الحلقة الرابعة
“آنسة ليليا؟”
“…آه، لقد بات الكثير من الناس يسألون عن تلك العشبة مؤخراً.”
خفضت ليليا بصرها نحو فنجان الشاي، ولم تلتقِ بعيني إيستون كما فعلت من قبل.
سألها إيستون وقد ساوره شعور غريب:
“هل لـ الأيولا استعمالات أخرى غير مداواة سمّ ديفلوريو؟”
“…إنها أيضاً تشدّ البشرة وتُضيئها. تُستعمل للتجميل.” قالت مبتسمة ابتسامة صغيرة متردّدة.
“النساء الثريات يطلبنها كثيراً. إنها نادرة وصعبة المنال…”
“التجميل… ها.”
تلك الكلمة، وقد خلت من أي بادرة يأس، كادت تدفع إيستون للضحك بمرارة. رفع فنجان الشاي بابتسامة مصطنعة.
“لو بعتِها لي لكان خيراً من بيعها لأولئك.”
“ولِمَ تحتاجها أنت؟” سألت وهي تراقب ردّ فعله بحذر.
لم يشرب إيستون الشاي، بل تكلّم ببطء:
“أختي الصغيرة… سُمِّمت بديفلوريو.”
“سُمِّمت؟”
“نعم. لم تتجاوز العاشرة من عمرها…”
ارتجفت يده الممسكة بالفنجان. ورغم سعيه للكلام ببرود، خانته نبرته وهو يذكر آخر من تبقّى له من عائلته.
“ذاك السمّ عسير المنال…”
“بالضبط. لقد استُعمل عن عمد. فلو كان علاجه يسيراً، لما لجأوا إليه.”
وانطبق فكه غيظاً وهو يسترجع الأمر.
لقد ضحّى دوق لاروز بابنه من قبل، وها هو يستغل مرض أخته ليخضع إيستون. وعده الدوق بالعلاج، لكن بشرط أن يُمضي القوانين الفاسدة في مجلس النبلاء.
‘أخي… ألا يمكنك أن تتركني وشأني…؟’
حتى بسيكه، أخته الصغيرة، توسّلت إليه أن يتخلّى عنها. وهي لم تتجاوز العاشرة.
لقد فشل في حماية والديه، لكنه لن يُخفق ثانية في حماية بسيكه.
وبعد بحث طويل، علم أنّ السم المستعمل هو ديفلوريو.
ولا بد أن ينال الأيولا، مهما كلّف الأمر.
لأجل أخته. ولأجله. ولأجل مستقبل إمبراطورية إنفيرنو.
“حالها يزداد سوءاً.”
قالت ليليا برفق:
“لا بد أنّ أثقالك جسيمة…”
سألها بإصرار ممزوج بالأمل:
“أتساعدينني؟”
لم تجبه في الحال. بدا عليها التفكير العميق، ثم أومأت.
“نعم. أريد أن أساعدك.”
“شكراً لكِ. أستطيع أن أدفع بسخاء—”
“لا حاجة لذلك.”
ارتعشت أهدابها الفضية الطويلة، لكنها ابتسمت وتابعت:
“الأيولا عشبة ماكرة عسيرة التحضير. ليس يسيراً تحويلها إلى دواء.”
“لدي طبيب بارع، غير أنّ…”
“دعني أُعدّ لك الدواء بنفسي.”
مال إيستون برأسه متسائلاً:
“لكن… ألم تقولي إنكِ علّمتِ نفسك بنفسك؟”
“أستحي أن أقولها، لكن… لدي بعض المَلَكة في هذا المجال.”
احمرّ خدّاها بخجل، وسرعان ما تذكّرت كلامه السابق فأضافت مسرعة:
“آه! إن لم ترتَح لذلك، أُعطيك العشبة كما هي. فإن أخفق الطبيب، جَرّب دوائي. أليس هذا أنسب؟”
ظلّ إيستون يحدّق فيها بصمت.
أحقاً تفعل كل هذا بدافع الطيبة وحدها؟
لقد كره ما صار عليه من شكّ وجفاء. ومع ذلك، ظلّ يُذكّر نفسه بعدم الوثوق بها.
“…إن كنتِ على استعداد، فسأكون ممتنّاً حقاً.”
ابتسم ليواري سواد أفكاره.
وعند جوابه، أشرقت ابتسامة ليليا مشرقة.
“فلننتظر إذاً حتى يتوقّف المطر.”
حدّقت من النافذة وقد بدت أكثر ارتياحاً، فيما استمر المطر يقرع الزجاج.
“نعم. أنا أقيم في نُزل القرية.”
لم يكد إيستون يمسّ قطعة الحلوى، ولم يذق رشفة شاي. وضع فنجانه برفق على الطاولة.
“حسناً. سأسعى وراء العشبة متى توقّف المطر.”
“وحين تذهب… هل تناديني؟ أريد أن أساعد أيضاً.”
“همم… حسناً.”
“إذن، أستودعك الله.”
نهض ببطء.
“انتبه لطريقك.”
رافقتْه ليليا إلى الباب. ثم كأنها تذكّرت شيئاً وقالت:
“آه، جبهتك…”
“نعم؟”
“ينبغي أن تكون قد شُفيت الآن، لكن… إن احتجت دواءً إضافياً، عُد إليّ.”
لقد مرّت لحظات معدودة. ما كان لها أن تلتئم بتلك السرعة.
“…حسناً.”
أجاب بفتور وفتح مظلته السوداء.
وحين التفت، وجدها لا تزال تلوّح له مبتسمة.
فاضطرب قلبه.
أربكه ذاك الشعور الذي غاب عنه طويلاً، فأسرع بالانصراف إلى النُزل.
“لا بد أنك سألتها، أليس كذلك؟”
في قاعة طعام النُزل، كان العشّاب الذي دلّه على ليليا يحتسي شراباً.
“نعم. بفضلك.”
“وقد وافقت على مساعدتك، صحيح؟”
“نعم.”
“كنت واثقاً أنها لن ترفض.”
“لكن القرى الصغيرة كهذه لا تثق عادة بالغرباء.”
وبدا الإرهاق على إيستون، فمرّر يده في شعره الذهبي وجلس قُبالته.
“الآنسة ليليا… طيّبة أكثر من اللازم.”
طيبة تكاد تُثير الريبة.
طلب إيستون شراباً بارداً وألقى نظرة أخرى على الرجل.
فأومأ الأخير وقال:
“لها أسبابها.”
“ماذا تعني؟”
“لقد عاشت في ذاك الكوخ ذي السقف البرتقالي خمسة عشر عاماً تقريباً. جاءت برفقة مربية عجوز.”
“مربية؟”
“أجل. كما ترى، هذه قرية شيوخ وباعة أعشاب. نادراً ما يوجد صغار.”
ارتشف جرعة كبيرة من شرابه وتابع:
“نشأت ليليا محبوبة من الجميع.”
وهذا ما يفسّر خلوّ السجلات من أي خبر عنها.
جاء النادل بفنجان شاي مثلّج من دارجيلنغ. فحصه إيستون سريعاً خشية السم، ثم همس:
“ويبدو أنها تعيش وحدها الآن.”
“نعم. ماتت مربيتها مؤخراً في حادث.”
“حادث؟”
“أجل. حادث عربة، فيما أذكر.”
“أي عربات تسير في مكان كهذا؟”
“هذا لا أعلمه. لكنها لا تتحدّث كثيراً عن أسرتها. لا أظنها من بيت فقير، لكن… لا بد أن وراءها قصة.”
“فهمت.”
“ولذا أخذت تُساعد الناس هنا وهناك. تقول إن أعمال الخير تُعين مربيتها على الراحة في السماء.”
لقد بدت مشرقة خفيفة الروح… لم يتخيّل قط أنّها تحمل جرحاً يشبه جراحه.
وفجأة، خطرت له صورة أمّه، فاعتصر الألم صدره.
“…إذن، إن نلت عشبة الأيولا، فلا تذكر الأمر لأحد.”
“مفهوم. لقد بدا لي كمّ المحبة التي تحظى بها في القرية.”
ضحك إيستون ضحكة جافة، وارتشف الشاي دفعة واحدة.
ثم أنزل الفنجان بقوة على الطاولة، وأخرج قطعة فضة من معطفه ووضعها بجانبه.
“سئمت من القيل والقال. لا تقلق.”
“آه، حسناً.”
أومأ إيستون ونهض متوجهاً إلى حجرته.
لكن وجه ليليا المبتسم أطلّ في ذاكرته.
وخفق قلبه خفقاً مضطرباً.
“…فليكن، وإن تقاسمنا الألم ذاته؟”
حاول أن يطرد الخاطر، فهزّ رأسه بعنف.
ثم كأن عدوى انتابته، شرع يمزّق الضماد الذي لفّته على جبهته.
“…ماذا؟”
دخل الحمام ليغسل وجهه.
وحين رفع بصره إلى المرآة، اتّسعت عيناه صعقاً.
“ما هذا…”
لقد اختفى الورم عن جبينه… كأن لم يُصَب بشيء قط.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات