أمسك الدوق قلبه الذي كان يعتصره الألم بيده، وانهار جالساً بجانب زوجته. لقد أقسم يوماً أن يحميها طوال حياته، أن يمنحها السعادة، لكنه وقف عاجزاً وهو يراقبها تتلاشى ببطء، مستمراً في هوسه بإنجاب ولد.
اجتاحته موجة من الندم والشعور بالذنب، فتألم بشدة.
ماذا فعلت؟ ماذا فعلت بحق السماء…
كانت كلمات زوجته تتردد في أذنيه، كالصدى الموجع:
“مهما حدث، سأنجب لك ابناً. سأحمي بليزير. لن أخيب ظنك، أعدك.”
كل ليلة، كانت تفتح قلبها له، تقبل به رغم كل شيء، لكن هوسه الأحمق هو ما دفعها إلى حافة الهاوية.
قبل الزواج، تزوجها بصعوبة بعد أن توسل حبها النقي.
كان زواج حب نادرًا في الأوساط الاجتماعية.
كانت حياتهما الزوجية سعيدة، لكنها كانت مشوبة بهاجس يومي: إنجاب ولد يرث اسم بليزير. نتيجة لذلك، ماتت زوجته دون أن تتمكن من معانقة ابنتهما الجميلة.
في يوم الجنازة، فكر الدوق:
‘ربما لا أستحق أن أكون وريث بليزير. رجل فشل في حماية من يحب لا يستحق أن يحمل هذا الإرث.’
“واااء…”
بين ذراعيه، تثاءبت الطفلة، مغمضة عينيها البريئتين، مستسلمة للنوم. كانت ملفوفة بقماطها، مرتاحة تماماً في حضن والدها.
نظر إليها الدوق، تلك الطفلة التي تشبه أمها بكل تفاصيلها، وقرر أنها، بغض النظر عن مصير بليزير، ستعيش حياة مليئة بالسعادة والبهجة. أمام شاهد قبر زوجته، تحت المطر الغزير، ركع الدوق طويلاً، يطلب السماح منها.
* * *
بعد خمس سنوات
تذكر الدوق تلك الأحداث، فاغرورقت عيناه بالدموع.
“أ… بي؟”
“…أنا آسف، يا صغيرتي.”
أخرج منديلاً من جيبه، ومسح دموعه، محاولاً استعادة رباطة جأشه. ثم نظر بحنان إلى ابنته الصغيرة، الجالسة على ركبته، بعينيها البراقتين اللتين تشبهان عيني أمها التي رحلت قبل خمس سنوات. شعر بألم في قلبه، وأحس بحرارة في عينيه.
فجأة، لامست يد صغيرة ناعمة خده. كانت ميلين تمسح دموع والدها بجدية طفولية.
شعر الدوق وكأن قلبه يُطعن بإبرة. رفع زاوية فمه بصعوبة، مبتسماً من خلال دموعه.
“أبي، إذا بكيت، سيأتي الفارس ويأخذك.”
“…أنا آسف.”
“إذا بكيت، سيأخذك الفارس، لذا توقف… توقف عن البكاء. مفهوم؟”
“نعم، نعم، فهمت.”
بعد خمسة أعياد ميلاد، ظن الدوق أن ابنته لا تزال صغيرة جدًا، لكنها فاجأته بسؤال:
“أبي، لماذا ليس لدي أخ؟ لماذا لا يوجد رجل يرث عائلتنا؟”
كانت قد سمعت، من خلال تجمعات النبلاء التي رافقت والدها فيها، أن شجرة عائلة بليزير ليست عادية. حتى في سنها الصغيرة، بدأت تشعر بالشكوك.
كلما طرحت ميلين مثل هذه الأسئلة، كان الدوق يتلعثم، مرتبكاً، ثم يربت على رأسها قائلاً:
“ما حاجتي بأطفال آخرين وأنتِ هنا؟”
لكن ميلين، وهي تكبر، بدأت تفهم أكثر عن “خلافة العائلة”. كلما تعمقت معرفتها، ازداد قلقها بشأن مصير العائلة، بينما ظل والدها هادئاً، مما أثار استياءها.
في إحدى المرات، قال لها والدها:
“ميلين، هل نعقد اتفاقاً؟”
“ات…فاق؟”
أومأ الدوق، ثم مال برأسه قليلاً، غارقاً في التفكير، قبل أن ينظر إلى ابنته بعينين مليئتين بالحب.
“لا تفكري في العائلة، فكري فقط في سعادتك. هذا كل ما أريده منك، عديني بذلك.”
“س…عادة؟”
“نعم. فقط عيشي حياتك بفرح. افعلي ما تحبين، قابلي من تريدين، عيشي بلا هموم. ألا يبدو ذلك رائعاً؟”
على عكس الدوق، الذي كان مفعماً بالبهجة، لم تكن ميلين سعيدة تماماً. حتى في سنها الصغيرة، شعرت أن والدها يريد حماية عائلة بليزير أكثر من أي شخص آخر.
كانت ميلين، التي أثارت إعجاب الجميع بذكائها، تطرح أسئلة على الضيوف الذين يزورون القصر، غير راضية عن إجابات والدها الغامضة. كانوا يمدحونها، قائلين إنها طفلة ذكية بشكل استثنائي.
