تولّى الإمبراطور التحقيق بنفسه، بينما قرّر لاتيني و الفرسان الزرق البقاء إلى جانبـه لحمايتـه.
أمّا الذين تجرّؤوا على رفع سيوفهم ضـدّ الإمبراطور، فقد تمّـت معاقبتهم على الفور في مكان الحادث.
و سِيق أولئك الذين تحالفوا مع الدّوق بينريكس إلى غرف التحقيق واحدًا تلو الآخر.
نظرًا لأنّ الحادث كـاد يقلب الإمبراطورية رأسًا على عقب، فقد استغرق تهدئة الأوضاع و معالجة الأمور العاجلة بعض الوقت.
فقط بعد انتهاء الأمور الملحّة، عاد روديلا و آيفرت إلى مقرّ الفرسان الزرق.
“عالجوا الجرحى أوّلًا!”
كان المقـرّ أكثر صخبًا من أيّ وقتٍ مضى.
بعد المعركة التي خاضوها للتوّ مع الفرسان الحمر، كان الأطباء العسكريون يتنقّلون بسرعة هنا و هناك.
نظرت روديلا إلى هذا المشهد بعينين متعبتين، ثمّ حاولت الصعود إلى غرفة الأوراق الإداريّة.
فحتّى بعد إخماد النيران العاجلة في القصر الإمبراطوري، كان عليها التعامل مع تبعات مارفن تيلكوت، القائم بأعمال القائد.
“إلى أين تذهبين؟”
لكنّ آيفرت لم يتحرّك من مكانه.
عندما تعثّرت روديلا للحظة أثناء تقدّمها،
― كلانك.
لمعَتْ سلسلة معدنيّة للحظة قبل أن تختفي.
“ماذا؟”
أشار آيفرت إلى ذراعها و قال:
“يجب أن تتلقّي العلاج أنـتِ أيضًا.”
“آه.”
نظرت روديلا إلى مكان تجمّع الأطباء، ثمّ هـزّت رأسها.
“يمكنني تلقّي العلاج لاحقًا.”
كان الأطباء منشغلين تمامًا بالمرضى المتدفقين، ولم يبدُ أنّ لديهم وقتًا لها.
“الجرحى الخفيفون إلى هنا! أمّا مَـنْ ليس لديهم إصابات أو بإصابات طفيفة، فيرجى مساعدتنا في نقل الجرحى الثقيلين!”
“إلى هنا، إلى المنطقة الداخليّة!”
لكنّ آيفرت كان حازمًا.
“في القصر الإمبراطوري، قلتِ إنّـكِ ستتلقّين العلاج عند العودة إلى المقرّ.”
ضيّقَ عينيـه، واضحًا أنّـه لم يعجبه أمر تأخيرها للعلاج.
“بعد قليل. عندما يقـلّ الازدحام.”
كان ذراعها المصاب يؤلمها بالفعل بسبب الإجهاد، لكنّه لم يكن الأولويّة بالنّسبة لها.
“هيّا بنا. أنا لا أشعر بالألم كثيرًا.”
نظر آيبرت إليها، ثمّ سحبها في الاتّجاه المعاكس لغرفة الأوراق الإداريّة.
― كلانك!
عندما حاولا التوجّه في اتّجاهات متعاكسة، لمعَتْ السلسلة مجدّدًا وهي تُسحب.
التفتت روديلا إليه، فقال آيفرت:
“لا تتظاهري بأنّكِ بخير و تعالي. سأعالجـكِ بنفسي.”
هكذا لن نستنزف موارد الأطباء، أليس كذلك؟
“حسنًا… فقط الإسعافات الأوليّة، ثمّ نذهب.”
عندها فقط تبعت روديلا آيفرت.
* * *
― كليك.
كان صوت قـصّ الضمادات بمقصّ طبّي واضحًا.
فكّرت روديلا أنّه من الغريب سماع هذا الصوت بالقرب من أذنيها بدلًا من عينيها.
