الفصل الثالث
“فلنذهب. فبما أنّ المطر يهطل، فلا بدّ أنّها في بيتها.”
“شكرًا لك.”
شكر إيستون العشّاب وعاد إلى غرفته في النزل ليأخذ المظلّة الصفراء.
وحين وقعت عيناه على لونها الساطع، طافت في خاطره ابتسامة ليليا وهي تُسلّمه إياها.
غير أنّه هزّ رأسه سريعًا.
“…لا يمكنني أن أثق بأحد. ليس بعد الآن.”
كان عليه أن يبقى متيقّظًا.
لقد خُذل مرارًا لأنه وثق بالناس بسهولة، وكلّما التأم جرحٌ انفتح آخر.
حتى صار قلبه ممزّقًا إلى حدٍّ لم يعد يشعر معه بالألم إلا خافتًا.
شدّد ملامحه، وأخذ المظلّة الصفراء، وخرج.
المطر لا يزال يتساقط غزيرًا.
فتح المظلّة السوداء التي اشتراها من النزل، وسار نحو البيت ذي السقف البرتقالي.
ورغم أنّ الطريق جديدٌ عليه، إلا أنّ السقف البهيج كان يلوح واضحًا في عتمة السماء، فسهُل عليه الاهتداء.
“لا شك أنّه هذا البيت.”
وقف أمامه وهمّ أن يطرق الباب، فإذا به—
دَفعة!
انفتح الباب فجأة، فتراجع إيستون خطوة إلى الوراء.
طَخ!
لكن فات الأوان، إذ ارتطم جبينه بالباب.
“آه…”
ترنّح من شدّة الصدمة.
“آه! أأنت بخير؟”
أسرعت ليليا تضع الصينية التي بيدها، وأمسكت به لتدعمه.
“أنا… بخير.”
حاول أن يتمالك نفسه واعتدل واقفًا، لكن جبينه كان قد تورّم واحمرّ.
“يا إلهي، المعذرة! لم أتوقّع أحدًا في هذه الساعة…”
“لا، حقًّا أنا بخير.”
قال ذلك وهو لا يزال يمسك برأسه، محاولًا أن يبتسم.
وفي تلك اللحظة، وقعت عين ليليا على المظلّة الصفراء بين يديه.
“آه، لقد جئت لتعيد المظلّة.”
“نعم… هذا أيضًا.”
“شكرًا لك، لأنك لم تنسَ.”
تعجّب في نفسه: إنه أمر طبيعي أن يُعيد المرء ما استعار، فلِمَ تشكره؟
لكنه أجاب بأدب: “بالطبع، فقد أعرتِني إياها.”
“لكن جبهتك تبدو مؤلمة حقًّا…”
“سأعتني بها في النزل.”
“لا، من فضلك، ادخل أولًا.”
فتحت الباب على مصراعيه، وحملت الصينية مجددًا، ودخلت.
أمال إيستون رأسه قليلًا، يرقبها.
“أغلق الباب وراءك! فالمطر يتسرّب إلى الداخل!”
“…آه، حاضر.”
أجاب من غير أن يدري، وخطا إلى البيت.
‘أتُرى من الحكمة أن تسمح لغريب أن يدخل بيتك بهذه السهولة؟’
قالها في نفسه، بينما أخذت عيناه تتأمّل المكان.
كان البيت صغيرًا ودافئًا، يزدان بزخارف لطيفة، وتعبق فيه رائحة أعشاب تبعث على السكينة.
“أليس في فوضى بعض الشيء؟ اجلس رجاءً، سأجلب شيئًا لجرحك!”
“…بل هو نظيف.”
جلس مُرتبكًا على أريكة مُزخرفة بالأزهار.
وما هي إلا لحظات حتى عادت ليليا تحمل بعض الأعشاب والضمادات وهاونًا صغيرًا.
ضحكت وهي ترى جلسته المتصلّبة.
“هاها!”
“…ما الذي يضحكك؟”
“تبدو متخشّبًا في بذلتك تلك. كأنّ أحدهم ألصق صورة رجل على الخلفية.”
جلست بجواره بمرحٍ معهود.
ولم تكن تفوح منها روائح العطور الفاخرة التي اعتادها في القصر، بل عبق الأرض والغابة النديّة.
