الفصل الثاني
“ألستَ من أهل هذه الديار؟”
عندما أعادت ليليا السؤال، استفاق إيستون من شروده، وأومأ برأسه على نحوٍ مرتبك.
“…آه، بلى.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:
“كما توقّعت. قريتنا يكثر فيها المطر صيفًا، وكثيرٌ من الغرباء يتبلّلون لأنهم لا يحملون مظلات.”
“…أفهم.”
كان صوته مضطربًا، كآلةٍ صدئة تحتاج إلى الزيت.
“أحم.”
“أواه، ألعلّك ابتللت؟ هل أصابك برد؟”
“لا، أنا بخير.”
حاول أن يُخفي ارتعاشة صوته، لكنّها ظلّت تفضحه رغم جهده.
قالت وهي تنظر إلى الأفق ثم تعود إليه:
“إن النزل بعيد من هنا.”
ثم مدّت له مظلتها الصفراء.
“تفضّل، خذ مظلتي.”
رفع إيستون بصره إليها في دهشة.
كانا غريبين تمامًا، فما بالها تُعيره مظلتها؟
هل تعرف من أكون؟
ضيّق عينيه، ولم يمدّ يده، بل اكتفى بالتحديق فيها.
لقد تعلّم أن كلّما زاد لطف الناس، ازداد الحذر وجوبًا.
“أتُراكِ ترين من الصواب أن تُعيري مظلتكِ لمن لم تلتقِ به إلا للتو؟”
سألها بعينٍ شاكة.
“بالطبع.”
“وكيف تثقين هكذا بالناس؟”
ارتسمت أمامه صورة أخته سايكي ووالديه الراحلين.
لقد فقد والديه كليهما، وأخته الصغرى تنازع للبقاء.
لهذا جاء وليّ العهد إيستون بنفسه إلى هذه القرية النائية، إذ لم يبقَ في القصر من يثق به.
“وماذا لو لم أُعدها إليكِ أبدًا؟”
لم يبدُ عليها الاضطراب، بل أجابته بابتسامة دافئة:
“حتى لو لم تُعدها، فلا بأس. فمظلتي قد وُضِعت حيث الحاجة إليها.”
ثم وضعتها برفق بين يديه.
“خذها، واستعملها. صدّقني، لا ضير.”
أخذ ينظر إليها في حيرة، وهو يعلم أنّها لا تملك مظلة غيرها.
فقال: “ليس لديكِ سوى مظلة واحدة.”
فأشارت بيدها: “ذاك هو بيتي، ذو السقف البرتقالي.”
“آه.”
“إذن لا تنسَ أن تُعيدها، أيها السيد، إلى البيت ذي السقف البرتقالي.”
ابتسمت مرة أخرى، ثم همّت بالانصراف.
لكنّه ناداها على عجل:
“مهلًا… أخبريني باسمكِ.”
“آه! لقد نسيت أن أُعرّفك بنفسي رغم أني أعرتك مظلتي.”
ضحكت بخجلٍ رقيق.
“أنا ليليا، في السابعة عشرة.”
ضحكتها أيقظت في نفسه ذكرى بعيدة… شخصًا كان يعرفه.
“وأنت، أيها السيد؟”
ارتبك قليلًا، وأجاب بعد تردّد:
“أنا إيستون… وعمري سبعة عشر أيضًا.”
لم يكن اسمه نادرًا، لذا ظنّ أنّها لن تُدرك هويته.
أو هكذا توهّم.
قالت بدهشة فرِحة: “ما التقيت قط بشخصٍ في مثل سني في هذه القرية. سررت بلقائك يا إيستون.”
لكنّه ما كان ينبغي أن يقول ذلك.
ما كان ينبغي أن يأخذ المظلة.
ما كان ينبغي أن يحفظ في قلبه ابتسامتها الطيبة.
فلعلّه… لو كان قد أعطاها اسمًا مزيفًا، لتبدّل مصيرهما.
وبغير أن يدري ما يُخبّئ له القدر القاسي، وقف إيستون طويلًا، يرقبها وهي تبتعد.
“أتقول… إنني لا أستطيع الحصول عليها؟”
في اليوم التالي، وبعد أن بلغ النزل سالمًا بفضل مظلة ليليا، قصد إيستون العشّاب الذي دله على المعلومة.
غير أنّ الأنباء جاءت شديدة السوء.