ففي العادة، كانا يتبادلان الأدوار : آيفرت هو مَـنْ يُصاب، و هي مَـنْ تقصّ الضمادات و تعالجه من الخلف.
لكنّ اليوم كان مختلفًا.
“ارفعي ذراعـكِ قليلًا.”
عندما رفعت ذراعها، وُضعت ضمادة فوق الجرح المطهّر و المدهون بالدواء.
كانت لمسة آيفرت دقيقة بشكلٍ غير متوقّع.
الضمادة، التي بـدت صغيرة في يـده الكبيرة، لفّـت ذراع روديلا عدّة مرّات و كانت لا تزال متبقيّة.
كان آيفرت يلـفّ ضماداته الخاصّة بعشوائيّة، لكنّه مع ضمادات روديلا كان يفكّها و يعيـد لفّهـا مرارًا، كأنّ شيئًا لم يعجبـه.
بينما كان منهمكًا، مالَ رأسه للأسفل، و شعرت روديلا بدفء أنفاسه يدغدغ رقبتها، فلم تستطع إلّا أن تبتسم.
“لفّهـا بعشوائيّة. لن يمدح أحد جمالها.”
لكنّ آيفرت كان جادًّا.
“إن لم أفعلها بشكلٍ صحيح، ستفكّينها و تعيدينها بنفسـكِ.”
هـزّت روديلا رأسها.
“لن أفعـل.”
كانت صادقة.
لكنّ آيفرت لم يعرهـا اهتمامًا، و بعد أن أكمل أخيرًا “عملـه الفنّـي”، نهـض.
“لففتهـا بإحكام قليلًا، لذا قد تشعرين ببعض الضّيق . إذا كانت أقلّ إحكامًا، لن تضغط على الجرح.”
ثمّ بدأ بجمع الضمادات “الفاشلة” المكدّسة بجانبـه.
نظرت روديلا إلى الكومة، فكانت كالجبل.
يا له من إهـدار!
رفعت حاجبيها بانزعاج، فقال آيفرت بخفّـة:
“آثار التفكير.”
“لم تكن هناك حاجة لهذا!”
كانت تخطّط أصلًا لتأخير العلاج و التركيز على تنظيم شؤون الفرسان الزرق أوّلًا.
ما الفرق في طريقة لـفّ الضمادة؟
لكنّ آيفرت نظر إليها و قال:
“إذا لُفّـت بشكلٍ مزعج، ستفكّينها أثناء العمل تحت عذر أنّها تضايقـكِ.”
كان هذا الكلام صادمًا بعض الشيء.
“أنـتِ لا تهتمّين بالندوب و الإصابات، خاصّـة في أوقات العمل المزدحمة مثل الآن.”
‘هل يقرأ أفكـاري؟’
لم تستطع روديلا النفي، فمـدّ آيفرت يـده و قال:
“لكن إن التهب الجرح، ستعانين. أليس العمل بشكلٍ غير مريح ليومين، أفضل من أن تعجزي عن العمل لأسبوع بسبب المرض. هذا سيكون أسوأ كابوس بالنسبة لكِ.”
‘أتريدين إهمال الجرح بعد كلّ هذا؟’
تحت نظرته المتسائلة، أدارت روديلا رأسها بهدوء.
لم يكـن هناك كلام أكثر رعبًا بالنّسبةِ لها.
أن تضيّع أسبوعًا بينما هي غارقة في العمل؟
مجرّد التفكير في ذلكَ جعـلَ ذراعها ترتخي تلقائيًا.
“كلامـكَ صحيح، ليس لديّ ما أقولـه.”
أغلق آيفرت صندوق الإسعافات الأوليّة و هـزّ كتفيه.
“كنـتِ هكذا حتّى في قسم الشؤون العامّة.”
“حقًّـا؟”
الآن عند التّفكير في الأمر، بـدا أنّه محقّ.
