أجابت روديلا دونَ تردّد للحظة.
“سترفض.”
“إذن لماذا تحاولين الصّعود إلى السّفينة، و أنـتِ تعلمين ذلك؟”
نظرَ إليها آيفرت و كأنّه لا يستطيع أن يفهم.
إذا كان أولئك الأشخاص محكوم عليهم بالفشل على أيّ حال، فلماذا تعرّضين نفسكِ للخطر معهم؟
هذا ما بـدا أنّ تعبيره يقولـه.
لكن كان لدى روديلا سبب واضح.
“حتّى لو جعلكَ ذلك… تكرهني أكثر، أنا مستعدّة للمخاطرة بحياتي.”
عضّـت شفتها قبل أن تتابع.
“حتّى لو أصبحتُ شخصًا تشعر معـه بمزيد من الإزعاج.”
‘حتّى لو واصلتُ إجبـاركَ على فعل أشياء لا تريد القيام بها، و أصبحـتَ تجدني أكثر فأكثر إزعاجًا.’
“لن أدعـكَ أنـتَ—أو رويدن—تدفع ثمنًا أكبر بسببي.”
كان صوتهـا، الذي تردّد في البداية، يحمل الآن اقتناعًا راسخًا.
“بهذا، لن يضطرّ بينريكس و رويدن إلى التّصادم وجهًا لوجـه.”
لأنّ بينريكس سيسقط قبل أن يحدث ذلك.
لأنّني سأتأكّد من ذلك.
تألّقت عينا روديلا.
كان ذلكَ منطقيًا.
منطقيًا بشكلٍ ملعون.
لكن حتّى مع ذلك، كانت خطّـة لا يمكن لآيفرت أن يوافق عليها، فهـزّ رأسه.
“انسي بينريكس و شؤون عائلتنا. لم أجـدكِ يومًا مزعجة.”
ابتسمت روديلا.
“حقًّـا؟”
كان عليه أن يجيب بصدق—لأنّ ذلكَ كان صحيحًا.
لكن بـدا أنّ آيفرت اختنق بالكلمات.
لأنّه كان سيتعيّـن عليه أن يشرح لماذا كان يتجنّبها طوالَ هذا الوقت—
بسببِ شعوره بالخوف من أن يجذبهـا إلى ذراعيـه، أو يقبّلهـا عندما لا تريد ذلك.
عندما شعرت بتردّده، تحدّثت روديلا.
“…قد أكون مدينةً لكَ مرّةً أخرى هذه المرّة، لكن لمرّةٍ واحدة فقط، من فضلك.”
صوتهـا…
“دعني أفعل شيئًا من أجلـكَ.”
بـدا حزينًا.
أغمض آيفرت عينيـه.
كان ميناء بومرت عادةً يعـجّ بالنّاس.
لكن الآن، اختفت كلّ تلك الأجواء الحيويّة الصّاخبة، و حـلّ محلّها السّكون الباهت لمنشأة عسكريّة.
فقط آثار الأشخاص الذين فـرّوا مؤخرًا على عجل كانت تلمّح إلى ما كان عليه الحال من قبل.
—ششش…!
ظهرت سفينة في الميناء.
انطلقت سفينة تحمل بوضوح شعار فرقة الفرسان الزّرق بعيدًا عن الرّصيف بمساعدة السّحر.
تعلّـق التّوتّر، كما في ساحة المعركة، فوق السّفينة.
“…..”
روديلا، في خضمّ ذلك، تحقّقت من الجيب حيث كانت القطعة السّحريّة التّفجيريّة التي أعطاها إيّاها آيفرت، موازنة أنفاسها مرّةً أخرى.
كانت قد مـرّت بالعديد من المواقف القريبة من الموت من قبل—لكن هذه كانت المرّة الأولى التي تسير فيها إليه بمحض إرادتها.
لكنها… ستنجـح.
قبل وقت طويل، ظهرت سفينة العدوّ في الأفق.
“آه.”
آيفرت، بعد التحقّق من أنّ القطعة السّحريّة لتضخيم الصّوت تعمل، تحدّث.
“هذا آيفرت رويدن، نائب قائد فرقة الفرسان الزّرق. أطلقوا سراح الرّهائن و تعاونوا فورًا.”
مع وجود السّفينتين فقط تائهتين في المحيط الشّاسع، كان هناك أشخاص محدّدون فقط لكلماته.
ضيّقت روديلا عينيها، محاولة قياس ردّ فعل الجهة الأخرى.
لم يكن واضحًا، لكن…
بدوا قليلاً مرتبكين.
ما هـذا؟
انحنى حاجبها قليلاً.
قبل وقتٍ طويل، رنّ صوت من الجهة الأخرى.
“مَـنْ الرّهينة المراد تبادلهـا؟”
أخفض آيفرت القطعة السّحريّة من شفتيه، كما لو أنّه غير راغب في الإجابة.
تقدّمت روديلا، أخذت القطعة من يـده، و تحدّثت بنفسها.
“روديلا سيفريك، الابنة الكبرى للكونت سيفريك و خطيبة الدّوق آيفرت رويدن. هذا يجب أن يكون كافيًا، أليس كذلك؟”
كانت السّفينة الأخرى صامتة لفترة.
فكّرت روديلا أنّ السّطح بدا أكثر ازدحامًا من ذي قبل، عندما—
—بلاش!
