كان هذا الثّعلب نفسه الذي أرشد إلى مكان زوجة التابع.
مداعبًا رأس الثّعلب، تحرّك الرّجل وقال:
“لنذهب إلى العاصمة.”
“كِنغ؟”
مالت الثّعلبة برأسها كأنّها تسأل: لماذا إلى هناك؟
فنفض الرّجل الغبار عن شعره الذّهبيّ، الذي اتّسخ أثناء تسلّله إلى السّجن، وتحدّث ببرود:
“لأساعد ابني.”
*****************
كانت العاصمة، مركز الإمبراطوريّة ومحور المجتمع الرّاقي، تعجّ بالشّائعات المثيرة.
يقال إنّ ابن كونتٍ ثانٍ خطف زوجة أخيه وهرب ليلًا، أو أنّ ابنة بارونٍ وقعت في غرام عشيق والدتها، وما إلى ذلك.
لكن في تلك العاصمة، حيث لا تكاد الشّائعات العاديّة تلفت الانتباه، برز اسم “مونليف” فجأة.
“مرّة أخرى قصّة دوق مونليف؟”
“ألم تنهار تلك العائلة بعد؟”
هزّ النّبلاء الذين تأخّروا عن الأخبار رؤوسهم.
لقد مضغوا ومزّقوا قصص تلك العائلة لسنوات، فلم يعد هناك متعةٌ جديدة.
سمعوا أنّ الدّوق الشّاب تحالف مع العائلة المالكة واستدعى وحشًا، لكن ذلك كلّ شيء.
افترض النّبلاء، الذين لا يعرفون الحقيقة، أنّهم فشلوا في التحكّم بالوحش لأنّهم لم يجعلوه وحشًا مقدّسًا.
“كنتُ أعلم منذ أن قالوا إنّهم سيستدعون وحشًا. لا أدري إن كان يمكن التّواصل معه أصلًا.”
“سيكون ممتعًا لو ابتلعهم الوحش بعد فشلهم في التحكّم به.”
مهما كانت القصّة مثيرة، فإنّها تصبح مملّةً إذا لم تتغيّر.
قرّر أحد النّبلاء، وهو يرفرف مروحته بغرور، أن يتوقّفوا عن الحديث عن تلك العائلة الفاشلة.
فرفع نبيلٌ آخر، الذي بدأ الحديث عن مونليف، صوته:
“يا إلهي، كيف تكونون هنا وأنتم متأخّرون عن الأخبار هكذا؟ لقد اندلعت حربٌ أهليّة في مونليف!”
حربٌ أهليّة؟ اتّسعت أعين الجميع بدهشةٍ لهذا المصطلح الغريب.
فهم نبيلٌ تلقّى رشاوى من بيانته الوضع بسرعة وقال:
“لقد فعلها بيانته أخيرًا. لكن بما أنّه لا يوجد حديثٌ عن تغيير الدّوق، يبدو أنّه فشل.”
“صحيح. ذلك الوحش الذي استدعاه دوق مونليف، قيل إنّه قاتل بمفرده مئات الفرسان وأوقف التّمرد.”
الشّائعات تتضخّم كلّما ابتعدت.
في تلك اللحظة، تحوّل التابعون والوحوش المقدّسة إلى مئات الفرسان في الأقاويل.
اتّسعت أعين النّبلاء المذهولين أكثر. واصل النّبيل الذي نقل الشّائعة حديثه:
“في اللحظة التي رأى فيها دوق مونليف الفرسان منتشرين أمام بوّابة القلعة، قال: ‘اذهب، أيّها الوحش المقدّس المخلص، اهزم الأعداء وانتزع النّصر.’ فاندفع الوحش دون تردّد ودمّر الفرسان.”
“يا إلهي…”
“مثل هذا…”
أمام هذه القصّة الشّبيهة بالحكايات الخياليّة، ضيّق النّبلاء أعينهم ليحدّدوا مدى صدقها.
تمتم أحدهم:
“إذا كان الوحش قويًّا لهذه الدّرجة، فلماذا لم يجعلوه وحشًا مقدّسًا منذ البداية؟”
“الآن، إذا خمّنا، ربّما كان ذلك ليوقعوا بيانته في الفخّ بإهماله.”
بعد هذا الحديث، احمرّت وجوه النّبلاء.
لم يكن بيانته هو الأحمق.
ألم يكنوا هم أيضًا يستخفون بمونليف ويغفلون عنهم؟
“لقد كنّا ساذجين جدًّا.”
“يجب أن نبحث عن المعلومات بشكلٍ صحيح الآن.”
سرعان ما تحرّكت الأيادي الكبيرة في المجتمع الرّاقي. انتشرت معلومات أسيل، التي كانت محاطة بالغموض، بسرعة.
“يقال إنّها تُطلق النّار دون أدوات سحريّة.”
“سمعتهم يقولون إنّها حطّمت بابًا من الأوريخالكوم بيديها.”
“يقال إنّها تحمل أرنبًا حيًّا كوجبة طوارئ دائمًا.”
سرعان ما تخيّل النّبلاء وحشًا هائلًا يحمل أرنبًا حيًّا تحت إبطه ويُطلق النّار وهو يتجوّل.
