تلقّت روديلا، بدقّـة أكبر، ثلاث أو أربع رسائل غامضة ونظرات متسائلة بنفس القدر.
لم تكن الرسائل وقحة، لكنّها كانت محيّرة على أيّ حال.
“مَـنْ أمركَ بإيصال هذه؟”
عندما سألت الخادم الذي سلّمها الرسالة و كان يحاول الهرب سريعًا، انحنى بأدب بوجهٍ يعبّـر عن الأسف ثمّ اختفى بسرعة.
“ما هذا؟”
فتحت روديلا الرسالة وهي تشعر بالدهشة.
[إلى الآنسة روديلا سيفريك ، تحيّاتي من الكونت الشاب أكلان.]
لماذا يرسل تحيّة عبر رسالة فجأة؟ ثمّ قرأت:
[… هل يمكننا قضاء وقت قصير لتناول الشاي؟]
“يريد أن نتناول الشاي؟”
ضحكت روديلا بسخرية.
إذا كان يريد ذلك، لماذا لم يأتِ و يتحدّث مباشرةً بدلًا من إرسال رسالة؟
لكنّه لم يكـن الوحيد.
كانت الرسائل تختلف في الطول و الأسلوب، لكنّ المضمون كان متشابهًا:
“لنتناول الشاي معًا”، “هل ترغبين في مرافقتي إلى دائرة اجتماعيّة؟”
و الأهم من ذلك، كانوا جميعًا يبدون مرتبكين عندما يرون روديلا تفتح الرسائل بجانبِ آيفرت.
‘لماذا؟ هل ظننتم أنّنا لن نفتحها معًا إذا أرسلتموها سـرًّا؟’
كان تعبير آيفرت، وهو ينظر إلى الرسائل، لا يُضاهى.
“هل هؤلاء لا يرونني أم مـاذا؟”
يبدو أنّ وجوده هو ما دفعهم إلى إرسال الرسائل بسريّة، لكنّ هناك شيئًا غريبًا في الأمر.
من الواضح أنّهم كانوا ينتظرون فرصة لفصلهما.
المشكلة أنّ الأصفاد التي تربطهما تجعل ذلكَ مستحيلًا.
بالطبع، لم يكن الجميع يكتفون بإرسال رسائل أو خدام.
“أهلًا، أيّها السيدَان.”
كان هناك مَـنْ يأتي مباشرة.
“لقد كانت هناك علاقة وثيقة بين إقليمي و إقليم سيفريك منذُ الطّفولة.”
‘حقًا؟ لكن وجهـكَ غريب عليّ.’
بينما كان آيفرت يتأكّد من تعابير روديلا التي تظهر عدم معرفتها بهذا الشخص، استمرّ في الحديث:
“في الفترة التي كانت تكثر فيها الوحوش و اللصوص، تعرّضت إحدى عربات قافلتنا للهجوم أثناء توجهها إلى إقليم سيفريك.”
‘وهل هذا يُعتبر علاقة؟’
“سمعتُ أنّ إقليم سيفريك قضى على أولئك اللصوص آنذاك. كم كنتُ ممتنًـا…”
كانت روديلا قد قابلت أشخاصًا مثل هؤلاء من قبل، ليس واحدًا، بل عدة أشخاص.
…في أيام الأكاديميّة، قبل خطوبتها لآيفرت.
عندما أدركت نواياهم و رفعت حاجبيها،
―♪♬
كأنّ الموسيقى التي كانت تعزف بهدوء في قاعة المأدبة استشعرت مزاجها، فتحوّلت إلى لحن أكثر حدّة.
“إنّها الأغنية التي تحبّينها.”
سحـبَ آيفرت روديلا إلى ساحة الرقص.
بينما كان الرجل الذي فاتتـه فرصة الحديث يبدي أسفه، تبعتـه روديلا بسرعة.
لم تكن من عشّاق الرقص الاجتماعي، لكنّها هذه المرّة رحّبت بـه.
فمع كلّ دوران في أحضان آيفرت، شعرت أنّ أولئك الذين كانوا يقتربون بنوايا معيّنة يتراجعون بنظراتهم.
لكن اليوم، كان التطوّر مختلفًا بعض الشيء.
― كلانك.
