وفي وسط القاعة، كان شخصان لا يقلّان أهمية عن أبطال هذا الموسم يرقصان معًا.
الدوق “آيفرت لويدن” و الآنسة “روديلا سيفريك”، ابنة الكونت.
منظرُهما و هما يتبادلان الابتسامات و أذرعهما متشابكة، لم يكن مشهدًا مألوفًا في عالم النبلاء المليء بزيجات سياسية.
“رؤيتنا لهذين الشخصين هكذا، ستكون الأخيرة هذا العام، أليس كذلك؟”
“بالفعل، فهما سيتزوجان قريبًا. لا بدّ أن الحفلات ستُقام في دوقية لويدن أو في عائلة سيفريك.”
“إذًا، لن يعودا إلى المجتمع الأرستقراطي المركزي؟”
حتى حين يتحدّث الناس في القاعة عن مواضيع أخرى، كانوا يعودون في النهاية للحديث عن هذين الاثنين.
فقد كانت قصّتهما مشهورة منذ زمن طويل.
“يُقال إنّهما لم يفترقا منذ أيّام الأكاديمية!”
“تخيّلوا، من أصدقاء الطفولة إلى خطيبين! انظروا إلى هذا المشهد الرومانسي!”
“يا إلهي، أليس هذا رائعًا؟”
وسط رفرفة المراوح المسرعة.
كان بعضهم يُلقي نظرات ودودة، بينما آخرون يمزجون الغيرة بالإعجاب في كلامهم.
“لكن، ألا يبدو أنّ الأمر طال أكثر من اللازم؟ ماذا إن انفصلا؟”
“انفصال؟ سيكون من الأفضل حقًا لو انفصلا! من كان يظن أنّ دوقية راقية مثل لويدن ستُخرج شخصًا كهذا؟”
“صحيح. أن يتورّط مع عائلة جديدة لا تختلف عن عامّة الشّعب… حقًا!”
و فيما كان البعض يهزّ رأسه و يمسح ذقنه…
تسلّلت تحت تلك الخصلات الذهبيّة المضيئة كنور الشمس، نظرة باردة من عينين زرقاوين، مسحت الجمع بهدوء.
“……!”
و بتلك النظرة المنخفضة التي حملت إنذارًا، تراجع من تكلّم أخيرًا و اختفى وسط الآخرين.
“ما الخطب؟”
سألت روديلا و هي تنظر إلى آيفرت.
“لا شيء مهم.”
أدار آيفرت رأسه مجددًا نحو خطيبته المحبوبة بابتسامة.
أمّا روديلا ، فحدّقت فيه باستغراب.
“فقط ، ظننتُ أنني سمعتُ صوتًا مزعجًا.”
ثم أمسك آيفرت بخصرها بخفّة و أدارها في الرقصة بابتسامة.
*****
كانت الموسيقى الراقصة قد أوشكت على الانتهاء.
و تفرّق الراقصون باحثين عن أماكن للراحة حول الطاولات ، بينما انسحب البطلان خفية إلى الشرفة.
― طق.
فتح آيفرت الباب و قاد روديلا إلى الداخل.
كانت تصرّفاتهما حتى تلك اللحظة طبيعية و سلسة، كأنه مشهد مثالي لعاشقين مقبلين على الزواج.
لكن.
― طقطقة!
ما إن أُغلِق الباب و سدّت الستائر الداكنة الفاصلة بين قاعة الحفل و الشرفة…
حتى تبدّل التعبير الرّاقي على وجه روديلا فجأة.
“فووو…”
أبعدت يدها عن آيفرت ، و تمدّدت بتعبير مريح.
“آه! كان يومًا مرهقًا أيضًا!”
‘كدتُ أُكسر من كثرة إجبار نفسي على الابتسام!’
ذلك الوجه الذي بدا جميلًا كعروس مقبلة على الزواج ، كان أول ما فكّرت به.
انعكس ضوء القمر على وجهها و هي تدلّك خدّيها بضيق.
ملامحها الساخرة ، كانت مختلفة تمامًا عن وجهها الخجول في قاعة الحفل.
و هذا ذلك هو وجهها الحقيقي الذي يعرفه آيفرت جيدًا.
