نظر آيفرت إلى روديلا و هي تتحدث، وكأنه فهـمَ ما تفكر فيه، فتحدّث قائلاً:
“بالطبع، بما أن رئيسة الوزراء متميّـزة في فنون الحرب، يمكن لفرسان قصرهـا أن يصدوا الهجوم إلى حدّ ما. و فرقة الفرسان الحمر ستأتي في البداية بحجّـة القبض على القاتل فقط، لذا سيكونون هادئين نسبيًا.”
لكنهم سيكشفون عن نواياهم الحقيقية إذا ساءت الأمور.
كانت روديلا تفكر في نفس الشيء. لكنها قالت:
“لا، ليس الأمر متعلقًا بفنون الحرب. السير لاتيني سيكون هناك.”
“ماذا؟”
كيف عرفت روديلا أين ذهـبَ لاتيني موديلاك، الذي مُـنِـع من الاقتراب من الفرسان، ناهيك عن المقر أو الفروع؟
بالطبع، إذا قـرّر لاتيني موديلاك إخفاء تحركاته، فلن يكون هناك مَـنْ يستطيع تعقّبـه.
لذا، إذا كان كلامها صحيحًا، فمن المنطقي أن رويدن لا يعرف ذلك.
لكن كيف عرفت روديلا―
آه.
بدا أن آيفرت توصّـل إلى استنتاج ما، فقالت له روديلا:
“حتى لو لم يذهب بمحض إرادته، فمن المؤكد أن رئيسة الوزراء قامت باستدعائه. ربّما أخفى هويّتـه، لكنهما معًـا بالتأكيد.”
شعر َ آيفرت بثقتهـا، فأمال رأسه و سأل:
“ما الذي يجعلكِ واثقـة؟”
“حسنًا…”
قالت روديلا بوجهٍ يبدو وكأن الأمر بديهي:
“رئيسة الوزراء تحـبّ السير لاتيني. ألم تلاحظ ذلكَ؟ على الأرجح أنهما يلتقيان كثيرًا.”
“….”
ظهرت تعبيرات غبيـة غير معهودة على وجه آيفرت للحظة.
“مـاذا؟”
“عندما سمعت رئيسة الوزراء بخبـر عزل لاتيني من منصبـه، شعرت بالضيق، لذا أخبرته أن يذهب إليها.”
مـدّت روديلا يدهـا موضحة.
“لم أكن أتوقع أن يحدث شيء كهذا…”
كان من حسن الحظ وسط هذه المصيبة، بل كان حظًا كافيًا لتبديد المصيبة نفسها.
هل يوجد قاتل يمكنه اختراق سيف موديلاك؟
حتى لو جاءت فرقة الفرسان الحمر بأعداد كبيرة، هل يمكنهم هزيمة القائد؟
“رئيسة الوزراء ستشعر بالانجذاب عندما ينقذها السير لاتيني في اللحظة الحرجة، و السير لاتيني سيجـد العزاء في وجود رئيسة الوزراء بجانبـه في الأوقات الصعبة، و سيشعر بما في بقلبـه.”
أضاءت عينـا روديلا.
ثم سألت آيفرت:
“ما رأيـكَ، ألا أبدو كجنية الحبّ؟”
على الرّغمِ من أن جنية الحب في الأساطير الإمبراطورية كانت تشبه روديلا بشعرها الأسود، إلا أن آيفرت تحدّث مؤكّـدًا:
“لا، لسـتِ كذلك.”
‘أنـتِ بالتأكيد لسـتِ كذلك.’
رد دونَ وعي، و كأن قلبـه قد انقلـب.
رمشت روديلا بعينيها.
“لمـاذا؟”
“أولاً، لا يمكننا معرفة مشاعرهما.”
و الأهم من ذلك، ‘أنـتِ لم تعرفي مشاعري أيضًا.’
بينما كان آيفرت يكبـت كلماته الأخيرة، قالت روديلا:
“كيف لا أعرف؟ رئيسة الوزراء تبتسم فقط عندما ترى السير لاتيني. لم تكن ابتسامة مزيفة، بل ابتسامة نابعة من سعادة حقيقية.”
عند كلامها، قال آيفرت دونَ تفكير:
“أنا أيضًا كنـتُ أبتسم فقط عندما أراكِ.”
