رفعَ آيفرت إحدى ذراعيه ليتلقّى طائر الرسائل.
تولّت روديلا، بدلاً منه هو الذي يقود الجواد، فـكّ الرسالة من ساق الطائر.
عندما ناولته الرسالة، فتح آيفرت الختم بفمه و نشـرَ الورقة.
ثمّ عبسَ للحظة و قال:
“فرقة الفرسان الحمر قد سيطرت بالفعل على الحصن الداخلي. الإمبراطور محاصر في الطابق الثالث من البرج الشمالي، و لا يكاد يوجد حرّاس شخصيون معـه.”
نقـرَ بلسانه للحظة، ثمّ أدخل الرسالة في جيبـه.
بعدها، ضيّق عينيه و قال:
“حتّى لو طاردونا، فإنّ انتظار قوّات الدعم سيجعلنا نصـل متأخرين.”
كان صوته يحمل نبرة عدم الرضا.
“من الأفضل أن ننقذ الإمبراطور أوّلاً، ثمّ نكسب الوقت.”
المشكلة هي أنّ إنقاذ الإمبراطور يعني التوجـه مباشرة إلى البرج الشمالي.
وهذا يعني أنّ روديلا ستجـد نفسها، بشكلٍ طبيعي، في قلب الموقف الخطير.
لكن، لأنّها كانت تعرف سبـب تردّده، قالت ببساطة:
“هيّا بنا.”
كانت تعني أنّها لا تنوي التراجع.
بسبب ركوبهما على الحصان، لم تتمكّن من قول المزيد، لكنّ ذلكَ كان كافيًا.
لم يبطئ آيفرت سرعة حصانـه، الذي عبـرَ السهل بسرعة فائقة.
* * *
وصلَ الاثنان إلى محيط القصر الإمبراطوري مع حلول الظلام.
كان ذلكَ ممكنًا لأنّ الميناء كان قريبًا، و لأنّ حصان آيفرت، كان سريعًا و قويًا بشكل استثنائي مثله.
المشكلة الآن هي أنهما، بعد وصولهما إلى محيط القصر، يجب أن يترجّلا من الحصان و يتسلّلا بطريقةٍ ما عبر الحراسـة و يتخطّيا السور.
بالطبع، يمكن لآيفرت أن يستخدم رتبته كنائب قائد فرقة الفرسان الزّرق للدخول، لكنّه لن يتمكّن من الاقتراب من جلالة الإمبراطور دون علم بينريكس.
سيحاولون عرقلتـه بشتّى الذرائع.
“……”
نظرت روديلا إلى سور القصر الخارجي البعيد.
كان ارتفاعه شاهقًا بحيث لا يمكن تخيّل تسلّقـه باليدين العاريتين.
روديلا، التي كانت تدخل إلى إدارة الشؤون العامة فقط، لم تكن تعلم أنّ السور الخارجي بهذا الارتفاع.
لم تتوقّع يومًا أن يأتي يوم حيث تضطر لتسلّقـه.
فضلاً عن ذلك، كانت المشاعل التي تتحرّك ذهابًا و إيابًا تشير إلى أنّ الحراسة مشدّدة للغاية.
“كيف سنتصرّف؟”
فكّـر آيفرت قليلاً، ثمّ التفت إلى روديلا و قال:
“يمكنني اختراق الحراسة ، لكن….”
لكن؟ نظرت إليه روديلا بصمت، فتردّد آيفرت للحظة ثمّ أضـاف:
“هل تريدين إغماض عينيكِ؟ أعـدكِ أنني لن أدعـكِ تسقطين.”
“……آه.”
فهمت ما يعنيـه ؛ يبدو أنّ هناك دماء ستُراق.
أكّـد آيفرت أنّه لن يتركها حتّى لو لم تكن مقيّدة بالأصفاد، لكنّ روديلا كانت تثـق به بالفعل دونَ حاجته إلى قول ذلك.
فهو، رغم أنّه يبدو و كأنّه يتجنّبها،
ما زال يُبدي اهتمامًا بها و يُعاملهـا بلُطف.
‘ما الذي تفكّـر فيه، يا تُرى؟’
“بعد انتهاء هذه المهمّـة، لديّ الكثير من الأسئلة لأطرحها عليكَ.”
