“كنتُ أظنّ أنّني أحـبّ العمل.”
اضطرّت روديلا إلى الاعتراف.
“لكن الأمر كما قلتَ، ربّما فقط نسيتُ كيف أستمتع.”
استمتعت روديلا حقًا بإجازة خالية من التفكير في العمل.
منذُ تخرّجها من الأكاديميّة، كانت هذه هي المرّة الأولى التي تحظى فيها بمثل هذه الراحة الخالية من أيّ أفكار عن العمل و قد وجدت هذا الأمر جميلا للغاية.
“ألم أقـل لكِ؟”
أومأ آيفرت برأسه كأنّ الأمر بديهي.
“الإنسان بحاجة إلى الراحة من حين لآخر ليصبح أكثر كفاءة.”
“…هل هذا صحيح؟”
لكن، هل يجوز أن أرتاح هكذا؟
‘مَـنْ سيتولّى عملي بينما أنا أرتاح؟’
بينما كانت أفكارها تنجرف نحو العمل مجدّدًا، أيقظت إشارة يـد آيفرت تأمّلاتها.
“كفى.”
كان مفهوم الإجازة هو “إجازة بدون التفكير في العمل”، لذا كان يعني أن تتوقّف عن التفكير فيه.
“حسنًا.”
تنهّدت روديلا بعمق، لكنّها أومأت برأسها بطاعة.
في الحقيقة، حتّى لو قالت ذلك، فقد كانت مسترخية جدًا لدرجة أنّها لم تستطع التفكير في العمل.
كان الاثنان يتجوّلان في القصر ببطء على مدار يومين.
عندما رأت حجم القصر لأوّل مرّة، بدا وكأنّ التجوّل فيه سيستغرق فترة طويلة، لكن الآن أصبحت تعرف الطرق كأنّ لديها خريطة في ذهنها.
المشكلة هي…
‘هنا المكان الذي أمسك فيه آيفرت الحطب بيديه العاريتين، و هنا حيث تعثّرت و أنا أنظر إلى النافذة مع آيفرت، و هنا حيث…’
أنه كان يتسلّل إلى ذكرياتها باستمرار.
باستثناء هذه المشكلة “الصغيرة”، كان توجيه آيفرت لها مثاليًا حقًا.
و نتيجةً لتجوّلهما في القصر كما لو كانا يأكلان قطع الكعكة واحدة تلو الأخرى،
“حسنًا، هذه هي المكتبة. إنّها آخر مكان لم نزره.”
وصلا إلى المكان الأخير.
دفـعَ آيفرت الباب الكبير و قال:
“ربّما هي المكان الذي ستحبّينه أكثر من غيره.”
‘الذي سأحبّه أكثر؟’
بينما كانت روديلا ترمش بعينيها، فُتح الباب الكبير على الجانبين، كاشفًا عن مكتبة ضخمة مع نافذة كبيرة على جانبها.
‘هذه ليست مجرّد مكتبة، بل مكتبة عامّة صغيرة!’
“واو…”
خرجت كلمات الإعجاب منها تلقائيًا.
تحمّست روديلا دونَ وعي و اندفعت نحو النافذة.
من النافذة، كان المكان الذي بالخارج يُرى بوضوح، و…
“يبدو أنّهم جهّزوا الكتب مسبقًا أيضًا؟”
كانت الأرفف مليئة بالكتب.
هرعت روديلا إلى الأرفف، فتبعها آيفرت و قال:
“قيل إنّهم جمعوا كتبًا من مجالات متنوّعة، لكن يمكنكِ ملؤها لاحقًا حسب ذوقكِ.”
‘إذن هذه الكتب تعكس ذوق السّيدة رويدن و والـديّ؟’
‘بما أنّ كلتا العائلتين أعدّتـا هذا معًا…’
بينما كانت تتفحّص الأرفف بعيون متلهّفة، اضطرّت روديلا إلى السّعال فجأة.
[هربتُ من الدوق المهووس لكنه أمسك بي]
[علّمني كيف أحـبّ]
كان الغلاف الأحمر يعني بوضوح…
“ما الذي وضعوه هنا؟”
خرجت من خلف الأرفف بوجه محمرّ، فضحك آيفرت.
“هل كنـتَ تعرف هذه الكتب من قبل؟”
ردّ آيفرت كأنّ الأمر طبيعي:
“قيل إنّ السيدة سيفريك اختارتها بنفسها لهذا قمٕتِ بقراءتها . كانت ممتعة جدًا.”
‘إذن الشخص المذنب هو أمي!’
تذكّرت ابتسامة والدتها المرحة، فبدأت روديلا تهوّي وجهها بيدها.
في هذه الأثناء، قادها آيفرت إلى ركن آخر في المكتبة.
“هذه مساحة للتهوية. يبدو أنّها لتهدئة الذهن أثناء القراءة.”
“رائع!”
فتحت روديلا الباب المؤدّي إلى الخارج بحماس.
انفتح الباب بسلاسة، فتدفّقت أشعّة الشمس الدافئة، و داعب نسيم خفيف شعرها.
ضحكت روديلا بفرح.
“لقد بُنـي هذا المكان بعنايةٍ فائقة.”