فأزاح نفسه قليلًا بعيدًا عنها.
قالت وهي تطحن الأعشاب بخفّة:
“لستُ متخصّصة، لكنني علّمت نفسي علم الأعشاب. فالريف يهبنا كثيرًا من الوقت الفارغ.”
تكلّمت كبنتٍ صغيرة، عفوية، وإن لم يسألها.
“وأيّ نوعٍ هذا من الأعشاب؟”
ابتسمت: “تسأل كثيرًا.”
“ليس ريبة—”
“هاها، أمزح معك. هو خليط من البلوا والبرسيم. يعين على الكدمات ويهدّئ الألم.”
وضعت المعجون على الضمادة، ثم قالت:
“استأذنك لحظة.”
وراحت تربط الضمادة على جبينه برفق.
انسدل شعرها الفضي على خدّه، فداعبه.
ابتلع ريقه بصعوبة، وساورته الحيرة: ألعلّها تُفرط في اللطف مع غريب؟
“انتهيت.”
ناولته مرآة صغيرة من الفضة.
“ألا ترى أنّه يبدو حسنًا؟”
“…بلى. شكرًا لك.”
قالت باسمة: “ما دمتَ هنا، فلِمَ لا تشاركني شاي المساء؟ كنتُ على وشك تناول شيء وأنا أصغي إلى المطر.”
وضعت الصينية على الطاولة.
قطعة واحدة من كعكة الفراولة، وكوب من شاي بالحليب، وجرّة عسل مع ملعقة خشبية صغيرة.
“ليست إلا قطعة واحدة، فلنقتسمها.”
ناولته شوكة وكوبًا.
“هل تحبّ العسل في شاي الحليب؟”
كان وجهها نقيًّا بريئًا، يخلو من أيّ شك.
وكما في الأمس حين قدّمت المظلّة، ظلّ إيستون يُحدّق في الشوكة صامتًا.
وأخيرًا قال بصوتٍ حادّ:
“لا بدّ أنك نشأتِ في دفء محبةٍ عظيمة. فأنتِ طيبة… طيبة أكثر من اللازم.”
“…هاه؟”
“أنا غريب. لا يلزمك أن تكوني بهذه الطيبة معي.”
رمشت ليليا بحيرة.
تابع هو بصرامة:
“لا ينبغي أن تفتحي بيتكِ للغرباء بهذه السهولة.”
ربما عرفت وجهه وتُدبّر أمرًا ما.
فأخذ يراقب ردّ فعلها عن كثب.
لكنها اكتفت بدهشة، ثم قالت بصدقٍ هادئ:
“لم أفعل سوى أن أعطيت مظلّةً لمحتاج، وأن داويتُ إصابةً تسبّبتُ فيها. هذا كل شيء.”
لم يكن في قلبها ما يُخفي أمرًا.
أضافت معتذرة:
“إن أزعجك ذلك، فالمعذرة. لقد شعرت بالذنب، ولم يكن عندي ما أقدّمه سوى قطعة كعك.”
قلّبت شوكتها بين يديها، وابتسمت ابتسامة باهتة:
“ربما كنتُ متحمّسة أكثر من اللازم. لقد مرّ وقت طويل منذ التقيت بمن هم في سني.”
ساد صمت ثقيل في البيت الصغير.
خفض إيستون بصره، ثم التقط الشوكة ببطء.
“…اسمكِ ليليا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
حمد الله في سرّه أنها حقًّا لا تعرف من يكون.
لكن، هل يقدر أن يثق بها؟
رفع عينَيه الزرقاوين إليها، وقال:
“آنسة ليليا.”
“…نعم؟”
“أحتاج إلى مساعدتك.”
“…مساعدة؟”
“نعم. أنا—”
هل يثق بها؟
لم يكن واثقًا. لقد أقسم ألا يثق بأحد بعد أن فقد فرينيل.
لكن الآن، لم يعد الأمر أمر ثقة، بل أمر ضرورة.
“أحتاج إلى عشبة تُسمّى ‘أيولا’.”
فإن كانت نواياها حقًّا خالية من الشرّ، فسوف يستعين بطيبتها.
لكن عند تلك اللحظة، شحب وجه ليليا تمامًا، وبهت نور ابتسامتها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات