بعد أن أنهكه البكاء لوقت طويل، خطرت له فجأة فكرة: لا وقت للاستسلام لهذا الحزن. إذا استمر على هذا الحال، فلن يحقق حلمه بحياة زوجية مليئة بالسعادة، بل سيصبح أسير ذلك العقد الغريب — عقد زواج أم عقد عمل؟
انتفض كريس، رافعاً وجهه المبلل بالدموع عن الوسادة. على الرغم من عينيه المتورمتين، ظل وجهه يحمل جاذبية لا تُضاهى، حتى بين أوسم رجال الإمبراطورية.
تأمل انعكاسه في المرآة، ومسح آثار الدموع بنظرة مفعمة بالعزم.
‘هل أبوح لميلين بكل ما عانيته من أجلها؟’
لكن الفكرة سرعان ما تبددت. لقد قرر بالأمس فقط تنفيذ خطة “إثارة غيرة ميلين”، لكن إذا فعل ذلك الآن، سيبدو كأنه يتوسل إليها، ممسكاً بأطراف ثوبها. كرجل يحترم كرامته، لم يكن مستعداً لإظهار هذا الضعف. لكن في تلك اللحظة، اتجهت أفكاره نحو مسار لم يتخيله من قبل.
‘ماذا لو صارحتها فقط؟’
بمعنى آخر، تلك الاعترافات الرومانسية البسيطة التي تُروى في الحكايات الخيالية — اعتراف بالحب.
أغمض كريس عينيه المرتجفتين، متأملاً وضعه المؤسف. على مدى سبع سنوات، وبينما كان يتلقى رفضاً تلو الآخر من ميلين، راودته فكرة: هل ما يشعر به تجاهها هو الحب؟
إذا لم يكن حباً، فكيف يمكن تفسير كل تلك الجهود والمعاناة التي تحملها من أجل الزواج بها؟ لم يكن الأمر مجرد عناد، فقد كانت الرحلة شاقة نفسياً، ولا تتماشى مع طبعه النفاد صبره.
‘نعم، إذا كان كل هذا الجهد نابعاً من الحب، فكل شيء يصبح منطقياً.’
من أجل حبه لميلين، دخل القصر في سن الثامنة عشرة كمساعد لوزير المالية. تدرب بضراوة حتى فاز ببطولة فنون القتال، مما أهله ليصبح مساعد قائد الفيلق الأول.
كانت هذه الإنجازات استثنائية حقاً. لا أحد في جيله تمكن من تحقيق منصبين بارزين في القصر الإمبراطوري. حتى ميلين، التي حصلت على درجات كاملة في امتحانات اختيار مساعد وزير المالية ودخلت القصر كأول المتقدمين، لم تشغل سوى منصب واحد.
إذا تحدثنا عن عظمة جهوده، فإن سردها وحده يكفي لإرهاق لسانه. لكن السنوات الطويلة التي قضاها يعاني في صمت، منتظراً تقدير ميلين، كانت مستحيلة بدون حب عميق.
“الحب… أنا أحب ميلين؟”
كانت الفكرة لا تزال محرجة، تجعله يشعر وكأن وجهه يتوهج خجلاً. لكن، في موقف مثل هذا — حيث تحولت خطوبته إلى حديث عن الطلاق في يوم واحد — لم يكن أمامه خيار سوى خطوة واحدة.
‘يجب أن أعترف بحبي الآن.’
قفز كريس من السرير، ممتلئاً بالعزم. أمسك بعلبة الخاتم الحمراء التي أعدها قبل خمس سنوات، وغادر الغرفة بخطوات واثقة.
خطو، خطو. كانت خطواته أكثر جرأة من أي وقت مضى، متجهاً نحو غرفة ميلين.
عندما وقف أمام بابها، الذي لم يكن بعيداً، أخذ نفساً عميقاً.
‘سأعترف بحبي بشكل صحيح.’
سأقول إنني أحبها، وأن الطلاق ليس خياراً. سأطلب منها الزواج رسمياً، بعرض زواج حقيقي. سأقسم بحبي الأبدي لها أمام القمر في السماء.
لم يتخيل يوماً أن كلمات الاعتراف بالحب ستنطلق من فمه، لكن اليوم كان الوقت الوحيد لقولها.
