1
“حلمي أن أكونَ شريرةً تتحكّمُ بالعالمِ.”
في الوقت الذي يعلنُ فيه أطفالُ دارِ الأيتامِ عن أحلامهم وقفت فلورا، بعبوسٍ جادٍّ، تنظرُ إلى ورقةٍ مكتوبةٍ بخطٍ متعرّجٍ، وتقرأُ بنطقٍ غيرِ مكتملٍ، ببطءٍ.
“سأصبحُ شرّيرةً عظيمةً، وسأجعلُ العالمَ مملكتي! الجميعُ سيركعُ عندَ قدميَّ، وسيَرتجفُ خوفًا!”
كلماتُها المليئةُ بالطموحِ جذبت أنظارَ الجميعِ.
وبفخرٍ، وضعت فلورا الورقةَ التي تسيرُ عليها دودةٌ سوداءُ مرسومةٌ بخطِّها.
لكنّ أنظارَ الجميعِ ظلّت معلّقةً بها.
بعضُهم فتحَ عينيه بدهشةٍ، وبعضُهم وضعَ يده على فمه، لكن لم يجرؤ أحدٌ على السخريةِ من كلامِها، مهما بدا غيرَ معقولٍ.
ولم يكن ذلك لأنّهم لم يستطيعوا، بل لأنّهم لم يريدوا.
ففي هذا المكانِ…
“إذن، سأكونُ أوّلَ أتباعِ فلورا!”
“ماذا تقولُ يا جوني؟ ألم تقلْ إنّكَ تريدُ أن تصبحَ طبّاخًا بارعًا؟ أنا الأوّلُ!”
“إذن، لن أكونَ تابعةً، بل ذراعَ فلورا اليمنى!”
“يا إلهي، صوفيا عبقريّةٌ! إذن، أنا ذراعُها اليسرى!”
لا يوجدُ هنا سوى أشخاصٍ يعشقونَ فلورا.
عندما ردَّ كلٌّ صوفيا وكاي على كلامِ جوني بصياحٍ، اندفعَ الأطفالُ، كأنّهم لم يفكّروا في ذلكَ من قبلُ، يتسابقونَ ليضيفوا كلامًا يدّعونَ فيه مكانةً لهم.
فتحَ نقاشٌ جديدٌ أبوابَهُ على مصراعيها.
“الأطفالُ يحبّونَ فلورا حقًا.”
“فلورا أصغرُهم، وهي أيضًا رائعةُ الجمالِ.”
عندَ كلامِ ليان، غطّتْ السيدةُ فيني فمَها وهي تضحكُ بهدوءٍ.
“فلورا تعاملُ الأطفالَ بلطفٍ أيضًا. لا أستطيعُ تخيّلَ دارِ الأيتامِ بدونِها.”
كانَ مشهدًا مذهلاً، حيثُ تجمّعَ الأطفالُ يصيحونَ بصخبٍ، و يغيّرونَ أحلامَهم التي أعلنوها أمامَ الجميعِ.
ومعَ ذلكَ، كانتْ السيدةُ فيني، مديرةُ الدارِ، وليان، الموظّفُ، يراقبانِ هذا الصخبَ بابتسامةٍ هادئةٍ.
“هيــا، اصــمتـوا جميـعًا!!!”
كأنّها اعتادت هذا الموقفَ، صرختْ فلورا بكلِّ قوتِها لتلفتَ انتباهَ الجميعِ.
كلمةٌ واحدةٌ من فتاةٍ صغيرةٍ، لكنّ الجميعَ أغلقوا أفواهَهم في اللحظةِ نفسِها، كأنّهم اتّفقوا مسبقًا.
للحظةٍ، بدتْ فلورا راضيةً، ثمّ وضعت يديها على خصرِها، ونظرت بعبوسٍ صارمٍ.
“من يجرؤُ على اختيارِ أتباعي دونَ إذني؟ أنا من سأختارُ أتباعي!”
إنّها مجرّدُ طفلةٍ في الرابعةِ من عمرِها.
لكن، بصوتِ فلورا، بدأَ الجميعُ يتزلّفونَ لإرضائِها.
“صحيحٌ، صحيحٌ. فلورا هي من يجبُ أن تختارَ.”
“بالضبطِ، هذا هو العدلُ!”
أيّدت صوفيا كلامَ جوني، ولم يفوّتْ جوني الفرصةَ، فرفعَ كيسَ الحلوى وصاح.
“فلورا، لم آكل حلوى اليومَ بعدُ، هل تريدينَ بعضًا؟”
“جوني! الرشوةُ ممنوعةٌ!”
عندما ظهرت الرشوةُ، وقفَ كاي أمامَ جوني وصاحَ. لكن فلورا، بدلاً من ذلكَ، سخرت.
