“على أيّ حال، القائد المؤقّت الذي قيل لنا إنّه سيأتي كان السّيدة ستيلا إيدن من مكتب الإدارة.”
بوجه يقول، لماذا أنـتَ هنا بدلاً منها؟، حدّق آيفرت فيـه بتجهّم.
وعند هذا المشهد، شعـر كلّ فارس قريب برضا منعش.
‘هذا صحيح، مهما تسبّب هؤلاء الطّفيليّون في الضّجيج، فلن يجعلوا نائب القائد يركـع أبـدًا!’
“بسبب ظروف داخليّة في مكتب الإدارة، تغيّـر التّعيين. اعتبر الأمر كذلك.”
“هل هذا صحيح؟”
حقيقة أنّ مارفن كان يخاطب نائب القائد بأسلوب غير رسميّ، على الرّغم من كونه القائد المؤقّت، أزعجت الفرسان كثيرًا—فحصل على عدد من النّظرات الحادّة.
لكن مارفن رفـعَ رأسه بصلابة.
في الجيش، أوامر الأشخاص ذو السّلطة الأعلى مطلقة!
في هذا المكان، عصيان أوامره سيجلب عواقب، بطريقةٍ أو بأخرى!
ربّما شجّعته هذه الحقيقة، فتابع مارفن.
“على أيّ حال، طالما أنّ لاتيني موديلاك لديه مشاكل قانونيّة، في الوقت الحالي—”
قاطعته روديلا.
“لم تحدث المشاكل القانونيّة فعليًا بعد—هناك فقط شبهات.”
بمعنى آخر، انتبـه لكلامك.
هذا التّعليق الحـادّ أثار هتافًا صغيرًا من الفرسان.
“—على أيّ حال.”
مارفن تيلكوت، الذي كان قد تأثّر قليلاً باللقاء الأوّل، عبس.
“لنحاول التّعايش بأفضل طريقةٍ ممكنة في الوقت الحالي.”
بصوت ثقيل بالسّلطة، استدار.
نظرَ الجميع إليه بانزعاج عميق وهو يدخل مكتب القائد.
فكّرت روديلا في نفسها: ‘على الأقل من حسن الحظّ أنّه لا يوجد شيء هناك يتعلّق بالدّفاتر.’
ومع ذلك، لم يختفِ قلقها.
بالطّبع، كانت الدّفاتر التي تـمّ التّلاعب بها شبـه مثاليّة… لكن التّفكير في ذلك جعلها تشعر وكأنّها مجرمة.
لا—لكانت مجرمة حقًّـا.
فركت روديلا جبهتها.
لكن ذلكَ لم يكن الشّيء المهمّ الآن.
لن يواجه الفرسان الزّرق مشكلة كبيرة حتّى لو جاء تدقيق فوريّ، و ربّما كان قصر لاتيني بخير—وإلا لما انتهت الأمور هنا.
لكن إذا صادف أن وجدوا شيئًا في عقار لاتيني، فقد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا.
و حتّى لو لم يحدث ذلك، ماذا لو طال هذا الوضع واحتاجت الفرقة فجأةً إلى مبلغ كبير من المال؟
إذا نفدت الأموال التي كان لاتيني يجلبها، ستكون هناك مشكلة—و لن تنقذهم الدّفاتر المزوّرة حينها.
عضّـت روديلا شفتها.
“آيفرت.”
قرّرت مناقشة الأمر معـه أوّلاً—
لكن عندما استدارت بشكل طبيعيّ نحو المكان الذي كان فيه…
“…..”
كان قد اختفى.
لم تستطع إلا أن تحدّق بقلق في المكان الفارغ الذي كان يجلس فيـه.
المشاكل في كلّ مكان… حقًا.
منذُ ذلكَ اليوم، بدأت فرقة الفرسان الزّرق في التّصادم علنًا مع مارفن تيلكوت.
لو أنّـه أبقى فمـه مغلقًا، لكان الفرسان قد كرهوا وجوده فقط، لا أكثر.
لكن كأنّ شخصًا قد أمره بتدمير الفرسان الزّرق—بدأ فجأة بدفعهم نحو “إعادة تنظيم داخليّ”.
“كقائد مؤقّت، لديّ كلّ السّلطة التي يمكن أن يمارسها قائد.”
أوّل شيء لمسـه كان عمليّات الفرقة.
“أوّلاً، سنزيد عدد أفراد الدّوريّات بشكلٍ كبير و سنوقف كلّ الدعم المدنيّ لفترة.”