بينما كان يسير نحو هدفه، كان يتمتم بكلمة “أحبك” مراراً وتكراراً.
توقف أمام باب غرفتها.
“هوو… ها.”
فتح الباب بعنف.
“?!”
غمرت رطوبة خفيفة بشرته، مصحوبة برائحة الورد الحلوة التي اندفعت إلى أنفه.
كانت ميلين واقفة، ترتدي ثوب نوم خفيف، تمشط شعرها المبلل، وتنظر إلى كريس الذي اقتحم غرفتها بعيون متسعة بالدهشة.
“ما الخطب؟”
كان ثوب النوم الخفيف الذي يلف جسد ميلين يثير حواس كريس، يجذب عينيه بقوة. في أي يوم آخر، لكان قد أشاح بنظره بحرج، متردداً وهو يطلب منها أن ترتدي شيئاً أكثر ستراً. لكن اليوم، كان مختلفاً. لم يكن لديه نية للتراجع.
“لدي شيء أريد قوله.”
كان كريس، في تلك اللحظة، يحمل أكثر التعابير جدية التي ظهرت على وجهه أمام ميلين. عيناه مشتعلتان بعزم لا يتزعزع، ووقفته تنبض بحزم لم يعهدها من قبل.
على طاولة الشاي بجانب ميلين، لمح ورقة ذلك العقد الزوجي السخيف الذي تحدثت عنه من قبل. تقدم كريس بخطوات بطيئة، مد يده وأمسك بالورقة.
“إذا كنتِ ستتزوجينني لأجل مصلحتك، فأنا من سيحدد شروط العقد.”
“ماذا؟”
“الشروط بسيطة: يمكنكِ أن تلمسيني متى شئتِ، وسنتشارك غرفة النوم نفسها.”
“…”
“والطلاق… مستحيل. لن يحدث أبداً.”
“…”
حدقت ميلين في كريس، الذي بدا وكأنه يحمل العالم على كتفيه، ثم فتحت فمها أخيراً بعد صمت قصير:
“…والسبب؟”
توقف كريس للحظة، ثم نطق بهدوء، صوته يحمل صدقاً عميقاً:
“لأنني أحبكِ.”
“…”
ظلت ميلين تنظر إليه، كعادتها، بوجه خالٍ من التعابير، أو ربما كانت هناك لمحة غامضة في عينيها.
“أحبكِ حتى الموت…”
“…”
“أحبكِ بجنون!”
“…”
“لأنني إن افترقت عنكِ، أشعر أنني سأموت.”
مع هذه الكلمات، أشاحت ميلين بنظرها عنه. حتى تلك اللحظة، ظلت عيناها تحملان نظرة لا يمكن فك شفرتها، كأنها بحر عميق يخفي أسراره.
***
قصر عائلة بليزير، قبل عشرين عاماً
في غرفة الدوق بليزير، كان المشهد يعج بالفوضى والألم.
“سيدي الدوق! إذا استمر الوضع هكذا، فإن حياة السيدة في خطر! النزيف شديد للغاية…!”
هرع طبيب العائلة، وجهه شاحبًا بشدة، إلى دوق بليزير. خلفه، كانت سيدة ذات شعر أشقر ناعم، تكافح لالتقاط أنفاسها، غارقة في دماء قرمزية داكنة تنزف منها بغزارة.
كانت السيدة، الممدة على السرير، في حالة مروعة تتجاوز الخيال. القابلة والخادمات المحيطات بها كن في حيرة، يحاولن إنقاذها دون جدوى، إذ كان الوضع قد تدهور بشكل لا يمكن إصلاحه.
اقترح الطبيب، الذي كان وصياً قانونياً على السيدة، عدة مرات التضحية بالطفل لإنقاذ حياتها، لكن سؤال الدوق ظل ثابتاً منذ البداية:
“هل هو ولد؟”
“…ذ-ذلك…”
“سألتك: هل الطفل الذي تحمله زوجتي ولد؟”
“سيدي، لا أعرف بعد…”
“اكتشف ذلك! الآن!”
