بسبب جريمة الخسارة في لعبة “حجرة، ورقة، مقصّ”، أجاب الفارس الذي أجبِر على الوقوف كحارس أمام باب القائد لثلاثة أيّام بصوتٍ متجهّم.
“لقد سبقـكَ الآخرون بالفعل.”
“لماذا لم يُنـادَ عليّ؟!”
“عادةً ما يجب أن تكون أوّل مَـنْ يصـل، حتّى دون أن تتمّ مناداتكَ، سيدي.”
بـدت نظرته كما لو كانت تسأل: ربّما لستَ قادرًا بما فيه الكفاية لتكون القائد المؤقت؟
ارتجف مارفن و توجّـه إلى غرفة العمليّات.
بحلول الوقت الذي دخل فيه، كان الاجتماع قد بدأ بالفعل.
طبعًا، كان يترأسه آيفرت و روديلا.
“إنّهم يطالبون بفدية و ملاذ آمن”، كان الفارس يبلّغ.
“ملاذ؟ من ماذا؟” سألت روديلا.
نعم، كانت الإمبراطوريّة في حالة اضطراب سياسيّ.
لكن لم يصل الأمر بعد إلى نقطة اندلاع صراع مسلّح.
لم يكن هناك سبب ليبحث أحد عن ملاذ بعد.
“ما زالوا يحقّقون. لكنّهم يقولون إنّه ما لم نرغب في قتل جميع الرّهائن، يجب علينا تبديد الدوّامات السّحريّة التي تحمي الحدود البحريّة للإمبراطوريّة.”
كانت المياه الإقليميّة للإمبراطوريّة شاسعة.
كان من المستحيل عمليًا على الفرسان حراسة الامتداد بأكملـه.
لذلك كانت القطع السّحريّة في البحر تخلق دوّامات، تجعل العبور بالسّفن مستحيلاً—ما لم يقم خفـر السّواحل بتعطيلها.
لكن كانت هناك مشكلة.
“إذن، إذا أردنا إنقاذ الرّهائن، يجب علينا تهدئة الدوّامات. لكن بعدها سيبحرون بعيدًا، أليس كذلك؟”
أومأ الفارس عند كلمات روديلا.
“هذا صحيح.”
“إذن كيف يخطّطون لإعادة الرّهائن؟”
إذا أرادوا منّا أن نأخذهم على محمل الجدّ، على الأقل فليكونوا منطقيّيـن.
لكن الفارس قال:
“احتجّ خفر السّواحل، و قُدّمت مقترحات متنوّعة، لكن…”
—عبس—
“الحبّ الأكثر منطقيّة كان تبادل الرّهائن.”
تبادل الرّهائن؟
رفعت روديلا حاجبها.
“تابِـع.”
جلس مارفن في مقعد القائد بينما كان يستمع.
تابع الفارس: “حتّى أنّهم اقترحوا رمي الرّهائن في البحر و إخبارنا باستعادتهم، لكن خفر السّواحل رفض كلّ هذا الهراء.”
بالفعل، كان ذلك هراءً يمكن لخفر السّواحل رفضـه فورًا.
“ما هي شروط هذا التّبادل إذن؟” سأل آيفرت.
بالتأكيد سيطالبون برهينة بنفس المكانة التي للنبلاء الذين أسروهم.
“يريدون شخصًا بمثل هذه الرّتبة بحيث يمكنه ضمان مرور الخاطفين بأمان—
“نبيل بلا قدرة قتاليّة.”
كان لدى الجميع نفس الفكرة.
مَـنْ سيوافق على ذلك؟ هل هم مجانين؟
لكن شخصًا واحدًا منهم فكّـر بشكلٍ مختلف.
“أوّلاً، يجب أن يكون نبيلًا. ثانيًا، يجب أن يفتقر إلى القدرة القتاليّة. ثالثًا، يجب أن يكون له مكانة عالية بما يكفي ليحلّ محلّ النبلاء المأسورين.”
ألقى نظرة على قائمة النبلاء الحاضرين.
