كان هناك سائل أحمر يتدفق فوق الطاولة التي كانت روديلا تمسك بها بيدها.  

 

في لحظة، كـادَ عقل آيفرت يضيع، لكنه…  

 

عند رؤية روديلا دونَ أي خدش، عـاد إليه رشده بصعوبة.  

 

بعد أن مـرّ بلحظات من الإنهيار العاطفي في ثوانٍ، عـضّ آيفرت على أسنانه.  

 

بينما كان يقترب منهما بسرعة، قال الدّوق بينريكس:  

 

“هذا مبالغ فيه بعض الشّيء.”  

 

كان هادئًا بشكلٍ لا يوحي بأنّـه هو الشّخص نفسه الذي حطّم الكأس بيده العارية قبل قليل.  

 

وقفَ آيفرت بينهما، كأنه يحجب نظرات بينريكس عن روديلا.  

 

“داميان فون غراي بينريكس.”  

 

كانت نبرته و كأنه يبصق الاسم. 

 

بل كانت كلماته تحمل نبرة هدير.  

 

رفعَ بينريكس يديه أمام نيّـة القتـل الواضحة.  

 

“مثل هذا التصرف العنيف! سأتقدّم بشكوى رسمية عبر الأقسام الإمبراطورية.”  

 

“شكوى؟” ضحكَ آيفرت بسخرية.  

 

“ليس فقط أنكَ أرسلت رسالة تهديد لاستدعاء شخص، بل…”  

 

أمسكَ آيفرت بالعقد الذي يتدفّـق النبيذ فوقه من يد بينريكس.  

 

ثمّ__  

 

شق! 

 

على الرّغمِ من أن العقد السحري أطلقَ شرارات سحرية عند تمزيقه، إلا أنه لم يؤثر على يد آيفرت.  

 

“جهّزتَ مثل هذا العقد الاحتياليّ ، و إذا قامت بالرّفض…”  

 

أشار إلى الخارج و هو ينفض كومة الأوراق الممزقة.  

 

“اتخذتَ إجراءات لتفجير العربة التي كانت ستركبها. إذن أين يجب أن أتقدم بشكواي أنا؟”  

 

عند هذه الكلمات، توقفت أنفاس روديلا.  

 

‘ماذا؟’ 

 

لكن الكلمات المذهلة لم تنتهِ بعد.  

 

“نفس الطريقة التي استخدمتها يوم تخرّج الأكاديمية، ليست مبتكرة على الإطلاق.”  

 

عند سماع هذا، تجمّدت روديلا.  

 

كانت كلمات آيفرت تعني أن الدوق كان يعرف بصدمتها و حاول استغلالها.  

 

التفت آيفرت، الذي كان يحدّق بالدوق، إلى روديلا.

  

كان هناك قلق لا يمكن إخفاؤه في عينيه، اللتين التقتا بعينيها لأوّل مرّة منذُ فترة.  

 

“هل تريدين سماع المزيد؟ إذا أردتِ، يمكنني الانتظار.”  

 

مـرّر يده بعصبية عبر شعره الأمامي.  

 

“لكن لا أعرف إن كان الدّوق سيبقى بخير.”  

 

كان يعني أنه لن يستطيع كبـح نفسه إذا بقي لوقت أطول هنا.  

 

لوّحت روديلا بيدها بسرعة.  

 

“لا، كنتُ سأرفض و أغادر.”  

 

عندها، التفت آيفرت إلى الدّوق بينريكس بنظرة متعمدة.  

 

“إذن لا داعي للأسف على تمزيق العقد.”  

 

على الرّغمِ من أن تعبيره كان عكسَ ذلك تمامًا.  

 

“سأنتظر خطاب الشّكـوى.”  

 

أحاطت يد كبيرة كتفيّ روديلا بلطف غير معهود. 

 

نظرَ الدّوق بينريكس إليهما و هما يغادران دونَ كلام.  

 

* * *

 

شعرت روديلا بأنها تكًاد تختنق.  

 

كانت تشعر برعشة خفيفة في اليـد التي تمسك كتفها.  

