―طق… طق.  

 

كانت الأصابع الثابتة تطرق الطاولة بشكلٍ غير منتظم.  

 

إذا تـمّ تتبّع الأصوات الثقيلة التي تعكس قلق شخص ما، ستجد الدوق بينريكس ينظر إلى النافذة بعيون باردة متجمّدة.  

 

لقد مـرّ وقتٌ طويل منذُ أن أرسل القاتل إلى البرج الشمالي، ولم تصلـه أيّ أخبار بعد.  

 

‘هل أخطأت الخطة؟ هل كان هناك متغيّر غير متوقّع؟’  

 

بدأت ملامح الوجه التي حاول جاهدًا أن يبدو فيها هادئًا تتصدّع شيئًا فشيئًا.  

 

بعد لحظات.  

 

―!  

 

في البرج الشمالي، الذي كان يراقبه طوال الوقت، ظهرت الإشارة التي كان ينتظرها.  

 

‘أخيرًا!’  

 

تشنّج جسد الدوق بينريكس للحظة.  

 

إشارة لا يراها سواه، بفضل الجرعة السحريّة التي تناولها، و هي عبارة عن ألعاب نارية حمراء و صفراء تزيّن السماء ببريقها.  

 

كانت تلك الإشارة تعني نجاحهم في اغتيال الإمبراطور.  

 

وبعد قليل.  

 

“سيّدي الدوق، لقد وقـعَ انفجار في البرج الشمالي!”

  

وصلت الأخبار التي كان ينتظرها عبر أحد الأشخاص.  

 

كان يعرف الخبر بالفعل، لكنّـه:  

 

“ماذا قلت؟”  

 

فتحَ فمـه متظاهرًا بالصدمة، ثمّ نهض من مكانه بسرعة وقال:  

 

“هل جلالة الإمبراطور بخير؟”  

 

“هذا…”  

 

“أرسلوا أشخاصًا إلى البرج الشمالي فورًا، لا، سأذهب بنفسي!”  

 

اندفع الدوق بينريكس خارج الغرفة بسرعة.  

 

* * *  

 

كانت خطّـة الدّوق بينريكس تتكوّن من ثلاثة أجزاء:  

 

الأولى، إثارة أزمة رهائن في الميناء للقضاء على روديلا سيفريك في النهاية.  

 

الثانية، إرسال فرقة الفرسان الحمر إلى قصر رئيسة الوزراء لتقييد أميريس أو القضاء عليها على الأقل.  

 

و أخيرًا، احتلال القصر الإمبراطوري بنفسـه.  

 

كان نجاح اثنين من هذه الثلاثة سيُعتبر إنجازًا.  

 

لكنّه بـدأ يشعر بالقلق تدريجيًا.  

 

كان من المفترض أن تصلـه أخبار النجاح بحلول الآن، لكن لا توجد أخبار من الميناء ولا من قصر رئيسة الوزراء.  

 

في تلكَ اللّحظة ، جاءت أنباء نجاح خطة إزالة الإمبراطور، فاعتقد أنّها ستكون بداية الأخبار السارّة.  

 

بالطبع، لم يكن ينبغي عليه أن يُظهر فرحتـه.  

 

“جلالتكَ!”  

 

هرعَ إلى البرج الشمالي وهو يراقب حالة القوّات.  

 

بحجّـة وجود قاتل، تـمّ التعامل مع معظم القوّات الإمبراطوريّة و نُقلوا إلى السور الخارجي.  

 

لكن، بما أنّ العديد منهم موالون للإمبراطور، كانوا سيبدأون قريبًا بملاحظة غرابة الوضع.  

 

لذا، كان عليه الإسراع قدر الإمكان.  

 

يجب أن يتأكّد من موت الإمبراطور بنفسه لتنتقل كلّ السلطات إليه.  

 

هكذا هي روابط الدم.  