أومأ آيفرت برأسه وقال:
“اسألي ما تشائين.”
“أليس لديـكَ أيّ أسئلة؟”
عند هذا السؤال، توقّف آيفرت، الذي كان على وشكِ حملها، و نظـرَ إليها.
ثمّ أجاب بعد لحظة صمت قصيرة:
“نعم، لـديّ.”
كان جوابًا واضحًا.
‘إذن، لا يمكنني أن أُصـاب، و لو من باب الفضول.’
أومأت روديلا برأسها، ثمّ أغمضت عينيها.
* * *
‘أسئلة؟ نعم ، لديّ الكثير.’
‘هل يمكنني أن أحبّـكِ؟’
‘أكثر ممّا تتخيّلين، و بعمق أكبر.’
‘إذا قلـتِ إنّه لا بأس، سأتمكّن من قول ذلك.’
‘في الحقيقة، منذ زمن طويل لم تمـرّ عليّ لحظة واحدة لم أشعر فيها بذلك.’
شعرَ آيفرت بدفء جسد روديلا وهي مغمضة العينين، و فكّـر في ذلك.
―بام!
لكنّه لم ينسَ اختراق الحراسة أثناء ذلك.
حرص على ألّا تصيب روديلا الدهشة من الأصوات العنيفـة.
و حرصَ أيضًا على ألّا تتلوّث يداهـا بالدماء.
تخلّـص من خصومـه بسرعة و هدوء.
“……!”
كان يعني أنّه أفقـدَ مَـنْ اكتشفوه وعيهم قبل أن يتمكّنوا من الشعور بالدهشة.
كان من السهل قتلهم، لكنّ ذلكَ كان سيسبّب مشكلة.
أوّلاً، لأنّه الآن داخل إلى القصر الإمبراطوري.
و ثانيًا، لأنّ فرقة الفرسان الحمر هي، ظاهريًا، فرسان الإمبراطور. إن تسبّب بأذى حرّاس القصر سيكون ذلكَ بمثابة خيانة واضحة.
―طق!
قفـزَ آيفرت بخفّة على الأرض.
لو كان بمفرده، ربّما تحـرّك بشكلٍ مختلف، لكنّه لم يكـن ليسمح أبدًا بأن تُتّهَـم روديلا بالخيانة.
كان لديه بالفعل عدّة خطط في ذهنه لضمان خروجها سالمة إذا ساءت الأمور.
―تا-طق!
استغلّ ظلال الغيوم ليقفز عاليًا، ثمّ هبـطَ بصمت داخل الحصن الداخلي.
“……”
عدد فرقة الفرسان الحمر هناك كان أكبر بكثير من السّور الخارجي.
كانوا يتجمّعون تدريجيًا حول البرج الشمالي بينما يقتربون بحذر كما لو كانوا يحرسون، لكن مَـنْ يدري متى سيشهرون سيوفهم على البرج؟
―بام!
بعد عدّة أصوات قصيرة و خافتة، أفقـدَ آيفرت بعض أفراد فرقة الفرسان الحمر وعيهم مؤقتًا، و اقترب من البرج الشمالي.
“افتحي عينيـكِ.”
همـسَ لها بهـدوء.
فتحت روديلا عينيها و نظرت حولها.
وضعها آيفرت أرضًا و قال بينما كانت تسأله بعينيها عن المكان:
“نحن في مستودع شرق البرج الشمالي. الممـرّ مكتظ بالفرسان، لذا لا يمكننا الذهاب من الطريق العادي، بل عبر ممـرّ سري.”
دفع جدارًا في جانب المستودع برفق، فانكشف ممـرّ سريّ بهدوء.
اتّسعـت عينـا روديلا.
‘كيف يعرف مثل هذه الأشياء؟’
خشيت أن يُسمـع صوتها خارجًا، فأشارت إلى الممـرّ و مـدّت يـدها في إيماءة استفهام.
فهم آيفرت ما تريده و قال:
“لماذا تظنّين أنّ رويدن موجود في القصر الإمبراطوريّ؟ هيّا بنا.”
“…؟”
نظرت روديلا إليه و هو ينحني ليدخل الممـرّ السري، وهي تومئ بعينيها.
‘ما معنى هذا الكلام؟’
‘هل أُرسلوا ليكتشفوا الممرّات السريّة؟’
الآن، تُستخدم هذه المعلومات لأغراض حسنة (؟)، لكنّها بالتأكيد ليست أخبارًا ستسـرّ الإمبراطور.
―طق، طق…
حاولت روديلا ألّا تصدر صوتًا حتّى من احتكاك ملابسها في الممرّ السري، لكنّها لم تتمكّن من السير بصمت تامّ مثل آيفرت.
لكن، في البرج الشمالي الصاخب بأصوات أحذية الجنود، لم يكن ذلكَ يُعتبر ضجيجًا يُذكر.
“من هنا.”
سار آيفرت في الممرّات السريّة المتشعّبة دونَ أي تردّد، كما لو كان يتجوّل في قصـره الخاص.
بعد صعود طويل، قفـزَ فجأةً خارج الممـرّ.
بدا المكان مرتفعًا بعض الشيء، فأمسك آيفرت بروديلا و قال:
“الطابق الثالث قريب، عند الدرج مباشرة.”
تحقّق من المناطق المحيطة و تأكّـد من عدم وجود أيّ أصوات أشخاص خارج الباب.
“……؟”
لكن، عندما لم يسمع أيّ حركة، شعر بالريبة، ففتح الباب بحذر و ألقى نظرة إلى الخارج.
ثمّ ضيّـق عينيه.
شعرت روديلا بتوتّـره الصامت، فنظرت إليه.
‘مـاذا؟’
سألت بشفتيها فقط، فتمكّـن آيفرت، رغمَ الظلام، من قراءة حركة شفتيها و قال:
“لقد دُمّـر الدرج المؤدّي إلى الطابق الثالث تمامًا و أصبح مغطّى بالأنقاض. لا يمكننا الصعود بالطريق العادي.”
هذا يعني أنّ الدرج انهار بعد أن صعد الإمبراطور، أي أنّهم قرّروا عزل الإمبراطور و قتلـه.
“إذن؟”
سألت روديلا بهمس.
نظـرَ آيفرت إلى الأصفاد و فكّـر قليلاً، ثمّ قال:
“يمكننا الدخول من النافذة، لكن إذا حملتـكِ، قد يُصاب ظهركِ بشيء يطير نحونـا.”
لكنّـه في نفس الوقت لا يمكنـه حملها بين ذراعيه…
أرادت روديلا أن تسألـه إن كان ظهره هو الآخر سيكون بخير، لكنّها لم تتمكّن من الهمس بهذا السؤال، فتخلّـت عن فكرة السؤال.
“بدلاً من ذلك، سأذهب أوّلاً. ثمّ إذا قفزتِ من النافذة، سأجعل هذه…”
تقلّصت الأصفاد فجأة.
“…..!”
التصقت روديلا بآيفرت فجأة، ففوجئت بالحركة غير المتوقّعة.
―دوم، دوم.
بينما كان قلبٌ غير معروف اذا كان ينتمي له او لها ينبض بقوّة ، قال آيفرت:
“سأمسك بـكِ.”
كان يعني أن تقفـز إلى الفراغ خارج النافذة.
نظـرَ إليها بعينيه الزرقاوين بثبات أكثر من أيّ وقت مضى.
أمسكت روديلا قبضتها بقـوّة دونَ أن تشعر.
أدركت، بعد كلامـه، أنّ صوت القلب القوي الذي كانت تسمعُه كان ينتمي إليهما معًـا.
كانا ملتصقين، لهذا أدركت ذلك.
على عكسِ قلبها الذي هدأ بسبب كلام آيفرت، كان قلب آيفرت يخفق بشكلٍ أسرع و أقوى.
نفس النبض القوي الذي شعرت به على ظهر الحصان.
“……”
‘قبل قليل ، قلـتُ إنّ لـديّ الكثير من الأسئلة’
أرادت روديلا أن تؤجّـل كلّ الأسئلة الأخرى و تسأل:
‘هل قلبـكَ يخفق عندما تنظر إليّ؟’
‘هل يخفق… بالمعنى نفسه الذي يخفق به قلبي؟’
أرادت أن تطرح هذا السؤال.
التعليقات لهذا الفصل " 117"