‘على الرّغمِ من أنّ الكتب بحاجةٍ إلى تغيير…’
استدارت إلى آيفرت بوجه مليء بالسعادة.
ربّما بسببِ تلكَ الكتب، كان وجهها محمرًّا قليلًا.
نظر آيفرت إلى وجهها للحظة، ثمّ ارتفعت زاوية فمـه.
“يبدو أنّـكِ لم تفكّري في العمل أبـدًا… لا بدّ أن المكتبة قد أعجبتكِ.”
رمشت روديلا بعينيها.
“كيف عرفـتَ؟”
جاء الردّ منه فورًا:
“أنا أعرف كلّ شيء عنـكِ.”
كان نبرته عاديّة.
لكن في وقت سابق…
“أنا أعرف كلّ شيء عنكِ.”
كانت هذه كلمات سمعتها منه من قبل.
“آه…”
فتحت روديلا فمهـا قليلًا.
كان ذلكَ في يوم الحفلة في مقرّ الفرسان الزرق، عندما اكتشف بسرعة أنّها أخفـت زجاجة خمر.
في ذلكَ الوقت، تجاهلت كلامه بسهولة، لكن الآن…
كان من الصّعب عليها فعل ذلك.
“…..”
تشابكت أنظارهما بشكلٍ دقيق.
‘صحيح، أنـتَ تعرفني جيّدًا. لا أحد يعرفني مثلكَ.’
هذه الحقيقة، التي كانت مختلفة عن الماضي، جعلت قلبها ينبض بوضوح.
عندما أغلقت روديلا شفتيها بإحكام، لاحظت شيئًا.
كان آيفرت يعبث بجيبه منذُ فترة، و حركته تلكَ جذبت انتباهها مجدّدًا.
“هل تخفي شيئًا لذيذًا هناك؟”
كان من الجيّد أن يكون هناك موضوع للحديث قبل أن يعـمّ الصمت المحرج بينهما.
كانت روديلا تفكّر بهذه الطريقة.
لكن آيفرت توقّف بشكلٍ واضح.
‘ما هـذا؟’
“…لا.”
و جاء رده متأخرًا.
“إذن؟”
عندما سألته مجدّدًا، بـدا أكثر ريبة.
“هل تريدين معرفة ما لديّ؟”
تردّدت نظرات روديلا بين جيبه و يـده.
“نعم.”
لو كان يريد إخفاءه حقًا ، لما أظهره لها أصلًا.
أومأت برأسها بدافع الفضول، فأدار آيفرت نظره بهدوء.
“كنتُ أريد أن أبقيـه سرًا.”
لكن السماء الصافية خارج النافذة، و الحقول المغطاة بالثلج، لم تقدّما أيّ موضوع لتغيير الحديث.
أخيرًا، فتح آيفرت فمـه:
“لقد تلقّيت المفتاح.”
“مفتاح؟”
بـدا الأمر مفاجئًا، لكن روديلا شعرت أنّها تعرف ماهيته.
في هذا الموقف، لا يمكن أن يكون هناك سوى مفتاح واحد.
بينما كانت على وشكِ قول شيء، لم يتوقف كلام آيفرت.
“لكنّني كنتُ أفكّر بشيءٍ سيء.”
رمشت روديلا بعينيها، فنظـرَ إليها آيفرت.
“ماذا لو تظاهرتُ بأنّني لم أتلقّى المفتاح… أو تجاهلته؟”
‘مـاذا؟’
“ماذا لو بقينا هكذا؟ إذا قلتُ أنّ المفتاح به مشكلة، يمكنني كسب وقـت طويل حتّى يُعـاد تصميمـه.”
نظر إلى معصمـه المقيّـد بالأصفاد.
‘ما الذي يخطّط ليجعل السير فيليكس يفعـله؟’
“أعطني المفتاح، سأفـكّ الأصفاد الآن.”
‘إذا قمنا بفكّهـا، لن يطير المجذاف بسببِ السلسلة، و لن يكون هناك إزعاج عند الحركة.’
لكن آيفرت لم يـردّ.
“…آيفرت؟”
أخرج المفتاح من جيبـه.
كان يشبه المفتاح الذي رأتـه عندما ارتديا الأصفاد سابقًا، لكنّه أكثر لمعانًا قليلًا.
نظرَ إليه في يـده، ثمّ أغلق يـده بقوّة.
― كراك.
صدر صوت مقلق.
“…ماذا تفعـل؟”
“انا أفكّـر….إن كنتُ سأخيّب أملكِ.”
كان آيفرت أحيانًا، بل غالبًا، يفكّر بطرق لا يمكن تخيّلها.
بينما كانت روديلا تحاول إيقافه، متسائلة عمّا يخطّط له هذه المرّة ، التقت نظراتهما بشكلٍ مباشر.
“إذا حطّمـتُ هذا المفتاح ، هل ستشعرين بخيبة أمل؟”
كانت عيناه الزرقاوان أوضح من أيّ وقت مضى.
كانت واضحة و حاسمة، كأنّها تعبّـر عن رغبتـه الحقيقيّة.
فتحت روديلا فمهـا قليلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 131"