أُنزل قارب صغير من سفينة العدوّ.
اقترب رجل على متنـه بثبات.
كان ذلك يعني أنّ عليها الصّعود إليه.
شاهد آيفرت ذلكَ، ثمّ استدار إليها.
“إلى هنا ، دعينا نوقف هذا. بالنّسبة لبينريكس…”
مسح جبهته.
“سأحاول منع تصاعد الأمور.”
“هذا ليس شيئًا يمكنكَ اتّخاذ قرار بشأنه بمفردك.”
فقط لأنّك تمسك نفسـكَ—هل تعتقد أنّ بينريكس سيترك الأمور تمـرّ بهدوء؟
سيصبح أكثر شراسة فحسب.
“و أكثر من ذلك….”
نظرت روديلا إلى آيفرت.
حتّى من الجانب، كان بإمكانها رؤية العينين الزّرقاوين العميقتين، هادئتين كبحر غير مضطرب.
“لا أستطيع تحمّـل الاستمرار هكذا، من دون إقامة تواصل بصريّ معـكَ حتّى.”
“..…!”
للمرّة الأولى حتّى الآن، التفتت عينا آيفرت إليها.
‘إذن أنـتَ تنظر إليّ فقط عندما أقول شيئًا كهذا.’
عضّـت روديلا شفتها، ثمّ تابعت.
“منذ أن انهرت و استيقظت، لا أعرف كم جعلتكَ تشعر بالإنزعاج تجاهي.”
كان القارب الصّغير الآن قريبًا.
لكن بدلاً من النّظر إليه، أبقـت روديلا نظرتها على آيفرت.
“إذا كان هذا سيساعد رويدن هذه المرّة… عِـدني بشيء واحد فقط.”
فتـحَ فمـه للإجابة فورًا.
لكنّها قاطعته قبل أن يتمكّن من التّحدّث—لأنّها خمّنت بالفعل ما سيقوله.
“إذا كنـتَ ستقول أنّـكَ لا تحتاج إلى مساعدة، فإنّني سأعتبر أنّ ذلكَ يعني…”
تنفّست باختصار، ثمّ تابعـت.
“…أنّنا سنستمرّ هكذا—محرجين، حتّى لا نكون أصدقاء.”
“لا، هذا ليس—”
تقدّم آيفرت نحوها.
لكن روديلا تراجعت بدلاً من ذلك—نحو القارب الصّغير المنتظر.
“سأكون بخير حتّى تأتي لأجلي، فقط لأتمكّن من سماع إجابتكَ. لا تقلق.”
أعطتـه ابتسامة متألمّـة.
“كما ترى ، أنا أتوق لمعرفة ذلك.”
‘ما الخطأ… الذي اقترفته لتعاملني بهذه الطّريقة.’
‘ما إذا كان الأمر حقًّـا لأنّني مجرّد عبء عليكَ.’
‘ما إذا كنّـا لا يمكننا حتّى أن نظـلّ أصدقاء.’
“ألـن تأتي!؟”
صرخ صوت حـادّ من الأسفل.
استدارت روديلا نحـوه.
—طقطقة!
أُلقي سلم حبليّ أمامها.
أمسكت بدرابزين السّفينة بقوّة، ثمّ نظرت إليه.
“حتّى لو كان الأمر محرجًا بيننا، ستأتي لإنقاذي، أليس كذلك؟”
صحيح؟
ابتسمت.
‘لأنّـه إن لم يكن كذلك… أعتقد أنّ ذلك سيحطّـم قلبي.’
‘إذا أدار الشّخص الذي أحبّـه… ظهره لي.’
لكنّها لم تتمكّن من إكمال الفكرة—لانّها ستبكي إن فعلت.
و بعدها…
سيكون الأمر أكثر إحراجًا.
خطـت على السّلم و هبطت على القارب الصّغير.
آه.
فقط حينها أدركَ آيفرت أنّه تسبّب في سوء فهم فظيع لروديلا.
ليس كأصدقاء حتّى؟
أنّـه يجدها مزعجة؟
لم يكن الأمر كذلك على الإطلاق…
قبضَ يديـه بقوّة.
كان قد فـات الأوان للندم.
كانت تشعر بالأسف تجاهه بالفعل.
كما لو أنّ رويدن—و هو—دفعَـا ثمنًا ما بسببها.
نعم ، حدثت أشياء خارج الخطّـة.
الكشف عن قوةّ رويدن الحقيقيّة، التي كانت يجب أن تظلّ مخفيةً لفترةٍ أطول.
أنّ رويدن الآن تقف علنًـا ضدّ بينريكس.
و قبل ذلك—على الرّغمِ من أنّه لم يرد ذلك أبدًا—أصبح رئيس عائلة رويدن.
لكنه لم يندم على أيّ من ذلك و لو لمرّة واحدة.
‘لم أفعل أبدًا شيئًا لم أرد القيام بـه.’
أراد أن يقول ذلك. لكنّها كانت صلبة.
إذا أخبرها أنّه لا يحتاج إلى مساعدة ، و حاول إيقافها—
ستأخذ ذلك بمعنى مختلف تمامًا عمّا يقصـده.
فرك وجهه بكلتا يديـه.
لكن العواطف المتشابكة التي أثقلت تعابيره لم يكن من السّهل محوها.
التعليقات لهذا الفصل " 106"