في ليلة انتهاء المأدبة،
تمّ توجيه الاثنين بشكلٍ طبيعي إلى غرفة الضيوف في القصر المنفصل.
“إذن، استريحا جيدًا.”
توقّف الخادم أمام إحدى الغرف ، وانحنى لهما بأدب.
على عكسِ المرّة السابقة، لم يكن هناك أيّ خطأ مثل محاولة فصلهما إلى غرفتين.
حسنًا، حتّى لو أرادوا ذلكَ هذه المرّة، لما استطاعوا.
“تلكَ الأصفاد…؟”
لم يتوقّف النبلاء طوال المأدبة عن الحديث عن الأصفاد التي تربط الاثنين.
قال النبلاء الأكبر سنًا:
“يبدو أنّ الشباب هذه الأيام يستمتعون بحـبّ ملتهب.”
جعلت هذه الكلمات وجه روديلا يحمرّ بشدّة.
‘الأمر ليس كذلك!’
بينما كانت تشتكي في داخلها، سألها الإمبراطور بنبرةٍ خافتة:
“متى تنويان فكّهـا؟”
هل بـدا الأمر لهم و كأنّهما يستعطيعان فكّـها لكنهما مَـنْ لا يريدان ذلكَ ؟
“للأسف، يبدو أنّنا سنفكّها قريبًا.”
أجاب آيفرت، مشيرًا إلى أنّ المفتاح لم يُعثر عليه بعد.
“هكذا إذن.”
ردّ الإمبراطور بابتسامةٍ غامضة ثمّ أدار رأسه.
“يبدو أنّ فكّهـا يجعلكما تشعران بالأسف.”
“حسنًا، فأنتما مشغولان جدًا، لذا ربّما ليس لديكما وقت لتكونا معًا . رغمَ أنّكما معًا فرقة الفرسان الزّرق…”
هكذا، مع تعمّق سوء الفهم، انتهت المأدبة، و ها هما الآن مستلقيان على السرير.
حاولت روديلا تجاهل وجود آيفرت بجانبها.
لكن كلّما حاولت ذلكَ، ازداد تركيزها عليه هو فقط.
“ستتزوّجان قريبًا، أليس كذلك؟ تهانينا مقدّمًا.”
“شكرًا.”
بـدا آيفرت متحمّسًا بشكلٍ غير معتاد اليوم.
لم ترَه من قبل يبتسم بهذه السطوع عندما يتحدّث إليه الآخرون، بل في العادة كان يستمع إليهم بلا مبالاة.
كانت ابتسامته حقيقيّة، و ليست مجرّد ابتسامة شكليّة، و كأنّه يتطلّع حقًا إلى الزواج…
الزواج. و سنّ الخامسة و العشرون.
…لقد اقتربَ هذا اليوم أخيرًا.
ابتلعت روديلا تنهيدة.
كان هذا اليوم الذي كانت تنتظره بشغف في طفولتها.
ففي النهاية، كان الهدف من الخطوبة التعاقدية هو تجنّب الزواج.
كانت تعتقد أنّها ستشعر بالحرية عندما تصـل إلى الخامسة و العشرين.
فالرجال المتشدّدون الذين يعتقدون أنّ هناك “عيبًـا” في الشّخص الذي لم يتزوّج بعد هذا العمر لن يقتربوا منها.
اعتقدت أنّها ستتمكّن من إظهار قدراتها بحرية دونَ أن تتعرّض لأيّ إزعاج .
لكن…
[أودّ اقتراح تناول الشاي معًا.]
[إذا لم يكن لديكِ موعد في فجر الغد…]
تلكَ الاقتراحات السريّة، و إن لم تكن سريّة تمامًا، التي انهالت عليها قبل أن يروا الأصفاد التي تربطها بآيفرت.
كانت تشير بوضوح إلى شيء آخر:
مقعد زوج المرشّحة الواعدة لمنصب رئيسة الوزراء القادمة، روديلا سيفريك .
في العادة، كان هذا المقعد يبدو بعيد المنال، لكن بظهور أمر”العيـب” بها، بـدأ الكثيرون يعتقدون أنّ الأمر يستحقّ المحاولة.
كان ذلكَ سخيفًا إلى حـدّ لا يُصدّق.
و كان الدرع الأكثر حكمة و تأكيدًا لمنع ذلك هو…
“…..”
رأت آيفرت نائمًا بجانبها بينما يتنفّس بهدوء.
أغلقت روديلا شفتيها بقوّة في خطّ مستقيم.
‘هل أقترح تمديد فترة الخطوبة التعاقديّة؟’
لكن هذه الفكرة السخيفة تلاشت في ثانية واحدة.
ستحتاج عائلة رويدن إلى وريث.
و الأهم من ذلك…
لم تعـد ترغب في الاستمرار في علاقة مع آيفرت مبنيّة على أساس الانفصال.
“ستأتين، أليس كذلك، يا روديلا؟”
تذكّرت صورة آيفرت في حلمها و هو يقـف مع امرأة مجهولة.
لم تكن تعرف مَـنْ هي تلك المرأة، ولكن مجرّد التفكير بها أثار شعورًا غريبًا بها جعل حتّى إرهاقها يتلاشى.
