الفصل 41
**********
كانت هذه أول مرة تسمع فيها ذلك الصوت، لكن لم يكن هناك وقت للشعور بالتوتر.
أسيل أمسكت برأسها الذي كان يدور بشدّة، وتجهّم وجهها بحدة.
وبينما كانت تتأوّه داخل الكيس الورقي، لم تهدأ إلا بعدما تمكنت من النظر من خلال ثقوب العينين لترى مع من اصطدمت.
كان رجلاً بشريًا ذا شعر أسود كثيف، وعينين بلون وردي فاتح، وملامح شرسة.
ارتسمت علامات التعجب فوق رأس أسيل.
(إنه أحد الكبار من السُوَّن الذين رأيتهم في القصر الإمبراطوري!)
لم يخطر ببالها أنها ستقابله في مكان كهذا!
خفق قلبها بحماس وهي تحدّق فيه.
أما الرجل، فحدّق إليها بعينين خاليتين من الروح، ثم حوّل بصره بعيدًا ومضى في طريقه، وكأنه فقد الاهتمام.
(لا، لا تذهب!)
اندفعت أسيل بسرعة، متدحرجة بالكيس الورقي وهي تصرخ:
–”بييا بيت؟!” (أأنت سُوَّن كبير؟!)
–”……ماذا؟”
تجمّد وجهه فجأة.
–”ماذا قلتِ الآن؟”
–”بي…….”
كم هو مخيف.
لماذا ينظر إليها بهذا الشكل المرعب؟ أخذت أسيل تحرّك قدميها الأماميتين بقلق.
(أيعقل أنه ليس سُوَّنًا كبيرًا؟)
لكن الموجات التي شعرت بها كانت بلا شك موجات سُوَّن كبير……
كانت معلمات الروضة دائمًا يقلن: إن واجهت مشكلة فاطلبي العون من أحد السُوَّن الكبار……
ترددت أسيل، لكن الرجل فتح فمه أولًا:
–”لماذا تسألين شيئًا كهذا؟”
–”بييياا.” (لقد شعرت بالموجة.)
–”……موجة؟”
مرّت لحظة من الارتباك على وجه الرجل.
فالموجات لا يشعر بها إلا السُوَّن فيما بينهم.
ابتلعت أسيل ريقها الجاف.
(إن كان هذا الرجل حقًا سُوَّنًا، فربما يعيد أسيل إلى غابة السُوَّن.)
لذلك شدّت قوائمها الخلفية المرتجفة وسألت بجدية:
–”بييا بي بيت؟” (هل أنت حقًا سُوَّن؟)
–”……إن قلتُ نعم، فماذا؟”
–”بيييا.” (أسيل أيضًا سُوَّن.)
–”ماذا؟”
لقد تحقّق الاحتمال المستبعد.
انهارت ملامح الرجل، وفي اللحظة نفسها، نزع الكيس الورقي الذي كانت أسيل ترتديه على رأسها.
وتجمّد مكانه وهو يرى مظهرها.
أخيرًا أصبحت حرة الحركة.
نهضت أسيل بسرعة وأمسكت بطرف سرواله بإحكام.
–”بيي؟ بيا بييت.” (ما نوع السُوَّن الذي أنت عليه؟ أسيل سُوَّن تنين أسود.)
–”……يا صغيرة.”
الرجل الذي كان متجمّدًا رفعها فجأة إلى حضنه.
–”وأين والداكِ؟”
–”بيا. بيا بيي.” (ليس لدي. أسيل وحيدة.)
–”وما الذي تفعلينه هنا وحدك؟”
–”بييياا!” (أنا زعيمة المونليف!)
دفعت بطنها إلى الخارج بفخر، وأجابت بصوت مفعم بالاعتزاز، لكن وجه الرجل ارتسم عليه الاشمئزاز.
–” ……لا تقولي إنك الروح الحامية لبيت دوق مونليفي؟”
–”بيي.” (نعم.)
براءتها جعلته يصمت، ثم قال بنبرة يملؤها الغضب:
–”يا صغيرة، هذا ليس مكانًا نتحدث فيه.”
ثم استعمل سحر الانتقال المكاني فورًا.
**************
فتحت عينيها لتجد نفسها في مكان آخر.
كان يشبه مكتب إيدنيفر، لكن حيث كان يجب أن يكون شعار العائلة، كان هناك رسم لسحلية سوداء.
(كيف استخدم السحر؟)
انبهرَت أسيل في سرّها.
هي نفسها لم تستطع فعله مهما حاولت.
لابد أن هذا الرجل سُوَّن متمرّس في السحر.
(إنه رجل رائع جدًا.)
ربما يستطيع أن يعيدها مباشرة إلى الغابة! نظرت إليه بعينين متلألئتين.
لكنه أطلق صوت استياء وهو يتفحّصها:
–”بالنسبة لسُوَّن تنين أسود، فأنت صغيرة جدًا. ألا تأكلين جيدًا؟”
–”بيا. بيا بي بيا. بييا؟” (لا، أسيل هكذا أصلًا. وأنت ما نوعك من السُوَّن؟)
–”أنا أيضًا سُوَّن تنين أسود، يا صغيرة. هل يعرف والداكِ الحمقى أنكِ هنا؟”
–”بييا بيي!” (أمي وأبي ليسا حمقى!)
–”إذا تركاكِ والدَاكِ لتصلي إلى هنا بمفردك، فهما كذلك حقًا.”
يا إلهي! إنه يتحدث بالسوء عن والديها!
