“حتى لو كان لدي أخ، هذا لا يمنع الملل.”
“ما الفائدة من وجود إخوة؟”
تساءل كريس لماذا يبدو هذا السؤال مهمًا جدًا، لكن مع نظرات ميلين المتلألئة بالفضول، لم يستطع إلا أن يجيب.
“فقط… يمكنني أن أعيش براحة.”
“ماذا يعني ذلك؟”
“…أنتِ لا تعرفين أخي. وريث العائلة أو الخليفة أو أيًا كان، لديه دروس من الصباح حتى المساء كل يوم. أعتقد أن دروسه أكثر بعشر مرات من دروسي. لذا ليس لديه وقت للعب معي.”
“… إذن أنت لست وريث العائلة؟”
“أنا الابن الثاني.”
استغل الفرصة ليظهر معرفته بكلمة “الابن الثاني” التي سمعها من مكان ما، محاولًا إبهارها.
بمعنى أن كل هذه الأمور المتعلقة بوراثة العائلة أو الخلافة لا تنطبق عليه لأنه الابن الثاني.
اعتقد أنه استطاع إسكاتها بهذه المعلومة.
“يا أحمق!”
“…؟!”
شَرِبَ كريس رشفة من فنجان الشاي الدافئ بحذر بين يديه الصغيرتين، ثم نظر إلى ميلين بوجه مصعوق.
“حتى لو كنتَ الابن الثاني، يمكنك أن تصبح وريث العائلة. إذا كبرت دون أي طموح، فسيظن الجميع أنك أحمق.”
كانت عينا ميلين ساطعتين وواضحتين وهي تتحدث، وبدا صوتها الواثق وكأنها تعلم تمامًا ما يعنيه “وريث العائلة”.
علاوة على ذلك، قالت إنه سيعامل كأحمق، ثم عاملته كأحمق بشكل صريح.
“السبب الوحيد الذي يجعلك تعيش براحة الآن هو أنك ما زلت صغيرًا. بعد عام تقريبًا، سيكون عليك الدراسة بجد مثل أخيك. وعندما تبلغ الثامنة عشرة، قد تضطر حتى للتنافس مع أخيك على منصب وريث العائلة!”
باختصار، لا تكن كسولًا وادرس كما يقول والديك.
رغم لثغة كلماتها، إلا أن حديثها كان صحيحًا تمامًا.
حدّق كريس في ميلين بذهول.
كانت مختلفة تمامًا عن وقت لعبها الغبي بصنع البسكويت على شكل عصير أو شوكولاتة. كانت تبدو ذكية حقًا.
لا، ربما لأنها ما زالت صغيرة. لكنها بدت ذكية بشكل مدهش.
بعد تفكير عميق، سألها كريس:
“ماذا عنكِ؟ هل أنتِ وريثة العائلة؟”
“أنا أدرس بجد لأصبح كذلك.”
“أليس من المفترض أن تصبحي وريثة العائلة تلقائيًا؟ فأنتِ لا تملكين إخوة.”
نظرات ميلين كانت تقول بوضوح: “يا أحمق!”، لكن إجابتها كانت لطيفة بشكل مفاجئ.
“عائلتنا ليس لها ابن. قد يأخذ ابن عمي المنصب. إذا أخذ شيئًا ليس من حقه، فهو شخص سيء، وأعتقد أن ابن عمي سيفعل ذلك.”
“ابن عمكِ؟”
“نعم.”
تذكر كريس أنه سمع عن حالات مشابهة من قبل.
في أحد الأيام، زار أحد النبلاء والديه يشكو من أن عائلته “سُلبَت” بواسطة أحد أقاربه.
كان لديه خمس بنات فقط، وعندما قال إنه قد يزوجهن ليعزي نفسه، عبست والدته بشدة.
“لهذا لا تتحدث وكأنك تعرف المستقبل. ادرس بجد. افهمت؟”
ربت ميلين على رأسه وكأنها شخص بالغ، مما جعل كريس يهز رأسه في حيرة قبل أن يستجمع أفكاره.
رفعت ميلين كوب العصير بأناقة ووضعته على فمها.
تأمل كريس ميلين للحظة.
“…”
لم تعد ميلين التي كانت مجتهدة في دروس الآداب تبدو سخيفة.
بل بدت ناضجة… ورائعة قليلًا.
***
مر الوقت بسرعة، وها قد مضى شهر على ذهابه المنتظم إلى منزل بليزير. رغم أن دروس الآداب كانت متكررة، إلا أنها لم تكن مملة كما لو كان يحضرها وحده.
وجبات الغداء في بليزير كانت رائعة، وكذلك العشاء الذي كان يتشاركه أحيانًا مع والدته بعد استئذانها، وكانت الأطباق دائمًا لذيذة.
بحلول الساعة 10:30 صباحًا، بعد انتهاء درس مناقشة القراءة، كانت والدته ترتب عربة لتقلّه إلى منزل بليزير بشكل طبيعي.
لم يكن من الخطأ أن يشعر بأنها تنتظر ذلك الوقت بفارغ الصبر.
أما أخوه أمانس، فكان جدوله مليئًا بالدروس كل يوم، بينما كانت والدته تقضي وقتها عادةً مع كريس.
الآن، بما أنه كوّن صداقة وبدأ يتردد على منزل بليزير بانتظام، أصبح لديها وقت فراغ كبير.
في البداية، كانت والدته تسأله بقلق: “هل هذا مقبول…؟” أو “هل قال دوق بليزير حقًا أنه لا مانع من مجيئك كل يوم؟”
لكن بعد شهر، أصبحت تشجعه قائلة: “ألا تذهب اليوم؟”
وفي الأيام التي كان يعود فيها بعد العشاء، كانت تعود إلى المنزل متأخرة أكثر من كريس.
كان من الواضح كم كانت والدته تستمتع بوقت فراغها.
وهكذا، كسبت ميلين نقاطًا بذكاء وطبيعية مع دوقة إستريان.
لكن كريس لم يكن سعيدًا بذلك.
خاصةً أنه لم يكن هناك طريقة لمنع ميلين من زيارة منزل إستريان في عطلة نهاية الأسبوع مثل اليوم.
بالطبع، لم يكن لدى كريس دروس في عطلة نهاية الأسبوع، لذا لم يكن لديه ما يفعله سوى القراءة أو التدرب على المبارزة بمفرده، لكنها تبقى عطلة نهاية الأسبوع.
وكأنها ضيفة مهمة، بدأت دوقة إستريان في الاستعداد لاستقبال “الابنة التي لم تنجبها” منذ الصباح.
“ماذا عن تغيير ملابسك؟ الملابس المتسخة من التدريب ليست لباقة مع الضيوف.”
“ميلين ليست ضيفة-”
“هيه، كريس. بسرعة، غير ملابسك.”
كانت عادة سماع ما تريد وقطع الكلام غير المرغوب فيه متشابهة بين ميلين ووالدته.
أخذته المربية إلى غرفته، ونظفته جيدًا بعد أن غطته الغبار من التدريب، وألبسته ملابس نظيفة.
“سيدي الصغير. أنت تبدو وسيمًا جدًا، يبدو ان الوقت قد حان لزواجك بالفعل.”
كادت كتفاه أن ترتفعان عند وصفه بأنه ناضج، لكن عند إضافة التعليق الذي بدا وكأنه يربطهما قسرًا: “وكذلك أميرة بليزير”، انتفخت شفتاه غضبًا.
وعلى الرغم من أن ابتسامته عادت عندما قيل له إن وجهه المليء بالاستياء يبدو وسيمًا، إلا أن كريس لم يشعر بالارتياح تجاه ربطه بميلين.
ميلين المزعجة التي تعامله كأحمق كل يوم.
لم يتمكن كريس من فهم لماذا كانت والدته ومربيته مشغولتَين منذ الصباح، وكأن ميلين ضيفة بهذه الأهمية.
رغم تذمره، أطاع أوامرهن وارتدى الملابس وجلس أمام منضدة الزينة.
لكن في أعماقه، ظل غير مقتنع.
“سيدي الصغير! لقد وصلت أميرة بليزير!”
عندما نقلت إحدى الخادمات الخبر وهي تفتح الباب قليلًا، أصبحت يدا المربية، التي كانت تولي اهتمامًا خاصًا لتصفيف شعره، متسرعتين.
أخيرًا، بعد أن وضعت المربية قليلًا من كريم الشعر على أطراف أصابعها لتثبيت شعره وتصفيف خصلاته المتناثرة، نظرت إلى كريس وابتسمت ابتسامة رضى.
“تبدو وسيماً جداً اليوم. أتمنى لك يومًا ممتعًا، سيدي الصغير.”
“إنها مجرد صديقة ألتقيها كل يوم، ما هذا الهراء.”
دون أن تسمع الكلمات الأخيرة، كانت المربية التي ابتعدت تدندن لحنًا، وكأنها في غاية السعادة.
ثم غادر كريس الغرفة أيضاً.
عندما انغمس في أفكاره، زادت سرعة خطواته دون وعي، ثم أبطأها عمداً.
بعد تردد طويل، وصل إلى صالون الاستقبال ليجد ميلين جالسة بهدوء تشرب العصير، وهي ترتدي ملابس أجمل من المعتاد.
“يا إلهي، كريس. لماذا تأخرت كثيراً؟”
رغم أن والدته كانت تبتسم، إلا أن نبرتها الحادة جعلته يشعر بغريزة خوف.
“مرحباً كريس!”
“…!”
أجبرته تحية ميلين اللطيفة على الوقوف في مكانه والتحديق بصديقته المختلفة عن المعتاد لبعض الوقت.
القبعة ذات الحواف العريضة المائلة على رأسها، والوشاح الأبيض المربوط تحت ذقنها، تناسبت بشكل رائع مع شعرها الذهبي اللامع ووجه ميلين الأبيض الناعم.
الفستان الأزرق البسيط والأنيق، مع الأحذية المسطحة البنفسجية الفاتحة، جعلها تبدو رائعة بشكل لا يصدق.
“كح.”
ما أعاده إلى رشده كان توبيخ والدته لأنه لم يسرع للجلوس.
سعل بسذاجة لا تتناسب مع عمره، ثم جلس بوقار نبيل مقابل ميلين.
بدت قدميها الصغيرتين المرفوعتين ظريفتين، لكن عندما رأى ميلين تشرب عصيرها بابتسامة مشرقة، ابتسم بإحراج.
أقدامها المتمايلة جعلتها بعيدة عن أن تكون محاكاة نبيلة لسيدة صغيرة ناضجة.
“أنا ممتنة جداً لأنك تدرسين مع كريس كل يوم. كنت قلقة لأنه لم يهتم بدرس الآداب، لكن بفضلك يا ميرلين، شعرتُ بالاطمئنان.”
“لا، أوموني. أنا أستمتع بالدراسة مع كريس. هذا كله بفضلكِ يا أوموني.”
“يا إلهي، كم هي مهذبة وذكية حقًا!”
أوموني؟ متى رأتها لتدعوها أوموني؟
[م- معناها أمي]
وبينما كان كريس يفتح فمه بذهول، ابتسمت ميلين بابتسامة متعالية.
كاد أن يظن أن مظهرها لطيف كهريرة لعوبة، لكنه سرعان ما غير رأيه ليراها كقطة برية شرسة تتربص بفريستها.
“اليوم سنقدم لكِ غداءً في منزلنا، لذا أتمنى أن تأكلي وتلعبي دون قلق.”
“سأفعل ذلك، أوموني.”
“يا لها من فصاحة ونباهة في كل كلمة تنطقها!”
وبينما كانت والدته تربت على رأس ميلين، نظرت إلى كريس بنظرة جانبية توبيخية خفيفة، وكأنها تقول: “يا ليت كريسنا يشبه ميلين ولو نصف الشبه”. عندها، خفض كريس عينيه بتواضع.
بعد مغادرة والدته صالون الاستقبال، لم يبقَ فيه سوى ميلين، التي كانت تأكل بسكويتاً وتحمل عصيراً بمهارة في كلتا يديها، وكريس الذي كان يجلس بعبوس يراقبها.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"
ياحليلها و تناديها أمي بعد😭