‘أكره هذا الموقف.’
‘أن أذهب إلى زفافكَ بصفتي أفضل صديقة لكَ؟’
‘لا أريد ذلك.’
الآن، استطاعت أن تقول بوضوح: ‘لا أريد.’
شـدّت قبضتها بقوّة.
“…..”
كان آيفرت لا يزال يتنفّس بهدوء وهو نائم بجانبها.
لم يكـن هناك أحد بجانبـه__
سواهـا.
أنا الوحيـدة هنا.
― حفيف.
استدارت بحذر إلى جانبها، فشعرت بدفء جسمه القريب.
كان الدفء مغريًا إلى درجة جعلتها تكره المسافة التي حافظت عليها دائمًا، علمًا أنّ الاقتراب أكثر سيجعلها تنام بدفء.
“…..”
نظرت إليه للحظة، ثمّ اقتربت منه بهدوء.
تسرّب الدفء إليها.
“هاه…”
تنفّست بهدوء.
“من دونـكَ….كيف سأستطيع النّوم؟”
تسرّبت مشاعرها الحقيقيّة مع تنهيدتها.
* * *
كان هناك تاريخ لا يمكن لآيفرت نسيانه.
كان ذلكَ بعد يومين: عيد ميلاد روديلا، و اليوم الذي تنتهي فيه الخطوبة.
منذ يوم الخطوبة، كان كلّ تركيزه في الحياة موجّهًا نحو هذا اليوم، فلم ينسـه ولو للحظة واحدة.
لذلك، عندما ذكـر النّبيل في المأدبة عيد ميلاد روديلا:
“تهانينا مقدمًا على عيد ميلادكِ القادم.”
كـاد آيفرت أن يظهر نيّة قتل علانية.
ربّما كان هذا اليوم متوقّعًا و سعيدًا بالنسبة لروديلا، لكن بالنّسبة لآيفرت، كان يومًا يتمنّى تأخيره ولو لدقيقة أو ثانية واحدة حتى.
“…..”
تظاهر آيفرت بالنوم، كان يتنفّس بهدوء بينما يراقب حركات روديلا.
يبدو أنّها لم تستطع النوم، إذ كان تنفّسها غير منتظم.
‘هل أنـتِ متحمّسة لما بعد يومين؟’
ليس حتّى يومين، بعد هذه الليلة سيكون الغد.
‘لو أنّ الزمن يتوقّف.’
حاول آيفرت التنفّس بهدوء وهو يفكّر.
“ماذا لو لم أذهب في الجولة الخارجيّة؟”
كنتِ تقولين كلامًا مثيرًا كهذا، ثمّ تغطّينه دائمًا بكلمات أخرى وكأنّه لا شيء.
“نعم، لا تذهبي. أو… اذهبي معي.”
يبدو أنّه دفعَ الأمور بعيدًا بشكلٍ مفاجئ.
لكنه لم يرغب في تفويت الفرصة.
لكن حتّى و هو يتحدّث، توقّع ردّهـا.
‘من سيحلّ محلّ نائب قائد فرسان الزرق؟ ألستَ مشغولاً بالعمل؟’
توقّعاته بشأن روديلا نادرًا ما تخطئ، كانت دائمًا تقريبًا صحيحة.
لكن تلكَ المرّة كانت مختلفة.
“…..”
كانت عيناها الزمرديّتان تلمعان بنقاء، دون أيّ أثر للمشاعر السلبية.
لم يعرف كيف يفسّر تلكَ النظرة، شعرَ و كأنّ أنفاسه كادت تتوقّف.
كان يخشى أن تخرج كلمات الرفض من شفتيها المفتوحتين قليلًا، لكنّه لم يستطع إبعاد عينيه.
لكن تلكَ العيون المتلألئة بالمودّة التي لم تظهر أيّ أثر لظلام مشاعره….
جعلته غير قادر على كشف ظلام قلبه .
كيف يمكنه أن يكشف لها تلكَ الرغبة المظلمة التي تتناقض مع صفاء عينيها؟
الرغبة في أن يكون أقرب إليها من الآن… حتى لا تتمكّن من الإبتعاد….
بينما كان يكبح هذه الرغبة بصعوبة، كاد يشعر بالإستياء من روديلا التي كانت تبتسم بخفّـة و كأنٌها تمتحنه.
‘هل أنتِ حقًا غير مبالية؟’
‘هل الانفصال عنّي لا يعني لكِ شيئًا؟’
‘ إذا استمرّ الأمر هكذا…فأنا سأجنّ حقًّا.’
بينما كانت مشاعره المضطربة تحرق قلبه،
سقـط أمامه اختبار آخر.
“من دونـكَ….كيف سأستطيع النوم؟”
دغدغ صوتها العـذب أذنيـه، و شعرَ بأنفاسها الخفيفة على ذراعه.
نسـيَ آيفرت كيف يتنفّس للحظة.
“مـاذا؟”
الرّجل الذي كان يكبح كلّ شيء ، فتحَ عينيه في لحظة
التعليقات لهذا الفصل " 127"