كان ذلك في اليوم الذي نزلت فيه إيرينا إلى مقاطعة البارونة جيب.
“رحلة موفقة.”
“نعم.”
“اعتني بنفسكِ، وإذا شعرتِ بالتعب فخذي قسطًا من الراحة. لا يهم كم ستكلفكِ الإقامة، الأهم أن تستريحي جيدًا، فهمتِ؟”
“لا يمكنني ذلك، فقد أتأخر عن موعد الزيارة. مقاطعة البارونة جيب أبعد مما كنت أظن……”
“بما أنها دعتكِ إلى قصرها، فبالتأكيد ستتفهم تأخركِ لبضعة أيام. عادةً ما تستمر زيارات النبلاء من ثلاثة إلى أربعة أيام في الحد الأدنى، وأحيانًا تمتد حتى شهر كامل.”
“همم.”
عندها فقط، أومأت إيرينا برأسها بعد أن سمعت كلام لوغان.
“نعم، فهمت. إذا شعرتُ بالتعب، فسأتوقف لأستريح.”
‘لم يكن الأمر سوى إيماءة بسيطة برأسها، ومع ذلك، كيف يمكن أن تكون لطيفة إلى هذا الحد؟’
في النهاية، خالف لوغان كلماته السابقة التي قال إنها ستكون الأخيرة، وطبَع قبلةً خفيفة أخرى.
عندها، هزّت دلفيا، التي كانت تقف بجانبهما، رأسها، وزفر ريو بصوت خافت.
“سيدي، لن نتمكن من الانطلاق حتى تغرب الشمس. إن استمررنا هكذا، سنضطر إلى قيادة العربة ليلًا.”
“إذاً فهذا أفضل. ماذا لو أرسلنا دلفيا و ريو فقط، إيرينا؟”
“……سيدي.”
“أنا موافقة!”
عندما عبّر لوغان عن عدم رغبته في إرسال إيرينا، جاءت ردود الفعل متباينةً تمامًا من ريو ودلفيا.
قطّب ريو حاجبيه بانزعاج، بينما تألقت عينا دلفيا بوميض يوحي بأنها وجدت الأمر ممتعًا.
“سيكون من الممتع للغاية الذهاب وحدي مع ريو!”
“سأقفز من العربة.”
عند رد فعل ريو المذعور، انفجرت دلفيا ضاحكة.
“هذا غير ممكن.”
أجابت إيرينا وهي تضحك برفق متأثرةً بدلفيا، ثم هزّت رأسها.
“الأمر مهم، أليس كذلك؟ عليّ مقابلة البارونة جيب بنفسي لإقناع الشخص الذي أحتاج إليه. بهذه الطريقة، ستصل مشاعري بصدق.”
“ما دمتِ ترين ذلك……”
احتضنها لوغان بإحكام، هذه المرة حقًا للمرة الأخيرة.
“رحلةٌ موفقة.”
عند توديعها، وقفت إيرينا على أطراف أصابعها، فانحنى لوغان تلقائيًا عند خصره، ثم طبعت قُبلة بصوت مسموع على وجنته.
“سأعود قريبًا.”
ظل لوغان في مكانه يراقب العربة حتى اختفت عن الأنظار. وعندما أصبحت مجرد نقطة صغيرة، التفت أخيرًا ونظر إلى إرن، الذي كان واقفًا خلفه.
“وصل الرد؟”
وكأنه كان بانتظار تلك الكلمات، ناوله إرن رسالة.
كانت مجرد ورقة عادية، بلا زينة أو رسوم، ومع ذلك، فخامتها كانت واضحة دون أي محاولة لإخفائها.
لم يكن هناك اسم للمرسل، لكنه لم يكن بحاجة إليه. إذ لم يكن هناك سوى شخص واحد يمكنه إرسال رد كهذا إليه.
الإمبراطورة.
“همم……”
مزّق لوغان المغلف وسحب الرسالة من داخله.
كانت قصيرةً لدرجة أنه كان يمكن تلخيصها في أربع كلمات فقط،
اليوم، بعد الظهر، وقت الشاي.
والآن، كانت الشمس قد تجاوزت منتصف النهار بقليل.
‘لقد تعمدت استدعائي في وقتٍ ضيق.’
ابتسم لوغان بسخرية وهو يناول الرسالة لإرن.
كان استدعاء الشخص في وقت ضيق لإضعاف موقفه أسلوبًا شائعًا بين النبلاء.
لكن الإمبراطورة كانت تعلم جيدًا أن أمورًا كهذه لا يمكن أن تؤثر عليه. ومع ذلك، اختارت هذا النهج.
وهذا لا يمكن أن يعني سوى شيء واحد.
‘لديها شيءٌ ما أيضًا.’
لو أنه انتظر بضعة أيام أخرى، ربما كانت هي من أرسلت إليه الرسالة أولًا.
كان ذلك مجرد تظاهر بالهدوء، و تمثيل متقن.
محاولةٌ بائسة للظهور بمظهر اللامبالي بينما كانت تسعى جاهدةً لكسب الأفضلية.
لم يكن يرى ذلك سوى أمر مثير للشفقة.
‘الصفقة السابقة كانت بشأن ولي العهد.’
ألم يضطر للتنازل قليلًا حتى يتمكن من إقامة حفل ظهور إيرينا الأول في القصر الإمبراطوري؟
لكن بالنظر إلى الأمر على المدى الطويل، لم يكن ذلك خسارة حقيقية، بل كان هناك الكثير مما يمكنه انتزاعه في المقابل، لذا كان ذلك مكسبًا في النهاية.
‘إذاً، ما هي الصفقة هذه المرة……؟’
“إرن.”
“نعم، سيدي. لقد أعددتُ الملابس مسبقًا.”
أومأ لوغان برأسه، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ واثقة. وعندما همّ بالمغادرة، ألقى نظرةً أخيرة على المكان الذي غادرت منه إيرينا.
‘إن كانت تبذل كل هذا الجهد، فلا يمكنني أن أبقى مكتوف اليدين.’
***
“مرحبًا بقدومكَ، دوق وينفريد.”
المكان الذي تم توجيه الدوق وينفريد إليه عند دخوله القصر الإمبراطوري كان إحدى قاعات الاستقبال.
بدت وكأنها مكوّنةٌ من ثلاث أو أربع غرف مجتمعة، وكانت واسعة إلى درجة يصعب استيعابها بنظرة واحدة، ومع ذلك، لم يكن فيها سوى أريكة وطاولة وحيدتين في المنتصف.
كان ذلك استعراضًا للثراء، وكأنهم يقولون إنهم يستطيعون إهدار هذه المساحة في قلب العاصمة دون أي قلق.
‘يا لهم من حمقى.’
لم يكن عليهم سوى الابتعاد قليلًا عن وسط العاصمة، ليجدوا بيوتًا أصغر من هذه القاعة، يعيش فيها العشرات من الأشخاص.
ومع ذلك، ها هم هنا، يبددون هذه المساحة فقط من أجل قاعة استقبال.
حتى إن هذه الصالة لم تكن مخصصةً لكبار الشخصيات، بل كانت مجرد صالة استقبال عادية لا تُستخدم إلا عندما يلتقي أحد أفراد العائلة الإمبراطورية بشخص ما على نحو خاص.
لابد أن هناك عشرات من مثل هذه الصالات في هذا القصر الإمبراطوري.
نقر الدوق وينفريد على لسانه داخليًا قبل أن يلقي تحيةً خفيفة.
“لم أركِ منذ زمن، جلالة الإمبراطورة.”
“ليس زمنًا طويلًا إلى هذا الحد.”
رفرفت الإمبراطورة بمروحتها بأناقة وهي جالسة بالفعل على الأريكة.
