كان سنوا يجيب ببطء وكأنه لم يفق تمامًا من النوم، ثم بدا القلق يغمر عينيه.
–”أسيل اختفت. الكبار يعرفون على ما يبدو أين ذهبت، لكنهم لا يخبرونني وحدي.”
قال آرسيان في نفسه وهو يقطب:
” إذن ذلك الأحمق كان أنا بالفعل.”
–”نعم؟ ماذا قلتَ؟”
–”لا، ليس مهمًا. أسيل هنا عندي.”
–”ماذا؟! أين هذا المكان بالضبط؟!”
وفجأة سُمعت خطوات تقترب من خلف سنوآ.
لقد كانت بريانا، عائدة من اجتماعها مع الشيوخ.
–”تس.”
حتى لو كان الأمر متعلقًا بأسيل، فإن مجرد التفكير في محادثة بريانا بعد كل تلك السنوات أثار في نفسه شعورًا غير مريح.
ألم تكن هي نفسها من طلبت منه أن يتخلّص من أداة الاتصال هذه؟
أراد آرسيان أن يُنهي الاتصال فورًا، فتكلم بسرعة وكأنه لم يأخذ حتى نفسًا:
–”أسيل في عالم البشر. إن كان يخطر ببالك أن تأتي، فالأفضل أن تصرفي النظر. فبسبب الحاجز الواقي الذي يغطي الغابة، لا يمكن التنقل بسهولة. حتى اجتماعكِ مع الشيوخ كان لهذا السبب.”
–”لماذا أسيل هناك أصلًا؟! أريد أن أذهب أنا أيضًا! سأُنقذها بنفسي!”
–”كف عن هذا. سأعيدها قريبًا، فلا تتهور وانتظر بهدوء. مفهوم؟”
–”……آرسيان؟”
كان ذلك صوت بريانا المندهش يأتي من الجهة الأخرى.
اللعنة! قطع آرسيان الاتصال على الفور.
ثم تجاهل الأداة التي أخذت تضيء وتومض بلا توقف، ودفعها بعنف داخل الدرج.
*********************
في تلك الأثناء، وقع حادث كبير داخل القصر الإمبراطوري.
ففي الحفلة التي أقامها ولي العهد لمواساة دوق ستارافيت الذي خسر في المباراة الودية، أسرف فيير في الشرب وفجّر النار من فمه، فأحرق القاعة كاملة!
وإذ كان يعلم بخزيه، تظاهر بالمرض مجددًا ونُقل إلى القاعة الكبرى للعلاج، بينما تكبّد دوق ستارافيت خسائر مالية فادحة لإصلاح القاعة.
ولسوء الحظ، لم يتوقف الأمر عند احتراق القاعة فقط.
إذ احترق أيضًا نصف شعر ولي العهد الفضي، الذي كان يعتز به أشد الاعتزاز باعتباره رمز العائلة الإمبراطورية.
فاستشاط غضبًا، وأصدر أمرًا بمنع دخول جميع الأرواح الحامية (السُوَّن) إلى القصر.
وبعيدًا عن الأعين، أخذ يبحث سرًا عن عقاقير نمو الشعر، حتى وإن كلفته ثروة، إذ كان الحصول عليها شبه مستحيل.
أما الأميرة إيوكاستي، التي كانت دائمًا تُلام على شعرها غير الفضي وتُعدّ وصمة عار للعائلة، فقد أمسكت بطنها من شدة الضحك.
–”بيهوو……”
في الجهة الأخرى، أطلقت أسيل تنهيدة طويلة عندما وصلها الخبر.
كم كانت تتطلع بشوق إلى لقاء الأميرة البشرية المتغطرسة! لكن الآن لم يعد في استطاعتها حضور الحفل الإمبراطوري.
وليس هذا فحسب……
فقد كانت حفلات القصر مشهورة بفخامتها وبريقها، وهذا ما تحبّه أسيل بشدة.
فكان حرمانها منها أمرًا مؤلمًا للغاية.
ومع ذلك، لحسن الحظ، بقي هناك أمر واحد ما زال يملأ قلبها بالبهجة.
–”بيا بيي? ” (متى سيأتي ذلك الإنسان من جديد؟)
–”ذلك الإنسان؟”
سألها إيدنيفر، الذي كان ينظم بعض الأوراق في مكتبه، بدهشة.
فشدّت أسيل بقدميها الأماميتين وجهها وهي تقلّد ملامحه:
–”بي. بيا بيا. بيا بيا بيا.” (نعم، ذاك ذو الشعر الأسود، ذو العينين الحادتين والملامح القاسية.)
–”تقصدين اللورد آرسيان؟”
ارتسمت لحظة ارتباك على وجه إيدنيفر.
متى قابلت أسيل اللورد آرسيان؟
لكن رغم شكوكه أجابها بهدوء:
–”لا أعرف السبب، لكن التفتيش انتهى ولن يعود مجددًا. لكن، لماذا تسألين؟”
التعليقات لهذا الفصل " 42"