الفصل 39
**********
تصلّب وجه إيدنيفر.
“لا يهمني إن اندلعت حرب في هذا البلد أم لا-”
مدّت إيوكاستي كلامها ببطء وهي تنظر إلى أظافرها المرتبة تحت الضوء.
“لكن أيّ شيء يفعله ذلك الوغد المزعج، أريد إفساده. هه، أنا حقًا بشريّة ملتوية.”
لم يقل إيدنيفر شيئًا.
كان يعلم أنّ ولي العهد هو من يحتقر إيوكاستي، الوحيدة في العائلة الإمبراطوريّة ذات الشعر الفضي التي وُلدت بشعر داكن، أكثر من أي شخص آخر.
عبست إيوكاستي قليلاً.
“لذا يجب منع الحرب.”
“إن كنتِ تطلبين مساعدتي، فأنا لست من دعاة السلام.”
“أعلم. لكن ألا تعتقد أنّه من الجدير معارضة خطط ولي العهد الذي استخدمك كفأر تجارب؟”
“لست غبيًا لأفسد الأمور العامة بسبب مشاعر شخصيّة. طرد قبيلة الوحوش المقدّسة من الغابة الجنوبيّة سيجعل الإمبراطوريّة أقوى.”
“هه.”
نفثت إيوكاستي بازدراء.
“ممل. كلّ الدوقات يقولون الشيء نفسه.”
“إذا انتهيتِ من حديثك، سأغادر.”
“لديّ نبوءة.”
توقّف إيدنيفر، الذي كان يهمّ بالمغادرة بعد تحيّتها.
ابتسمت إيوكاستي بنعومة:
“ستتعاون معي قريبًا لمعارضة الحرب.”
“…لمَ تعتقدين ذلك؟”
“لأنّ وحشك المقدّس سيكون في الخط الأمامي إذا اندلعت الحرب.”
كيف يمكن لشخص كان قلقًا على وحشه حتّى في مباراة وديّة أن يتحمّل حربًا؟
ضحكت إيوكاستي بصوت عالٍ.
أمسك إيدنيفر قبضته بقوّة في صمت.
* * *
في تلك الأثناء،
كانت أسيل، التي طُردت، جالسة في زاوية الممر، منتفخة الخدين كالبالون، تنتظر خروج إيدنيفر.
‘همف، زوجي سيء.’
كانت ستتمكّن من أن تصبح تنينًا شرسًا بتقليد الأميرة البشريّة الشرسة من البداية إلى النهاية، لكنّها سُلبت هذه الفرصة.
‘من اليوم، سأضع قدمي على الطاولة أثناء الأكل.’
لن تعطيه حبّة فراولة واحدة، ستأكلها كلّها بنفسها.
وستحطّم الأبواب والجدران أيضًا!
بينما كانت تتمتم غاضبة، سمعت حركة من الخلف.
“من هنا، الكونت إرزيبيت.”
استدارت أسيل دون وعي لترى الإنسان المسمّى الكونت إرزيبيت.
كان رجلاً ذا مظهر شرس، بشعر أسود كثيف وعيون ورديّة فاتحة.
يبدو أنّه يحبّ الجواهر، إذ كانت ربطة عنقه وأزراره مزيّنة بأحجار لامعة، لكنّها لم تكن مبالغ فيها، بل أنيقة.
في اللحظة التي مرّ فيها الشخصان دون أن يلاحظا أسيل في الزاوية،
‘مهلاً؟’
شعرت أسيل بموجة غريبة من الكونت.
كانت موجة خافتة، لكن لا يمكن لأيّ وحش مقدّس أن يخطئها.
نظرت أسيل إلى ظهره، كأنّها مسحورة، ثم مالت رأسها.
‘وحش مقدّس بالغ؟’
لمَ يوجد وحش مقدّس بالغ هنا؟
**************
إذا كان القصر الإمبراطوري يحكم الإمبراطوريّة، فإنّ المعبد الأعظم يدير الوحوش المقدّسة.
كان المعبد الأعظم، تحت ذريعة التواصل مع الحكّام، يضع أربعة كهنة عظماء لإدارة الوحوش المقدّسة.
لذلك، لم يعجبهم أبدًا أن يهزم وحش مقدّس مزيف وحشًا مقدّسًا أصيلًا.
“كيف يمكن لهذا أن يحدث؟”
صرخ كبير الكهنة المسؤول عن فيير، وحش ستارافيت المقدّس، غاضبًا لأنّ الوحش الذي يديره سقط.
“حتّى لو كانت مباراة وديّة، أن يُهزم بوحش مزيف!”
“هذا ما أقوله. ماذا سيحدث لسلطة الوحوش المقدّسة التقليديّة؟”
قال ذلك كبير الكهنة المسؤول عن وحش مونريف المقدّس.
منذ اختفاء وحش مونريف قبل بضع سنوات، أصبح موقعه مهتزًا جدًا.
