كانت روديلا على دراية بالحديث عن عائلة الدوق.
لكنّ الناس كانوا يعاملون آيفرت وكأنّه ليس جزءًا من عائلة الدوق، كما لو أنّ احتمال توريثه العائلة كان شبه معدوم.
لذلك، لم تعامله روديلا يومًا على أنّه الوريث المستقبلي للدوقيّة.
لكنّ آيفرت قال بوضوح:
“عائلة رويدن لا تحدّدُ الوريث فقط بناءً على الدم. لكن لم يُطرح أيّ شخصٌ آخر كمرشّح للدوقيّة غيري.”
منذ وفاة والده في حرب الوحوش، لم يُذكر مرشّح آخر ولو مرّة واحدة.
“هل اقتربنا من بعضنا منذُ ذلك الوقت…؟”
تذكّرت روديلا تعبير آيفرت الجادّ في طفولته، وأمالت رأسها.
لا، لم يكن الأمر كذلك.
يبدو أنّهما كانا مقرّبين حتّى قبل ذلك الحديث.
لو لم يكونا مقرّبين، لما أخبرها بما لم يخبر به الآخرين، أليس كذلك؟
كيف اقتربنا إذن…؟
حتّى عندما حاولتْ استحضار ذكريات طفولتها الباهتة، لم تجد سببًا واضحًا.
كلّ ما في الأمر أنّهما قضيا وقتًا طويلاً معًا بسببِ تدريبات التحكّم بالقوّة.
ثمّ، في لحظةٍ ما، بدأ آيفرت يتبعها كظلّها، و أصبحا صديقيّ طفولة يتشاركان كلّ شيء.
لاحقًا، انضمّت سيسيليا إليهما بالصّدفة، وبعد أن أتقن آيفرت التحكّم بقوّته، أصبحَ مقرّبًا من أطفال آخرين أيضًا.
لكن عندما يتعلّق الأمر باختيار أقرب صديق، كانا يختاران بعضهما دائمًا.
وهكذا، أصبح آيفرت بالغًا بسلام و تسلّم لقب دوق رويدن رسميًا، ليصبح نائب قائد فرقة الفرسان الزرق، باردًا، صلبًا، ودقيقًا في فصل العمل عن الشخصي.
مع انتشار الشائعات عن تغيّره المذهل.
…لم يكن هناك شيء مشترك مع طفولته سوى كثرة الأشياء التي يحطّمها.
“كيف تحوّل هذا الطّفلُ إلى بالغ فاسد كهذا؟”
تذكّرت روديلا، وهي تتجهّم، نبرته المتراخية وهو يقول “لقد نسيتُ” أثناء التدريب.
لكنّ ذلكَ لم يدم طويلاً.
“آه، ليس وقت التّفكير بهذا.”
هزّت روديلا رأسها بقوّة وحدّقت مجدّدًا في الأوراق التي كانت تملكها.
كانت تتفحّص مهام فرقة الفرسان الزرق.
بسببِ ذلك، كانت تعمل ساعات إضافيّة منذ الأسبوع الأوّل لها، لكنّها كانت مستعدّة لذلك.
الشخص الذي كان من المفترض أن يسلّمها المهام كان في المستشفى، وكان عضوًا في تلك “العصابة الأرستقراطيّة”.
ماذا يمكن أن يفعل شخص مغرور بعقليّة النبلاء المتعجرفين الذين يعتبرون الطبقات الدنيا بلا عقول؟
لذلك، قرّرت روديلا أن تبدأ من الصفر.
نظرت إلى الأوراق بعينين متّقدتين.
أولاً، سأركّز على إدارةِ الشخص الذي يتسبّب بأكبر الخسائر الماديّة!
وكان ذلكَ الشّخص، بالطبع:
[آيفرت رويدن]
صديق طفولتها.
تجهّمتْ روديلا بشدّة.
يمكن تبرير تحطيمه للأشياء في الميدان بأنّه ينقذ الأرواح، لكن لماذا تظاهرَ أمس بنسيان كيفيّة التحكّم بالقوّة؟
لا يمكن أن يكون قد نسيَ فعلاً ثمّ تذكّر بعد أن ضربته، أليس كذلك؟
هل هو قطعة أثريّة تعطّلت دائرتها السحريّة، فيُصلحها الضرب أحيانًا؟
“لو أنّ هذا الرّجل يحطّم أقلّ، ستنخفض التكاليف بنسبة 60%.”
في الحقيقة، كانت تأمل، ولو قليلاً، عندما انضمّت إلى فرقة الفرسان الزرق.
في الأكاديميّة، هي مَن ساعدته على التحكّم بقوّته.
حتّى لو نسي الطريقة مؤقتًا، كانت تتوقّع أنّ وجودها سيغيّر الأمور بسهولة.
لكن بعد ما حدثَ أمس، وبما أنّه محاط بأشخاص مشابهين له، يبدو أنّه أصبحَ أكثر إثارةً للمشاكل.
يبدو أنّ هذه المهمّة لن تكون سهلة.
“حسنًا، سأتخلّى عن فكرة الحلول السهلة.”
أولاً، سأختار هذا الرّجل وبعض الآخرين لمراقبتهم عن كثب!
تحرّكت يد روديلا بسرعة وهي تقلب أوراق أعضاء فرقة الفرسان.
* * *
لم تكن فرقة الفرسان الزرق من الجماعات التي تشجّع العمل الإضافي.