اقترب منها بهدوء و اتكأ إلى جانبها على الدرابزين.
و فيما تألّقت نجوم السماء فوقهما ، كانت خطيبته تحدّق بالسماء ببريق شبيه بنجوم المجرة.
‘خطيبة، هاه؟’
من سيصدّق لو قيل انّهما ليسا حبيبين؟
“بقي أمامنا سنة واحدة ، صحيح؟”
سألت روديلا و هي عيناها تلمع.
أومأ آيفرت بخفة.
نعم.
فالعلاقة بينهما كانت مؤقتة.
علاقة تعاقدية.
قبل عشر سنوات تقريبًا.
تألّقت روديلا منذ أيام الأكاديمية ، و تهاطلت عليها عروض الزواج.
كانت عائلة سيفريك من نبلاء الحدود ، و قد نهضت من بين رماد الحرب الأخيرة.
أي أنّها لا تملك روابط كثيرة مع مركز الإمبراطورية.
لهذا ، كانت عروض الزواج تكثر بادّعاء تقديم الدعم.
لكن روديلا لم تكن ترغب في استغلال تلك الروابط.
“سأتقدّم بنفسي . كفى عروض خطوبة! هذه ثالث مرّة هذا الأسبوع فقط!”
الاعتماد على قوى العائلات الأخرى؟ ربما يبدو سهلًا ، لكن…
إن لم تكن قوتكَ الحقيقية ، فستتهاوى حالما تختفي.
و لم تكن تريد أن تنهار.
أرادت أن تبني أساسًا متينًا بيديها.
من دون أيّ متغيّرات!
حين قالت هذا وهي غاضبة، باغتها آيفرت بالسؤال
“إذًا، ماذا عني؟”
“ماذا؟”
“كشريك زواج.”
حدّقت به روديلا بدهشة.
ما هذا، و كأنّ أجراس العاصمة رنّت وسط نومها؟
رفعت حاجبيها باستغراب ، فتابع آيفرت بهدوء:
“أو ، على الأقل ، خطوبة مزيّفة . لن تأتيكِ عروض زواج بعدها ، أليس كذلك؟”
و أشار إلى نفسه.
“أنا و أنتِ… نواعد بعضنا.”
“أنا و أنت؟ نتواعد؟؟”
هذا الاقتراح السخيف لم يثر حتّى ضحكتها.
“لا يمكن مواعدة صديق.”
لوّحت بيدها رافضة ، لكن…
“الأمر ليس حقيقيًا، ، فقط إلى أن يختفي من يزعجك.”
“هاه؟”
“كنتُ أيضًا متضايقًا من كثرة العروض التي أتلقّاها.”
بحسب كلامه ، فقد كان اقتراحًا من أجل أن يكون كلّ واحدٍ منهما حاجز صدّ لبعضهما البعض.
…و قد كان اقتراحًا مغريًا.
“حسنًا… هذا يبدو جيدًا.”
و بعد خطوبتهما ، توقّفت عروض الخطوبة.
و انطلقت روديلا بكلّ قوتها نحو الترقي .
و كانت النتيجة:
نجمة قسم الشؤون العامة في العاصمة الإمبراطورية : روديلا سيفريك.
نائب قائد فرقة الفرسان الزرقاء : آيفرت لويدن.
أصبح الاثنان من أبرز مواهب الإمبراطورية.
وفي تلك الأثناء، لم يتبقَّ الكثير من فترة خطوبتهما……
“تبقّت سنة واحدة فقط!”
صرخت روديلا بفرح.
‘سنة واحدة سأُركّز فيها ، ثم أمثّل أنّنا انفصلنا… و هكذا تنتهي الضغوطات!’
و مسألة وراثة العائلة؟
كانت تخطّط لجلب ابنة أو ابن بالتبنّي و تربيتهم كخلفاء لها.
فهي نفسها كانت متبنّاة في عائلة سيفريك ، فلا بأس في ذلك.
ضحكت روديلا ببهجة.
لكن نظرات آيفرت نحوها كانت مختلفة.
سنة ، فقط سنة واحدة.
ظلّ يراقبها ، حتى و هي تحدّق بوجه مبتهج نحو السماء.
كما فعل طيلة السنوات العشر الماضية ، منذ الأكاديمية.
نعم ، سنة واحدة.
‘الوقت المتبقي… لأجعلكِ ترينني.’
‘آخر فرصة لديّ.’
شدّ قبضته بقوّة.
*****
و الفرصة تأتي دومًا لمن كان يستعدّ من أجلها.
فقد كانت في يد آيفرت الآن.
المفتاح الوحيد في العالم.
مفتاح فكّ الأصفاد السحرية التي تربط معصميهما.
بسبب حادث غير متوقع ، اضطرا للعيش معًا بسبب الأصفاد.
ليس لمرة واحدة ، بل مرتين.
على أي حال ، كانت روديلا تتمنّى انتهاء هذه الفترة المحرجة بأسرع وقت.
وكانت تظن أنّ آيفرت يرغب في ذلك أيضًا.
لكن…
“ما الذي تفعله؟”
قالت روديلا بنظرة مشرقة ، و هي تظن أنّها ستنال حريّتها أخيرًا ، و نظرت إلى المفتاح.
لكن وجه آيفرت كان مختلفًا تمامًا.
بدت عليه علامات التّردد.
“آيفرت؟”
ردّ آيفرت عليها.
“أنا أفكر.”
“……؟”
لم ينتظر منها جوابًا ، فتابع مباشرة:
“هل سيخيبُ أملكِ؟”
ماذا يقول؟
فتحت روديلا عينيها على اتساعهما ، بينما قبض آيفرت على المفتاح.
“هذا.”
اختفى المفتاح داخل يده.
“إن حطّمته… هل ستُصابين بخيبة أمل؟”
ما هذا الجنون؟
مدّت روديلا يدها بلا وعي نحو المفتاح. لكن آيفرت رفع يده عاليًا ، فلم تستطع الوصول إليه.
“أنتَ―”
و بينما كانت روديلا تحاول سحب ذراعه….
― طق!
توهّجت الأصفاد السحرية المشدودة بين معصميهما بقوة.
حينها توقّفت روديلا عن الحركة. و همس صوت آيفرت في أذنها:
“أريد البقاء معكِ. هكذا ، كما نحن الآن.”
“ألستَ معي كلّ يوم؟”
قالت روديلا بنبرة مستغربة، لكن آيفرت هزّ رأسه.
“لا ، ليس كما اعتدنا ، و لا كأصدقاء.”
نظر إليها آيفرت و اقترب منها خطوة عميقة.
“أقرب من هذا.”
تقدّم خطوة أخرى حتى أصبحا متقاربين جدًا ، لدرجة أنها شعرت بالحرارة بينهما .
فتحت روديلا عينيها بدهشة.
“….نعم، هكذا. أريد أن أثير اضطرابكِ.”
“ماذا؟”
قالت بصوت مشوّش، فأطلق آيفرت تنهيدة.
“ألم تفهمي بعد؟”
مال برأسه نحوها قليلًا.
“حتى لو اقتربتُ منكِ هكذا، و همستُ لكِ بهذه الطريقة.”
هبطت شفتاه على رأسها.
قبلة.
“……!”
تفاجأت روديلا و فتحت شفتيها قليلًا ، فتابع آيفرت بهمس:
“حتى الآن، هل ما زلتِ تريني مجرّدَ صديق؟”
ارتجفت عيناها. و ارتسمت ابتسامة على شفتي آيفرت.
“ألم تقولي إنّ على الشخص المجنون يجب أن يُقيَّد؟”
طقطقة!
حرّك معصمه المقيّد أمامها.
“إن أزلنا هذا…..”
‘إن ابتعدتِ عني، و إن أضعتُ هذه الفرصة…’
“سأفقد عقلي. فماذا أفعل؟”
“……آيفرت.”
فتحت روديلا عينيها على اتساعهما.
لم يكن هذا صديق الطفولة المرح الذي تتذكّره . بل رجلًا غريبًا ، و مألوفًا في آن واحد.
بوجه يثير فيها شعورًا غريبًا. اقترب عطره منها أكثر.
أغمضت روديلا عينيها بقوة.
كيف وصلنا إلى هذا الحدّ؟
حسنًا، بدأ كلّ هذا بحادثة بسيطة ، و لكنها عظيمة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"