―شووو…!
اقتربَ شكل السفينة الضّخم تدريجيًا.
وصلَ القارب الصغير الذي يحمل روديلا أخيرًا إلى سفينة الخاطفين.
كبحت روديلا رغبتها المتكرّرة في الالتفات إلى الوراء بجهد.
حتّى دونَ أن تنظر، استمرّ وجـه آيفرت في الظهور في ذهنها… و حاولت جاهدة نسيانه.
لقد جاءت إلى هنا لتكون أكثر ثقة أمامه، و لتتوقّف عن الاعتماد عليه.
‘لا تصابي بأذى.’
حتّى لو أصيبت بأذى، كانت مصمّمة على كشف العلاقة بين فصيل النبلاء والخاطفين بأيّ ثمن، لتجنّب المواجهة المباشرة بين بينريكس و رويدن.
“….”
عزمت أمرها من جديد.
―شووك!
بعد قليل، أُنـزٌل سلّم قديم من السفينة، و صعدت روديلا درجاته بحذر، درجةً تلو الأخرى.
بالنّسبة لشخصٍ يعمل في مكتب، كانت خفيفة الحركة بشكلٍ ملحوظ، وكان بإمكانها القفز إلى السطح بعد بضع درجات فقط.
لكنّها لم تفعل، لأنّها أرادت استدراج تهاونهم.
يبدو أنّ الرهينة التي أرادوها كانت يجب أن تكون بلا أيّ قدرة قتاليّة.
―طقطقة.
في اللّحظة التي وطأت فيها سطح السفينة، انهالت عليها النظرات الحادّة كالإبر.
تفحّصتها أعين مليئة بالحذر وكأنّها تحلّلها.
لم تتراجع روديلا، بل ردّت بنظراتها، وهي تفحص المحيط.
‘كما توقّعت. إنّهم غير محترفين.’
كانوا يحملون خناجر عند خصورهم، لكن غمد السيوف المزخرف بدا أقرب إلى الزينة منه إلى الاستخدام العمليّ.
لم تبـدُ هيئة الخاطفين، أو بالأحرى نبلاء الفصيل الأرستقراطيّ، و كأنّهم قادرون على تحمّل أعمال البحر القاسية، و كانت الهالات السوداء تحت أعينهم واضحة.
يبدو أنّهم متوترون.
ضيّقت روديلا عينيها و فتحت فمها:
“اسمحوا لي أوّلًا بتفقّد حالة الرهائن.”
تبادل النّبلاء النظرات فيما بينهم عند سماع كلامها.
“قبل ذلك، يجب أن نتأكّد من أنّـكِ لا تحملين أسلحة.”
بعد تبادل النظرات، اقترب رجل.
للتأكّد من عدم إخفائها لسلاح في ملابسها، كان عليه أن يتفحّص جسدها.
“…همم.”
لكن، هل يجرؤون على لمسي؟
كما توقّعت، حتّى و هي ترفع ذراعيها، لم يتمكّن الرجل من لمسها بسهولة.
ابتسمت روديلا بمكر.
“إذا كان التفتيش ضروريًا، فسأمتثل، لكنّ هذا سيجعلني أشـكّ في أنّكم تجهلون آداب العائلات النبيلة.”
كانت تشير إلى أنّهم ينوون لمس جسد سيدة نبيلة بأنفسهم بدلًا من إرسال خادم.
حتّى مع الخصومة بين فصيل النبلاء و فصيل الإمبراطور، فإنّ العلاقة بين نبيل ونبيل آخر…
لمس جسد سيّدة نبيلة بحريّة كان أمرًا محرجًا.
وكما توقّعت.
“…يبدو أنّها لا تحمل أسلحة.”
لم يجرؤ النبيل على تفتيش جسدها، فتراجع بهدوء.
على أيّ حال، يبدو أنّهم يعتقدون أنّها حتّى لو كانت تحمل شيئًا، فلن تستطيع هزيمتهم.
“من هنا.”
أشار رجل بعد ذلك.
كان الرجل الذي يتحرّك في السفينة بطلاقة ملفتًا للنظر بشكلٍ خاص.
على عكس ما يُتوقّع من نبيل، كانت يداه مليئتين بالبثور.
وجهه لم يكن شاحبًا، بل محمّرًا كما لو كان يتعرّض للشمس كثيرًا.
تبعته روديلا بهدوء وهي تفكّر.
هذا هو الشّخص الذي كنت أبحث عنه.
من بين النبلاء المفقودين في الدائرة الاجتماعيّة، هو الوحيد القادر على قيادة السفينة.
هذا الرجل، الفيكونت آريتي من ميناء الجنوب.
و… باستثنائه، لا يوجد أحد في هذه السفينة ملمّ بالملاحة.
كانت وجوه النبلاء المتوترين، دونَ وجود أيّ خادم، تثبت ظنون روديلا.
―طرق.
فتحَ الفيكونت باب غرفة في السفينة الذي أصدر صوتًا غريبًا كأنّه غير مُصان جيدًا، وقادها إلى الأسفل.
تبعها نبلاء آخرون بحذر، متلصّصين خلفها.
بعد نزول أربع طبقات تحت السطح، فتحَ الفيكونت بابًا.
