“مرحباً، دوق وينفريد والأدميرال فيدريك.”
كان الإمبراطور ذا ملامح ودودة.
عيناه مائلتان قليلاً إلى الأسفل وبؤبؤاه فاتحا اللون، والتجاعيد حول فمه شكلت ابتسامةً لطيفة.
كانت ملامحه توحي بأنه قد يُخطئ أحدٌ في اعتباره رجلاً ضعيف البنية لو رأوه في مكان غير القصر الإمبراطوري.
وفي الوقت ذاته، كان وجهه يعكس آثار المرض بوضوح.
رغم محاولات في إخفائها، إلا أن الظلال الداكنة كانت واضحةً تحت عينيه، كما كانت شفتاه تميلان إلى اللون الأزرق قليلاً.
“أحيي جلالة الإمبراطور.”
أدى الدوق وينفريد والأدميرال فيدريك التحية باحترام. و أشار الإمبراطور مبتسمًا بيده، وكأنه يطلب منهما الوقوف.
“هل كان الطريقُ صعباً اليوم؟”
نهضا واقفين.
“كان مريحاً. طرق العاصمة مُعدةٌ بشكل جيد.”
بدأ الدوق وينفريد الحديث.
“لو كانت لدينا طرقٌ مماثلة في أراضي وينفريد وفيدريك، لكان الأمر رائعًا.”
قد يبدو الحديث، للوهلةِ الأولى، وكأنه مجرد مديحٍ على جودة طرق العاصمة وفضل الإمبراطور في ذلك.
لكن الحقيقة كانت مختلفة.
فطرق أراضي وينفريد وفيدريك قد دُمرت بالكامل بسبب الحروب الطويلة.
وفي عهد الدوق السابق، استغل الإمبراطور دمار الطرق كذريعةٍ لوقف الدعم الذي كان يُرسل من العاصمة إلى الشرق بشكلٍ مؤقت.
وكان الهدف حينها أيضًا هو إذلالهما وكسر كبريائهما.
“هاها.”
لم يكن الإمبراطور ليعجز عن فهم ما أراد لوغان قوله.
“ستكون هناكَ قريبًا طرقٌ جيدة في أراضي وينفريد وفيدريك. إن أردت، يمكنني أن أعيركَ مهندسي العاصمة.”
كان يقصد بذلك: “سأمنحك هذه الخدمة، لذا عليكَ أن تصمت”.
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي لوغان.
“إنه لشرفٌ عظيم، ولكن كيف لي أن أزعجكَ بذلك؟ لدينا في أراضي وينفريد عددٌ لا بأس به من المهندسين المهرة، وسأعتمد على مهاراتهم.”
“حقًا؟”
ضيّق الإمبراطور عينيه، لكن الابتسامةُ الهادئة ظلت مرتسمةً على شفتيه.
“إذا احتجت إلى مساعدتي في أي وقت، فلا تتردد في إخباري، أيها الدوق. سأكون على استعدادٍ لمساعدتك قدر الإمكان.”
كان مظهر الإمبراطور وهو يتحدث شبيهًا تمامًا بما رآه وينفريد في ولي العهد قبل بضعة أيام.
‘النوايا واحدة.’
كانت دوافع ولي العهد لا تتعدى محاولةَ استغلال اسمه للراحة المؤقتة.
كان ذلك أمرًا يمكن التغاضي عنه بسهولة، بل وحتى التنازل عنه. لكن الإمبراطور كان مختلفًا.
ما يسعى إليه الإمبراطور في النهاية هو وضع عائلة الدوق وينفريد وعائلة الماركيز فيدريك تحت سيطرته الكاملة.
‘لا بد أنه يرى أن هذه هي اللحظة المناسبة لتحقيق نواياه،’
وربما الفرصة الوحيدة كذلك. فنادراً ما تكون عائلة وينفريد، التي سيطرت على الشرق، بهذا الضعف.
“رغم أن المجلس كان الذريعة، إلا أن المناسبة ستكون أكثر وديّة. و يمكن اعتبارها جلسةَ حديثٍ غير رسمي لتكريم أبطال الحرب. وربما تتخللها وجبةُ طعامٍ أيضاً.”
“هل تقصد عشاءً؟”
“بالطبع، كما تعلم، يا دوق، لقد قضيتُ فترةً طويلة طريح الفراش. ولهذا يبدو أن البعض لا يأتون إلا بمثل هذه الذرائع.”
ابتسم الإمبراطور بابتسامةٍ واهنة.
كذب.
صحيح أنه كان طريح الفراش لفترةٍ طويلة، لكن خلال غيابه، ألم تملأ الإمبراطورة وولي العهد ذلك الفراغ بأي وسيلة؟
بفضل جهودهما، لا تزال قوة العائلة الإمبراطورية متماسكةً حتى الآن.
“لذا، آمل ألا تشعر بثقلٍ كبير.”
ابتسم الإمبراطور، وابتسم لوغان أيضًا.
“لم أكن أتوقع أن تهتمَ بنا إلى هذا الحد.”
تأمل لوغان الإمبراطور بعينيه الحمراوين.
“سأقبل هذا بامتنان، جلالتك.”
“جيد.”
هز الإمبراطور رأسه بخفة.
“إذاً، هل ندخل إلى الداخل؟ لقد كنتَما آخر من وصل. لذا، دعونا ندخل معًا.”
“جلالتك.”
انحنى كبير الخدم ذو الشعر الأبيض الذي كان يقف خلف الإمبراطور.
“هناك أمرٌ يجب أن أبلغهُ لك.”
“ما هو؟ ما لم يكن الأمر مهمًا، فلنؤجله. أبطال الحرب هم ضيوفي هنا.”
“إنها رسالةٌ من جلالة الإمبراطورة.”
“الإمبراطورة؟”
أبدى الإمبراطور تعبيرًا يوحي بالتفاجؤ، ثم التفت نحو الدوق والأدميرال.
“يا للأسف، يبدو أنني يجب أن أستمع لما تقوله الإمبراطورة.”
“لا بأس يا جلالتك.”
كان كارل هو من تقدم هذه المرة. وكالعادة، ارتسمت على وجههِ ابتسامةٌ لطيفة وودودة، وانحنى بخفة.
“يكفينا شرفًا أنكَ قدمتَ لنا هذا العرض. سننتظر جلالتكَ بفرحٍ داخل القاعة.”
“عندما يتحدث الأدميرال بهذه الإيجابية، أشعر براحةٍ كبيرة.”
ضحك الإمبراطور، وكانت ضحكتهُ مختلفةً تمامًا عن تلك التي وجهها إلى لوغان.
“حسنًا، إذاً، ادخلوا أولاً.”
“نعم، يا جلالتك.”
أديا التحية بانحناءةٍ خفيفة، بينما غادر الإمبراطور مع كبير الخدم للحظات.
“هاه……”
أطلق كارل زفيرًا قصيرًا بمجرد أن اختفى الإمبراطور تمامًا بعد أن انعطف عند الزاوية.
“ما هذه الأحاديث المرهقة؟ أشعر بالتعب من الآن.”
قال ذلك بينما تظاهر بمسح عرقٍ بارد غير موجود.
“حقًا، أنا سعيدٌ لأنني لستُ الابن الأكبر. وإلا، لكنت سأضطر إلى القلق بشأن أمورٍ كهذه طوال الوقت مثلك.”
“سمعت أنهم يخططون لمنح ألقابٍ كجزءٍ من مكافآت هذه الحرب.”
“هاه!؟”
نظر كارل إلى لوغان بوجهٍ بدا وكأنه يسمع بالأمر لأول مرة.
بما أن لوغان، الذي يحمل بالفعل لقب الدوق، لن يُمنح لقبًا آخر، فقد أدرك على الفور أن المقصود بذلك هو الابن الثالث الذي لا يرث اللقب، أي هو نفسه.
“مبروك، لقد أصبحَ لديك الآن بعضُ الواجبات.”
أومأ لوغان برأسه ثم استدار وبدأ بالسير نحو قاعة المجلس.
