كما قلتُ من قبل، أنا لم أفعل شيئًا لم أرده أبدًا.”
كانت هذه أيضًا كلمات قالها من قبل.
نظرت روديلا إليه بهدوء.
“إذن، لماذا وضعتَ مسافة بيننا؟”
لم يقـل إنّه سيضع مسافة، لكنّه بوضوح تجنّبها لفترة.
كانت هناك أيّام جحيميّة لم تكن تراه فيها إلّا بالكاد، عندما لم يكن الشخص الذي كان دائمًا موجودًا هناك.
‘لماذا إذن؟’
“في ذلك الوقت،”
أغلق آيفرت عينيه ببطء.
“لأنّني كنتُ لا أزال مجرّد صديق بالنّسبة لكِ، كنتُ أعرف ذلك. لذا إذا لم أضـع مسافة بيننا…”
فتـحَ عينيه و اقترب من وجهها.
كانت المسافة بينهما قريبة لدرجة أنّ أنوفهما كادت تتلامس.
اقترب آيفرت، حيث شعرت برائحته و دفئـه، و همس:
“كنتُ أشعر أنّني لا أستطيع التوقّف و كبـح نفسي لحظة واحدة.”
قبل أن تفهم كلماته، قبّـل جبهتها.
ثمّ رفـعَ يدهـا و قبّلهـا.
“كنتُ سأرغب في فعل هذا. كنتُ سأعجز عن التحمّل.”
نظرَ إلى يدها، ثمّ لامس أطراف أصابعها بشفتيه.
شعرت روديلا بشعور غريب لكن دافئ عند طرف أصابعها الحسّاسة، فتنفّست بعمق.
“كنتُ خائفًا من أن تدمّر أفعالي علاقتنا إلى الأبد.”
“لأنّه إذا حدثَ ذلك، فلن نكون أصدقاء حتّى؟”
ردّت روديلا التي لا تزال تشعر بلمسته على أصابعها.
أومأ آيفرت برأسه.
“صحيح.”
أطلقت روديلا تنهيدة خفيفة.
‘في النهاية، كنا نشعر بالشيء نفسه.’
“لذلك، كنتُ خائفًا من عيد ميلادكِ.”
قال آيفرت وهو ينزل يدها للأسفل.
“شعرتُ أنّـكِ ستنطلقين أخيرًا بحريّة.”
‘لا أصدّق أنّ هذا لم يكن صحيحًا.’
“أشعر أنّه حلم.”
أسندت روديلا وجهها على كتفه بهدوء.
كانت حركة اعتياديّة، لكن الدفء الجديد جعل قلبها ينبض.
“ماذا لو استيقظتَ غـدًا و تظاهرتَ أنّـكَ لا تعرفني؟”
تمتمت روديلا بسؤالها.
“حتّى لو فقدت عقلي و جننتُ تمامًا، فلن أفعل ذلك.”
‘كيف أفعل ذلكَ بعد كلّ هذا الانتظار؟’
أجاب آيفرت كما لو كان الأمر بديهيًا، لكن روديلا كانت قلقة.
على الرّغمِ من علمها أنّه مجرّد خيال سخيف، كانت عادتها في التفكير في أسوأ الإحتمالات تجعلها تستمرّ في هذه الأفكار.
“إذن، هل أتـرك دليلًا؟”
ابتعد آيفرت قليلًا، ثم التقت نظراتهما.
“دليل؟”
عندما كرّرت سؤاله، أومأ برأسه و أخرج شيئًا من جيبه الداخلي.
كان صندوقًا يحتوي على خاتمين.
“آه؟”
عندما فتح الصندوق، كان هناك خاتمان.
“هذه…”
تذكّرت روديلا هذه الخواتم.
‘كانت الخواتم التي قلتُ إنّها جميلة عندما اخترتُ هديّة عيد ميلاد سيسيليا.’
“لقد اشتريتها في ذلك الوقت.”
أخرج آيفرت أحد الخواتم، ثمّ سحـب يدها بلطف.
كانت عيونه الزرقاء الصافية تحدّق بها مباشرةً.
لم تكن زرقاء عميقة مليئة بالهموم، بل زرقاء صافية.
ابتسم آيفرت بخفّـة.
“أنا أحبّـكِ، يا روديلا.”
كانت كلمات سمعتها منذ الطفولة.
لكن…
“أنا أحبّـكِ، يا روديلا.”
قالها مرّةً أخرى بمعنى أكثر مباشرة.
بطريقة لا يمكن لها أن تسيء فهمهـا.
“هذه المرّة، لن تقولي مجرّد شكر و تقومي بتمرير الأمر، أليس كذلك؟”
ضحكَ آيفرت بنبرة منخفضة.
شعرت روديلا و كأنّ كلّ كلماته المتكرّرة على مـرّ السنين اكتسبت فجأةً ثقلًا عاطفيًا كبيرًا، فتنفّست بعمق.
“أين تريدين وضعـه؟”
التقت نظرتها المليئة بالأسف بنظرته الخفيفة.
‘الماضي لا يهمّ.’
‘الحاضر هو الشيء المهمّ الآن.’
كانت عيناه الزرقاوان تقولان ذلك.
نزل بصره إلى يدها، مشيرًا إلى مكان.
اليـد اليسرى، الإصبع البنصر.
“أحبّ أن يكون الخاتم هنا، و أنـتِ؟”
لم يكن هناك سبب للرفض، كان مكانًا سيثبت أنّ اليوم ليس حلمًا.
“جيّد.”
مـدّت روديلا يدها بسرور.
خلعت الخاتم الذي كانت ترتديه منذُ أن عقـدا هذه الخطوبة التعاقديّة.
على الرّغمِ من أنّ خاتم الخطوبة كان منه، إلا أنها أرادت ارتداء الخاتم الذي يحمل معنى أعمق الآن.
و سرعان ما وُضـع خاتم يحمل معنى حقيقي على أيديهما.
كانت فترة ما بعد الظهر تشـعّ بضوء الغروب الجميل.
التعليقات لهذا الفصل " 133"