هل كانت ليلي حقًّا ماهرةً إلى هذا الحدّ؟
مدّ إيستون يده ليلمس الموضع في جبينه حيث كانت توجد كدمة، فوجد أنّ الزُّرقة والاحمرار والتورّم قد اختفَت تمامًا.
“هل هذا… ممكن حقًّا؟”
لم يُصدّق عينيه. الأعشاب التي أخبرته عنها ليلي كان يعرفها من دراسته لعلم الأعشاب. كانت تمتلك بالفعل خصائصَ علاجية، لكن ليس بهذه السرعة أو بهذه الفاعلية. لو كانت بهذه القوّة، لكانت أغلى بكثير في السوق. فكيف حصلت على مثل هذه النتيجة من أعشابٍ شائعةٍ إلى هذا الحدّ؟
راودته رغبةٌ في العودة إلى كوخها فورًا ليسألها، لكنه تمالك نفسه واستلقى على السرير.
‘مرحبًا؟ لقد أعرتُ مظلّتي لمن احتاج إليها… وعالجتُ شخصًا جرحته عن غير قصد. هذا كلّ ما في الأمر.’
‘أنا فقط أريد أن أُساعد.’
أيّ نوعٍ من السحر هذا؟ كانت امرأةً غامضةً حقًّا.
“إن صادفتُها صدفةً مرّةً أخرى… فسأسألها عندها.”
ألقى نظرةً على الضماد الموضوع فوق الطاولة. لا داعي للعجلة. متى ما توقّف المطر، سيبحث عن عشبة “آيولا”، وحينها سينتهي ألم “سايكي”. تنفّس تنهيدةً عميقة، وأغمض عينيه أخيرًا.
“هناك خطبٌ ما! أرجوكم، ساعدونا!”
أيقظ الصراخُ إيستون من نومه، فنهض من سريره مسرعًا ونزل إلى بهو النُّزل.
كانت امرأةٌ في منتصف العمر واقفةً هناك، مبتلّةً كليًّا وتبكي بحرقة.
“ما الذي يحدث؟” سألها إيستون بسرعة.
“حفيدتي، سارة، اختفَت!”
أطلقت نحيبًا مؤلمًا.
“قالت قبل أيّامٍ إنّها تريد أن تأكل من ثمار الميري بيري في جبل فِنسبيريا…”
“هل ذهبت إلى الجبل وحدها؟ في هذا المطر؟!”
تنفّس الجميع من حولها بقلقٍ وحسرة. أرادوا المساعدة، لكن المطر كان غزيرًا جدًّا، ولم يكن لأحدهم طاقةٌ للصعود في مثل هذه الظروف.
وفجأةً، انفتح باب النُّزل.
“سأذهب للبحث عنها.”
كانت ليلي، ترتدي معطفًا أصفر واقيًا من المطر. اقتربت بلُطفٍ من المرأة الباكية وربّتت على كتفها.
“لا تبكي يا سيّدتي. سأجدها. لا يمكن أن تكون قد ابتعدت كثيرًا.”
“لكن… ماذا لو أُصبتِ بأذًى؟”
“ما زلتُ شابّةً قويّة، وقد اعتدتُ تسلّق ذلك الجبل منذ صغري.”
تقدّم إيستون بخطوةٍ وهو يشعر بالضيق.
“إنّه يهطِل بغزارة! الصعود الآن خطرٌ جدًّا.”
“إن كانت طفلةٌ قد فُقدت، فعلينا البحث عنها.” قالت ليلي بهدوءٍ وهي تُصلح معطفها.
“هل أنتِ واثقةٌ من أنكِ ستجدينها أصلًا؟”
“نعم.” أجابت بحزم.
“…ماذا؟”
“أنا محظوظةٌ جدًّا.” ابتسمت.
ثم استدارت وأمسكت يد المرأة العجوز.
“حين كنتُ مريضةً واختفت مُربّيتي، كنتِ أنتِ من اعتنى بي. ما زلتُ أذكر لطفكِ.”
كان في صوتها الدافئ ما يُهدّئ النفوس.
“عودي إلى منزلكِ وانتظريني، حسنًا؟ سأُعيدها إليك.”
ابتسمت، وعدّلت معطفها، واتّجهت نحو الباب.
وقف إيستون في طريقها.
“إنّه خطر.”
“كلّ من هنا كعائلتي، ولا أريد لأحدٍ ممّن أحبّ أن يتأذّى.”
“وهل لا بأس أن تتأذّي أنتِ؟”
يا لها من حمقاء… التضحية بالنفس ليست شجاعةً دائمًا.
“سأكون حذرة.”
“إذًا دعيني أرافقكِ.”
“لا، لا أريد أن أسبّب لك مزيدًا من المتاعب.”
“لقد ساعدتِني، والآن دوري لأُساعدكِ. أليس هذا هو معنى المساعدة المتبادلة؟”
بدت ليلي متردّدة، لكنها لم تمنعه. وفي تلك اللحظة، خفّ صوت المطر شيئًا فشيئًا.
“المطر يتوقّف! علينا أن نذهب الآن!”
أمسكت ليلي بمعصم إيستون وركضا معًا نحو المطر.
خلال اليومين اللذين قضاهما هناك، لم يتوقّف المطر لحظةً واحدة، لكن الآن، في اللحظة التي خرجا فيها للبحث عن الطفلة، بدأ يخفّ.
هل كانت صدفة؟ أم شيئًا آخر؟
“من هذا الاتجاه!”
كان الجوّ ما يزال مظلمًا تحت الغيوم، لكن ليلي كانت تتقدّم بثقةٍ نحو الجبل.
“الممرّ زلق، لذا لم يكن بإمكان الطفلة أن تصعد بعيدًا!”
عند مدخل الجبل توقّفت وألقت نظرةً حولها. لم تكن هناك آثارُ أقدامٍ، إذ جرفها المطر. أخذ إيستون يبحثُ أيضًا بعينيه، محاولًا المساعدة.
وبعد حينٍ، بدأ البردُ يتسلّل إليهما من البلل والمطر.
“من هنا!” صاحت ليلي فجأةً.
“هل وجدتِ شيئًا؟”
“لا، إنّه… إحساس.”
“إحساس؟”
“لطالما كان لديّ حدسٌ قويّ.”
تذكّرت يوم اختفاء مُربّيتها. يومها انتابها قلقٌ غريب، وبعدها وُجدت مربّيتها ميّتة.
هزّت رأسها لتطرد الذكرى. لم يكن وقتًا للبكاء، بل للبحث. وكان حدسها يقول إنّ الطفلة قريبة.
“واااه…”
اخترق بكاءُ طفلةٍ صوتَ المطر.
تبادلا النظرات، ثم اندفعا نحو مصدر الصوت.
وسرعان ما وجدا الفتاة الصغيرة مختبئةً في جوفِ شجرة.
“سارة!”
“ليلي! واااه…”
“هيا نعود، جدّتكِ قلقة.”
ربّتت ليلي على رأسها برفقٍ وخلعت معطفها لتغطيها به.
عندها خلع إيستون معطفه هو الآخر ووضعه فوق كتفي ليلي.
“هيا نرحل.” قال.
“…حسنًا.” أجابت بخجلٍ، وقد احمرّت وجنتاها.
لكن قبل أن يبدؤوا النزول، دوّى صوتُ تصدّعٍ ضخم.
“انتبه!”
دفعت ليلي سارة إلى ذراعي إيستون وأبعدتهما بقوّة.
“ليلي!”
سقط إيستون إلى الوراء محتضنًا الطفلة،
لكن ليلي كانت قد ابتلعها الانهيار الأرضي المنحدر مع المطر.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"