“انتظر، لحظة!”
ركض كارل خلف لوغان بسرعة، وهو يناديه بقلق.
“أنا لم أسمع بهذا الأمر من قبل. متى أعلنوا ذلك؟”
“منذ فترة.”
“لماذا لم أسمع بذلك؟”
“لأنك كنت منشغلاً بلقاء النساء وتجاهلت رسالة الماركيز.”
“آها!”
في تلك اللحظة، بدا أن كارل تذكر الرسالة التي ألقاها جانبًا قائلاً أنه سيقرأها لاحقًا، فبدأ يمسك شعره بغيظ.
“لو كنتُ أعلم بأنها تتعلق بهذا الأمر، لقرأتُها فورًا!”
“حقًا؟”
رد لوغان ببرود وهو يضغط على لسانه بخفة، ثم أشار برأسه إلى الخادم الذي كان واقفًا أمام باب قاعة المجلس.
انحنى الخادم لتحيتهم، ثم فتح الباب.
“…….”
ما إن فُتح الباب، حتى اندفعت نحوهم نظراتِ عشرات الأشخاص في الداخل.
بعضهم نظر إليهم بإيجابية، لكن الأغلبية كانت تحمل عداءً واضحًا.
رغم ذلك، مشى الاثنان بثباتٍ في الممر الأوسط، وكأنهما لا يشعران بأيٍ من تلك النظرات.
“يا له من تصرفٍ وقح.”
تحدث أحدهم بصوتٍ عالٍ، وكأنه يريد التأكد من أن يسمعه الجميع أثناء نظره إلى الرجلين.
“يقتلُ الناس ثم يرفعُ رأسيهُ بهذا الكبرياء……تافه!”
“هاه……”
توقف كارل فجأة عن المشي وبدأ يتمتم لنفسه.
“يبدو أنني قضيتُ وقتًا طويلاً في ساحة المعركة.”
أمال عنقه يمينًا ويسارًا و كأنه يريح عضلاته.
“لذا، أشعر أن قتل شخصٍ آخر لن يُحدث فرقًا.”
التقت عيناه بالرجل الذي تمتم بالكلماتِ للتو.
ارتبك الرجل بشكلٍ واضح ولف رأسه بعيدًا بسرعة، مما جعل كارل يضحك ساخرًا.
“على أي حال……”
تحدث كارل بينما كان يجلس في مقعده وينظر حوله.
“أين هو الكونت فلورنس؟ أنا لا أراه هنا.”
“وصلتني رسالةٌ تفيد بأن الكونت فلورنس لن يتمكن من الحضور اليوم بسبب مرض ابنته.”
كان الركل الذي حلّ تساؤل كارل هو الفيكونت بيرسي، الذي كان دائمًا ينظم معارض للفنون التبرعية.
“فيكونت بيرسي.”
“سعيدٌ بلقاءكما بعد فترةٍ طويلة.”
“آه، أنا أيضًا سعيدٌ بلقائكَ بعد فترةٍ طويلة.”
همس الفيكونت بيرسي وهو يداعب شاربه، وعيناه تتأرجحان بينما يبتسم.
“لكن، هل قلتَ أن ابنةَ الكونت فلورنس مريضة؟”
“نعم، هذا ما قيل لي.”
أومأ الفيكونت بيرسي برأسه وهو يوافق.
“قيل أن حالتها خطيرةٌ لدرجة أن والدها لم يتمكن من تركها و الاستجابة لدعوة الإمبراطور.”
“يا للأسف.”
“وبالمناسبة، أليس لديكما صلةٌ بعائلة الكونت فلورنس؟ ألم تسمعا شيئًا عن هذا الموضوع؟”
“للأسف، لا.”
فتح لوغان فمه بعد صمتٍ طويل.
“لم أسمع شيئًا عن ذلك.”
“أوه، هكذا إذًا. رغم أنني لا أعرف ما الذي يحدث، الا أنه من المؤكد بأنها ستتحسن بسرعة.”
هز الفيكونت بيرسي رأسه بحزنٍ وأصدر صوتًا عميقًا من حلقه.