 

بدت و كأنها تواجهه لأوّل مرّة منذُ زمن طويل، لا، كأنها قريبة منه بهذا الشّكل لأول مرّة منذُ زمن طويل، باستثناء أوقات النّـوم.  

 

عندما خطرت لها هذه الفكرة، أرادت أن تنظر في عينيه.  

 

أرادت أن تعلم، و لو قليلاً، بالذي يفكر فيه.  

 

لكن جسدها تفاعل قبل عقلها.  

 

“…..”

 

جسدها، الذي كان يتظاهر بالهدوء أمام الدّوق بينريكس، انهار بمجرد أن زال التوتر.  

 

لم يتفاجأ آيفرت، بل أمسكَ جسد روديلا المنهار.  

 

“آه، شكرًا…”  

 

توقّفت روديلا وهي تتحدث.  

 

كانت الزخارف مبعثرة بشكلٍ فوضوي في الممر. 

 

كانت هناك آثار قتال واضحة في الممر، لا شكّ أنها من فعل آيفرت.  

 

ربّما لو تجاوزت زاوية الممر، سترى مشهدًا أكثر وحشية.  

 

شعـرَ آيفرت بنظرتها، فغطّـى عينيها بيده.  

 

كانت يده دافئة.  

 

“لا تنظـري، أغلقي عينيـكِ.”  

 

بدلاً من التّفكير في أي شيء آخر، أغلقت روديلا عينيها كما أمـر.  

 

“أحسنتِ.”  

 

بعد صوته الهادئ، شعرت روديلا بجسدها يُـرفع فجأة في الهواء.  

 

كان آيفرت يحملها.  

 

“…..!”

 

توقفت عن التنفس من المفاجأة للحظة، لكنها لم تتحرّك.  

 

كأنها عادت من مكانٍ بارد، كان حضنه دافئًا جدًّا.  

 

‘بمجرّد أن نخرج من هنا، هل ستتجنّبني مجدّدًا؟’  

 

مع شعور الراحة الدافئ، شعرت فجأة بحزن يغمرها.  

 

بينما كانت تغلق شفتيها بإحكام، تحرّكَ آيفرت.  

 

تحرّكَ بسرعة مثل نسمة خفيفة، مغادرًا المكان.  

 

“هل أنـتِ بخير؟”  

 

جاء صوت عاجل و هو يسـأل.  

 

كان صوت رودين. سأل بسرعة، ثم همسَ لآيفرت:  

 

“الضّـرر في القصر كبير… سيكون هناك شكاوى كبيرة من بينريكس.”  

 

حتى لو كانت فيلا، فمن الطبيعي أن يشتكوا بعد تدمير نصفها.  

 

لكن آيفرت ردّ بوقاحة:  

 

“لقد شاركتَ في التدمير و الآن تشعر بالحرج؟”  

 

‘رودين شاركَ في التدمير أيضًا؟’

 

بما أنه لم يـردّ، يبدو أن ذلك صحيح.  

 

يبدو أن الضّوضاء التي سمعتها أثناء هراء الدّوق بينريكس كانت بسببِ رودين أيضًا.  

 

كانت تعتقد أن كلام الدّوق عن الحارس هراء، لكن…  

 

عند التّفكير في توقيت ذلكَ الضّجيج، كان من الواضح أن رودين لاحظَ شيئًا غريبًا مبكّـرًا.  

 

“اتخذتَ إجراءات لتفجير العربة التي كانت ستركبها. إذن ، أين يجب أن أتقدم بشكواي أنا؟”  

 

عند التّفكير في كلمات آيفرت السابقة، ربّما اكتشف رودين شيئًا غريبًا في العربة.  

 

تخيلت روديلا فجأةً صورة رودين و هو يتحرك بيأس، فابتسمت دونَ قصد.  

 

“هذه المرة، حميتَني بحياتكَ، السير رودين.”  

 

أرادت فتح عينيها، لكن بعد أن زال التوتر، كان ذلك صعبًا.  

 

بعد صمتٍ قصير، جاءَ صوت رودين المبحوح، مع نبرة أسف.  

 

“كنتُ ناقصًا. أعتذر.”  

