مئة ليلة بدت كثيرة بعض الشيء، وثمانية وتسعون ليلة بدت قصيرة لأنها ستفارق البشر بسرعة، لذا—
“بييا.” (تسعٌ وتسعون ليلة.)
فردّت قدميها الأماميتين تمامًا لتؤكد الرقم.
“لم أتوقع أنكِ ستقولين إنكِ لن تذهبي فورًا.”
تمتم أرسيان بدهشة، ثم فكّر قليلًا قبل أن يسأل:
“هل أحببتِ البشر هنا؟”
“بي! بييّت بي.” (نعم! خاصة زوجي، فهو أكثر من أحبه.)
“… زوج؟”
فجأة أصبح بصر أرسيان باردًا كالصقيع.
“من تقصدين بالزوج؟”
“بييا.” (ذلك الفتى البشري الذي كنتَ تتحدث معه.)
“ولمَ يكون ذلك الفتى زوجكِ؟”
“بييّت بيا.” (أمي قالت إن الفتى الذي استدعى أسيل هو زوجها.)
“بريانا قالت ذلك؟ هذا مستحيل.”
لم يكن ليصدّق أن بريانا، التي تذوب عشقًا في ابنتها، قد تربطها بإنسان.
لكن بما أن بريانا ليست ممن يتصرفن بتهور، فلا بد أن وراء الأمر سببًا وجيهًا، فالتزم الصمت.
بدلًا من الاعتراض مباشرة، حاول أن يوجّه أسيل لتنفصل عاطفيًا عن إيدنيفر:
“في غابة الوحوش هناك الكثير من الوحوش أطيب وألطف من ذلك الصبي البشري المتجهم.”
“بييّت بي.” (لكن زوجي أيضًا إنسان طيب ولطيف.)
“كهمم. وهل ناديتِه زوجكِ أمام دوق مونليف مباشرة؟”
“بيي.” (نعم.)
“… وماذا قال لكِ الدوق؟”
“بييّت بيا.” (قال إنه سيعطي أسيل اسمًا.)
“ماذا؟!”
شهق أرسيان غاضبًا.
أن يعطيها اسمًا؟ هذا يعني أنه يريد الزواج بها رسميًا!
على عكس الوحوش الذين يُسمح لهم بتعدد الزوجات، البشر لا يتزوجون إلا من شخص واحد فقط.
‘أيّ وقح هذا الذي يجرؤ أن يرمي شباكه على ابنتي التي لم تكد تخرج من قشرتها بعد؟!’
اشتعل صدره كرهًا تجاه إيدنيفر.
“سأمزقه إربًا!”
“بيا.” (لا يجوز أن تؤذي زوجي.)
قالت أسيل وهي تعبث بالوشاح الأبيض الذي أهداه لها إيدنيفر ولفّته حول عنقها، ثم مدت قدميها الأماميتين لتضعها على وجنة أرسيان.
“بييّت بي. بياا…” (لقد أعطى أسيل وشاحًا جميلًا وثمار فراولة لذيذة… صحيح أنه حاول أن يدفن أسيل في الأرض، لكن…)
“ماذا قلتِ؟!”
“بييّت بي. بيا.” (قلت لا تؤذه. وعد؟؟.)
رفعت أسيل قدميها الصغيرتين بجدية وهي لا تدرك فداحة ما نطقت به.
أرسيان غرق في صراع داخلي.
ذلك الصبي لم يكتفِ بخطف ابنته، بل خدعها بالكلام المعسول، وألقى عليها شباكه، بل حاول دفنها حيّة أيضًا!
فهل عليه حقًا أن يَعِد بعدم المساس به؟
“بيااا.” (عدنيييييي.)
“… حسنًا. أعدكِ يا ابنتي. صفقة منتهية.”
شبك أصبعه الصغير مع مخلبها مُكرهًا. ثم نقر بلسانه بضيق.
“إذًا فلنبدأ بالتدرّب على التحول إلى هيئة البشر.”
***********
أخبر أرسيان ابنته عن الخطة التي ابتكرها لإخراجها من عالم البشر:
أولًا: يحوّل أسيل إلى هيئة إنسان.
ثانيًا: يعلن أنها ابنته التي كانت تعيش في الريف للعلاج.
ثالثًا: يمضيان بعض الوقت معًا، ثم يختلق عذرًا بأن صحتها ساءت مجددًا، فيرسلها إلى الريف.
لكن في الحقيقة، ستعود أسيل إلى غابة الوحوش.
