كانت إيرينا تريد الصراخ، لكن وجودها في مقهى مكتظ جعلها تكتفي بقبض يديها والتربيت على قدميها بمرح.
“إذاً……”
“نعم، اسأليني ما تشائين.”
و لا تزال الآنسة ويلر ترفع يدها اليسرى حتى ترى إيرينا خاتم خطبتها بوضوح.
“متى تلقيتِ الاعتراف بمشاعره؟”
“آه……في يوم حفل ظهوري الأول.”
“في يوم الظهور الأول مباشرة؟”
أومأت الآنسة ويلر ببطء.
“في الواقع، كنتُ قلقةً للغاية. و كنت أفكر، ماذا لو لم أتلق عرض زواج خلال الموسم الاجتماعي؟ تعلمين جيدًا يا سيدة، كيف يُعامل من لا يتلقى عرضًا للزواج ويتقدم به العمر.”
خيم الحزن على وجه الآنسة ويلر، فقد سمعت بتلك الآنسة التي من لم تتلق عرضًا بعد ثلاثة مواسم اجتماعية و كانت تتعرض للنبذ.
“رغم أن العالم اليوم يتيح للنساء أن يصبحن فارسات، إلا أنني لم أتعلم فنون السيف، كما أن عائلتي ليست غنية.”
ابتسمت الآنسة ويلر بمرارة.
“لهذا كنتُ أشعر بضغطٍ كبير كلما اقترب موعد الظهور الأول. فالأداء الجيد في الظهور الأول كان ضروريًا.”
فالظهور غير الموفق يعني انخفاض فرص تلقي عروض الزواج، وحتى لو جاء العرض، فإنه سيكون غالبًا من عائلاتٍ بسيطة.
مع اقتراب يوم الظهور الأول، كانت مشاعرها تتأرجح بين الحماس والرغبة في الهروب.
“شعرتُ وكأن قيمة كل ما عشته ستتحدد في ذلك اليوم الواحد. و كنت أشعر بالغثيان. لذا، أخبرت خطيبي الحالي عن تلك المخاوف.”
“كان شخصًا تعرفينه إذاً؟”
“نعم، كان صديق طفولتي. في البداية، كنا نزعج بعضنا بعضًا لأننا لم نرغب في اللعب معًا، لكننا تعلّقنا ببعضنا بمرور الوقت.”
كان الأمر شائعًا، كانت منازلهم قريبة، و أهلهم يتمتعون بعلاقةٍ متينة. فتكررت اللقاءات بينهما، ومع تقارب أعمارهما، نشأت بينهما صداقة.
“كنا نتشارك ركوب الخيل وكان شريك رقصي أيضًا. لكن في أحد الأيام، لم أتمالك نفسي وبدأتُ بالبكاء.”
أخذت الآنسة ويلر تلمس الشريط المربوط حول معصمها.
“في ذلك اليوم، شعرت بخوفٍ شديد.”
وأثناء تمرينهما على الرقص، توقفت فجأة وانفجرت بالبكاء.
“كنت خائفة من ألا أتلقى عرض زواج، أو أن أتلقاه من شخصٍ بعيد و أضطر معه للابتعاد عن عائلتي.”
“……كنتِ خائفة من كل شيء.”
كانت ترقص بجد، ثم جلست على الأرض وانهارت باكية.
بقي صديق طفولتها بجانبها حتى هدأت قليلاً. وعندما توقفت عن البكاء قليلاً، همس لها وهو يعانقها.
“لا بأس، كل شيء سيكون على ما يرام.”
“لم أفهم حينها ما كان يقصده، لكن في يوم ظهوري الأول تقدم لي بعرض زواج، حاملًا باقةً من زهور التوليب*.” *آخر الفصل
“التوليب؟”
“نعم، فأنا أحب التوليب أكثر من الورود، إذ له معنى جميل، خاصةً الصفراء.”
بحث في كل متاجر الزهور في العاصمة، ثم اتجه للمزارعين حتى وجد أجمل زهور التوليب ليصنع منها باقة ويقدمها لها كعرض زواج.
“قال لي: ‘لن أدعك تشعرين بالخوف مجددًا’.”
“رائع……”
تمكنت إيرينا من رسم مشهد عرضه للزواج في مخيلتها.
وبقلبٍ ينبض، تابعت الاستماع إلى القصة.
“إذًا قبلتِ عرضه في تلك اللحظة!”
“لا.”
رمشت إيرينا بعينيها بدهشة. ماذا؟ ماذا حدث؟
“رفضته في البداية. شعرتُ وكأنه كان يشفق عليّ.”
سألته إن كان يتعاطفُ معي بسبب مخاوفي التي شاركتها معه، فهزّ رأسه نافيًا.
“أخبرني أنه أحبني منذ كنا أطفالًا. وبدأ يذكر لي الأشياء التي أحبها وأكرهها، ويتذكر كل التفاصيل الصغيرة التي مرت بيننا……”
احمر وجه الآنسة ويلر بشدة.
“لم أستطع الرفض.و ، في الحقيقة……”
نظرت الآنسة ويلر خلسة نحو إيرينا، فمالت إيرينا نحوها دون وعي.
“عندما عانقني وقال لي إن كل شيء سيكون بخير، وقعتُ في حبه.”
“……!”