“ألم نلتقِ في حفل ظهور الآنسة الأول، ابنة الكونت ليونيد، يا دوق؟”
“ومع ذلك، قد مرّ وقت لا بأس به. كان حفل الظهور الأول في بداية الشتاء، والآن نحن على مشارف الربيع، أليس كذلك؟”
“هل مرّ الزمن بهذه السرعة؟”
أغلقت الإمبراطورة مروحتها وراحت تطرق ذقنها بطرفها.
“ربما لأن هناك حادثة كبيرة وقعت……يبدو وكأنه حدث بالأمس فقط.”
كان ذلك تلميحًا منها بأنها لم تنسَ الضجة التي أثاروها في القصر الإمبراطوري نفسه.
يا لها من امرأةٍ حقودة.
“بالفعل، لقد كان أمرًا جللًا.”
أومأ الدوق وينفريد برأسه.
“لكن المتسببين في تلك الفوضى نالوا جميعًا عقابهم المستحق، أليس كذلك؟ كما أن الآنسة ليونيد، التي تضررت وأُفسد حفل ظهورها الأول، قد أعربت عن رضاها بالعقوبة، وذلك يعدّ أمرًا جيدًا على الأقل.”
“…….”
“جلالة الإمبراطورة تعلمين جيدًا كم يكون حفل الظهور الأول مهمًا للآنسة. ومع ذلك، لم يكتفوا بإفساد يومها المميز فحسب، بل كادت تتعرض للاختطاف في مكان يُفترض أنه آمن……لقد كان ذلك صدمةً كبيرة لها.”
عندما أعاد التأكيد على أن المتسببين نالوا عقابهم، وأنه هو وإيرينا كانا من الضحايا، ضاقت عينا الإمبراطورة قليلاً.
“صحيح.”
لكن يبدو أنها لم تكن تنوي إثارة الموضوع أكثر، فتراجعت خطوةً إلى الوراء.
“كما قال الدوق وينفريد، أكثر من فُجع بالأمر هي الآنسة ليونيد. أعتقد أنه ينبغي إرسال هدية إضافية لها.”
“أقدر ذلك كثيرًا.”
تبادلا مجاملات جوفاء، إذ لم تكن الهدية نابعة من القلب، ولا الشكر صادقًا.
“إذاً، ما سبب رغبتكَ في لقائي اليوم، أيها الدوق؟”
بعد أن استوفت جميع المجاملات، دخلت الإمبراطورة في صلب الموضوع.
“هل الأمر يتعلق بالإذن الاستثنائي؟”
كان على النبلاء ذوي الرتب العالية، بدءًا من رتبة معينة، الحصول على إذن الإمبراطور للزواج. ولم يكن الدوق وينفريد استثناءً من ذلك.
“لقد تحدثتُ إلى جلالة الإمبراطور مسبقًا بهذا الشأن. من المفترض أن يصلكم خطاب خلال أيام. كما سأحرص على إرسال رسالة إلى الدوقة وينفريد الجديدة أيضًا……”
“جلالة الإمبراطورة، لا يمكن أن أكون قد جئتُ لمجرد الحصول على إذن استثنائي. كنتُ أظن أنكِ قد أدركتِ الأمر بالفعل.”
عندما هزّ الدوق وينفريد رأسه برفق عند هذا الحد، تجعّد جبين الإمبراطورة.
“ما الذي تريده مني، دوق؟”
صار صوتها أكثر حدة بشكل طبيعي. و عندها فقط مال الدوق إلى الأمام، في إشارة إلى أنه مستعد للمحادثة.
“سأكون مباشرًا في حديثي.”
لم يكن هناك داعٍ لإضاعة الوقت أكثر.
“إيرينا ليونيد ستتزوجني، وستصبح دوقة دوقية وينفريد، وفي الوقت نفسه ستستلم لقب الكونتيسة ليونيد.”