“أنا شرّيرةٌ، لذا الرشوةُ لا بأسَ بها.”
بوجهِها الجادِّ وكلامِها، توقّفَ كاي عن منعِ جوني، وسارعَ ليقدّمَ قطعةَ الشوكولاتةِ التي كانتْ من نصيبِهِ.
“فلورا، خذي حصّتي!”
“آه، التقليدُ ممنوعٌ!”
عادتِ الضجّةُ لتعمَّ المكانَ.
تراكمتْ أمامَ فلورا جبلٌ من الحلوياتِ، وارتعشت زاويةُ فمِها وهي تحاولُ الحفاظَ على جديّتِها.
‘ها، هذه الشعبيّةُ… متعبةٌ حقًا.’
كلامٌ قد يراهُ البعضُ وقحًا، لكن لو سمعهُ أهلُ الدارِ لأومأوا برؤوسِهم موافقينَ.
فلورا، في سنِّ الرابعةِ فقط.
بجمالِها اللطيفِ، تحتكرُ حبَّ الجميعِ واهتمامَهم، نجمةُ دارِ فيني للايتام الأكثرَ شعبيّةً.
لكن، من يعرفُ حقيقتَها؟
إنّها، في الواقعِ، تجسيدُ الشيطانة الأعظمِ موروس، أعظم أعداءِ البشريّةِ التي حاولت إفناءَ العالمِ.
نظرتْ فلورا إلى الأطفالِ الصاخبينِ، وهمست بصوتٍ لا يسمعهُ أحدٌ:
“هيو، في حياتي السابقةِ كنتُ شيطانةً عظيمةً، والآنَ أعاني من شعبيّةٍ زائدةٍ…”
***
‘كيفَ حدثَ هذا؟’
كانتْ فلورا تستيقظُ كلَّ يومٍ بنفسِ الفكرةِ.
الشمسُ مرتفعةٌ في السماءِ، وأشعّةُ الضوءِ تتسلّلُ عبرَ فراشِها الورديِّ.
مرّتْ سنواتٌ سريعًا منذُ ولادتِها الجديدةِ، وها هيَ في الرابعةِ، لكنْ لا هذه الغرفةُ اللطيفةُ ولا الظروفُ المحيطةُ بها صارت مألوفةً تمامًا.
نظرتْ فلورا بذهولٍ إلى غطائِها، ثمّ نهضتْ ببطءٍ من سريرِها عندما سمعتْ ضحكاتِ الأطفالِ البريئةَ من الخارجِ.
دخلتْ الحمّامَ لتغسلَ وجهَها، فاستقبلَها مرآةٌ كبيرةٌ.
شعرُها الورديُّ الناعمُ يتدلّى برفقٍ أسفلَ كتفيها، وعيناها الذهبيّتانِ تلمعانِ كنجومٍ في وضحِ النهارِ.
بشرتُها البيضاءُ النقيّةُ، خدّاها المتورّدانِ، عيناها الواسعتانِ، أنفُها المرتفعُ، وشفتاها الصغيرتانِ الحيويّتانِ.
حتّى بعدَ استيقاظِها مباشرةً، لا أثرَ للإهمالِ في مظهرِها، كأنّها دميةٌ مثاليّةٌ.
“حقًا، لماذا صرتُ بهذا الشكلِ؟”
في الماضي البعيدِ، خلقَ الحاكم بيشارت العالمَ، وصنعَ بيديهِ كائناتٍ حيّةً لا تُحصى.
قام البشر وطوّروا العالمَ، لكنْ كانَ هناكَ من حاولَ إفناءَ عالمِهم السلميِّ.
كانت تلكَ الشيطانةُ موروس.
لوّثت الشيطانة العالمَ بالشرِّ والفوضى، وارتكبت جرائمَ أودتْ بحياةِ الكثيرينَ، حتّى قُتِلت على يدِ خمسةِ أبطالٍ.
لاكتاسيا فيليناود، بابلون هيرمانوس، أوبرا بيلاسيا، غزيت ديسيمو، وإيتار لوسيفير.
لكن، على عكسِ أمنياتِ الناسِ، لم تمت شياطينُ موروس بعدَ موتِهِا، بل استمرّت في تهديدِ البشريّةِ.
لذا، أسّسَ الأبطالُ الخمسةُ إمبراطوريّةَ فيليناود لحمايةِ العالمِ.
تحتَ حكمِ عائلةِ فيليناود الإمبراطوريّةِ، ومعَ ولاءِ هيرمانوس في الشرقِ، وبيلاسيا في الغربِ، وديسيمو في الجنوبِ، ولوسيفير في الشمالِ، حافظوا على الحكمِ لألفِ سنةٍ، محققينَ عصرًا ذهبيًّا.
