كأنّ الزمن توقّف، عـمّ الصمت الخالي من أيّ صوت، حتّى همسة الثياب.
‘بدونـكَ…. ماذا لو لم أذهب في الجولة الخارجيّة؟’
كان سؤال روديلا عفويًا، لكنّه صادق.
كانت تعلم أنّه من الغريب قول هذا بعد أن تظاهرت بالحماس و الرغبة في الذهاب.
حاولت إضافة شيءٍ ما لتوضيح كلامها.
مـاذا أقول؟
كلّ ما تبقّى في ذهنها كان الحقيقة و الصّـدق.
‘بدونـكَ، لا يوجد مَـنْ يوقفني، و أيضًا…’
قبل أن تنظّم كلماتها المبعثرة، هـزّها ردّ آيفرت المفاجئ:
“نعم، لا تذهبـي.”
“مـاذا؟”
اتّسعت عينا روديلا.
كانت نظرة آيفرت ثابتة، تنظر إليها دون أيّ اهتزاز.
لم يفـوت فرصة إمساك يدهـا الممدودة التي كانت تبدو كما لو أنّـها تتوسّل إليه أن يمسك بها.
“أو… اذهبـي معي.”
اتّسعـت عينـا روديلا أكثر.
‘لديكَ الكثير من المهام. هل يستطيع نائب قائد الفرسان الزّرق أن يغيب لفترةٍ طويلة؟’
رغمَ تدفّق الأجوبة العقلانيّة في ذهنها، أرادت تجاهلها.
لم تكن تعتقد أنّ كلمات “اذهبـي معي” ستجعل قلبها يخفق بهذا الشكل.
فتحت فمهـا.
كانت رغبتها في قول “حسنًا” تتصارع مع عقلها.
“هل تستريحان؟”
في تلكَ اللحظة، قطعَ طرقٌ على الباب الصمت.
في يـد الفارس الذي فتح الباب، كانت ترفرف ورقة بيضاء:
كانت دعوة من العائلة الإمبراطوريّة.
* * *
“آه، إنّها دعوة إلى مأدبة؟”
بينما كانت روديلا تقرأ الرسالة بعينين متّسعتين، سرعان ما فهمت الوضع.
بعد أن هـزّت شائعة محاولة اغتيال الإمبراطور الإمبراطوريّة، انقلبت الأمور بسرعة.
لإثبات أنّ الإمبراطور لا يزال على قيدِ الحياة و أنّ العائلة الإمبراطوريّة لا تزال صلبة، كان لا بدّ من جمع نبلاء الإمبراطوريّة.
وطبعًا، كان مكتوبًا في الدعوة:
[أثـق بأنّ السّيد آيفرت رويدن و السيّدة روديلا سيفريك ، أبطال هذه الأحداث ، سيحضران.]
كتب الإمبراطور رسالة شخصيّة تدعو روديلا و آيفرت لحضور المأدبة.
لم يعـد بإمكانهما إنكار أنّهما من أعمدة فصيل الإمبراطور.
مع سقوط فصيل الأرستقراطيين و بقاء الفصيل المحايدين و فصيل الإمبراطور فقط، كان هذا هو الوقت المناسب لإظهار ولائهما الواضح للإمبراطور.
لذلك، أسرع الاثنان في إنهاء مهام الفرسان الزّرق للتمكّن من حضور الدعوة.
“لقد أفسدوا الكثير في وقتٍ قصير.”
كان هذا تعليق روديلا.
كان مارفن تيلكوت، القائم بأعمال القائد، قد جاء بنيّـة إحداث فوضى في الفرسان الزرق، فخلّـف وراءه فوضى عارمة.
لم يقتصر الأمر على إعادة تنظيم التشكيلات، بل سلبَ وقت الفرسان الشخصي و أوقات دوريّاتهم، و زاد من ورديّات الحراسة بشكل مفرط، مما رفعَ مستوى إرهاقهم بشكلٍ كبير.
بل وصلَ الأمر إلى أنّه، عندما احتـجّ بعض الفرسان على الظلم، هدّدهم بالعقاب بموجب القانون العسكري، كما ورد في السجلّات.
تنهّدت روديلا وهي تقرأ الأوراق:
“لا أعرف من أين أبدأ.”
حتّى لو انقلبت فرقة الفرسان الزّرق رأسًا على عقب، فإنّ الوحوش لن تنتظر ظروفهم، لذا يجب أن تستمرّ الدوريّات.
مع نقص الأشخاص الأصحّاء، لا يمكن إجبار الفرسان الزّرق الذين قضوا الليل في الدوريّات على العودة فورًا، لذا كان لا بدّ من إعادة تنظيم نظام الدوريّات بالكامل، بما في ذلكَ أفراد الفروع.
لكن المشكلة لم تكن مقتصرة على الدوريّات.
كانت هناك مشكلات مماثلة في جميع الجوانب الكبيرة و الصغيرة للفرسان الزرق، لدرجة أنّ روديلا شعرت و كأنّ رأسها سينفجر.
“أرجوكِ، يا سيّدة سيفريك.”
كان من المفترض أن يتولّى لاتيني هذه المهمّة، لكنّه كان مشغولًا بالتحقيق مع الدّوق بينريكس إلى جانب الإمبراطور.
و كان آيغرت، الذي يفترض أن يتولّى إعادة تنظيم التشكيلات بعـده، منشغلًا بالتحقيق في تمرّد بينريكس.
“تحقّق في العربة التي دخلت قصر الدّوق بينريكس في ذلك اليوم. و أيضًا…”
بصفته نائب قائد الفرسان الزرق و سيّـد عائلة رويدن، كان عليه أن يقود التحقيق في هذه القضيّة.
لكنّ وجوده في غرفة الأوراق الإداريّة للفرسان الزّرق كان بسببِ الأصفاد.
نعم، الأصفاد تربط معصميهما مجدّدًا.
و نتيجةً لذلك، كانا يعملان على مهام مختلفة تمامًا في نفسِ المكتب.
لكن حتّى في هذا الوضع الغريب، لم تشعر روديلا بالاستياء، بل استمرّ شيء آخر في التسلّل إلى ذهنها.
“ماذا لو لم أذهب في الجولة الخارجيّة؟”
“نعم، لا تذهبـي.”
“أو… اذهبـي معي.”
كانت تلكَ المحادثة تتردّد في ذهنهـا.
لماذا قلـتَ ذلك؟
كانت نظرته الزرقاء الثابتة تخلو من أيّ تردّد.
لم تكـن كلماتـه نابعة من اندفاع.
لقد كان جـادًا.
لمـاذا؟
لماذا تبقي مسافة بيننا أحيانًا، ثمّ تقترب فجأةً بهذا الشكل؟
أرادت تجاهل كلّ الاحتمالات الأخرى و التمسّك بواحد فقط.
‘هل… أنـتَ أيضًـا…’
“هل تريد الذّهاب معـي؟”
‘هل تشعر بالفراغ بدوني، كما أشعر أنا؟’
“….نعم أريد ، و أنـتِ ، ألا يعجبكِ ذلك؟”
كانت كلماته صريحة و بسيطة لدرجة جعلتها مرتبكة.
لذلك…
‘لا، بل أنا أريد ذلك.’
أرادت أن تجيب هكذا.
أن تستيقظ معـه في الصباح تحت مناظر غير مألوفة كما في أيّام الأكاديميّة، و أن تقضي اللّيالي معه كما الآن.
كانت تعلم أنّ الذهاب معـه في الجولة الخارجيّة سيجعلها تركّز عليه أكثر من أيّ شيء آخر.
و ذلكَ سيجعل الجولة الخارجيّة تفقـد معناها، لذا كان عليها أن ترفض.
لكنّ الكلمات لم تخرج منها.
بينما كانت غارقة في أفكارها، كان آيفرت يعطي تعليمات لأحد أفراد عائلة رويدن:
“أوّلًا، تحقّق فيما يتعلّق بالفرسان الحمر…”
حاولت روديلا التركيز على عملها بينما كان هو يصدر التعليمات دونَ توقّف، لكنّها فشلـت.
* * *
بما أنّ معظم الفرسان الحمر شاركوا في هذه القضيّة، فقد تـمّ استبعادهم من المهام فورًا.
بدأت عمليّة البحث الشاملة، بدءًا من العائلات النبيلة المرتبطة بالفرسان الحمر و العائلات التي شاركت في التمرّد.
“لا، لسـتُ أنا!”
“مع وجود أدلّة واضحة كهذه، من الصعب الإنكار.”
في النهاية، تبيّـن أنّ الدّوق بينريكس، مع أقرب المقرّبين منه، حاولَ الاستيلاء على القصر الإمبراطوري و قصر رئيسة الوزراء بأسرع ما يمكن، و أنّـه خطّـط لاغتيال الإمبراطور.
كما اتّضح أنّ معظم الفصيل الأرستقراطيّ ساعدوا في الخيانة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
التعليقات لهذا الفصل " 124"