انتفخت وجنتا أسيل غيظًا، لكنها لم تجد ما تقوله.
أما هو، فلم يعبأ بمشاعرها.
فمن غير المعقول أن سُوَّن تنين أسود، الذي يُقال إنه الأفضل في فنون السحر، يعجز عن صدّ سحر استدعاء بشري.
(لابد أنهما كانا غافلين عن ابنتهما.)
ثم فكّر في قوة السحر الذي اخترق الحاجز حول الغابة ليستدعي سُوَّنًا…… لم يكن أمرًا يُستهان به.
في الحقيقة، كان هذا الرجل سُوَّن تنين أسود أُرسل في مهمة استطلاعية إلى عالم البشر.
ويبدو أنه سيضطر لإضافة ملاحظة في تقريره الدوري تفيد بأن البشر أذكى في السحر مما كان يُظن.
وببرود وحزم قال:
–”يا صغيرة، يؤسفني أن أقول إنني لا أستطيع مساعدتك.”
–”……!”
ماذا؟! لقد رفض قبل أن تطلب حتى المساعدة!
لكن لماذا؟
–”إعادتك مباشرة إلى غابة السُوَّن أمر صعب، لأن مانا هذا العالم ضعيف.”
–”بي…….”
أها، إذن حتى السُوَّن الكبار يجدون سحر المكان صعبًا في عالم البشر……
هبط الأمل في قلب أسيل، وبدت في غاية الحزن.
–”لكن يمكنني حمايتك، وإيصال خبر سلامتك إلى الغابة.”
–”……بيت؟”
–”ما اسمك، يا صغيرة؟”
–”……بيا بي.” (……أسيل.)
–”إنه نفس اسم ابنتي التي تركتها في الغابة.” ارتسمت على وجهه ملامح حنين، وتمتم بصوت خافت:
–”لا بد أنها الآن قد كبرت وصارت قادرة على التهام ثلاثة خنازير بمفردها…….”
في ذهنه ارتسم مشهد تنين أسود ضخم مهيب.
وبينما كان يسترجع ذكرى ابنته، كتب ملاحظة.
–”ما اسم أمك؟”
–”بييا.” (بريانا.)
–”……هذا نفس اسم زوجتي السابقة. لحظة…… ما اسم أبيك البيولوجي؟”
–”بييا بيي.” (لا أتذكر.)
أمالت أسيل رأسها.
كان شيئًا مثل ‘آر……’
حتى اسم ‘أسيل’مأخوذ من اسم أبيها، لكن لأنها افترقت عنه وهي صغيرة جدًا، لم تعد تذكره.
–”يا لغبائها، كيف لابنته ألا تتذكر حتى اسمه.”
كتب الرجل اسم “بريانا” على الورق وتمتم:
–”لا يوجد سُوَّن تنين أسود باسم بريانا، إذن ذاك الأحمق هو التنين الأسود. ربما يكون شخصًا أعرفه…….”
–”بييا.” (كان اسمه يبدأ بآر.)
–”هناك تنين أسود واحد يبدأ اسمه بـ‘آر’.”
بدأ صوته، الذي كان جافًا دومًا، يخفت شيئًا فشيئًا.
كتب على الورق: “آرسيان”.
ثم ظل يحدّق في الاسمين “آرسيان” و”بريانا” طويلًا، ثم ينظر إلى أسيل، ثم إلى الورق، مرارًا.
حتى بدت على وجهه علامات إدراك مفاجئ.
(هاه؟)
************
بعد أن أعاد آرسيان أسيل إلى مونليف، أخرج أداة سحرية للاتصال لم يستخدمها منذ زمن بعيد.
كانت تلك التي كان يتواصل بها شخصيًا مع زوجته السابقة، بريانا، ملكة السُوَّن.
قبل بضع سنوات……
بعد فترة قصيرة من مجيئه إلى عالم البشر في مهمة استطلاعية، دخل في شجار كبير مع بريانا.
بدأ الخلاف من أمر تافه، لكن قبل أن يدرك، كانا يتحدثان عن الطلاق.
وبما أن السُوَّن لا يضعون أهمية كبرى للزواج، ومع أنه لن يعود إلى الغابة لعقدٍ من الزمان على الأقل، فقد طلّقها بالفعل.
ومنذ ذلك الحين، لم يتواصل معها إلا في الأمور الرسمية.
ومرّت سنوات……
–”هوو.”
تنهد طويلًا وهو يشغّل أداة الاتصال.
– طوط…… طوط…… طوط……
وبعد لحظة، اتصل الخط.
أراد آرسيان أن يبدو صارمًا ليؤكد أنه لا يتصل بدافع حنين أو ضعف.
–”بريانا؟ أنا، آرسيان.”
–”أبي؟”
لكن من ظهر في الأداة لم تكن بريانا، بل ابنه الأكبر وأبنه غير الشرعي، سُوَّن الفهد الثلجي ‘سنو’.
كان يبدو بعمر العاشرة تقريبًا بعُرف البشر، وعيناه الصفراء المائلة للنعاس ترمشان بتثاقل.
–”ما الأمر؟”
–”ولِم هذا الجهاز عندك؟”
–”أعطتني إياه أمي وقالت تخلّص منه. استخدمته للعب بالكرة.”
–”……حسنًا، ناولني أمك.”
–”لا تستطيع الآن.”
–”ماذا تفعل؟”
–”تجتمع مع الشيوخ بخصوص مشكلة أسيل”
التعليقات لهذا الفصل " 41"