“توقّفوا جميعًا.”
في لحظة، تحوّلت السفينة إلى فوضى عارمة.
تجمّـد النبلاء في حالة ذهول، عاجزين عن فعل أيّ شيء.
“ما هذا؟!”
“ما هذا الخنجر؟! ألم تتأكّد من تفتيشها جيدًا؟!”
لم يفعلوا شيئًا سوى الصراخ بصوتٍ مليء بالصدمة و الغضب.
بعد لحظات، بدأوا يستلّون سيوفهم واحدًا تلو الآخر، و اقتربوا بحذر…
“توقّفوا! أنا رهينة هنا!”
رفعَ الفيكونت آريتي يديه بوجه مذعور.
تسرّب صوت مليء بالإحباط بين النبلاء.
“اللعنة. لم نسمع أنّ روديلا سيفريك تجيد استخدام السيف.”
أكثر ما تلقّتـه من تدريب ربّما كان مجرّد أساسيّات في الأكاديميّة، أليس كذلك؟
لم تخبرهم روديلا أنّ هذا هو الحدّ الأقصى لما تعرفه.
لم تكن تتوقّع أن تستخدم هذا فعلًا.
كانت هذه خطوتها السرّية المعدّة.
و الشّخص الذي علّمها إيّاها لم يكن سوى آيفرت في أيّام الأكاديميّة.
“أين سأستخدم مثل هذا الشّيء؟”
يومها، قـرّر أن يعلّمها تقنيّات الدفاع عن النفس بنفسه.
“في حالات الطوارئ.”
في تلكَ الفترة، كانت حياة الأكاديميّة هادئة دون أيّ أحداث، فسألته بوجه مندهش:
“ما نوع الحياة التي تعيشها؟”
لماذا تعلّمني وضع خنجر على رقبة شخصٍ كجزء من الدفاع عن النفس؟
هل هذا يُعتبر دفاعًا عن النّفس أصلًا؟
ضحكَ آيفرت على سؤالها.
في يوم التخرّج، عندما وقـعَ حادث العربة.
مـزّق الناس بلا تردّد.
ربّما كان قد عاش مع الدّماء قبل أن تعرفه روديلا.
أو ربّما، الحياة الهادئة في الأكاديميّة التي ظنّتهـا سلميّة، كانت نتيجة جهـوده السرية لجعلها كذلك.
لم يكن آيفرت يفعل شيئًا دونَ سبب، حتّى لو بدا غريبًا، فلابدّ أنّه علّمهـا ذلكَ لسببٍ ما.
“أنزلي الخنجر فورًا!”
لم يكن الوقت للغرق في الذكريات.
بعد أن استلّت الخنجر، تغيّـر الموقف بسرعة.
“آه…!”
كان النبلاء في حالة ذعـر.
لأنّ الشخص الذي أُمسك كان الوحيد في السفينة القادر على الملاحة.
ماذا لو أصيب هذا الشخص ولم يعـد قادرًا على قيادة السّفينة؟
حتّى لو اختفت الدوّامات المهدّدة، مَـنْ سيقود السفينة؟
هذا يعني أنّ خطّـة هروبهم ستفشل.
لهذا السّبب اختارت روديلا هذا الشّخص بالذات، متجاهلة أهدافًا أسهل.
“….”
راقبت روديلا الموقف و هو يتكشّف كما خطّطت، ثمّ ضغطت بالخنجر أكثر على رقبة الرجل.
تذكّرت لحظة تعليم آيفرت لها هذا.
“ضعي الخنجر أقرب إلى رقبتي.”
“ماذا لو جرحتـكَ؟”
“عندما تمسكين بشخصٍ ما، يجب أن تكوني مستعدّة لجرحـه.”
الرطوبة التي شعرت بها على أطراف أصابعها كانت على الأرجح كما توقّعت.
عضّت روديلا شفتيها، محاولة التركيز على النّظـر إلى الأمام.
“يبدو أنّ الحديث بهدوء لن ينجح.”
خرجَ صوتها واثقًا من حلقها.
لا يمكنها الاستمرار في هذا الوضع إذا تراجعت.
“ما الذي تريدين مناقشتـه؟”
بدا النبلاء في حالة ذعر شديد.
كان الخنجر يضغط بالفعل على الجلد، و بحركة خاطئة قد يموت الرجل.
هذه المرأة جـادّة.
ابتلعوا ريقهم بصعوبة.
نظرت إليهم روديلا بنظراتٍ باردة و قالت:
“الجميع هنا، بما في ذلكَ الرهائن، من دائرة كيليريا الاجتماعيّة، أليس كذلك؟”
توقّف النبلاء بشكلٍ ملحوظ.
“رأيت قائمة المفقودين. لكن يبدو أنّ بعضهم قد مـات، لأنّ عددهم أقلّ.”
ربّما احتاجوا إلى مثل هذه الأمثلة لدفعهم إلى فعل شيء جريء كهذا…
مثل كأس النّبيـذ الذي تحطّم بين يديّ الدّوق بينريكس.
طردت روديلا الصّورة الواضحة من ذهنها و فتحت فمهـا:
“أعرف هويّتكم. إذا كنتم صريحين بشأن السبب الحقيقيّ لهذا الاختطاف و تعاونتم مع فرقة الفرسان الزّرق ، أعدكم أنّني سأحميكم بأقصى ما أستطيع.”
عبسَ أحـد النّبـلاء.
“هل هذا ما تقولينه و أنـتِ تمسكين برهينة؟”
“إذن، هل هل أنتظر حتّى أكون على القارب الذي ستتركونني عليه لأموت؟”
عندما عجزَ النبيل عن الردّ و فتح فمـه، قالت روديلا بصوتٍ واضح:
“كلانا في عجلة من أمره.”