‘إذا كنـتِ جنية الحب، كان يجب أن تعرفي ذلك أيضًـا.’
اتسعت عينا روديلا عند كلامـه.
* * *
كانت حياة قائد فرقة الفرسان الزّرق ، لاتيني، عادةً مزدحمة للغاية.
بالأحرى، قائد فرقة الفرسان الزّرق لم يكن مشغولاً جدًا، لكن عندما يُضاف إلى ذلكَ مهنتـه السرية، كان الأمر مرهقًا.
كـ”مرتزق بلا اسم”، كان يتعامل بسرعة مع الوحوش التي يصعب صيدها، و كـ”حداد أسطوري”، كان عليه صيانة الأسلحة.
و مع ذلك، كان عليه الحفاظ على سرية هويتـه، و التواجد عندما تواجه فرقة الفرسان الزّرق مشكلة، مما استنزف طاقته العقلية و منعـه من النوم الكافي.
لذا، كان عزله المفاجئ من منصبه ظلمًا و مثيرًا للغضب، لكنه في الوقت ذاته فرصةً منحته الراحة بعد وقتٍ طويل.
بما في ذلكَ التحدث مع صديقة لم يـرها كثيرًا من قبل.
“هممم.”
لا، حتى قبل لحظات، كانت هذه الراحة حقيقية.
جلس لاتيني على كرسي هزاز تحبّـه أميريس، لكنه فتحَ عينيـه فجأة.
نظرَ إلى النافذة و رفعَ حاجبيه قليلاً.
كان هناك العديد من الأصوات المشبوهة تقترب من هذا المكان.
“صوت دروع تهتـز…”
إنها فرقة فرسان.
إذا تحركت فرقة بهذا الحجم دون إذن، فسيُعاقبون على تحريك القوات دونَ تصريح. لذا، من المحتمل أن تكون إما فرقة الفرسان الزّرق أو الحمر.
“ليسوا فرساننا.”
‘لماذا سأعطيهم دروعًا رديئة تصدر مثل هذه الأصوات؟’
استنتج لاتينه أنها فرقة الفرسان الحمر و نهض.
“لاتيني؟”
التفـت إليه أميريس، التي كانت تعمـل.
“هناك أشخاص مشبوهون يقتربون من القصر.”
“ماذا؟”
وصلت الأخبار إلى أميريس المتوترة بعد وقتٍ قصير.
بينما كان لاتيني يعبس بسببِ وجود فرقة الفرسان الحمر التي تسـدّ مدخل قصر رئيسة الوزراء تقريبًا، دخلَ كبير الخدم في القصر بسرعة ليبلغ:
“كان هناك هجوم من قاتل على جلالة الإمبراطور!”
“مـاذا؟”
لم يكن هذا الخبر الوحيد المذهل.
“الدّوق بينريكس قفـز لإيقاف القاتل، لكن القاتل هرب باتجاه القصر.”
تقاطعت أنظار أميريس و لاتيني.
كلاهما فكّـر في نفس الشيء.
‘هذه خطة.’
“وهل تحاول فرقة الفرسان الحمر الدخول؟”
“نع… نعم؟”
لم يلاحظ كبير الخدم لاتيني بعد، فقفزَ في مكانه عند سماع صوتـه المفاجئ.
نهـضَ لاتيني و لـوّح بيـده بتحية لكبير الخدم و قال:
“صحيح؟”
نظر كبير الخدم إلى أميريس، التي أومأت برأسها، مشيرة إلى مواصلة التقرير.
“نعم، صحيح. يزعمون أننا نخفي القاتل و يطالبون بفتح الأبواب.”
“و إذا لم نقم بفتحهـا؟”
سأل لاتيني ، فأجابت أميريس:
“سيحاولون فتحهـا بالقوة.”
“بالقوة؟”
نفـضَ لاتيني يديـه و قال:
“سأذهب لأتحدث معهم.”
في هذه الأجواء، لم يكن الحديث يعني سوى المواجهة.
“هذا سيجعل الأمور معقدة.”
عارضت أميريس على الفور.
“قائد فرقة الفرسان الزّرق―”
كما لو أنه توقّـع كلامها، قاطعها لاتيني:
“أنا الآن لست مع فرقة الفرسان الزّرق، لا أحد معي، وأنا معزول من منصبي. أنا لاتيني موديلاك فقط.”