“معظمهم ذو مكانة فيكونت، أو من عائلات بلا أسماء معروفة. يجب أن يريدوا شخصًا أعلى رتبة من هؤلاء. هذا يعني أنّ الإجابة واضحة—شخص من عائلة كونت أو أعلى.”
هل هذا الرّجل ربّما سقطَ على الدّرج هذا الصّباح و ضرب رأسـه؟
“إذن مَـنْ هو المجنون النّبيل ذو الرّوح النّبيلة ليصعد تلكَ السّفينة؟” سأل آيفرت، معبّرًا عن سؤال الجميع.
أشار مارفن بتقريره.
“هناك.”
كان يشير إلى روديلا لا غير.
رمشت روديلا.
هاه؟
“بلا قدرة قتاليّة، رتبة عالية…” فـردَ يـده.
“بالتأكيد لن تتخلّي عن النّبلاء الذين هم في خطر مميت أليس كذلك؟ ظننت أنّـكِ ستتطوّعين.”
ابتسم.
“لا تكن سخيفًا—لماذا لا يذهب القائد المؤقت إذن”، قال آيفرت.
“لكنّني أستطيع القتال؟”
“إذن لماذا لا تقاتلان، و الخاسر منكما يذهب؟”
قبل أن تتمكّن روديلا حتّى من القول إنّها لن تقاتل، كـادت السّاحة أن تُعـدّ.
تنحنح مارفن.
“كيف يمكنكما، كنبـلاء، أن تفعلا شيئًا غير لائق إلى هذا الحدّ؟ الوقت مهمّ جدًّا في هذا الوضع.”
“ماذا، هل أنـتَ خائف من أن تخسر أمام مسؤولة الشّؤون العامّة؟” سخر آيفرت.
بالنّظر إلى الفارق في الحجم و القوّة، كان يجب أن تكون روديلا في وضع غير مواتٍ، ومع ذلك…
نظرت روديلا إليه.
كان ذلكَ يعني أنّه يؤمن بها—يؤمن بمهارتها.
مما رآه في الأكاديميّة، على الأقلّ.
كان متأكّدًا من أنّها ستنتصر دونَ خدش واحد.
أحيانًا يُظهر هذا النوع من الثّقـة.
كانت هذه إحدى تلكَ اللحظات، حتّى في مثل هذا الوضع عندما لم يكن ينظر إليها حتّى.
“مَـنْ قال إنّني سأخسر؟!” ردّ مارفن بحدّة.
لكن حقيقة أنّه لم يوافق فعليًا على القتال تشير إلى أنّه لم يكن واثقًـا.
في تلكَ اللحظة—
“يقولون إنّ السّفينة تبتعد عن الميناء!”
رنّ صوت الفارس العاجل عبر الغرفة وهو يدخل مع إرساليّة.
أشار آيفرت برأسه إلى مارفن.
“اذهب، السّير مارفن تيلكوت، أيّها النّبيل الذي بلا قدرة قتاليّة.”
“أنا القائد المؤقت! ألا تعلم أنّ القائد لا يمكنه مغادرة منصبه؟!”
ثمّ سخـر.
“آه، أم أنّ القائد لاتيني كان يغادر منصبه طوال الوقت؟ هل هذا لماذا هو أمر مألوف لديك؟”
أصبح الجوّ في الغرفة باردًا على الفور.
رسميًا، نعم، كان يجب على لاتيني البقاء في منصبه.
لكن الطّريقة التي سخر بها منه و لوى كلماته كانت مسألة مختلفة تمامًا.
كان آيفرت يحسب في رأسـه ما إذا كان سيكون أسرع بضرب الرّجل و رميه في عربة عندما—
“انتظر.”
تدخّلت روديلا لإيقافهما.
كان الوضع عاجلاً بالفعل.
حقيقة أنّ الخاطفين كانوا ينقلون الرّهائن بعيدًا عن الميناء تعني أنّهم كانوا متّجهين نحو الدوّامات.