 

لو كان ناقصًا حقًا، لما استطاع في هذا الوقت القصير التواصل مع رويدن و استدعاء آيفرت.  

 

هـزّت روديلا رأسها للدلالة على أن كل شيء بخير.  

 

في تلكَ الأثناء، قال آيفرت:  

 

“إذا جـاء طلب حرب إقطاعية، سأقبله. لا يهمّ إن كانت شكاوى أو أي شيء آخر”  

 

حرب إقطاعية.  

 

شعرت روديلا بأن قلبها يبرد.  

 

في النهاية، هذا يعني رؤيـة الدم.  

 

“إذا كانت حرب إقطاعية، يجب تقديم تقرير رسمي عن القوّات.”  

 

أدركت روديلا المعنى الخفي في كلمات رودين.  

 

بما أن رويدن لديها قوّات مخفية، سيسبّب ذلك مشكلة لهم بكل تأكيد.  

 

لكن آيفرت، سيّد العائلة، أجاب على الفور كما لو أن الأمر لا يهم.  

 

“سجّـل الحد الأدنى من القوّات. سأقود الطليعة.”  

 

حـرب. و آيفرت في المقدمة.  

 

“ألم تفكري يومًا أن دوق رويدن، الذي يجب أن ينحني أمام إمبراطور الذي منعـه حتى من العثور على جثّـة والده، يجب أن يكون الآن الأكثر معاناة؟”  

 

على الرّغمِ من أنها تعلم أن كلمات الدّوق بينريكس كانت هراء، إلا أن فكرة رؤية الدم جعلتها تتذكرها.  

 

على الرّغمِ من أنها لم تكن تنوي توقيع العقد.  

 

شق!  

 

تذكرت صورة آيفرت و هو يقتل شخصًا دونَ تعبير، فأطلقت نفسًا مضطربًا.  

 

كـان حضنه، الذي كانت فيه، مريحًا.  

 

‘دفئكَ رائـع، يجبُ أن أشكركَ على هذا الأمر أيضًا.’  

 

لكن بعد كشف قوّات رويدن المخفية سابقًا ، و الآن مع أمر الحرب الإقطاعية ، كان آيفرت بسببها هي يضطر لفعل أشياء لم تكن في خططه، و ربّما لا يريدها.  

 

مع هذه الفكرة، وجدت صعوبة في مواجهة عينيه.  

 

“ستكون هناك معارضة داخلية.”  

 

جـاء صوت رودين مجدّدًا.  

 

“إذن اسألهم إن كانوا يوافقون على ترك عائلة تهدّد خطيبة سيّد العائلة دونَ عقاب.”  

 

شعرت روديلا أن كلماته عنها تركت أثرًا خاصًا في قلبها.  

 

“هذا…”  

 

سمعت رودين يتلعثم بإحراج.  

 

بينما كانت تستمع إلى هذا الحديث، عززت عزمها الخفيف في قلبها.  

 

نعم، بسببِ هذه العلاقة، سيتعيّن على آيفرت تقديم المزيد من التّضحيات في المستقبل.  

 

سيواجه الـدّم بسببِ هذا الخطوبة المزيّفـة التي تقف في وجع مشكلة عروض الزواج الأخرى.  

 

لم يكن هذا صحيحًا.  

 

لذلك، اتّخذت قرارهـا. 

 

‘لننهـي الأمر.’ 

 

لم ترغب في أن يشعر آيفرت بالضّيق منها، ولم ترغب في أن يصبح أكثر معاناة.  

 

و الأكثر من ذلك، كرهت أن يضطـر لفعل أشياء لا يريدها.  

 

‘لـذا…’  

 

بعد أن حسمت قرارها، رفعت روديلا جفنيها.  

 

رأت تعبير آيفرت المتجمّد.  

 

تعبيره المتجمّد من القلق، و كأنّـه يكبح شيئًا ما__ 

 

نعـم.  

 

أغلقت روديلا عينيها.  

 

هذا هو الخيار الصحيح.  

 

في تلكَ اللحظة، لم يستطع جسدها، الذي تغلّـب عليه الإرهاق، مقاومـة فقدان الوعي.