ربّما بسبب انشغالها بأفكار أخرى أثناء الرقص، أخطأت الإيقاع قليلًا، فانفصل معصمها عن معصم آيفرت، مما جعل سلسلة الأصفاد تلمع و تظهر.
“آه!”
اقتربت روديلا منه بسرعة، لكن…
“تلكَ الأصفاد…”
بما أنّهما أشهر ثنائي في الإمبراطوريّة، وبطلا هذا التمرّد، كان هناك الكثير من الأعين تراقبهما.
كان المشهد واضحًا للجميع تقريبًا.
“أليست تلكَ الأصفاد الجديدة التي يستخدمها الفرسان الزرق؟”
ارتجفت روديلا عند سماع الصوت الواضح.
يبدو أنّ مَـنْ لهم علاقة بالفرسان الزّرق تعرّفوا على الأصفاد.
“لماذا يرتديانها؟”
…بالطبع، كان التعرّف عليها هو المشكلة.
“هذا سيستغزق وقتًا للشرح.”
تمتمت روديلا وهي تدور مع الرقصة.
‘الأصفاد السّابقة كانت سرًّا، لذا يجب أن نتظاهر بأنّنا نرتديها لأوّل مرّة. لقد حوصرنا في السّفينة بسبب مؤامرة الدّوق بينريكس، و كادت السفينة تنفجر…’
لكن ذلكَ يعني أنّ عليها سرد قصة السفينة كقصة بطوليّة.
بينما كان النبلاء، الذين وجدوا موضوعًا مثيرًا للحديث، يتجمّعون تدريجيًا حول الثنائي بعد انتهاء الرقصة، تقـدّم شاب نبيل مجهول الهويّة بشجاعة و قال:
“ترتديان إكسسوارا مميّزًا.”
“مـاذا؟”
يبدو أنّ الشاب كان خاليًا من التحيّزات بشكلٍ مفرط، إذ قال ذلكَ و هو يبتسم بوقاحة.
بينما كان واضحًا أنّه يريد فتح حديث بأيّ طريقة، رفعَ آيفرت زاوية فمـه.
فجأة، مُـدّت كأس نبيذ خفيف أمام روديلا.
“عيد ميلاد سعيد مقدمًا، سيّدة سيفريك.”
“آه…”
عندها فقط أدركت روديلا الوضع.
بينما كانت الأحداث المضطربة تمـرّ، اقترب عيد ميلادها، الذي كان بعد يومين فقط.
“شكرًا.”
بعد يومين، ستصبح في الخامسة و العشرين.
‘لهذا السبب كانوا يقتربون بهذا الوضوح.’
عيد الميلاد… نعم، عيد الميلاد.
بعد عيد ميلادها، ستصبح في الخامسة والعشرين، و في أوساط النبلاء، لا يزال هناك اعتقاد بأنّ مَـنْ لم يتزوّج بعد هذا العمر لديه عيـب ما.
لكنّ أمور الزواج بين النبلاء لا تُقرّر في يوم أو يومين، ولو كان هناك أيّ خبر عن زواج، لكان هناك إشارات قبل اندلاع التمرّد، لكن لم يكن هناك شيء.
لذلك، بدأ البعض يحملون أملًا، أو بالأحرى توقّعًا.
كانوا يظنّون أنّ عائلة رويدن، التي اكتسبت قوّة أكبر بعد قمع التمرّد، لن تتزوّج من شخصٍ لديه عيب مثلها.
كان درع الخطوبة التعاقديّة يتلاشى تدريجيًا.
لم يسأل أحد عن سبب عدم زواج الثنائي الذي تواعد لما يقرب من عشر سنوات، أو ما إذا كانا يفكّران في الزواج بعد الخامسة و العشرين.
بالنّسبة لهم، كانت التقاليد مطلقة إلى هذا الحـدّ.
…لكـن،
شعرت روديلا فجأة بألـم في قلبها.
كانت فكرة أنّ الخامسة والعشرين هي نهاية خطوبتها التعاقدية مع آيفرت حقيقـة بالفعل.
شعرت بالمرارة لأنّها افترضت دونَ وعي أنّ هذا “الدرع” سيستمرّ إلى الأبـد.