“في الحقيقة، أنا أثقُ بالدوق وينفريد.”
كانت كلماته عالية بما يكفي ليسمعها الجميع.
“أعرف جيدًا أن الدوق وينفريد ليس من نوع الأشخاص الذي يقوم بمثل هذه الأمور.”
كانت عيناه الصغيرتان تلمعان بالثقةِ والإيمان.
“سأساعدكَ بكل ما أستطيع في هذه الجلسة، دوق……؟”
“أشكركَ جزيل الشكر، فيكونت بيرسي.”
من جهته، اكتفى لوغان بإيماءةٍ بسيطة، وكأنه لا يحتاج إلى أكثر من ذلك.
على ما يبدو، كان ذلك كافيًا بالنسبة للفيكونت بيرسي، الذي عاد إلى مقعده بعد أن تبادل بضع كلماتٍ ودية.
“هل الآنسة سناير مريضةٌ جدًا؟”
وضع كارل ذقنه على يده وأمال رأسه بتساؤل.
“كما قال الفيكونت بيرسي، إذا كانت الآنسة فلورنس مريضةً لدرجة أن الكونت لم يتمكن من تركها و الاستجابة لدعوة الإمبراطور، فكيف يمكن أن تكون حالتها؟”
كان الكونت فلورنس الحالي شخصًا طماعًا.
كان يرغب في جعل لوغان صهرًا له، وفي الوقت نفسه كان يطمع في مكانٍ قريب من الإمبراطور.
حتى أنه ربما كان يطمح لأن يكون الشخص الوحيد القادر على تنسيق الأمور بين الدوق والإمبراطور. لذا، كان من المستغرب أن لا يظهر الكونت فلورنس اليوم.
“ربما هي ليست مريضةً حقاً.”
همس لوغان بصوتٍ منخفض.
“بل ربما تم اكتشافُ شيءٍ متعلقٍ بها.”
“ما الذي تعنيه بذلك؟”
سألهُ كارل بسرعة.
“ما الذي تم اكتشافه؟”
“سأخبركَ لاحقًا، إنه حديثٌ طويل.”
“همم.”
كان كارل يحدق بتفكيرٍ عميق. ثم فجأة، اتسعت عيناه كما لو أنه تذكر شيئًا.
“ماذا عن السيدة ليونيد؟ إذا كانت تعلم أنك هنا، فبالتأكيد ستكون قلقةً جدًا.”
كان كارل واحدًا من القلائل الذين يعرفون عن حادثةِ اختطاف إيرينا. لذا، كان قلقه مبرَرًا.
“لهذا السبب، أبقيتُ الأمر سرًا.”
“هذا جيد.”
تنهد كارل أخيرًا ووجه نظره للأمام.
“إذا اكتشفت هذه الحقيقة، ستغرق في همومها أكثر من أي وقتٍ مضى.”
كان على حق.
بالنظر إلى طبيعة إيرينا، إذا اكتشفت أن لوغان تورط في هذه القضايا بسببها، فقد تفكر فيه طوال الوقت، حتى في نومها.
ربما تفكر في لوغان الآن حتى في أحلامها.
“…….”
لذلك، تم ترتيب الوضع بحيث يصبح الأمر واضحًا.
“الإمبراطور يدخل!”
توجهت عيني لوغان نحو المدخل. و كان الإمبراطور الذي قابله سابقًا يدخل إلى القاعة.
ومن خلفه، دخل البارون فينترين.
عندما التقت أعينهما، ابتسم فينترين مُظهراً أسنانه.
“حتى تتمكن من معرفةِ الأمر من خلال أفواه الآخرين.”
هكذا تم ترتيب الموقف لإيرينا.
_____________________________
ليه؟ ليه يبيها تعرف بذا الموضوع من غيره؟ عجزت افهمه ياخييي
الحلو في ذا الفصل لوغان وطقطته على كارل 😭
حتى كارل يجنن على طول دافع عن خويه اول مادخلوا عشان كذا بليز لاتكون طرف ثالث
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 99"