ما لم يتمّ وعدهم بملاذ آمن، كانوا مستعدّين للمخاطرة بأن يتحطّموا إلى أشلاء في الدوّامات.
ما الذي يمكن أن يهدّدهم إلى هذا الحـدّ؟
كان هناك شيء واحد مؤكّد—كانوا جادّين.
و لاحظت روديلا شيئًا.
بالنّظر إلى قائمة الأسرى—
كان بعضهم من الفئة المحايدة، لكن معظمهم كانوا من الفصيل الأرستقراطيّ.
بوضع ذلكَ جانبًا، كيف استطاع الخاطفون أسر هؤلاء النبلاء؟
جعلتها هذه الفكرة تضغط شفتيها في خطّ رفيع قبل أن تتحدّث.
“الرّهائن مأسورون، و مطالبهم واضحة. يجب أن نتحـرّك بسرعـة.”
وقفت مكانها.
“سأذهب.”
“سعيد بقـراركِ—”
“لا تكوني سخيفة، روديلا.”
التقـت أعينهما.
هذه المـرّة، لم يحوّل آيفرت نظره بعيـدًا.
بـدت عيناه الزّرقاوان اللامعتان و كأنّهما تخترقانها مباشرةً.
ثمّ استدار إلى مارفن.
“لن يترك الفرسان الحمر هذا الأمر يمـرّ—سيبحثون عن نبيل متعاون أيضًا.”
أومأ مارفن بحماس.
“بالطّبع.”
“لكنّهم لن يبحثوا بجدّيّة كبيرة.”
ردّ روديلا الفوريّ جعل وجـه مارفن يتقلّص.
فهـمَ آيفرت ما تعنيـه.
الفرسان الحمر، الذين يعاملون النبلاء ذوي الرّتب العالية بعناية، لن يقترحوا أبدًا أن يتقّدم أحدهم كضحيّـة.
“إذن سأعتبر ذلكَ موافقة منـكِ.”
بينما بدا أنّ الأمور تنتهي، قفـزَ مارفن واقفًا و صفق بيديه.
“القائد المؤقت معجب بروح التّضحية لمسؤولة الشؤون العامّة! تصفيق، الجميع!”
لم يصفّـق أحـد. و على ما يبدو أنّ أحدًا لم يكن مستعدّا لذلك.
تسلّل مارفن خارج الغرفة بإحراج.
ومع ذلك، أبقى آيفرت عينيه على روديلا.
“ما الذي تفكّرين فيـه؟”
كان لديها بعض الشّكوك، لكن لم يكن هناك وقت لتفسيرها.
“حتّى لو ذهبنا الآن، قد يكون متأخرًا جدًا. السّفينة قريبة بالفعل من الدوّامات.”
تحرّكت روديلا لتتبع مارفن إلى الخارج.
لكن آيفرت أمسكَ بها.
“……!”
نادرًا ما كان يلمسها، ممّا جعل إلحاحًه أكثر وضوحًا.
و، لدهشتها—أحبًّت ذلك.
لمسـه لها.
تمسّكـه بهـا.
أنّـه لا يزال يهتـمّ.
أنّـه لا يزال يقدّرهـا.
بالطّبع، لم تكن تفعل هذا الشّيء المجنون فقط للحصول على هذا الدّليل. لكن مع ذلك…
كانت للحظة عاجزة عن الكلام عندما—
“إذن سأذهب بدلاً منـكِ.”
“إذا قلتُ إنّك لا تملك قدرة قتاليّة، فلن تصدّقكَ حتّى الحصى المتدحرجة في ساحة العاصمة”، أجابت روديلا.
ضغطَ آيفرت يـده على جبهتـه.
ثمّ أخرج زوجًا من الأصفاد من جيبـه—الأصفاد السّحريّة من المرّة السابقة، التي كان يحملها الآن و يستخدمها أحيانًا بعد أن اكتشف المفتاح.
كانت الأصفاد السّحرية التي كان يستخدمها أحيانًا في الميدان بعد أن تعلّـم كيفية فتحها و إستعمالها.
التعليقات لهذا الفصل " 104"