الفصل السادس والعشرون
****************
“إذن، لماذا أرسلت الأميرة دعوةً باسمها؟”
“ربّما لأنّني رفضت عرض الزّواج السياسيّ.”
“ماذا؟ زواجٌ سياسيّ؟”
بدت على إلكاي تعابير الذّهول.
“الأميرة الثّالثة اقترحت عليك؟”
“نعم.”
أجاب إيدنيفر بهدوء وأنزل عينيه، دلالةً على أنّه لا يريد الحديث أكثر.
“يبدو أنّ إرسالها لهذه الدّعوة يعني أنّها لم تستسلم بعد.”
عبس إلكاي ونقر بلسانه. “آه، يا لها من مشكلة.”
كانت إيوكاستي معروفةً بطباعها الشّرسة.
رغم شهرتها كأجمل الأميرات، إلّا أنّها نادرًا ما تُدعى إلى الحفلات بسبب ذلك.
‘إذا انتشر خبر تلقّي إيدنيفر عرض زواجٍ من الأميرة، فلن تكون زيجته سلسة.’
بما أنّها ستُثير كراهية الأميرة الثّالثة، فسيحذر الجميع.
حتّى الآن، كان إيدنيفر من بين النّبلاء الكبار الذين تأخّروا كثيرًا في العثور على خطيبة.
كان إلكاي يخطّط للبحث عن عروسٍ له ببطء بعد استقرار العائلة مع وجود الوحش المقدّس، لكنّه لم يتوقّع هذا الأمر.
عند رؤية قلق إلكاي، قاطعه إيدنيفر بحزم:
“لا داعي للقلق. لقد وعدتُ بالزّواج بالفعل.”
عند هذه الكلمات، سدّت أسيل فمها بقدمها الأماميّة.
‘يا إلهي، كيف يتحدّث بمثل هذه الجرأة!’
في هذه الأثناء، توقّف إلكاي، الذي لم يرَ ردّ فعل أسيل، عن رفع كأس الشّاي، وامتلأ وجهه بالذّهول والصّدمة.
“ز-زواج؟ مع من؟”
“لم نكتب عقد الزّواج بعد، لذا سأخبرك بعد ترتيب كلّ شيء.”
“عقد زواج؟ من هي بالضّبط؟ من أيّ عائلة؟ أخبرني.”
وضع إلكاي يده على سيفه عند خصره.
“سأذهب إليها بنفسي.”
“بِي…”
‘يبدو أنّه ينوي قتلها.’
خافت أسيل وسارت بعيدًا عن إلكاي بهدوء.
لكنّها قفزت فجأة من كرسيها مصدومةً من كلمات إلكاي التّالية:
“ألا تعتقد أنّ هذا مستفزّ؟ عقد زواج؟ الزّواج صعبٌ حتّى لو كان بحبّ، فما بالك بعقد!”
“بِي، بِيَيَابِي. بِيَيا. بِيَيَا!” (حقًّا، مستفزّ. مستفزّ جدًّا!)
أومأت أسيل برأسها بسرعةٍ حتّى شعرت بألمٍ في رقبتها، وهي تشعر بالذّنب.
نظر إيدنيفر إلى أسيل بهدوء.
“لا، أعتقد أنّ هذا الزّواج جيّدٌ جدًّا.”
خفّف من تعابيره المتجمّدة، وفي تلك اللحظة، شعر إلكاي بفضولٍ حقيقيّ.
من تكون تلك الفتاة التي جعلت وجه حفيده المتجمّد دائمًا يلين هكذا؟
من كلامه، يبدو أنّها ليست شخصًا التقاه منذ زمنٍ طويل، لكن أن تُحدث مثل هذا التّغيير في وقتٍ قصير يجعلها تستحقّ أن تُصبح زوجة حفيده، حتّى لو تحدّثت عن عقدٍ مستفزّ.
من تكون هذه الفتاة من أيّ عائلة… لحظة.
“هل تقصد تلك المتدرّبة الكاهنة من المعبد؟”
“لا.”
ردّ إيدنيفر بسرعةٍ وبجدّيّة.
“أعتقد أنّه من غير المناسب الكشف عن أمرٍ لم يُحسم بعد، لذا أرجو تفهّمك.”
“حسنًا. لكن لا يمكننا تجاهل دعوة الأميرة.”
“أنوي الذّهاب إلى العاصمة.”
تنهّد إيدنيفر برفق وهو يخفّف من تعابيره.
“يجب الإبلاغ عن الحرب الأهليّة، وإعلان ولادة الوحش المقدّس الجديد، لذا يجب حضور حفل الأميرة.”
“صحيح. لكن لا أعلم إن كان هذا الصّغير سيتمكّن من تحمّل تلك الأميرة الشّرسة.”
“بِيِت؟” (شرسة؟)
اتّسعت أذنا أسيل، وسدّت فمها بقدمها الأماميّة مرّةً أخرى. أميرةٌ بشريّةٌ شرسة؟
“بِيَيَات بِي بِيَيَا!” (أسيل تريد لقاء الأميرة البشريّة!)
“ماذا؟”
“تريدين لقاء الأميرة الثّالثة؟”
سأل إيدنيفر مندهشًا، فأومأت أسيل برأسها بحماس.
“بِي!” (نعم!)
كانت منزعجةً بالفعل من البشر الذين يستمرّون في إظهار استعدادهم للهجوم أمامها.
إذا قلّدت الأميرة التي تُوصف بأنّها شرسة من قبل البشر، فقد تصبح هي أيضًا تنّينًا شرسًا.
‘هذه المرّة، سأصبح تنّينًا شرسًا حقًّا!’
نفثت أسيل بحماس، فبدت متحمّسةً لسببٍ ما.
نظر إيدنبر وإلكاي إليها بتعابيرٍ حائرة.
* * *
بعد فترة، سافرت أسيل مع إيدنيفر إلى العاصمة.
شعر إلكاي بعدم الرّاحة لإرسال الصّغيرين بمفردهما، فانضمّ إلى الرّحلة، وانضمت سيلينا لعلاج إلكاي من السّم.
رافقتهم حراسةٌ من ديلان وبعض الفرسان الآخرين.
كانوا قلّةً لأنّ أخذ فرقةٍ من الفرسان إلى العاصمة قد يُعتبر خيانة.
“من سيذهب إلى العاصمة هذه المرّة؟”
“أنا!”
“أنا أنا أنا!”
قبل عام، كانوا يتراجعون خوفًا من الذّهاب، لكنّهم الآن اختاروا من يذهب بحجر-ورقة-مقصّ.
في السابق، كانوا يشعرون بالخجل من مواجهة أهل العاصمة بلا وحشٍ مقدّس، لكن الآن لم يعد الأمر كذلك.
تباينت مشاعر الفائزين والخاسرين.
احتفل الفائزون برفع قبضاتهم إلى السّماء.
أمّا الخاسرون فأسقطوا أكتافهم بحزن.
“لا تقلق، سأتباهى بما يكفي عنك.”
“حسنًا… تأكّد من التباهي بأنّ تنّينتنا الصّغيرة تملك مظهرًا لطيفًا وقوّةً لا تُضاهى.”
“خاصّةً عائلة ستارافيت. أخبر أولئك المغرورين!”
كان الفرسان الذاهبون إلى العاصمة متحمّسين لدرجة أنّهم لم ينموا.
بالطّبع، كان هناك من لم ينم لأسبابٍ أخرى، مثل ديلان، الذي طارده شبح تنّينٍ في أحلامه لأيّام.
لم يكن يريد الذّهاب، لكنّه لم يستطع التّخلّف بسبب كونه حارس أسيل.
دون علمٍ بهذه الظّروف، اتّجهت أسيل إلى العاصمة.
عندما وصلت عبر بوّابة النّقل الفضائيّ، فتحت فمها مذهولة.
“بِي!”
كانت شوارع البشر مثيرةً جدًّا بالنّسبة لأسيل.
كانت غابة الوحوش تسعى للانسجام مع الطّبيعة، فكانت هادئةً أينما ذهبت، لذا كان رؤية مدينةٍ متطوّرةٍ للبشر محفّزًا جدًّا.
بلغ ذلك ذروته عند وصولها إلى العاصمة.
كانت العاصمة مركز أحدث صيحات الإمبراطوريّة.
كلّ شيءٍ يلمع، يدور بعيونٍ متلألئة، صاخبٌ لدرجة أنّه يصمّ الآذان، ومليءٌ بالفوضى.
لم تستطع إغلاق فمها المفتوح.
“بِيْهَيَا!”
‘انظري إلى تلك القلعة البيضاء المتلألئة. وتلك القلعة الذّهبيّة الحادّة التي تمسّ السّماء!’
كانت المباني رائعةً لدرجة أنّ أسيل ظنّت أنّ جميعها قلاع.
لم يكن هذا هو الوحيد الذي جذب انتباهها.
“بِيِيْهَيا!”
عندما مرّت نبيلةٌ ترتدي فستانًا مزيّنًا بالدّانتيل والمجوهرات المتدلّية، التصقت أسيل بنافذة العربة كالخفّاش.
اقترب إيدنيفر، الجالس مقابلها، مندهشًا:
“ما الخطب؟ هل حدث شيء؟”
“بِيِي.” (المجوهرات رائعة جدًّا.)
بما أنّها تنّينٌ يحبّ الأشياء المتلألئة بطبعه، كانت أسيل مغرمةً بالمجوهرات.
دار ذيلها المتحمّس كطاحونةٍ بسرعة.
ضغط إيدنيفر، الذي ضُرب به عن غير قصد، على ذيلها بوسادةٍ لتقليل حركته.
ثمّ نظر إلى النّبيلة خارج النّافذة.
حتّى بالنّسبة له، الذي لا يعرف الكثير عن المجوهرات، بدت مزيّنةً بأشياء فاخرةٍ وراقية.
‘وضعنا الماليّ ليس جيّدًا، لكن يجب أن أحاول توفير شيءٍ ما.’
بالتأكيد يمكنه شراء متجرٍ في العاصمة بطريقةٍ ما.
من إبادة وحش الدّب إلى الحرب الأهليّة، لم يكن هناك شيءٌ لم تؤثّر فيه أسيل.
كان يشعر بامتنانٍ كبيرٍ لها.
‘أريد أن أفعل كلّ ما بوسعي لها.’
كيف يمكنه مساعدتها؟
بينما كان غارقًا في أفكاره، التفت إلى أسيل عندما سمع سؤالًا مفاجئًا:
“بِيَيَا بِي بِيَيَا؟” (هل مثل هذه الأشياء تتطلّب الكثير من المال؟)
كانت أسيل تشير بقدمها الأماميّة الصّغيرة إلى وشاحٍ أبيض ترتديه إحدى النّبيلات.
‘وشاح…’
تذكّر إيدنبر أوّل لقاءٍ له مع أسيل.
كانت بالتأكيد ترتدي وشاحًا أبيضًا بلا نقوش حول رقبتها يومها. لكنّها الآن لا ترتدي شيئًا.
لم يبدُ أنّها توقّفت عن ارتدائه بسبب الملل.
شيءٌ ما في حدسه أخبره بذلك.
التعليقات لهذا الفصل " 26"