كان هذا عكس الاتّجاه الذي حافظَ عليه لاتيني تمامًا.
زيادة عدد أفراد الدّوريّات لم تكن عكس ذلك تمامًا—لكن المشكلة كانت—
“إلى أيّ مدى سنزيد الأفراد؟”
ردّ آيفرت بلهجةٍ بـدت وكأنّه يكره استخدام الأسلوب الرسمي، فشعر مارفن بنوعٍ من البهجة وهو يرفع خمسة أصابع.
“5% أكثر من السّابق.”
أجاب آيفرت. لكن مارفن هـزّ رأسه.
“خمسون بالمئة. نصف الفرقة يجب أن يكون في الدّوريّات.”
في تلكَ اللّحظة ، فكّـر آيفرت:
‘هل هذا الرّجل مجنون؟’
“فرقة الفرسان ليست وحدة دوريّات.”
“لكن الدّوريّات لا تزال جزءًا من المهام. الآن، عددهم غير كافٍ.”
مهما سمع ذلك، بدا و كأنّ مارفن يخطّط لتفريغ المقرّ و الفروع معًا.
لذا قال آيفرت:
“هذا غير ممكن.”
“هل تعصي الأوامر؟ أوامر القائد المؤقّت؟”
في الجيش، العصيان جريمة خطيرة. لكن آيفرت أجابَ بوقاحة:
“أعصي حتّى القائد الحقيقي، فما بالـكَ بشخصٍ بديل؟”
لو سمعَ لاتيني ذلك، لربّما شعر برضا مريب غامض—لكن لحسن الحظّ أو لسوء الحظّ، كانت هذه هي الحقيقة.
روديلا، التي جاءت لتقديم تقرير ورأت ذلكَ، كـادت تنفجر ضاحكة.
كان الأمر مضحكًا بطريقةٍ ما.
فكّرت روديلا أن هذه هي شخصيّته الحقيقيّة.
‘منذُ زمنٍ لم أرَ هذا الجانب منـه.’
‘لو فقط لم يتجنّبني هنا، لكان ذلكَ رائعًا.’
لكن بالطّبع، لم يحدث ذلك.
على الرّغم من أنّه لا بدّ أنّه لاحظَ وصولها، لم يلـقِ آيفرت نظرةً واحدة في اتّجاهها، محافظًا على تركيزه على مارفن.
“هل تتجاهل سلسلة القيادة العسكريّة؟ هل يريد نائب القائد أن يعاقَب على العصيان أيضًا؟”
بمعنى آخر، كان يهدّد بتقييد نائب القائد بتهمة العصيان، مثل لاتيني.
عبست روديلا.
على الرّغمِ من أن الأمر كان ممتعًا بطريقة ما، لكن إذا استمرّت الأمور على هذا النّحو—
“جـرّب ذلك.”
مهلاً!
كادت روديلا أن تمسك به في تلكَ اللّحظة.
“هل هذا صحيح؟ في هذه الحالة…”
أضـاء وجه مارفن، كما لو أنّه وجـد أخيرًا الذّريعة التي يريدها.
لكن آيفرت لم ينتـهِ.
“لكن إذا تركتُ هذا الجيش، أودّ منـكَ أن تتذكّر أنّني دوق رويدن، السّير مارفن تيلكوت.”
“أه… ماذا؟”
تلعثم مارفن.
ضغطت روديلا يدهـا على جبهتها.
بمعنى آخر، إذا تجاوز مارفن حدوده، فسيترك آيفرت الجيش ببساطة و يستخدم سلطته كدوق لسحقـه.
بالنّسبةِ لشخصٍ يتجنّب عادة التّباهي بمكانتـه، لقد تغيّـر آيفرت كثيرًا.
لكن هذه المرّة، بدا أنّه يعني ذلك.
شيء يريد فعله حقًا.
‘إلى أيّ مدى هو ما تريده……و إلى أيّ مدى هو ما لا تريده؟’
بينما ضغطت روديلا على شفتيها، بدا أنّ مارفن يجري تحليلًا سريعًا للأرباح و الخسائر في رأسه. ثمّ سعل.
“…في الوقت الحالي، يمكنكَ المغادرة.”
و هكذا، انتهت الجولة الثّانية بانتصار آخر لآيفرت.
دونَ أن يلقي نظرة على مارفن، استدار آيفرت—
و للحظة وجيزة، التقت عيناه بعينيّ روديلا.
في العادة، ربّما كان سيبتسم. أو ربّما يرافقها إلى الخارج، قائلاً لها ألّا تقـف بالقرب من أشخاص مثل مارفن.
لكن…
هذه المرّة، أومأ لها بأدنى إيماءة قبل أن يبتعـد.
كما لو أنّها كانت الوحيدة التي توقّعت المزيد من تلك اللّحظة القصيرة.
“…..”
عضّـت روديلا شفتها.
“آه، مسؤولة الشؤون العامّة هنا. دعينا نسمع تقريركِ.”
الرّجل من مكتب الإدارة، الذي كان دائمًا مغمورًا بأداء روديلا، بدا سعيدًا علنًا بفكرة فرض سلطته عليها.
و—
“…هذا يختتم تقريري. أيّ أسئلة؟”
“…..”
تقرير روديلا الحادّ الخالي من العيوب—على الرّغم من مزاجها المضطرب—جلب لمارفن هزيمته الثّالثة في فرقة الفرسان الزّرق.
* * *
إذا كان لا بدّ من تسمية أكبر فرق بين الفرسان الزّرق و الفرسان الحمر، فسيكون ما إذا كانوا يقدّرون الرّتبة و السّلطة أم لا.
من البداية، كان هناك اختلاف في الخلفيّة.
الفرسان الحمر لم يكتفوا بالحفاظ على سلطتهم الخاصّة فحسب، بل احترموا سلطة الآخرين أيضًا—فبعد كلّ شيء، هكذا تحصل على الفُتات.
لكن الفرسان الزّرق لم يكن لديهم شيء من ذلك.
الشّخص الذي كان يجب أن يهتمّ أكثر بالسّلطة، لاتيني موديلاك، لم يكن لديه أيّ اهتمام بها—أو بالسّياسة—على الإطلاق.
و الشّخص الثّاني الذي كان يجب أن يهتمّ، آيفرت رويدن…
“أيّها القائد، لا تتحدّث بكلام فارغ.”
…كان من النوع الذي يتحدّى حتّى سلطة القائد متى شعـر بذلك، تاركًا إيّاه بلا مبرّر للحفاظ على الرّتبة.
طبعًا، كانت فرقة الفرسان الزّرق خالية من قيود السّلطة.
ممّا يعني أنّ مارفن تيلكوت كان عليه أن يعاني.
كان القائد المؤقّت، لكن لا أحد استمع إليه!
“هل هذا صحيح؟ هذا يتطلّب موافقة نائب القائد، لكن لا يوجد توقيـع منه.”
حتّى الفرسان الكبار كانوا هكذا—و ذلكَ كان كافيًا لجعلـه يجـنّ.
بعد أن خسرَ معارك كثيرة لا تُحصى، غيّـرَ مارفن تكتيكاته.
خطّتـه الجديدة—
“من الآن فصاعدًا، ستتحرّكون في مجموعات من ثلاثة. هذا أمر القائد المؤقّت.”
—كانت أن يذهب إلى ميدان التّدريب بنفسه و يعيـد تنظيم الوحدات.
لم يكن يخطّط لدخول ميدان التّدريب المليء بالغبار، لكن الأوقات اليائسة تتطلّب تدابير يائسة.
وهذه المحاولة…
“مسؤولة الشؤون العامة! هل أمر تغيير الوحدات صحيح؟”
“لماذا تسأل مسؤولة الشؤون العامّة عن ذلك؟”
“لقد كنّـا دائمًا نتحقّق مع مسؤولة الشؤون العامّة، أليس كذلك؟”
“أليس كذلك؟”
“إنّها أوامر القائد ، أيّها الأحمق.”
“نفس الشّيء.”
…تحوّلت إلى هذا النوع من المحادثات، و فشلت فشلاً ذريعًا.
في اللّحظة التي كـاد مارفن تيلكوت أن يمسك بظهر رقبته و ينهار—
وقـعَ حـادث.
* * *
“أفراد مجهولون اختطفوا أكثر من اثني عشر نبيلًا و هم يحتجزونهم كرهائن على متن سفينة بالقرب من ميناء بومرت!”
وصلَ التّقرير العاجل قبل الظّهـر.
عند سماعه، استدعى القائد المؤقّت مارفن تيلكوت نائب القائد، و مسؤولة الشّؤون العامّـة، و الفرسان الكبار.
“استدعيهم إلى غرفة العمليّات فورًا!”
صرخَ بالأمر بسلطة جدّيّة.
لكن الفارس الذي تلقّى الأمر لم يتمكّن تمامًا من إظهار نفس التّعبير.
التعليقات لهذا الفصل " 103"