“في الليل، علي أنْ أنام، فلأنَمْ!”
هكذا قال لاتيني، وهو يطفئ أنوار غرفة الأوراق في الليل.
كانت تقول إنّ الوقود ثمين، وأحجار السحر ثمينة، لكن بما أنّها كانت تعمل ساعات إضافيّة يوميًا، كان واضحًا أنّها قلقة على الفرسان.
لذلك، عندما احتاجت روديلا للعمل الإضافي، كانت تأخذ الأوراق إلى غرفتها.
في تلكَ الليلة، كانت غرفتها مضاءة.
لكن غرفة آيفرت المجاورة كانت مظلمة.
لكنّ ذلكَ لا يعني أنّ صاحبها كان نائمًا.
لم تكن القراءة في الظلام صعبةً بالنسبة له، لذا كان يقرأ مذكّرة تُركت له و هو يتظاهر بالنوم مع إطفاء الأنوار.
بعد فكّ شيفرة معقّدة تستخدمها عائلة رويدن، كان المحتوى تقريبًا:
[مساعد إداري لفرقة الفرسان الحمر، تم تغييره إلى هدف المراقبة]
كما توقّع، كان هدفه الأخير رايان ديفيلت، ويبدو أنّ الخطة سارت كما ينبغي بإرساله إلى فرقة الفرسان الحمراء كمساعد إداري.
―هش!
ألقى المذكّرة في المدفأة و عادَ ليجلسَ على سريره.
الناس أضعف ممّا يُعتقد أمام الشائعات و القصص الخفيّة.
وكان أشخاص رويدن، الذين يطلقون على أنفسهم “الحبر الأسود”، يندمجون في الظلال ويوجّهون تلكَ القصص لصالحهم بسهولة.
فالذين يحملون معنى “رويدن” لم يكونوا موجودين فقط في العائلة الرئيسيّة.
وهكذا حدثَ هذه المرّة أيضًا.
جعل رايان ديفيلت مساعدًا إداريًا لفرقة الفرسان الحمر كان كافيًا لإثارة قليل من القلقِ لدى الآخرين بأنّ خططهم قد تنحرف.
في وقت أُرسلت فيه متغيّر يُدعى روديلا سيفريك إلى فرقة الفرسان الزرق، مع تدريبات خاصّة تُجرى.
ماذا لو تغيّرت فرقة الفرسان الزرق؟
في هذه اللحظة، إذا “تصادف” أن يُصاب المساعد الإداري لفرقة الفرسان الحمر؟
إذا نجحت روديلا سيفريك في تغيير فرقة الفرسان الزرق، فسيعتقد النبلاء أنّه يجب دفع رايان ديفيلت لتحقيق نتائج مماثلة ليصبح مستشارًا.
والحلّ واحد:
دفع رايان ديفيلت إلى ساحة المعركة.
و قد تسارعتْ الأحداث كما توقّع.
كلّ ما احتاجه هو نفحة خفيفة من الرياح، فتحرّك الناس بسهولة.
لكن…
“…..”
نظرَ آيفرت عبر النافذة إلى الغرفة المضاءة بجانبه.
“أنتَ تتظاهر بأنّكَ لا تعرف!”
روديلا التي قالت ذلك وهي تضرب ظهره بقوّة…
لم يكن بإمكانه التحكّم بها كما يشاء.
“هل ستعلّمينني من جديد، كما فعلتِ آنذاك؟”
كان سؤاله نابعًا من اندفاع.
كما في الأكاديميّة، عندما كانَ يبدو أنّهما الوحيدان في العالم.
أريدُ أن أكونَ الوحيد الذي يشغلُ وقتكِ و نظركِ، روديلا.
لأجلِ ذلك، لستُ بحاجة للتّظاهر بالنسيان، بل يمكنني نسيان كلّ شيء عداكِ، روديلا.
همسَ بذلك.
لكن كلماته لم تصل إلى الشّخص الذي كان يجب أن تصله.
* * *
في اليوم التالي.
عندما وصل قائد فرقة الفرسان الزرق، لاتيني موديلاك، إلى المقرّ كالمعتاد، فتحَ فمه مذهولاً.
“ماذا تفعلون الآن؟”
كانت أمامه مشاهد غريبة تتكشّف.
فرسان ينقلون حبات الفاصولياء بملاقط، وآخرون يلعبون التنس بدمى خلفهم، والبعض يُظهر مهارات “رفيعة” مثل تقشير التفاح بسكين بأنحف طريقة ممكنة.
كانوا جميعًا ملطّخين بالبيض أو قشور البيض على ملابسهم و وجوههم ورقابهم.
كانَ من الصعب تمييز ما إذا كان هذا مكانًا لتدريب السيرك، أو مطبخًا للطهاة المتدرّبين، أو ساحة تدريب الفرسان.
“آه، سيدي القائد، لقد وصلت!”
في تلكَ اللحظة، انحنى لاناك، الذي حطّم أوّل بيضة أمس، تحيّةً.
“آه، آه.”
لوّح لاتيني بيده بشكلٍ عفويّ.
على عكس فرقة الفرسان الحمر، لم يكن يريد من الفرسان التوقّف عن عملهم لتحيته، لذا لم يعلن عن وصوله بشكلٍ مبالغ فيه.
لكن كانَ عليه أن يعرف سببَ هذه التصرّفات الغريبة.
“لكن، ماذا تفعلون؟”
التعليقات لهذا الفصل " 12"