كان كلامه صحيحًا، لكن:
“هذا لا يعني أن المشكلة ستُحل.”
“إذن، هل من المنطقي أن تدخل فرقة الفرسان الحمر إلى قصر رئيسة الوزراء بالقوة؟”
“هذا…”
أمسكـت أميريس جبهتهـا.
راهـنَ الدوق بينريكس على كل شيء في هذه العملية.
لتنفيذ الأمور بسرعة دونَ أن تلتقطها شبكة معلومات رويدن أو فصيل الإمبراطور، كان عليه أن يعمل فقط مع أقرب المقربين منه.
بالطبع، ستكون هناك ثغرات كثيرة، و إذا فشـل، سيخسر كل شيء.
لأن الأدلّـة ستتسرب من تلكَ الثغرات.
المشكلة هي أن هذه المحاولة كانت جريئة للغاية، لدرجة أن كل شيء بدا متسقًـا حتى الآن.
كان يجب إيقاف هذه الخطّـة في مكان ما و تحطيم العجلات نفسها.
لكن…
“آه.”
تأوهت أميريس.
كانت هذه خسارة كاملة.
كان بينريكس دائمًا يسعى لامتلاك إمبراطورية مثالية.
لم يكـن هدفـه إثارة حرب لانتزاع العرش، بل خلق موقف “لا مفر منه” يدفع الإمبراطور إلى العزل أو نقل العرش إلى الوريث التالي.
بهذه الطريقة، يمكنـه استيعاب فصيل النبلاء و حتى النبلاء المحايدين بسهولة، وحتى أولئك الذين انضموا إلى فصيل الإمبراطور بشكلٍ طفيف سينضمون إلى التيار العام.
عندها، سيصبح فصيل الإمبراطور ذي العدد القليل معزولاً أو يواجه نفس مصير الإمبراطور، وهو الخيار الأمثل من وجهة نظر بينريكس.
لذلك، كان يبتلع أقسام القصر الإمبراطوري واحدًا تلو الآخر.
لكن عندما بـدأ حجم رويدن يظهر، غيّـر اتجاهه تمامًا.
كان من المتوقع أن يفعل ذلك، لكن ليس بهذه السرعة…
في تلكَ اللّحظة :
―كوونغ!
سُمع صوت فرقة الفرسان الحمر و هم يضربون بأقدامهم، كما لو أنهم يحاولون كسر الأبواب.
على الرّغمِ من المسافة، كان صوت اصطدام المعادن في دروعهم، مثل صوت “كلانك”، يتردد بوضوح يسبب عددهم الكبير.
كان ذلكَ ضغطًا يفوق الخيال.
“هل ستفتحين الباب لهؤلاء الأشخاص؟”
سأل لاتيني و قد اختفت الابتسامة المرحة و الهادئة من وجهه.
“إذا فتحـتِ الباب لهم، ستموتيـن.”
قال لاتيني بثقـة . رغمَ أنّـه قد لا يفهم السياسية بشكلٍ كامل إلا أنّـه يستطيع الشعور بنيّـة القتل.
“هؤلاء ليسوا هنا لإنقاذ أحد أو البحـث عن أحد.”
“إذن، بدلاً من ذلك―”
هل كانت أميريس ستقترح خيارًا آخر؟
قاطعها لاتيني قبل أن تكمل.
شعـرَ بنيّـة القتل، و لم يكن هناك وقت للنقاش بهدوء.
“إذا كنتِ مترددة بسببِ مشكلة العلاقات، فقد فكرت في حـلّ.”
‘أليسوا يريدون الادعاء بأن هناك صفقة سرية بيني و بين رئيسة الوزراء؟’
وضع لاتيني قدمـه على عتبة النافذة و قال:
“فقط قولي لاحقًا إنه لم يكن من المفترض أن بحصل شيء من هذا. سأتولى الأمر بنفسي.”
“كيف―”
كيف سيتعامل مع هـذا؟
“لا أستطيع تحمل رؤية هؤلاء يشهـرون سيوفهم في وجهـكِ.”
توقّفـت أميريس للحظة، بينما فتـحَ لاتيني النافذة و قفـزَ إلى الخارج.
التعليقات لهذا الفصل " 114"