“لكن، سيدي! إذا تُركت الأمور على حالها، فإن حياة السيدة—”
في تلك اللحظة، أمسك الدوق بياقة الطبيب، عيناه مليئتان بنظرة قاتلة:
“اكتشف الآن إن كان ولداً أم بنتاً. واصل العمل حتى تعرف. فهمت؟”
أطلق الطبيب صوتاً مختنقاً من الخوف، ثم عاد مسرعاً إلى جانب السيدة.
بعد وقت لم يعرف أحد مدته، تمكنت القابلة من إخراج الطفل من بطن الأم التي فقدت وعيها. ارتفع صوت بكاء الطفل، ممتلئاً أرجاء القصر.
لكن، لسوء الحظ، لم يرَ الطبيب ما كان يأمله الدوق.
“سيدي الدوق…”
اقترب الطبيب، وصوته يرتجف. تقدم الدوق، الذي كان يقف على مسافة، عيناه مشتعلتان، وأمسك الطفل.
“هل هو ولد؟”
“إنها… أميرة جميلة.”
“…أميرة؟”
تجمد الدوق، وجهه يعكس ذهولاً مطلقاً، بينما كانت الطفلة الرضيعة تبكي بصوت عالي في حضنه.
غمرته خيبة الأمل لأن الطفل لم يكن ولداً، فسقط على ركبتيه، منهاراً على الأرض.
بعد عشر سنوات من الزواج، وبعد عدة إجهاضات، كان الطفل الذي أتى أخيراً إلى العالم… فتاة.
انتهت عائلة بليزير.
العائلة التي كرّس الدوق حياته كلها لحمايتها، تلاشت في لحظة.
لم يبقَ أمامه سوى خيار واحد: أن يأتي بعشيقة لتنجب له ابناً يحمل اسم العائلة. لكن هذا الخيار كان يصطدم بحاجزٍ صلب في قلبه.
‘أخاف أن تأتي بامرأة أخرى… هذا الخوف يعتصرني.’
‘أعدكِ، لن يحدث ذلك أبداً.’
كانت هذه الكلمات، الوعد الذي قطعه لزوجته، تثقل كاهله كالصخرة. لأنه، بقدر حبه لعائلته، كان يحب زوجته أيضاً بنفس العمق.
نظر الدوق إلى الطفلة الرقيقة في حضنه، التي بدت وكأنها قد تنكسر بين يديه، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة. حتى في خضم هذه الأزمة التي تهدد بفناء عائلته، أذابته هذه الحياة الصغيرة، فشعر بامتنان جارف يكاد يفيض بدموع.
كبح دموعه التي كادت تنسكب من شدة البؤس، ثم رفع وجهه. فجأة، خطرت له فكرة:
“زوجتي… كيف حال زوجتي؟”
“…السيدة… آه…”
حدق الدوق في دموع الطبيب المنسكبة، مذهولاً، ثم خطا بخطوات متثاقلة نحو زوجته.
سرعان ما طغى على بكاء الطفلة صوت نحيب القابلة والخادمات المحيطات بها، يتردد في أذنيه كرنين موجع.
كانت زوجته، المحاطة بهن، تبدو كأنها لم تعد تنتمي إلى عالم الأحياء. جسدها الممدد، الغارق في دماء قرمزية داكنة، لم يعد يحمل تلك الحيوية التي كانت تميزها. شعرها الذهبي اللامع، الذي كان يوماً يتلألأ كالشمس، فقد بريقه وتحول إلى لون نحاسي باهت. جسدها النحيل، الذي لم يبقَ منه سوى العظام، بدا كأنه تنبأ بالموت منذ زمن بعيد، متيبساً وجافاً.
في تلك اللحظة، استفاق الدوق من ذهوله، وكأن مشهد زوجته المأساوي أعاد عقله إلى الواقع. على مدى عشر سنوات من زواجهما، كانت كلماته لها تقتصر على طلبٍ واحد متكرر: “أنجبي لي ابناً يحمل اسم بليزير.” كلمات الحب التي كان ينبغي أن يغمرها بها، غُطيت بظل هذا الطلب القاسي.
تحملت زوجته، بقلبها الرقيق، كل تلك الإهانات، فقط لأنها أحبته. لكنها الآن أغمضت عينيها إلى الأبد.
“زوجتي… زوجتي؟”
ناداها الدوق، صوته يرتجف، لكن لا رد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"