“بهذا الشكل، سنعود إلى الغابة دون أن يشكّ دوق مونليف.”
فهو إن علم باختفاء الوحش المقدس معه سيجنّ ويلاحقها بلا توقف.
‘وإن حاول الدوق التدخل، فذلك سيعطّل عمله الرسمي في مراقبة الأوضاع السياسية للبشر.’
كان من الممكن أن يعيدها مباشرة إلى الغابة بعد التحول إلى بشرية، لكنه أضاف قصة النقاهة الريفية تنفيذًا لرغبتها في تأجيل الرحيل.
‘عليّ أن أعوّضها قليلًا عن السنوات التي لم أقم فيها بواجبي كأب.’
ثم إن تدريب الأطفال الوحوش على التحول عادةً ما يقوم به الوالدان.
‘قبل بريانا، يجب أن أكون أنا أول من يرى شكل أسيل البشري.’
فقال بابتسامة مشرقة:
“حسنًا، فلنتمرن معًا على التحول البشري، يا ابنتي.”
“بييا.” (لكن قشرة بيضة أسيل لم تسقط كلها بعد.)
وأشارت إلى القشرة المعلقة أعلى رأسها.
كان سقوط القشرة يعني أن المانا استقرّت في جسدها وأصبحت قادرة على التحكم بها.
والتحول البشري يحتاج إلى سيطرة كبيرة على المانا.
أي أن أسيل لم تصل بعد إلى المرحلة المناسبة.
لمست القشرة الملتصقة برأسها بإحباط.
‘إن سقطت، ستصبح أسيل صلعاء.’
الصلعاء لا يمكن أن تصبح زعيمة مونليف.
صحيح أن سيلينا أسرّت إليها بعد المبارزة الودية أن بوسعها ارتداء شعر مستعار أو استخدام دواء لإنبات الشعر، لكن بالنسبة لفتاة صغيرة بدأت تهتم بمظهرها، فإن كونها صلعاء كان عيبًا يصعب تقبله.
‘يا للأسف.’
لماذا لديها أم ذات شعر، وأخ ذو شعر، بينما هي وحدها بلا شعر؟
باغتتها هذه الفكرة فرفعت رأسها نحو أرسيان وسألت:
“بييا?” (هل أنت أصلع أيضًا؟)
“… ماذا؟”
“بييّت بي?” (وهل هذا شعر مستعار؟)
وبما أنها فتحت الموضوع، أرادت التأكد. فمدّت مخلبها إلى شعره.
لم يفهم أرسيان سبب تصرفها، لكنه انحنى ليسهّل عليها الوصول.
أمسكت شعره وسحبته بجدية.
‘هل هو شعر مستعار؟’
لا، لم يكن. سوى بضع شعرات اقتلعت، أما البقية فثابتة.
“آي آي، أسيل. بابا يتألم.”
“بييا?” (إذن ليس شعرًا مستعارًا؟)
“نعم، إنه شعري الحقيقي.”
“بيا?” (استعملت دواء لإنبات الشعر إذن؟)
“لا، هذا هو شعري الطبيعي منذ البداية. لكن لماذا تسألين عن الشعر الآن…؟”
لم تُجب، بل أطلقت خصلاته.
ثم تخيلت في ذهنها تنينًا أسود ضخمًا يتباهى بشعره المنسدل الجميل.
‘أما أسيل فستبقى صلعاء…’
إن تحولت إلى بشرية، ستبقى كذلك. لمَ لا تملك شعرًا مثل الآخرين؟ شعرت بالكآبة.
راقبها أرسيان بقلق، وسألها بحذر:
“هل هناك مشكلة تعيق تحولكِ إلى إنسان؟”
“بيا.” (لا.)
“هل نترك التدريب اليوم؟”
“بيا.” (لا.)
“لسنا مستعجلين، فلا حاجة لأن تضغطي على نفسك.”
“بييا. بييّت بيا.” (لا. أسيل تريد التدرب على التحول البشري.)
‘إذا كان لا بد من مواجهة الأمر، فالأفضل أن يكون عاجلًا.’
قررت مواجهة حقيقة مظهرها بشجاعة.
‘أسيل تنين أسود عظيم. حتى من دون شعر ستبقى مميزة.’
“حسنًا، فهمت. إن شعرتِ بعدم الرغبة، فقولي فقط.”
ثم تردّد قليلًا، ووضع كفه على رأسها برفق، وبدأ بنفخ المانا ببطء شديد.
التعليقات لهذا الفصل " 44"