بحلول سن السابعة، أتقنت ميلين كل ما يتعلق بمسألة خلافة العائلات النبيلة. كانت معرفتها مبنية على القراءة والأسئلة التي وجهتها للكبار.
في أحد الأيام، اكتشفت أن الزواج من أحد أبناء العائلات الإمبراطورية يمكن أن يحافظ على بيت بليزير. بناءً على قوانين الزواج الإمبراطورية، بدأت تبحث عن الشخص المناسب لها.
وبعد دراسة دقيقة لأوضاع عائلتها وقوانين الزواج، توصلت إلى اسم واحد.
أدركت ميلين أن الشخص الذي ينبغي أن تتزوجه للحفاظ على عائلة بليزير هو كريس، الابن الثاني لعائلة دوق إستريان.
كانت عائلة إستريان من الزوار الدائمين لقصر بليزير، وكانت ميلين تشعر بانسجام خاص مع سيدة إستريان، الدوقة، التي كانت تختلف عن سيدات النبلاء الأخريات. لم تكن الدوقة منغمسة في الحفلات أو المظاهر، بل كانت تفخر باسم عائلتها العريق. من خلال محادثاتهما العديدة، أدركت ميلين أن الدوقة تمتلك معرفة عميقة بمسائل خلافة العائلات النبيلة، وبخاصة أوضاع بليزير، لكنها، بشكل غريب، كانت تتجنب الحديث بعمق عن موضوع الزواج. حتى أنها لم تكشف أن ابنها الثاني، كريس، هو الشخص المناسب لميلين.
كانت الدوقة تقول ببساطة:
“إذا احتجتِ إلى صديق يوماً، أخبريني. بالمناسبة، ابني الثاني في سنكِ. إنه فتى ممتع إذا تعرفتِ عليه.”
لكن ذات يوم، بينما كانت ميلين تمسك بأطراف ثوب الدوقة، لمحت فتى ذا شعر فضي في قصر بليزير. استنتجت أنه ليس الابن الأكبر، بل الثاني: كريس ألتن فون إستريان.
‘إذن، هذا هو…’
هو الشخص الذي يجب أن تتزوجه لإنقاذ بليزير.
كان الكبار يلتقون أسبوعياً، يجلسون في غرفة الاستقبال، منهمكين في مناقشات عن العقارات والأعمال، مواضيع ثقيلة على أذهان الأطفال. استغلت ميلين تلك اللحظة لتتسلل خارج الغرفة. لاحظت أن الرأس الفضي الذي كان يلفت انتباهها بتحركاته المزعجة قد اختفى من الغرفة، فقررت البحث عنه في الحديقة.
تجولت ميلين بين أرجاء الحديقة، تبحث بين أحواض الزهور الملونة عن ذلك الرأس الفضي. لم يكن العثور عليه أمراً سهلاً. لولا إصرارها العنيد، لما لاحظت كرة زرقاء تتحرك بسرعة بين الزهور، تتدحرج هنا وهناك بنشاط.
كانت الكرة مألوفة لها، مشابهة لتلك التي تملكها. رأت الفتى يلعب بالكرة، يتحرك كالسنجاب، يقفز ويتمايل بحماس. هزت رأسها، متمتمة:
‘هل هذا الفتى المتهور سيكون زوجي؟’
لكنها فكرت أيضاً:
‘إنه طفل الآن، ربما يكون أفضل عندما يكبر.’
بينما كانت غارقة في أفكارها المتناقضة، محدقة به بذهول، التقت عيناهما فجأة. كانت الكرة قد طارت بعيداً خارج الحديقة. امرأة في منتصف العمر، بدت كمرافقته، هرعت لالتقاطها، بينما اقترب الفتى من ميلين، شعره الفضي يتطاير بأناقة.
“شكراً على التقاط الكرة.”
“…؟”
فوجئت ميلين بكلامه المفاجئ، ونظرت إليه من رأسه إلى أخمص قدميه بنظرة متشككة. لكن كريس لم يتزحزح، مد يده كأنه يقول: “أعطني الكرة الآن.”
شعرت ميلين بالاستياء. ما هذا التصرف؟
“هذه كرتي.”
“…ماذا؟ لا، هذه كرتي.”
“قلتُ إنها كرتي!”
تحول وجه ميلين الخالي من التعابير إلى عبوس مرتبك، لكن كريس ظل واثقاً:
“هذه كرتي.”
في تلك اللحظة، رأت ميلين المرأة التي بدت كمرافقته تلتقط كرة أخرى من بعيد — كرة كريس الحقيقية.
ما هذا الغباء؟
شعرت أن هذا الفتى، الذي من المفترض أن يكون زوجها المستقبلي، يبدو… ناقصاً بعض الشيء. كان هذا متغيراً غير متوقع. كيف لسيدة إستريان الرائعة، الذكية والمتألقة، أن يكون لها ابن بهذا السخف؟
عبست ميلين أكثر، وهي تتأمل وجهه الجميل، لكنها شعرت بقلق متزايد.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"