“هل يبدو مجرّد إكسسوار؟”
رنّ صوت آيفرت.
“مـاذا؟”
“ماذا لو كنّا نرتديها لأنّنا نريد أن نكون معًا؟”
تسمّرت تعابير الناس بدهشة.
‘الأصفاد؟ لهذا السبب؟’
حتّى روديلا نفسها فوجئت.
“في هذه الحالة، هل سيُعدّ زوج المرشّحة القادمة لمنصب رئيسة الوزراء رجلًا غير أخلاقي؟”
“لا… لا، بالطبع لا.”
كان يعلم أنّ محاولتهم للاقتراب من روديلا كانت لأنّها مرشّحة محتملة لمنصب رئيسة الوزراء، و كانوا يأملون في احتمال ألّا تتزوّج.
كلّ هذا كان واضحًا في كلماته، فتردّد الشاب و لم يجد ما يقوله.
في تلكَ اللّحظة القصيرة، شعرت روديلا و كأنّها تسمع صوت آيفرت من ذكرى سابقة
“لقد أعجبني ذلكَ.”
“النوم بجانبكِ. جعلني أنام بشكلٍ جيّـد”
كانت تلكَ كلماته عندما ارتديا الأصفاد لأوّل مرّة.
“حتّى لو كنتُ شخصًا غير أخلاقي، أظنّني أفضل من الذين يقتربون من شخص مخطوب بنوايا سيئة―”
توقّفت عن تذكر ذكريات سابقة عندما انتهى كلامـه.
“و مـاذا عنـكِ؟”
كان ينظر إليها مباشرةً بعينيه الزرقاوين و يسألها بابتسامة ساحرة و واثقة.
كانت تلكَ تعبيراته المميّزة.
لكن نظرته إلى الشّاب الذي اقترب كانت باردة جدًا، كأنّه ينظر حقًا إلى شخصٍ يحاول سرقة المرأة التي ستصبح زوجتـه.
على الرّغمِ من أنّ الخطوبة ستنتهي بعد يومين، و على الرّغمِ من أنّ الخطوبة التعاقديّة ستصل إلى نهايتها، لم تتغيّر نظرتـه.
إذا كانت عائلة رويدن تفكّر في الوريث، فمن الأفضل ألّا يعزّز آيفرت هذه الصورة الآن، مع الأخذ بعين الاعتبار الزوجة المستقبليّة.
و آيفرت، أكثر من أيّ شخص آخر، يعرف ذلك.
هذه النظرة ، لم تكن هناك حاجة لعرضها على الآخرين في هذا الوقت بالذات. فلمـاذا؟
آيفرت لا يفعل شيئًا غير ضروري.
هل هذا تمثيل حقًا؟ أم…
“أنـتِ أيضًا كذلك، أليس كذلك، روديلا؟”
سألها آيفرت مجدّدًا.
كانت عيناه تطالبان بإجابة. ردّت دون وعي:
“نعم، أنا أيضًا.”
في السّابق، ربّما اعتقدت أنّه تمثيل اعتيادي يحمل جزءًا من الحقيقة المزعجة في قلبها.
لكن الآن، لم يكـن كذلك.
أدركت روديلا أنّ كلماتها التي نطقت بها دونَ وعي كانت صادقة.
‘أحبّـكَ.’
‘مهما كنـتَ، أنا أحبّـكَ.’
“هذا جوابها.”
نظرَ آيفرت إلى سلسلة الأصفاد التي تتأرجح على معصمه، ثمّ إلى الشاب.
“إذا كنتَ تريد فقط موعدًا لتناول الشاي، فيمكننا الذهاب معًا، أليس كذلك؟”
لكن الشاب، الذي لم تكن لديه هذه النيّـة بالتأكيد،
“آه، نعم، نعم…!”
تراجـعَ مرتبكًا.
― كليرك!
ومضت السلسلة مجدّدًا، كاشفة عن نفسها.
على الرّغمِ من أنّ آيفرت يستطيع تعديل طولها لإخفائها، بدا أنّه تعمّـد إظهارها.
“…..”
كان يتبادل النظرات مع الشباب النبلاء.
بعد ذلك، لم يقترب أحـد من روديلا.
التعليقات لهذا الفصل " 126"