لماذا أشرحُ هذا؟
‘لأنّني أنا الشيطانة التي قُتِلت على يدِ الأبطالِ.’
مصدرُ الشرِّ.
قاتلة البشريّةِ.
مدمّرة العالمِ و جالبةُ الفوضى.
لا توجدُ كلماتٌ سلبيّةٌ تكفي لوصفِ الشيطانة، الذي توِقّعَ أن تتلاشى روحُها بعدَ موتِها.
لكن، على عكسِ التوقّعاتِ، فتحت عينيها من جديدٍ.
كانتْ هذه فرصةً ثانيةً من بيشارت.
عزمت فلورا، بدعمٍ من توقّعاتِ بيشارت واستجابةً للبشريّةِ التي جعلتْها شيطانة، أن تصبحَ هذه المرّةَ شرّيرةً تسيطرُ على العالمِ وتُفني البشريّةَ.
لكن، لم تكن خططُها الطموحةُ سهلةَ التحقيقِ…
〈أبو بو.〉
〈آه، فلورا الحلوةُ، ما أجملَكِ!〉
〈أبو بو بوب!〉
〈يا للأسفِ… هل جعتِ؟ لا يمكنُ أن نتركَ طفلةً جميلةً مثلَكِ دونَ طعامٍ وفيرٍ.〉
〈أبو بو!〉
لقد وُلدت رضيعةً لا تستطيعُ الكلامَ بوضوحٍ.
وفي شتاءٍ قارسٍ، تخلّى عنها والداها فورَ ولادتِها.
ربّما كانَ فيهما بعضُ الضميرِ، إذ تركاها أمامَ دارِ الأيتامِ واختفيا.
لكن، التفكيرُ في أنّهما تركاها في شتاءٍ ثلجيٍّ يجعلُ الضميرَ بعيدًا كلَّ البعدِ.
“’هممم، ربّما كانَ عدمُ وجودِ والدينَ أفضلَ.’
لو نشأت تحتَ رعايةِ والدينَ يمكن أن يتخلّيا عن رضيعةٍ في الشتاءِ، لربّما قضت عليهما فورَ استيقاظِ قوتِها.
“قتلُ الأقرباءِ قد يُسبّبُ مشاكلَ إن اكتُشفَ..”
تمتمت بكلماتٍ لا تُلائمُ طفلةً في الرابعةِ وهيَ تنهي غسلَ وجهِها.
عندما خرجتْ فلورا من غرفتِها بعدَ تغييرِ ملابسِها، استقبلَها رواقٌ فخمٌ لا يتناسبُ مع دارِ أيتامٍ عاديّةٍ.
‘في البدايةِ، ظننتُ أنّني سأموتُ جوعًا.’
كانتْ السيدةُ فيني، مديرةُ الدارِ، وليان، الموظّفُ الوحيدُ، أشخاصًا طيّبينَ.
حتّى في شتاءٍ قاسٍ حيثُ كانَ من الصعبِ إطعامُ أنفسِهما، أحاطا طفلةً متروكةً بالحبِّ والعنايةِ.
لكن، ما فائدةُ الطيبةِ؟
كانت الدارُ فقيرةً، والأطفالُ يصعبُ عليهم تناولُ وجبةٍ واحدةٍ يوميًّا، وكانَ البيتُ القديمُ المتداعي يرافقُ مصيرَهم.
معَ هجماتِ الوحوشِ من غابةِ الشياطينِ، أصبحَ سكّانُ القريةِ أكثرَ قسوةً، ولم يكن هناكَ أملٌ في الحصولِ على دعمٍ.
وعندما علمت فلورا أن السيدة فيني تعرضت للنصبِ من قِبلِ أحدِ المعارفِ، بدا الأمرُ وكأنّه لا أملَ للدار.
توقّعَ الجميعُ أنّهم سيموتونَ جوعًا، لكن، بطريقةٍ ما، نجوا.
و كيفَ نجوا؟
كانت فلورا محظوظةً.
محظوظةً جدًا.
حظُّها الأوّلُ أنّ والديها تخلّيا عنها، ممّا جعلَها حرّةً نسبيًّا من أعينِ الآخرينَ.
والحظُّ الثاني…
‘هومممم~، ماذا أفعلُ اليومَ لأشتهرَ كشرّيرةٍ؟’
بخلافِ ذكرياتِ الماضي، كانت فلورا تنزلُ درجًا متينًا بحماسٍ، لكن شعورًا سيّئًا دفعَها لتختبئَ خلفَ عمودِ الدرجِ بسرعةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 1"