‘أن يصبح مثل هذا وحشًا مقدّسًا لمونليف…’
قوّة الوحش المقدّس هي قوّة العائلة.
شحبت وجوه أولئك الذين استمتعوا بمضغ قصص مونليف بلا وحشٍ مقدّس لسنوات.
ومن بينهم، كان هناك من رفع صوته معترضًا لعدم قبوله الوضع:
“هذا لا يُعقل! من أين أتوا بوحشٍ مجهول الهويّة ليجعلوه وحشًا مقدّسًا؟”
“لنقدّم عريضةً رسميّةً إلى العائلة المالكة!”
“لنعترض حتّى لا يُعترف به كوحشٍ مقدّس!”
في المقابل، كان هناك من كان فضوليًّا حقًّا حيال ظهور وحشٍ مقدّسٍ قويّ.
“وحش دوق مونليف قويٌّ لهذه الدّرجة؟”
كانت الأميرة الثّالثة، إيوكاستي لين أليوفي، التي قُوبلت بالرّفض عندما اقترحت زواجًا سياسيًّا على إيدنبر، واحدةً من هؤلاء.
إيوكاستي، التي تميّزت بشعرها الأزرق الدّاكن وعينيها السّوداوين، على عكس الشّعر الفضيّ المميّز للعائلة المالكة، كانت فتاةً ساحرةً تشبه القطّة.
ابتسمت إيوكاستي بنظرةٍ ماكرة وقالت:
“جريئةٌ بما يكفي لرفض عرض زواجي؟”
“ن-نعم، بالتّأكيد.”
ردّت خادمةٌ كانت مستلقيةً كطاولةٍ تحمل كأس الأميرة على ظهرها.
كانت في هذا الوضع لوقتٍ طويل، فأصابها التّشنج في جسدها.
ارتجفت كشجرةٍ مهتزّة، فانسكب قليلٌ من المشروب من الكأس.
عبست الأميرة ورفست الخادمة بقوّة.
“آآآخ!”
“لا تستطيعين حتّى الاعتناء بكأس الأميرة التي تُخدمينها؟ ادفعي ثمن هذا الذّنب بحياتك.”
“لقد أخطأتُ! يا مولاتي الأميرة! يا مولاتي الأميرة!”
توسّلت الخادمة بيديها، لكن دون جدوى. جُرّت إلى الفرسان.
وكأنّ شيئًا لم يحدث، تحدّثت إيوكاستي بهدوء:
“أريد أن أرى بنفسي مدى قوّة هذا الوحش.”
“ح-حسنًا، بما أنّ عيد ميلاد مولاتي الأميرة قريب، فماذا عن إرسال دعوة؟”
تقدّمت خادمةٌ أخرى كانت تنتظر في الخلف بسرعة واقترحت.
كانت تخشى أن تُرسل إلى المقصلة إذا لم تتحدّث، لأنّ ذلك يُعتبر تجاهلًا للأميرة.
ضيّقت إيوكاستي حاجبيها وفتحت شفتيها الجميلتين:
“فكرةٌ جيّدة.”
‘آه، الحمد لله…’
“أنتِ إلى الإعدام.”
“ماذا؟”
“هل يجب أن أدعو وحش مونليف مع تبريراتٍ تافهة؟”
وهكذا جُرّت خادمةٌ أخرى إلى منصّة الإعدام.
في جوٍّ متجمّد، ركعت خادمةٌ ثالثةٌ شاحبةً وقالت:
“من ذا الذي يجرؤ على عصيان أوامر مولاتي الأميرة؟ حتّى بدون سبب، إذا دعوتِهم، سيهرعون إليكِ ممتنّين لرحمتكِ.”
“حتّى لو ضعفت قوّتها، فإنّ عائلة الدّوق تبقى عائلة دوق. هل تعتقدين أنّهم سيهرعون فقط لأنّ أميرةً دعتْهم دون سبب؟”
أمام تقلبات مزاجها، خفضت الخادمة الثّالثة رأسها وأغلقت فمها.
ضحكت إيوكاستي وهي ترى جسدها المرتجف:
“ههههه! لماذا أنتِ خائفةٌ هكذا؟”
“أنا… أنا فقط…”
“أرسلي رسالةً إلى دوق مونليف. أخبريه أنّني أدعوه هو ووحشه المقدّس لحضور عيد ميلادي القريب.”
توقّفت لحظةً للتّفكير، ثمّ أضافت:
“وأكّدي أنّه لا بأس إن لم يحضر الدّوق، لكن يجب أن يحضر الوحش المقدّس.”
“ح-حسنًا!”
“والآن، اخرجي.”
هرعت الخادمة الثّالثة خارجًا عند سماع الأمر.
تحسّست رقبتها وكأنّها تتأكّد من أنّها لا تزال في مكانها.
نظرت إيوكاستي إلى ظهرها بازدراء وتمتمت:
“بمجرّد إرسال الرّسالة، اقتليها.”
أومأ الفارس الواقف خلفها بهدوء.
“كيف قبل هؤلاء الجبناء عرضًا ليكونوا جواسيس الأمير الوريث؟”
نقرت بلسانها باستهزاء، ثمّ استلقت على مسندها بنعاسٍ وأغلقت عينيها.
التعليقات لهذا الفصل " 24"