كانت القصة مثالية، وكأنها مشهدٌ من رواية.
فقد أحب كل منهما الآخر، و وعيا بمشاعرهما، وتوحدت قلوبهما.
الآن لم يتبق سوى أن يعيشا بسعادة.
‘لو أستطيع أن أكون مع الدوق هكذا…..’
“آنسة ويلر!”
أمسكت إيرينا بيد ويلر بقوة.
“ماذا علي أن أفعل حتى أستطيع أن أكون مثلكما؟”
تحركت شفتا إيرينا وهي تتحدث.
“أريد أن أعبر عن مشاعري، لكنني لا أعرف كيف أفعل ذلك……”
قبضت الآنسة ويلر على يدها بشدة عند سماعها تنهدات ايرينا المفعمة بالشغف.
“ما تحتاجينه هو الشجاعة!”
ركزت إيرينا على كلام الآنسة ويلر وكأنها تخشى أن تفوت كلمة واحدة.
“الاعتراف بمشاعركِ يتطلب الشجاعة، والتعبير عنها يتطلب شجاعةً أيضًا.”
نعم، هذا صحيح. كانت كلماتها دقيقةً تمامًا.
“بصراحة، أنا واثقة بأن أي شخص لن يستطيع رفض السيدة إيرينا.”
“هل تعتقدين ذلك؟”
“بالطبع!”
ضربت الآنسة ويلر الطاولة بكفها بحماس، فقامت إيرينا بتهدئتها قبل أن تنفعل أكثر.
“لذا، عليكِ فقط انتظار اللحظة المناسبة، سيدة إيرينا.”
تألقت عينا ويلر بلمعانٍ خاص.
“يوم حفل ظهوركِ الأول!”
“هل عليّ الانتظار حتى يوم الظهور الأول؟”
بصراحة، كانت إيرينا ترغب في الاعتراف بمشاعرها الآن. فقد كان قلبها يغلي بهذه المشاعر في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة.
‘لو لم تكن منشغلةً لدرجة عدم التمكن من رؤيته، لكنت قد ذهبت إلى القصر عدة مرات، وربما كنت ستعيش هناك بالفعل.’
وبعد أن رأت هذا الحب السعيد أمامها، اشتعلت مشاعرها أكثر.
شعرت برغبةٍ ملحة في الاعتراف بمشاعرها على الفور.
“لا، عليكِ الانتظار.”
هزت الآنسة ويلر رأسها بحزم.
“الاعتراف الآن قد لا يكون ثابتًا، وحتى الخطبة ستكون شكلية.”
أدركت إيرينا أنها تعلمت شيئًا جديدًا، فأومأت برأسها مرارًا.
“لذا، بعد حفل ظهوركِ الأول، اعترفِ بمشاعركِ وابدآ الخطبة فورًا، كما فعلتُ أنا!”
وأشارت الآنسة ويلر بفخر إلى خاتم خطبتها مجددًا، منهيةً الحديث بهذه اللمحة.
إذًا، الآن لم يبقَ في ذهن إيرينا سوى ثلاث كلمات، حفل الظهور الأول، و الاعتراف، و الخطبة.
“لكن، سيدة ايرينا…..”
دون وعي، انتقلت الآنسة ويلر من الجلوس أمام إيرينا إلى الجلوس بجانبها.
“من هو الشخص الذي تحبينه؟”
“آه…..إنه…..”
بدأت حمرة خفيفة تعلو عنقها، وامتدت إلى وجنتيها وأذنيها.
“……إنه شخص طيب، و لطيف، وجذابٌ أيضًا….”
“رائع!”
ابتسمت الآنسة ويلر بلطف.
“هل هو حنون؟”
“نعم، و يهتم بي دائمًا. مثل قوله، ‘لقد جهزتُ لكِ مكتبةً خاصة’.”
“ويخصص لي الوقت أيضاً. بقوله،’أنا دائما أملك الوقت لكِ.'”
“ويبتسم لي كثيرا…..”
بشكل طبيعي، تذكرت إيرينا آخر مرة رأتهُ فيها يبتسم.
كان قد جهز لها شايًا من النوع المفضل لها و معجناتٍ لذيذة، وابتسم لها بابتسامةٍ دافئة.
“وقبل كل شيء، هو الشخص الأول الذي مدّ لي يده.”
كان أول من حماني، والشخص الذي وسّع عالمي.
‘حقًا، من المستحيل ألا أقع في حبه بعد كل هذا.’
“واو.”
نظرت إليها الآنسة ويلر بنفس النظرة التي كانت إيرينا تنظر إليها بها، وكأنها تقرأ رواية رومانسية حالمة.
في مشكلة حالياً في الموقع تتعلق بأرشفة الفصول الجديدة بعد نشرها، وراح يتم حلها قريباً إن شاء الله.
وكإجراء احتياطي نرجو منكم الاحتفاظ بنسخة من الفصل بعد نشره على الأقل لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لو صار أي خلل مفاجئ.
كما نوصي بمراجعة الفصل المنشور خلال هذه الفترة للتأكد من ظهوره بشكل سليم، ومن عدم حدوث أي خلل تقني أو أرشفة خاطئة.
نعتذر عن الإزعاج، وشكراً على صبركم وتعاونكم الدائم
التعليقات لهذا الفصل " 48"