لم يكن يسأل الإذن، بل كان يتحدث وكأن الأمر قد حُسم بالفعل، مما جعل الإمبراطورة تطلق ضحكةً قصيرة وكأنها غير مصدقة.
“هل تعتقد أن ذلك ممكن؟”
“وأي شيء مستحيل في ذلك؟ لدينا بالفعل سابقةٌ للبارونة جيب، أليس كذلك؟”
“البارون جيب، هاه. البارونة الأولى جيب طمعت بألقاب وإقطاعيات أكثر مما تستطيع ابتلاعه، وانتهى بها الأمر إلى الهلاك، أليس كذلك؟”
ارتسمت ابتسامةٌ مائلة على شفتي الإمبراطورة.
“ابنتها، في محاولة للاحتفاظ بلقبها والزواج في الوقت نفسه، فقدت دعم والدتها. ثم اختارت أن تُنسى بنفسها. هل تقول الآن، دوق، إنك بحاجة إلى سابقة غبية وفاشلة كهذه؟”
“المهم أن هناك سابقة لشخص جمع بين هذين الموقعين معًا.”
“لا تقل لي إنك تتمنى أن تسير الآنسة ليونيد على خُطى البارونة جيب؟”
“بالطبع لا. الآنسة ليونيد تختلف كثيرًا عن البارونة جيب.”
“لستُ متأكدة مما تعنيه. فكلاهما طمِع بما يفوق قدرته، أليس كذلك؟”
“الأمر مختلف.”
ابتسم الدوق وينفريد ابتسامة واثقة.
“لأنني موجود.”
“…..؟”
“البارونة جيب لم يكن لديها شخص مثلي، أما الآنسة ليونيد، فلديها أنا.”
“هاها!”
يبدو أن الإمبراطورة نسيت تمامًا توازنها، حيث ضحكت هذه المرة بصوت عالٍ.
“لم أكن أعلم أن لديكَ هذه الشخصية، دوق وينفريد.”
“أنا أيضًا لم أكن أعلم.”
ضحك الدوق بينما وضع فنجان الشاي بعد أن ارتشف منه.
“ولولا أنني قابلتها، لما كنت قد علمت أبدًا.”
“…….”
“جلالة الإمبراطورة، أريد أن أحقق لزوجتي كل ما ترغب فيه، حتى وإن كان ذلك طمعًا.”
كانت إيرينا تعتقد أنهُ شخص عظيم للغاية. وكان لوغان، يريد أن يجعل إيرينا تستمر في هذا الوهم.
‘في الأوقات الصعبة، وفي الأوقات التي تشعر فيها بالعجز، أريدها أن تأتي إليّ بحرية وتلجأ إليّ دون أي تردد.’
“هاه.”
نظرت الإمبراطورة إلى الدوق وينفريد وكأنها تدرك نيته الحقيقية، ثم ضاقت عيناها.
“قد تخسر الكثير، دوق. رغم أن وقتًا طويلًا قد مر منذ حادثة البارونة جيب الأولى، إلا أن العائلة الامبراطورية لا تزال كما هي.”
نعم.
“بالتأكيد……هذا المكان سيظل كما هو، حتى لو مرت مئات أو آلاف السنين.”
كانت آخر كلمات الإمبراطورة قد ضاعت مع تنهدتها، فلم تُسمع بوضوح.
“ماذا يمكنكَ أن تفعل؟”
سألت الإمبراطورة بصوت بدا وكأنه مرهق وضعيف.
“إذا استطعتُ إقناع جلالة الإمبراطور، فما الذي يمكن للدوق وينفريد أن يفعله من أجلي؟”
أجاب الدوق وينفريد أخيرًا بإيماءة خفيفة.
“ماذا عن أن تركبوا الموجة الجديدة؟”
_________________________
هاه ؟ موجة جديدة؟ عصر جديد؟
المهم لوغان يجنن يوم قال ابيها تقعد بذا الوهم😭😭😭
قال ✨زوجتي✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 157"