 

“ما الذي حدثَ لجلالتك؟”  

 

“لا يعقل…” 

 

بينما كان الخدم و الوصيفات في القصر يشعرون بالقلق، وصل الدوق بينريكس إلى البرج الشمالي.  

 

“آه، الدرج…!”  

 

أدرك فرسان الحمر الذين رافقوه فجأة خطأهم.  

 

لقد نسيوا أنّهم دمّروا الدرج المؤدّي إلى الطابق الثالث لمنع الإمبراطور من الهروب.  

 

لكنّ الدعوق بينريكس لم يتزعزع.  

 

“سلّم ، حضروا سلّمًـا!”  

 

“الصعود بالسلم إلى هناك خطير!”  

 

صرخَ فرسان الحمر مذعورين.  

 

مباني القصر الإمبراطوري مرتفعة جدًا.  

 

حتّى لو سقطوا إلى الدرج في الطابق السفلي، فسيكون ذلك بمثابة السقوط من ارتفاع طابقين في مبنى عادي.  

 

وعلى الدرج أيضًا.  

 

لكنّ بينريكس زأر: 

 

“أليس جلالتـه هناك الآن؟”  

 

كان يبدو كأنّه الخادم الأكثر ولاءً.  

 

في النهاية، تسلّق الدّوق بينريكس سلمًا أحضروه من مكان ما و وصل إلى الطابق الثالث.  

 

ثـمّ.  

 

“جلالتكَ!!”  

 

رنّ صراخ مدوٍّ من غرفة الإمبراطور في الطابق الثالث.  

 

كان من المفترض أن يرى الآن جثّـة مشوّهة بفعل القطعة الأثريّة المتفجّرة، مدفونة تحت أنقاض الجدار المنهار.  

 

مع ارتداء الجثّـة لإكسسوارات الإمبراطور و ملابسه، لن يكون هناك مجال للشكّ.  

 

لكنّ ذلكَ الإمبراطور…

  

“….”

 

كان جالسًا في الممـرّ السري أمام آيفرت و روديلا، يستمع إلى ذلكَ المشهد.  

 

كان وجهه يوحي بأنّه توقّـع هذا السلوك، دونَ أيّ ذرّة دهشة.  

 

ابتسم آيفرت بسخرية.  

 

كأنّه يفكّر أنّ بينريكس يمكن أن يعيش من تمثيل الدراما في الشوارع دون مشكلة.  

 

وكانت أفكار روديلا مشابهة.  

 

‘ما الذي يفكّر فيه بينما يبكي؟’  

 

كان صراخ الدّوق بينريكس مؤثّرًا إلى درجة تخترق العظام.  

 

كم سيستمرّ في النحيب؟  

 

ازداد الضجيج حوله مع وصول بعض النبلاء، و صرخ أحدهم:  

 

“ليس هذا وقت الوقوف! يجب أن نلقي القبض على من تجرّأ على إيذاء جلالته ونقضي على عائلة هذا الخائن بأكملها!”  

 

‘يبدو أنّ هذا الشٌخص خادم وفيّ للغاية.’  

 

بينما كانت روديلا تشعر بالذهول، تحدّث الدوق بينريكس بصوتٍ مرتجف:  

 

“نعم، بالطبع. لن أسامح مَـنْ تجـرّأ على سلب دم ابن أخي.”  

 

كان ارتجاف صوته فنّيًا بحدّ ذاتـه.  

 

ثمّ أعلـن بوقار:  

 

“لقد توفّي جلالة الإمبراطور. سأتولّى استقرار الإمبراطوريّة وفقًا لإرادته. لكن قبل ذلك!”  

 

صـاح قائلاً:  

 

“فكّكوا حرس القصر الذي يضـمّ خونة، و استدعوا إلى القصر كبار النبلاء و رؤساء العائلات النبيلة الموجودين في السّور الخارجي!”  

 

كان السّبب المعلن هو احتمال وجود خونة بينهم.  