نظرت إلى الرهائن و تابعت:
“أعرف أنّكم لم تقوموا بهذا الاختطاف بمحض إرادتكم. الطريقة التي أُمسكتم بها خرقاء،”
“النّبلاء من الفصيل الأرستقراطيّ المحتجزون كرهائن هنا أيديهم مقيّدة بشكلٍ فضفاض و بدون أيّ آثار للمقاومة، مما يعني بوضوح أنّهم متواطئون مع الخاطفين.”
“…..!”
تغيّرت تعابير النبلاء من فصيل النبلاء و المحايدين بشكلٍ متباين.
“هل هذا صحيح؟”
كان ذلكَ متوقّعًا، فالنبلاء المحايدون لم يكونوا يعرفون شيئًا و تـمّ اختطافهم بالفعل.
سعلَ النبلاء الفصيل الأرستقراطيّ الذين كانوا يمثّلون دور الرهائن.
“لا يوجد استنتاج سوى أنّ شخصًا ما أمـرَ بهذا الاختطاف. إذا أخبرتموني مَـنْ هو، أعدكم بحماية الجميع هنا منه.”
تسبّبت كلماتها في تبادل النظرات المشحونة بالارتباك بين النبلاء.
بـدت بعض الأجسام التي كانت تتحرّك بتهديد تفقد قوتها، مما يدلّ على اضطراب كبير.
لكن مَـنْ لم يتأثّر…
“توقّفي عن قول هذه الترّهات وأنزلي الخنجر!”
صرخ بحدّة.
لكن في تلكَ اللحظة، سأل نبيل آخر كان يراقب الموقف بهدوء:
“هل كلامـكِ مؤكّد؟”
“الفيكونت آريتي!”
كان الرجل الذي أمسكته روديلا رهينة.
عندما بدا أنّ الفيكونت يستمع إلى كلامها، اهتزّ النّبلاء بشكلٍ واضح.
كما توقّعت، كان الانقسام موجودًا، لكن الجماعة كانت أقلّ تماسكًا مما تخيّلت.
و بالنّظر إلى ارتباكهم منذُ وصول فرقة الفرسان الزّرق….
من الواضح أنّهم لم يقوموا بهذا بمحض إرادتهم، و ربّما ظنّوا أنّ الأمر مجرّد وسيلة لتحسين أداء فرقة الفرسان الحمر.
“نعم. سواء كان مَـنْ يهدّدكم نبيلًا من فصيل الإمبراطور أو فصيل النبلاء، فلن يستطيع تجاهل الدّوق رويدن الموجود هناك.”
كان كلامها منطقيًا، فتبادل النبلاء النظرات.
“و علاوةً على ذلك، يبدو أنّ فرقة الفرسان الحمر كان من المفترض أن تأتي، لكن لم يتمّ إبلاغهم. الوحيدون هنا هم فرقة الفرسان الزّرق.”
“هذا مستحيل…!”
احتـجّ النبلاء.
“هذه هي الحقيقة. لو كانوا سيأتون، لكانوا ظهروا قبل أن أصعد إلى هذه السفينة. فرع فرقة الفرسان الحمر أقرب من هنا.”
“….”
عـضّ النبلاء شفاههم، عاجزين عن الردّ.
أمسكَ أحدهم رأسه أخيرًا.
“قالوا إنّه إذا انتهى هذا الأمر، سيطلقون سراحنا…!”
بدأ واحد تلو الآخر يفتحون أفواههم.
“كنتُ أقول إنّ الأمر غريب منذُ البداية!”
“ماذا لو قتلونـا نحن أيضًا؟”
عند كلمة “أيضًا”، أيقنت روديلا.
النّبلاء المدرجون في قائمة كيليريا الاجتماعيّة لكنّهم لم يحضروا هنا، قُتلوا ليكونوا مثالا لهؤلاء…
وكان الشخص المسؤول هو:
“أنتم مهدّدون من فصيل النبلاء، أليس كذلك؟ تحديدًا، من الدّوق بينريكس.”
توقّف النبلاء عن الحركة عند كلامها.
“إذن، الجواب واحد. الوحيدون القادرون على حمايتكم في هذه الإمبراطوريّة هم نحن و جلالة الإمبراطور.”
تسارعت النّظرات المتبادلة.
“إذا كان فصيل النبلاء يهدّدكم، أليس من الحكمة اختيارنا نحن ، ممثّلي فصيل الإمبراطور، بدلًا من الدّوق بينيريكس الذي لا يمكن الوثوق به؟”
وضعت روديلا اللّمسة الأخيرة لهم.
هم يعرفون جيدًا أنّ الدّوق بينريكس ليس شخصًا يقدّر حياة الآخرين.
لقد وقعوا في عين العاصفة بسببِ شيء ما، وعلى الأرجح كان ذلكَ بسببِ التقلّبات التي حدثت بعد كشف حجم رويدن مؤخرًا.
حديثهم عن فرقة الفرسان الحمر يوحي بأنّهم ربّما تلقّوا أمرًا بتحسين أدائها كذريعة.
لكن في الواقع، هدف الدّوق بينريكس ليس الأداء…
“لا وقت للتفكير. هذه السفينة ستصبح أنقاضًا قريبًا.”
“ماذا قلـتِ؟”
“أنتم و أنـا. هدفهم هو قتلنا جميعًا.”
اتّسعت أعين النبلاء عند سماع كلماتها غير المتوقّعة.
التعليقات لهذا الفصل " 108"