كانت كثيرًا ما تبقى في قسم الشؤون العامّـ لوقتٍ متأخّر، ، و آيبرت بطريقةٍ ما، كان دائمًا ما يعلم بذلك و يحضر لها طعامًا خفيفًا أو وجبات ليتناولاها معًا، ثمّ يرافقها إلى الفيلا الريفيّة لعائلة رويدن في العاصمة.
كان يقول دائمًا:
“غرفة نوم قسم الشؤون العامّة ليست مكانًا جيّدًا للنوم.”
و كان يؤكّد ذلكَ رغمَ أنّه لم يدخلها بنفسه أبدًا.
في ذلكَ الوقت، لم تفهم كيف كان يعرف مواعيد عملها الإضافيّ، أو كيف عرفَ بحادثة الأفعى التي تسبّبت في فوضى في غرفة النوم.
لكنّها الآن تدرك أنّ ذلكَ كان بسبب وجود أشخاص من عائلة رويدن متغلغلين في أعماق القصر.
لو كان شخص آخر يتابعها هكذا، لشعرت بالنفور.
لكن ، لأنّه كان آيفرت، لم يزعجها ذلك.
‘ربّما… كنتَ شخصًـا مميّـزًا بالنّسبةِ لي منذُ زمنٍ بعيـد.’
فكّرت روديلا و هي تبتسم بخفّـة.
“صحيح، كنتَ أنـتَ مَـنْ يجبرني على الراحة. لولاك، لكنـتُ انهـرت.”
على الرّغمِ من كرهها للاعتراف بذلك، كانت تميل إلى الهوس بالعمل.
كان يجب أن تنهي كلّ المهام الموكلة إليها قبل أن تنام، و كانت تعتمد على الإرادة وحدها لتحمّل اليوم التالي.
حتّى رئيسة الوزراء أميريس قالت لها:
“لا ترهقي نفسكِ، يا روديلا. أنـتِ تؤدّين عملـكِ بشكلٍ جيّد بما فيه الكفاية.”
لكنّها لم تستطع التوقّف. بل على العكس، جعلها التقدير أكثر حماسًا للعمل.
ومع ذلك، كان آيفرت الوحيد القادر على إيقافها.
“خذي قسطًا من الراحة ثمّ أكملي.”
لم يكـن يقدّم تبريرات طويلة.
لكن…
“حسنًا، لـمَ لا؟”
كانت مخاوفها من عدم إكمال العمل تتلاشى كالثلج أمام كلماتـه.
عندما وصلت أفكارها إلى هذه النقطة، خطرت لها فكرة مفاجئة.
‘إذا ذهبتُ في جولة خارجيّة من دونكَ ، مَـنْ سيوقفني؟’
“…..”
في تلكَ اللّحظة ، أدركت روديلا شيئًا جديدًا.
“ألن يـأت اليوم؟”
تذكّرت الأيام التي كانت تنتظر فيها آيفرت خلسة أثناء عملها الإضافي.
تذكّرت كيف كانت تلقي نظرات متسلّلة على النافذة التي كان يدخل منها أحيانًا.
“……”
“…..”
تذكّرت اليوم الذي التقت فيه عيناها بعينيه وهو واقف عند النافذة، فضحكت بهدوء دونَ وعي.
“كفّي عن العمل و هيّـا لنغادر لليوم.”
كانت تحـبّ عندما يأتي آيفرت ليوقفها.
الآن وهي تفكّر في الأمر، ربّما كانت تتأخّـر عن قصد أحيانًا لأنّها كانت تستمتع بذلك.
لم تكن تعرف آنذاك ما تعنيـه تلكَ المشاعر، لكنّها الآن بدأت تفهم.
‘أفتقـدكَ.’
‘أريـد أن أراكَ دائمًا. أتمنّى أن تكون موجودًا في كلّ مكان أنظر إليـه.’
نظرت روديلا إلى آيفرت و هو يضع صندوق الإسعافات جانبًا، ثمّ سألته:
“آيفرت، أنا…”
“ماذا لو لم أذهب في الجولة الخارجيّة؟”
التفـتَ آيفرت إليها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 123"