 

لكنّه في الواقع، كان يهدف إلى السيطرة على القصر و احتجاز كبار نبلاء الإمبراطوريّة.  

 

بعد أن سمـعَ كلّ المعلومات الضروريّة، بدأ آيفرت بالتحرّك.  

 

* * *  

للحصول على العسل الحلو، يجب أن تمـرّ بالمحن.  

 

كان سقوط ماليك بران من منصبه مجرّد محنة صغيرة.  

 

هكذا فكّر الماركيز شوان، أحد أقرب المقرّبين من الدوق بينريكس.  

 

كان شوان، بصفته رئيس قسم الشؤون الخارجيّة في القصر، مواليًا لفصيل النبلاء لسنواتْ طويلة.  

 

لكن، مع سيطرة الإمبراطوريّة على القارّة لفترة طويلة، تناقصت أهميّة قسم الشؤون الخارجيّة.  

 

لم تكن هناك حاجة كبيرة للدبلوماسيّة، إذ كانت الممالك المجاورة تتقرّب من تلقاء نفسها.  

 

لذا، كان شوان، بصفتـه رئيس القسم، يتألّم لعدم وجود فرصة لإظهار ولائه للدّوق بينريكس.  

 

لكن، فجأة: 

 

“جلالة الإمبراطور سيكون في البرج الشمالي. أودّ منكَ أن تتولّى الأمر هناك.”  

 

أليست هذه أمرًا مبطّنًا لضمان “اغتيال” الإمبراطور المحاصر “بشكلٍ طبيعي”؟  

 

“حسنًا.”  

 

أجابَ بجديّة تناسب خطورة الوضع، ثمّ حاصر الإمبراطور في الطابق الثالث بحجّة حمايتـه، وسرعان ما فجّـر الدرج المؤدّي من الطابق الثاني إلى الثالث.  

 

كانت خطة لقطع كلّ طرق هروب الإمبراطور.  

 

و بعد مرور بعض الوقت.  

 

―كوكواخانغ!  

 

هـزّ انفجار هائل المبنى من الطابق الثالث.  

 

بعد ذلك، اندلعت الفوضى، وانضمّ شوان إلى الدّوق بينريكس لرؤية جثّـة الإمبراطور.  

 

كانت الجثّـة ترتدي قطعًا أثريّة وإكسسوارات لا يُسمح بارتدائها إلا بإذن من العائلة الإمبراطوريّة.  

 

“جلالتكَ!”  

 

صرخ بحزن ظاهري، لكنّ الخطة كانت تبدأ الآن.  

 

نزع سلاح قوّات الإمبراطور داخل القصر، وملء القصر بأناس الدّوق بينريكس ، أو بالأحرى، أناس جلالة الإمبراطور بينيريكس…  

 

―بوك!  

 

بينما كان يفكّر، شعر فجأةً بألم في مؤخّرة رأسه و فقـدَ وعيه.  

 

―شواك!  

 

استيقظ على رذاذ الماء البارد، ليجد نفسه في مكان ما.  

 

“هش.”  

 

كان هناك آيفرت رويدن، الذي لا يفترض أن يكون موجودًا هنا.  

 

“…..”

 

و روديلا سيفريك ، التي كان من المفترض أن تغرق بالقرب من الميناء، و هي تضـع إصبعها على شفتيها.  

 

وكما لو أنّ هذا لم يكن صادمًا بما فيه الكفاية، كان هناك شيء جعـلَ شوان يظنّ أنّ هذا حلم:  

 

“لقد مـرّ وقت طويل، أيها الماركيز شوان.”  

 

كان الإمبراطور يقف مرتديًا ملابس قاتل.  

 

“…؟”  

 

فتحَ الماركيز شوان فمـه مذهولًا.  

 

‘الإمبراطور، لماذا هو هنا، بل كيف يمكن أن يكون هنا و هو سليم تمامًا؟’