“….!”
رأت أشخاصًا يغلقون أعينهم بقوّة، كأنّهم فوجئوا بضوء الخارج المفاجئ.
كانوا ملقين على الأرض، أيديهم و أرجلهم مقيّدة، و أفواههم مغلقة بأغطية.
تطابقت أعدادهم بدقّة مع قائمة الأشخاص المفقودين من الدائرة الاجتماعيّة.
“بعد أن تُقيَّـدي، سيتمّ إطلاق سراح الآخرين.”
لم يستخدم الفيكونت الذي قادها لغة غير رسميّة، مما يعني أنّهم سيعاملونها ببعض الاحترام الظاهري.
لذا، ردّت روديلا بأدب:
“إذن، دعني أرى إطلاق أيدي الرهائن أولًا.”
“…..!”
بـدت النظرات من النبلاء الآخرين خلفها وكأنّهم استاءوا.
“هناك الكثير ممن سيُطلق سراحهم، وأنا الوحيدة التي ستُقيّد. إذا قُيّدت أولًا، مَـنْ يضمن أنّني لن أُحتجَـز معهم؟”
كانت تطالب بإظهار الثقة.
“همم.”
بينما كانت وجوههم تعبّر عن التردّد، فتحت روديلا فمها:
“إذا أصبحت رهينة، كيف ستخطّطون لإطلاق سراحي لاحقًا؟ لستم تنوون قتلي، أليس كذلك؟”
كانت السفينة قد ابتعدت كثيرًا عن الميناء.
حتّى لو أطلقوا سراحها، فسيكون ذلكَ في وسط البحر.
عبسَ أحد النبلاء عند سماع كلامها.
“ليس هذا وقت مناقشة ذلك. يجب أن يُضمن سلامتنا أولًا.”
“السلامة…”
التفتت روديلا إلى النبيل الذي تكلّم.
“إذن، لديّ اقتراح، هل ستستمعون إليه؟”
تمنّت روديلا أن يتسنّى لها التواصل معهم إلى حدٍّ ما.
لكن لو كانوا عند كامل وعيهم،
ما كانوا ليقتربوا من دوّامات البحر الإمبراطوريّة التي لم تمـرّ منها سفينة سالمة، ولا كانوا ليحتجزوا نبلاء كرهائن.
ردّ الرجال ذوو الوجوه المتوترة بحدّة:
“إذا كنتِ تنوين خداعنا، فسوف نوقف مسألة تبادل الرهائن فورًا!”
“الفيكونت بيريت!”
أظهرت روديلا يديها لتُبيّن أنّها لا تشكّل خطرًا.
“على أيّ حال، لا يمكنني فعل شيء بمفردي. كنت فقط فضوليّة. لماذا تفعلون هذا؟ وهل سأعود حيّـة؟”
عندها، طرح رجل كان يتردّد منذُ قليل سؤالًا مفاجئًا:
“لكن لماذا جاءت فرقة الفرسان الزّرق بدلًا من الحمر؟”
أدارت روديلا رأسها نحوه بعينين متألّقتين.
“لماذا؟ هل كان من المفترض أن تأتي فرقة الفرسان الحمر؟”
“هذا__”
رأت نبيلًا آخر يمنع المتحدّث من الإجابة دون قصد.
“…على أيّ حال، إذا ابتعدنا عن الإمبراطوريّة، سنطلق سراحكِ في قارب صغير، فلا تقلقي بشأن عدم إطلاق سراحكِ.”
بعد لحظة من الاضطراب، قال أحد النبلاء.
رفعت روديلا حاجبيها قليلًا عند سماع ذلك.
قارب واحد في وسط البحر هذا، حيث لا يُعرف متى ستبدأ الدوّامات؟
هذا يعني الموت.
أيقنت روديلا.
لم يكن لديهم نيّـة لإطلاق سراحها منذُ البداية.
“حسنًا، أطلقوا سراحهم أولًا.”
تبادلَ النّبلاء النظرات، ثمّ اتّجهوا نحو الغرفة الداخليّة.
بما أنّه لا يوجد خدم، و لا يمكن لشخصٍ واحد القيام بالعمل بمفرده، كان عليهم جميعًا العمل معًا.
كما توقّعت روديلا.
“…..”
خلال ذلك، تظاهرت روديلا بأنّها لا تنوي فعل شيء، و اتّكأت على الحائط.
في هذه الأثناء، بدأ بعض النّبلاء الذين دخلوا أوّلًا بإزالة أغطية أفواه الرهائن واحدًا تلو الآخر.
وفي اللّحظة التي مـرّ فيها الفيكونت آريتي ذو البشرة المحمّرة كالبحّار من أمام الباب الضيّق…
―فوو!
تحرّكت روديلا بسرعة، و كانت تنتظر تلكَ اللحظة.
من داخل زيّهـا العميق الذي لم يتفحّصه الرجال، برقـت شفرة حادّة.
―سررر!
وضعت روديلا الخنجر على عنق الرّجل على الفور.
“توقّفوا جميعًا.”
تردّد صوتها البارد في أرجاء السفينة.
التعليقات لهذا الفصل " 107"