بما أنّه لم يعد لديه وحش يديره، كانت هناك أصوات علنيّة تطالب بإلغاء منصبه.
وكان الوضع نفسه حتّى مع ظهور الوحش المزيف.
ففي المعبد الأعظم، لم يعترفوا بأسيل كوحش مقدّس رسمي.
لذا، كان يزحف للكهنة الآخرين للبقاء في منصبه.
مع ظهور مؤيّد، قفز كبير كهنة ستارافيت بحماس:
“وحش خرج من دائرة استدعاء هزم كائنًا مقدّسًا منحه الإله. هذا بمثابة لطخة على وجه المعبد!”
“ماذا قال قداسته؟”
“قال إنّ استدعاء وحش قوي هو أمر يستحق البركة.”
“يا للروعة، أيّ قلب هادئ.”
“ليس هادئًا، بل ليس لديه وقت للاهتمام. ألم تمرّ قرن منذ اختفاء القديسة؟”
تنهّد كبير كهنة ستارافيت بعمق.
“هذا أيضًا نتيجة فقدان مونليف لوحشها المقدّس.”
إذا سارت الأمور جيدًا، فهو الفضل، وإن ساءت، فاللوم على الآخرين.
منذ سنوات، كان الكهنة العظماء يلومون مونليف على كلّ مصيبة.
“ماذا نفعل مع دوق مونليف الوقح وذلك الوحش؟”
“لا يمكننا لمسهم مباشرة. لقد وافق قداسته وجلالة الإمبراطور على الاستدعاء.”
بينما كان الجو كئيبًا، نقر كبير كهنة ستارافيت أصابعه فجأة.
“إذا لم نستطع لمسهم، فلنجعل قداسته مضطرًا للمسهم.”
“كيف؟”
“لنطلب من السير أرسيان التحقّق من الهرطقة.”
اتّسعت عيون كبير كهنة مونليف.
كيف له أن يقترح فكرة مخيفة كهذه!
الكونت أرسيان إرزيبيت.
نبيل جديد بلا دموع أو دماء، بشعر أسود كثيف وعيون ورديّة فاتحة.
كان في الأصل فارسًا مقدّسًا تابعًا للمعبد، ومحقّق هرطقة يراقب العائلات الكبرى لإحالتها إلى المحاكمة المقدّسة.
لكن قبل بضع سنوات، حصل على لقب نبيل لإنقاذه مدينة كبرى كادت تسقط للوحوش.
قال كبير كهنة ستارافيت بثقة:
“إذا وجدنا أيّ ذريعة صغيرة، يمكننا إحالتهم إلى المحاكمة المقدّسة، وعندها سيُسلب لقب الوحش المقدّس تلقائيًا.”
“فكرة رائعة! لكن هل يمكننا المضي قدمًا دون استشارة الآخرين؟”
لم يحضر كبيرا الكهنة المسؤولان عن وحوش عائلتي سنرايز وسكايا الاجتماع.
“هل تعرف أين ذهبا اليوم؟”
“لا أعرف عن كبير كهنة سكايا، لكن رأيت كبير كهنة سنرايز يغادر بسرعة لأنّه ظهر علاج جديد لتساقط الشعر.”
“يبدو أنّه لا يزال منخرطًا في جمعيّة الأصلع تلك.”
“احترس من كلامك. إنّه رئيس الجمعيّة.”
“تف، أكثر الأشياء عبثًا في هذا العالم هي شعر الإنسان.”
كان شعر كبير كهنة ستارافيت كثيفًا بشكل لافت.
عبس كبير كهنة مونليف، الذي كان يفكّر في الانضمام إلى الجمعيّة بسبب تساقط شعره مع التقدّم في العمر:
‘لو حلقت شعره كلّه، سأشعر بالارتياح.’
“على أيّ حال، سنترك أمر عائلة مونليف للسير أرسيان.”
“حسنًا. سنخبر الاثنين الآخرين لاحقًا.”
انتهى الاجتماع الطارئ، وعاد كلّ منهما إلى مكانه.
* * *
‘من هو ذلك الوحش المقدّس؟’
كان هذا هو الشغل الشاغل لأسيل هذه الأيام.
من هو الوحش المقدّس البالغ الذي مرّ بها في القصر؟ .
على الرغم من أنّها كانت لحظة عابرة، كانت الموجة التي شعرت بها مألوفة بشكل غريب.
كأنّها قابلته من قبل.
‘لو التقيته مجدّدًا، يمكنني أن أطلب منه إرسالي إلى غابة الوحوش المقدّسة…’
فكّرت أسيل في هويّة ذلك الوحش وهي تشاهد تدريب الفرسان، تلعب مع صديقها الأرنب، أو حتّى تأكل الفراولة.
لهذا لم تجب على سؤال إلكاي:
“يا صغيرتي، هل تستمعين إلى جدّك؟”
التعليقات لهذا الفصل " 39"