“أجل. عليك الانتظار حتى ينقضي المطر. حين تهبّ رياح الخريف فحسب، حينها ينبت العشب.”
“أليس موسم المطر قد أوشك على الانتهاء؟”
“حتى برج السحرة لا يعرف متى يزول. لكن تلك العشبة لا تزهر إلا في ذلك اليوم وحده. وتُسمّى ‘أَيُولا’.”
“هاه…”
تنفّس زفرة مثقلة.
لقد تذرّع بإجازة وهمية نال بها شهرين من الفراغ.
غير أنّ العثور على العشبة في أسرع وقتٍ أنفع لشفاء سايكي.
قال العشّاب مترددًا:
“وأيضًا… ليست عشبةً يلتقطها أيٌّ كان.”
“ماذا تعني؟”
“تحتاج إلى الحظّ كي تجدها.”
“الحظ؟ أليست تنبت في مكانٍ محدّد؟”
“أيولا بلا موضع ثابت. إنما تظهر كيفما اتفق في جبال الجنوب.”
ساد شعورٌ باليأس.
فرك إيستون عينيه المتعبتين.
وأضاف الرجل: “وبصراحة… لا أستطيع أن أعدك أني سأعثر عليها بنفسي.”
قال إيستون بعزم: “لا بدّ أن أحصل عليها.”
حاول أن يُخفي جزعه، لكن صوته حمل نبرة التوسّل.
“إنها عائلتي الوحيدة المتبقية. لم تبلغ سوى العاشرة… ومن دون تلك العشبة، ستموت. وأنت تعلم ذلك أكثر مني.”
أطرق العشّاب ثم قال:
“إذن فالطفلة لا بد أنها تناولت سمّ ‘دِفلوريو’.”
“…نعم.”
ارتجفت قبضتاه.
كما توقّع العشّاب، لقد تناولت سايكي زهرةً مسمومة: دِفلوريو.
وقدّمها إليها الأمير فرينيل من آل لاروز، ذاك الذي وثقت به كالأخ.
قال له ذات يوم، بعينين بريئتين:
“مولاي، لستُ كأبي. أرى الأميرة سايكي أختًا صغرى لي. فلا تقلق. ثق بي.”
أعلن أنه يختلف عن دوق لاروز، الذي قتل أم إيستون.
وقال: “أنا صديق طفولتك، ألا تذكر؟”
وقد صدّقه إيستون، إذ نشأ فرينيل بجانبه، وتحمّل بطش أبيه مثله.
فحسبه رفيق درب الألم.
لكنّه لم يكن كذلك.
“صديقي المسكين… الطيب… الغافل… إيستون.”
خبز فرينيل كعكة مسمومة وقدّمها لسايكي.
“أكنت تظن حقًا أن طفلًا معذَّبًا ينجو من قبضة أبيه؟”
وبعدها مباشرة…
“…أعتذر.”
أنهى حياته بيده.
“هل أنت بخير، سيدي؟”
“…آه، المعذرة. شردتُ قليلًا.”
قال العشّاب بتردّد:
“إن كان الأمر عاجلًا هكذا… فربما هناك من هو أقدر مني على مساعدتك.”
“شخص آخر؟ سمعت أنك الأفضل في هذه المنطقة.”
“نعم، لكن… في هذه القرية فتاة قيل إنها وُلدت بحظٍّ عظيم، ولها معرفة بالأعشاب أيضًا.”
“فتاة؟”
“أجل. إنها روحٌ طيبة ووديعة، لذلك نحاول إبعاد الأنظار عنها.”
خفض الرجل صوته والتفت حوله بحذر.
“أخبرك بذلك فقط لأن حياة أختك على المحك.”
قال إيستون بعجلة: “دلّني عليها، أين أجدها؟”
في العادة، يقطف الأعشاب رجالٌ أقوياء. أما وأن الأمر يتعلق بفتاة صغيرة، فقد تردّد إيستون قليلًا، لكنه سأل بإلحاح.
“انظر هناك.”
وأشار الرجل إلى النافذة.
“هل ترى ذلك السقف البرتقالي؟”
رفع إيستون عينيه، فرأى بريق السقف البرتقالي.
“تلك الفتاة تسكن هناك… اسمها ليليا.”
وما إن سمع اسمها ثانية، حتى اضطرب قلبه بالخفقان من حيث لا يدري.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات